شرح الآجرومية
باب المصدر

باب المصدر

المصدر: المصدر هو الاسم المنصوب الذي يجيء ثالثا في تصريف الفعل، نحو ضرب يضرب ضربًا، وهو قسمان: لفظي ومعنوي، فإن وافق لفظُه لفظَ فعله فهو لفظي، نحو قتلته قتلا، وإن وافق معنى فعله دون لفظه فهو معنوي، نحو جلست قعودا، وقمت وقوفا، وما أشبه ذلك.


باب المصدر: هو هنا طبعًا لا يريد المصدر بصفة عامة، أي: كل ما سمي مصدرًا، وهو اسم الحدث، وإنما يريد جانبا من المصدر، وهو ما صح أن يعرب مفعولًا مطلقًا من المصدر.

فالمصدر عام كما يقول العلماء: هو أصل المشتقات، فالغالب أن كل فعل لا بد له من مصدر اشتق منه، ضرب اشتق من الضرب، وأكل اشتق من الأكل، وجلس اشتق من الجلوس، فنحن هنا ليس المراد أن نتحدث عن المصدر بصفة عامة، وإنما نريد أن نتحدث عما صح أن ينصب من المصادر على أنه مفعول مطلق.

هذا هو الذي معنا الآن هو الذي يدخل تحت باب المنصوبات؛ لأن المصدر يعني: قد يقع مرفوعًا ويقع مجرورًا فليس هو المراد.

المراد هنا بهذا الباب: المفعول المطلق هذا الصحيح يعني: يصح أن تُعَنْوِنَ بأن تقول: هذا باب المفعول المطلق؛ لأن المفعول المطلق جزء من المصدر، وليس كل أنواع المفعول المطلق.

فإذًا عنواننا هنا هو ما صح أن ينصب على أنه مفعول مطلق من أنواع المصدر؛ ولذلك قال: باب المصدر.

المصدر: هو الاسم المنصوب الذي يجيء ثالثًا في تصريف الفعل كلمة: "يجيء ثالثًا في تصريف الفعل" هذه كلمة يعني بها: ليست تعريفا اصطلاحيا دقيقا مائة بالمائة، وإنما جاء بها المؤلف للتقريب فقط للمبتدئين.

كيف تعرف المصدر ؟

قال: المصدر هو الذي إذا جئت تصرف الأفعال وجدته يأتي في المرتبة الثالثة، فعادة إذا جاء الإنسان يُعرِّف مادة ماذا يقول؟ ضرب إذا جئت تُعرِّفها ماذا تقول؟ تقول: ضرب يضرب ضربًا، أكل يأكل أكلًا، جلس يجلس جلوسًا، قام يقوم قيامًا، فالمصدر هو الذي يجيء ثالثًا عندما تُصرِّف الفعل فتبدأ بالماضي، ثم المضارع ثم تأتي بالمصدر.

وليس معنى ذلك أن المصدر في الدرجة الثالثة من حيث الاشتقاق، بل العكس الراجح من أقوال العلماء: أن المصدر هو أصل المشتقات، وهناك خلاف طويل في كتاب الإنصاف لابن الأنباري وغيره، يعني: ما أصل المشتقات؟ هل أصل المشتقات المصدر، وكل شيء أخذ منه؟ أو أصل المشتقات الفعل، وكل شيء أخذ منه؟ الفعل الماضي أو ما إلى ذلك فيه خلاف، لكن الراجح أن المصدر هو أصل المشتقات.

فمجيئه ثالثًا ليس بترتيب الاشتقاق، وإنما بترتيب عادة الناس، عندما يحاولون أن يصرفوا مادة من المواد فيقولون: ضرب يضرب ضربًا. جلس يجلس جلوسًا، أكل يأكل أكلًا، ونحو ذلك.

فهو الاسم المنصوب الذي يجيء ثالثًا في تصريف الفعل، نحو ضرب يضرب ضربًا، ولكن نحن عندما نريد أن نعرف المصدر الذي عندنا في هذا الباب، وهو ما يسمى المفعول المطلق نجد أن له تعريفات، لكن من أفضلها أنه: ما ليس خبرًا مما دل على تأكيد عمله أو نوعه أو عدده، هذا التعريف منه مزية، أنه تعريف، وأنه يشمل أنواع وأقسام المفعول المطلق.

المفعول المطلق: هو الاسم المنصوب، أو ما ليس خبرًا، مما دل على تأكيد عامله أو نوعه أو عدده.

هو الاسم المنصوب الذي ليس خبرًا لماذا نقول: إنه ليس خبرًا؟ لأن المصدر قد يقع خبرًا، وربما يفهم منه التوكيد حينما تقول: فهمك فهم دقيق، وعلمك علم غزير، أو كان أو صار علم محمد علمًا غزيرًا. فعلمًا هنا منصوب لكنه خبر، فهل نسميه مفعولا مطلقا؟ لا يسمى مفعولا مطلقا فالذي يسمى مفعولا مطلقا هو الذي انتصب على المصدرية، إما للتوكيد أو بيان النوع أو بيان العدد.

