شرح أخلاق حملة القرآن
الآثار المروية في أخلاق حملة القرآن

قال المؤلف -رحمه الله: (وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لاَ تَنْثِرُوهُ نَثْرَ الدَّقْلِ وَلاَ تَهُدُّوهُ هَدَّ الشِّعْرِ، قِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ، وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ، وَلاَ يَكُونُ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ)(1).


شرع المؤلف في ذكر الأحاديث والآثار المروية في أخلاق حملة القرآن الكريم، وقد ذكر ثمانية أبواب في هذا الكتاب في بيان فضل أهل القرآن وأخلاقهم وأخلاق القارئ وآداب القارئ والمقرئ والتحذير من اتخاذ هذا القرآن رياء وسمعة، فبدأ بالأثر عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- وهذا الأثر أصله في صحيح البخاري ومسلم بألفاظ مختلفة، أما هذا الأثر فقد أخرجه أبو داود وأحمد، وذكر عبد الله بن مسعود هنا طريقة من طرق قراءة القرآن الكريم، لكنه حذر منها ونهى عنها؛ وهي طريقة الهذ أو الهذرمة في القرآن الكريم، والهذ هو قراءة القرآن الكريم على وجه السرعة بلا تأمل ولا تدبر، وقد يكون في هذه القراءة إخلال بالآيات أو إسقاط لبعض الحروف بسبب العجلة في القراءة؛ ولهذا نهى عبد الله بن مسعود أن يهذ كهذ الشعر؛ لأن الشعر يلقى بعجلة وسرعة بلا تأمل ولا تدبر، وإنما هم الشاعر أن يلقي هذه الكلمات المنمقة بصوته ليظهر الفصاحة والبيان والمعاني فيما يقوله دون أن يتأمل أو يتدبر، قال: (لاَ تنثرُوهُ نثرَ الدقلِ)، أي: لا تنثروا القرآن، والضمير عائد إلى قراءة القرآن الكريم، والدقل هو رديء التمر أو هو اليابس منه؛ لأن التمر اليابس إذا نثر خرجت له أصوات وتتابع بعضه مع بعض بسرعة كما يكون في الشعر، فنهى القارئ أن يهذه هذ الشعر أو ينثره نثر الدقل، بل أمر -رضي الله عنه- القارئ أن يقف عند هذه الكلمات القرآنية ويتأملها ويعلم ما فيها من العجائب والدلالات والمعاني والهدايات، وأن يتحرك قلبه كما يتحرك لسانه بهذه التلاوة، فإذا قرأ القرآن الكريم فعليه أن يستشعر هذا القرآن فيتأثر به قلبه وبدنه، قال -تعالى: ﴿ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ(2).

ولا يحرص الإنسان على أن ينهي السورة أو الجزء أو الحزب في وقت سريع دون تأمل ولا تدبر، فهذا ورد النهي عنه؛ لأن الله -تعالى- قال: ﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ(3)، أي: يعملون به حق العمل،


(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (8733).

(2) الزمر: 23.

(3) البقرة: 121.


 مواد ذات صلة: