بحث متقدم   
 
الصفحة الرئيسة / الحلقات الرجالية / نماذج من بحوث الطلاب والفوائد / الموت
الموت

الموت

بقلم: أحمد بن صالح النفيسة

الدرجة المستحقة: الدرجة الكاملة (50درجة)


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله العلي الأعلى، الولي المولى، الذي خلق وأحيا، وحكم على خلقه بالموت والفناء، والبعث إلى دار الجزاء، والفصل إلى دار القضاء، لتجزى كل نفس بما تسعى. أحمده حمد من صبر على القضا، وأشكره شكر من رضي بقضاء ربه فكان له من الرضا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبد عرف أنه إلى ربه صائر وراجع، ومحاسب على كل عمل هو فيه مخادع، وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدًا عبده ورسوله الذين أنزل عليه في كتابه المكنون ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ(1) اللهم صلى وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى آلهم وصحبهم أجمعين. وبعد...

ساعة الاحتضار في حياة السلف هي ساعتنا التي سوف نمر بها. فما منا إلا ميت، وما منا إلا محتضر، ولا منا إلا قادم على تلك الساعة، والله لنذوقنها ووالله لنشربنها... فقد ذاقها الملوك والمملوكون، والرؤساء والمرؤوسون، والأغنياء والفقراء، وذاقتها الأمم جميعًا، وأحسو بالموت ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا(2). ولقد جاء في كتاب الله العزيز أكثر من مائة وثمان عشرة آية تذكر الموت فقط وهذا ما دعاني لكتابة هذاالموضوع.

* تعريف العلماء للموت:

هو انقطاع ومفارقة وحيلولة وتبدل حال وانتقال من دار إلى دار.

* شدة الموت:

*  عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم: « إن العبد ليعالج كرب الموت وسكرات الموت وأن مفاصله ليسلم بعضها على بعض تقول عليك السلام تفارقني وأفارقك إلى يوم القيامة» ذكره ابن عراق في كتاب تنزيه الشريعة.

*  عن عائشة رضي الله عنها قالت: « كانت بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح ويقول: «لا إله إلا الله إن للموت لسكرات» ثم نصب يديه فجعل يقول: « في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده» رواه البخاري.

قال علماؤنا رحمة الله عليهم: فإذا كان هذا الأمر قد أصاب الأنبياء والمرسلين والمتقين فما لنا عن ذكره مشغولون.

* الاستعداد للموت:

ينبغي للمسلم أن يكون مستعدًا للموت في أية لحظة، في ليل أو نهار، نائمًا أو مستيقظًا، ويكون الاستعداد للموت بالعمل بهذه الأمور.

1- الإيمان بكلمة التوحيد والعمل بمقتضاها.

2- المحافظة على الصلوات الخمس مع الجماعة وما يتبعها من النوافل وقيام الليل والمحافظة على السنن العامة.

3- تلاوة كتاب الله وتدبر معانيه والعمل به وأن يختمه على الأقل في الشهر مرة أو مرتين.

4- قراءة سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم والعمل بما أمر.

5- مجالسة الصالحين واقتباس الفائدة من مجالسهم.

6- الحرص على مجالس الذكر والبحث عنها ومتابعتها.

7- الاتفاق في سبيل الله في جميع جوانب الخير ومن لم يكن له مالاً فعليه بالصدقة من جوارحه، فالكلمة الطيبة صدقة.

وحتى تستقيم هذه الأمور لابد من:

* تذكر الموت الدائم بـ:

1- زيارة القبور للتذكر والتفكر والاعتبار.

2- زيارة كبار السن في منازلهم لأخذ العبرة بأن الشباب يؤول إلى المشيب فاغتنم شبابك قبل هرمك.

3- زيارة المرضى في المستشفيات وأن تحمد الله على ما أنت عليه من الصحة قبل شغلك واغتنام الفرصة بالطاعة.

* بما سبق تحصل على النتائج التالية:

1) تجديد التوبة. 2) حصول القناعة. 3) النشاط في العبادة.

قال الشاعر:

تخير خليـطًا من فـعالك إنما *** قرين الفتى في القبر كان ما يفعـل

ولابد بعد الموت من أن تعـده *** ليوم ينادي المرء فيه فيقبــل؟

فإن كنت مشغولاً بشيء فلا تكن*** بغير الذي يرضى به الله تشغل

فلن يصحب الإنسان من بعد موته *** ومن قبله إلا الذي كان يعمل

ألا إنما الإنسان ضعيف لأهــله *** يقيم قليلاً بينهم ثم يرحــل

* المطلوب منا قبل الموت:

إن المطلوب منا قبل أن تداركنا سكرات الموت أمور:

أولها: تذكر الموت صباح مساء، وهذه غفلة منا يوم نسينا الموت، وما بعد الموت، ولقاء الموت، ومن الأمور المعينة على تذكر الموت منها:

- زيارة القبور كما قال الشاعر:

أتيـت القبور فناديتهـا *** أين المعظم والمحتقـر

تفانوا جميعًا فما مخبـر *** وماتوا جميعًا ومات الخبر

فيا سائلي عن أناس مضوا***أما لك فيما مضى معتبر

- مجالسة الصحالين وأصلح الصالحين طلبة العلم الشرعي وطلبة الكتاب والسنة، قال تعالى: ﴿الأخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ(3).

