التَّمْهِيدُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ.
قَالَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ الفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مَنْ خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا، لَا يَثْبُتُ عَلَى اَلرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ اَلوَدَاعِ(1) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ، أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ اقْضُوا اللهَ، فَاللهُ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ»(2) رَوَاهُ اَلبُخَارِيُّ.
وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ، ثُمَّ بَلَغَ الحِنْثَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ، ثُمَّ أُعْتِقَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى»(3) رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالبَيْهَقِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ، وَالمَحْفُوظُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ.
وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، يَقُولُ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا ومَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرُ اَلمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، فقَالَ: «انْطَلِقْ، فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ»(4) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قَالَ: «مَنْ شُبْرُمَةُ؟» قَالَ: أَخٌ لِي، أَوْ قَرِيبٌ لِي، فَقَالَ: «حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟» قَالَ: لَا. قَالَ: «حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ»(5) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَقْفُهُ.
وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الحَجّ» فَقَامَ اَلأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ: أَفِي كَلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اَللَّهِ؟ قَالَ: «لَوْ قُلْتُهَا لَوَجَبَتْ، الحَجُّ مَرَّةٌ، فَمَن زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ»(6). رَوَاهُ الخَمْسَةُ، غَيْرَ التِّرْمِذِيِّ وأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ(7).
بِسْمِ اللهِ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُ.
هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا المُؤَلِّفُ فِي دَرْسِ اليَومِ، كُلُّهَا صِحَاحٌ؛ فِي «الصَّحِيحَينِ» أَوْ أَحَدِهِمَا، إِلَّا الحَدِيثَينِ الأَخَيرَينِ؛ وَهُمَا حَدِيثُ شُبْرُمَةَ وَحَدِيثُ الأَقْرَعُ بْنِ حَابِسٍ.
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحج- باب وجوب الحج وفضله (1513)، ومسلم في كتاب الصيام- باب قضاء الصيام عن الميت (1148).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الحج- باب الحج والنذور عن الميت والرجل يحج عن المرأة (1852).
(3) أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (5/179)، وفي «السنن الصغرى»: (3/500)، وزاد البيهقي: «وأيما أعرابي حج ثم هاجر فعليه حجة أخرى». وابن أبي شيبة في «مصنفه»: (14875)، ولفظه: «أيما عبد حج به أهله ثم أعتق فعليه الحج، وأيما صبي حج به أهله صبيّا ثم أدرك فعليه حجة الرجل، وأيما أعرابي حج أعرابيًا ثم هاجر فعليه حجة المهاجرين».
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير- باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة وكان له عذر هل يؤذن له (3006)، ومسلم في كتاب الحج- باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره (1341).
(5) أخرجه أبو داود في كتاب المناسك- باب الرجل يحج عن غيره (1811)، وابن ماجه في كتاب المناسك- باب الحج عن الميت (2903)، وابن حبان في «صحيحه» (3039).
(6) أخرجه أحمد في «مسنده»: (1/255)، وأبو داود في كتاب المناسك- باب فرض الحج (1721)، والنسائي في كتاب مناسك الحج- باب وجوب الحج (2620)، وابن ماجه في كتاب المناسك- باب فرض الحج (2886).
(7) أخرجه مسلم في كتاب الحج- باب فرض الحج مرة في العمر (1337). |