فتعرف المفعول المطلق: هو ما ليس خبرًا مما جاء أو دل على تأكيد عامله أو بيان نوعه أو بيان عدده.

المصدر الذي جاء لتأكيد عامله مثل ماذا؟ مثل ضربته ضربًا، وحملته حملًا، وقتلته قتلًا، عذبته عذابًا، ونحو ذلك.

هو ما جاء منصوبًا على المصدرية لتأكيد عامله.

هذا النوع الأول من أنواع المفعول المطلق، ما جاء التأكيد عامله، طبعًا سواء كان تأكيده له وهو من مادته، مثل قام قيامًا، وجلس جلوسًا أو نحو ذلك أو كان تأكيده له من غير مادته. يعني: تضمن معناه دون حروفه. يعني: وصح المصدر المؤكد لعامله ما تضمن معنى الفعل وحروفه مثل قام قيامًا، وجلس جلوسًا، ونحو ذلك أو تضمن معناه فقط دون حروفه، فإنه يدخل في ذلك كما قلت -مثلًا-: قام وقوفًا، وجلس قعودًا، ونحو ذلك، فهو متضمن لتأكيد عامله، لكنه لم يشتمل على مادة حروفه ومعناه، وإنما اشتمل على المعنى فقط، وهذا يقوم بالغرض ويؤديه، ويفي به فالمؤكد كما مثَّلنا.

والثاني: المبين للنوع، المبيِّن للنوع -أيضًا- لك أن تجعله نوعين، أو هو قد تأتي له بمثالين مختلفين حينما تقول: وقفت وقوف الجندي، هنا وقوف مصدر منصوب على أنه مفعول مطلق، ما نوعه؟ هل هو مؤكد؟ ليس فيه تأكيد، لو أردت التأكيد لقلت: وقفت وقوفًا يعني: تأكيد الوقوف بأنه وقوف يعني: ما فيه شبهة جلوس أو ميلان أو نحو ذلك.

لكن حينما تقول: وقفت وقوف الجندي. ما المراد به؟ المراد به بيان نوع هذا الوقوف يعني: أنني وقفت وقفة عسكرية، وليس وقفة فيها استرخاء أو ميلان أو نحو ذلك، وإنما وقفت وقوف الجندى، كما تقول: أحبك حب الولد لوالده، يعني: هذا بيان نوع هذا الحب.

والثالث: المبين للعدد.

المبين للعدد كما لو قلت: ضربت المهمل ضربتين، ضربته ضربتين، فضربتين هنا مصدر؛ لأنه مأخوذ من ضرب ضربًا، لكنك أردت أن تبين العدد، فلو قلت: ضربته ضربة واحدة لكان كذلك، ولو ضربته ضربتين لكان منصوبا، مفعولا مطلقا، وهو من نوعه الثالث، أو من قسمه الثالث، وهو المبين للعدد، فمن ذلك قوله -تعالى-: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ(1)

طيب نفخة نحن الآن نتكلم عن المفعول المطلق المنصوب، كيف صارت نفخةٌ ؟ ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ(1) لأنها هنا هذه ربما ذكرنا هذه الآية، وأشرنا إليها في باب الفاعل.

"نفخة واحدة" هنا الأصل فيه أن ينصب، لكنه رفع على أنه نائب فاعل، وقد تقدم معناه أن الأشياء التي تنوب عن الفاعل خمسة من ضمنها المصدر، وأن المصدر إذا اجتمع مع الجار والمجرور، ذلك أن تنيب أي واحد منهما، هل هذا هو الأولى، أو هذا هو الأولى؟ يبدو أنهما متساويان؛ لأن العلماء مختلفون؛ منهم من يقول: هذا أولى لكذا، ومنهم من يقول هذا أولى لكذا.

ولكن هنا في القرآن أنيب المصدر مع وجود الجار والمجرور، ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ(2) "في الصور" هنا جار ومجرور لماذا لا يصح أن نعرب الآن "في الصور" نائب فاعل؟ ما الذي يمنع من إعراب كلمة "في الصور" نائب فاعل؟ أريد من هنا، من يعرف من الجهة هذي؟ نعم أنت.

لا هو الجار والمجرور، لا بد من أن يكون مجرورا، يعني: ينوب عن الفاعل، وهو مجرور، ونقول في محل رفع يعني: ما في شيء. تفضل نعم.