كما قال الشافعي (رحمه الله):

أحب الصالحين ولست منهم *** لعلي أن أنال بهم شفاعة

وأكره من تجارته المعاصي *** ولو كنا سواء في البضاعة

الثاني: تدبر القرآن ومعايشة القرآن، يقول أحد الصالحين: قرأت الرقائق والمواعظ فما وجدت كتدبر القرآن. قال صلى الله عليه وسلم: « اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه» رواه مسلم.

الثالث: قصر الأمل يقول ابن عمر رضي الله عنهما: « كن في الدينا كأنك غريب أو عابر سبيل...» رواه البخاري.

فيا أيها المسلمون... بادروا بالتوبة النصوح إلى الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(4) فلا يستعد للموت إلا من بادر بالتوبة وجددها. وقال سعيد بن المسيب وهو في سكرات الموت: الحمد لله ما أذن مؤذن أربعين سنة إلا وأنا في المسجد.

* تذكر الموت:

أخي الكريم: تذكر الموت الذي قصم الله به رقاب الجبابرة وكسر به ظهور الأكاسرة، وقصر به آمال القياصرة، الذين لم تزل قلوبهم عن ذكر الموت نافرة، حتى جاءهم الوعد الحق فأرادهم في الحافرة، فنقلوا من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة الجواري والغلمان إلى مقاساة الديدان والهوام، ومن التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ في التراب، ومن أنس العشرة إلى وحدة الوحشة، فانظر هل وجدت من الموت حصنًا وعزاءً أم اتخذوا من دونه حجابًا وحرزًا، وانظر هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزًا:

أنسيت يا مغرور أنك ميت *** أيقن بأنك في المقابر نازل

تفنى وتبلى والخلائق للبلى*** أبمثل هذا العيش يفرح عاقل

*  علامات الاحتضار:

1- رشح الجبين وهو عرق مصفر أو فيه شيء من السواد يخرج من المحتضر عند بداية نزع الروح منه.

2- الهذرمة (الهجر) وهي أن يقول المحتضر كلامًا لا يعي لأنه يكون في أشد الكرب على الإنسان وهي نزع الروح، وسبب ذلك أن الإنسان يرى الملائكة رأي العين فإذا كان من الصالحين فإنه يرى ملك الموت معه ملائكة الرحمة وإن كان من أهل السوء فإنه يرى ملك الموت معه ملائكة العذاب ولذلك فإن الإنسان تخونه قواه ويبدأ في الهذرمة ولا يثبت في هذا الموطن إلا من ثبته الله قال تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ(5).

3- برودة القدمين ذلك لأن الروح تخرج مبتدئة بالقدمين.

4- حشرجة الصدر.

* ما ينبغي على من كان موجودًا عند المحتضر:

1- تلقين المحتضر الشهادة وهذا التلقين بطريقتين:-

أ- بالأمر: وهي أن يقول الملقن يا عبد الله أو يا أمة الله قل لا إله إلا الله.

ب- المعاريض: وذلك إذا لم يستجب من التلقين بالأمر وفائدتها تذكيره بالشهادة وفظلها، مثال ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: « من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة» رواه مسلم.

2- مسح جبينه بخرقة مبلولة بماء كما فعلت عائشة رضي الله عنها.

3- أن يدعوا له ولا يقولوا إلا خيرًا، لحديث أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرًا فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون» رواه مسلم.

4- السواك.

* علامات الموت:

1- شخوص البصر وذلك لأن البصر يتبع الروح عندما تخرج من الجسم وهي تشخص مع إغورارها وإحولال فها عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: « دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال إن الروح إذا قبض تبعته البصر».

2- اعوجاج الأنف إلى اليمين أو إلى اليسار.

3- تمدد الجلد في منطقة الإبط.

4- انخساف في الصدغ أي انفصال الفك السفلي عن الجمجمة مع انطلاق اللحيين.

5- التفاف الساقين على بعضهما.

6- تمدد القدمين.

* علامات حسن الخاتمة:

1- النطق بالشهادة عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» أخرجه الحاكم.

2- الموت برشح الجبين لحديث بريدة بن الحصيب أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «موت المؤمن بعرق الجبين».

3- الموت ليلة الجمعة أو نهارها لقوله عليه الصلاة والسلام: «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر» رواه أحمد.

4- الاستشهاد في سبيل الله.

5- الموت بالطاعون.

6- الموت بالغرق.

7- الموت بالحرق.

8- الموت بالهدم.

9- الموت على عمل صالح.

10- الموت مرابطًا.

11- الموت بداء البطن.

12- الموت بذات الجنب.

13- الموت بداء السل.

14- الموت دفاعًا عن الدين والمال.

15- من قتله سلطانه جائرًا.

عن جابر مرفوعًا أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «الشهداء سبعة القتل في سبيل الله المطعون شهيد والغرق شهيد وصاحب ذات الجنب شهيد والمبطون شهيد والحرق شهيد والذي يموت تحت الهدم شهيد والمرأة تموت بجمع شهيدة» أخرجه مالك والنسائي.

اللهم هون علينا سكرات الموت وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، اللهم آنس وحشتنا وفرج كربتنا وثبتنا على الصراط يوم البعث والنشور، وحرم وجوهنا ووجوه أمهاتنا وآبائنا على النار. واجمعنا بهم في مقعد صدق عند مليك يا مقتدر والحمد لله رب العالمين


(1) الزمر: 30.

(2) مريم: 98.

(3) الزخرف: 67.

(4) الزمر: 53.

(5) إبراهيم: 27.