الآن عندنا مصدر والمصدر والجار والمجرور متقاربان في المنزلة. نعم تفضل كيف؟ ليس هذا، لا، نحن قلنا: إن الجار والمجرور يجوز أن ينوب عن الفاعل، وهو شبة جملة يعني: وهذا كثير، وله شواهد في القرآن، نيابة الجار والمجرور. تفضل حيث جاءت نفخته ونوعه، لماذا رفعت نفخته؟ لو لم ينبها عن الفاعل لتنصب قطعًا؛ لأنها مصدر مفعول مطلق، لو لم تنب عن الفاعل لوجب أن تنصب، لصارت لو قرنت "نفخة واحدة" بالنصب، وربما كان فيه قراءة لكننا -أيضًا- لم نتتبعها لصارت الآية: "فإذا نفخ في الصور نفخةً واحدة".

ولو جاءت وقرئت "نفخةً" لأعربت في الصور نائب فاعل، على طول؛ لأن ما عندك نائب فاعل وغيره فلما رفعت "نفخةٌ" وهي مصدر دل على أنها هي النائب عن الفاعل.

إذن لا يصح أن تعرب حينئذ "في الصور" نائب فاعل؛ لأنه عندنا نائب فاعل متعين بسبب رفعه في قول المؤلف أنواع المفعول المطلق، قال: وهو قسمان: لفظي ومعنوي، هذا أشرت إليه، فإن وافق لفظه الصحيح لفظ فعله، أنا عندي، أو فإن وافق لفظه فعله، لكن فإن وافق لفظه لفظ فعله فهو لفظي نحو قتلته قتلًا، ضربته ضربًا، شربت العسل شربًا.

وإن وافق معنى فعله دون لفظه فهو معنوي نحو جلست قعودًا، وقمت وقوفًا، وما إلى ذلك.

س: سأل شخص في قوله -تعالى-: ﴿وَلَّى مُدْبِرًا(3) ولى مدبرًا قال بأنه هنا ليس هنا منصوب على الحال، وليس معربا على أنه مفعول مطلق، وإن كان ولى بمعنى أدبر فهو مؤكد لعامله من حيث المعنى، وليس من حيث اللفظ، وقال: لماذا أخرجه مع أنه خارج أصلًا، لأنه ليس مصدرًا ؟

ج: الواقع أنا قلت لكم: إن المفعول المطلق الغالب فيه أن يكون مصدرًا، وليس كل مصدر يمكن أن يكون مفعولًا مطلقًا، فالمصدر قد يكون مبتدأ وقد يكون خبرا، وقد يقع في أعاريب أخرى، أما ما نصب منه على المفعولية المطلقة، فهذا الذي يسمى "مفعولا مطلقا" ولكن المفعول المطلق يعني: ليس -أيضًا- يتعين فيه أن يكون مصدرًا، فقد يخرج عن المصدرية، فهناك أشياء ذكرها العلماء تنوب عن المصدر في الانتصاب على أنها مفعول مطلق، وهي ليست بمصادر، يعني: قلنا إذًا: "ليس كل مصدر مفعول مطلق". ونستطيع أن نقول:"ليس كل مفعول مطلق مصدرًا أيضًا". هذه القاعدة لا بد منها: "ليس كل مصدر مفعولًا مطلقًا، وليس كل مفعول مطلق مصدرًا". إذًا المصدر يخرج "يكون" غير مفعول مطلق، كما إذا قلت: فهمك فهم صحيح. فهذا مصدر ووقع مبتدأ وخبر.

فليس كل مصدر إذًا مفعولا مطلقا، وكذلك ليس كل مفعول مطلق مصدرا، وإنما الغالب في المفعول المطلق أن يكون مصدرًا، لكن هناك أشياء يقال فيها أنها تنوب عن المصدر في الانتصاب على أنها مفعول مطلق، هناك أشياء كثيرة تنوب عن المصدر في الانتصاب على أنها مفعول مطلق، من ذلك مثلًا: "آلته". كما إذا قلت: ضربته سوطًا، سوطًا هنا لو قلت ضربته ضربًا لكان مصدرا "مفعولا مطلقا" فإذا قلت: ضربته سوطًا، فالآلة هنا نابت عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق.

كذلك العدد ينوب عنه كما في قوله -تعالى-: ﴿فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً(4) "فثمانين" هنا منصوب على أنه مفعول مطلق وهو ليس بمصدر، كذلك لفظة "كل" قد تنوب عنه في الانتصاب على مفعول مطلق وهي ليست بمصدر، كما في قوله -تعالى-: ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ(5) وكذلك "بعض". ضربته بعض الضرب. "بعض" قد تنوب، وأشياء أخرى كثيرة عدها العلماء، ليس المجال مجال تفصيلها، وإنما أود أن أقول: "إنه ليس كل مفعول مطلق مصدرا وليس كل مصدر مفعولا مطلقا". ويكفي يعني: معرفة هذه القاعدة. تفضل: نأخذ ظرفي الزمان والمكان، ثم نقف. نعم.


(1) سورة الحاقة: 13
(2) سورة المؤمنون: 101
(3) سورة النمل: 10
(4) سورة النور: 4
(5) سورة النساء: 129


 مواد ذات صلة: