شرح مختصر الصارم المسلول على شاتم الرسول
المسألة الأولى: أن من سَبَّه صلى الله عليه وسلم من مسلم وكافر فإنه يجب قتله

المسألة الأولى: أن من سَبَّه صلى الله عليه وسلم من مسلم وكافر فإنه يجب قتله.

هذا مذهب عامة العلماء، قال ابن المنذر: أجمع عوام العلماء على أن على من سَبَّه القتل، قاله مالك والليث وأحمد وإسحاق والشافعي. وحُكِي عن النعمان: لا يقتل الذمي. وحكى أبو بكر الفارسي -من أصحاب الشافعي- إجماع المسلمين على قتل من سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن حكم من سَبَّ غيره الجلد. وهذا الإجماع محمول على إجماع الصدر الأول من التابعين والصحابة قاله شيخ الإسلام، أو أنه أراد إجماعهم على وجوب قتله إذا كان مسلما، وكذلك قيَّده القاضي عياض. وقال إسحاق بن راهويه: أجمع المسلمون أن من سَبَّ الله أو سَبَّ رسوله، أو دَفَع شيئا مما أنزل الله، أو قتل نبيًّا أنه كافر، وإن كان مُقرًّا بكل ما أنزله الله. قال الخطابي: لا أعلم أحدا اختلف في وجوب قتله. وقال محمد بن سَحْنُون: أجمع العلماء أن شاتم الرسول المتنقِّص له كافر، ومن شكَّ في كُفره كَفَر.

وتحرير القول: أن السَّابَّ المسلمَ يُقتل بلا خلاف، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، وإن كان ذِمِّيًّا قُتل أيضا عند مالك وأهل المدينة، وهو مذهب أحمد وفقهاء الحديث، نصَّ عليه أحمد في مواضع متعددة. نقله حنبل وأبو الصقر والخلال وعبد الله وأبو طالب: أنه يُقتل مسلمًا كان أو كافرًا، قيل لأحمد: فيه حديث؟ قال: نعم، أحاديث، منها حديث الأعمى الذي قتل المرأة حين سمعها تشتم النبي صلى الله عليه وسلم(1)، وحديث حصين(2). قال: ولا يستتاب، رواه أبو بكر في «الشافي»، فلا خلاف عنه أنه يُقتل، وأنه ينتقض عهده.

وذكر القاضي رواية في الذِّمِّي: أنه لا ينتقض عهده، وتبعه جماعة من الأصحاب، كالشريف وابن عقيل وأبي الخطاب والحلواني، ذكروا في جميع الأعمال التي فيها غضاضة على المسلمين وآحادهم في نفس أو مال أو دين، مثل سَبِّ الرسول روايتين، مع اتفاقهم على أن المذهب انتقاضه بذلك. روايتين(3). ثم هؤلاء كلهم ذكروا أن سابَّ الرسول يُقتل وإن كان ذِمِّيًّا، وأن عهده ينتقض. قال شيخ الإسلام: وهذا أقرب من تلك الطريقة، وعلى الرواية التي تقول: لا ينتقض العهد بذلك، فإنما ذلك إذا لم يكن مشروطا عليهم، فإن كان مشروطا؛ ففيه وجهان:

أحدهما: ينتقض، قاله الخِرَقي، وصححه الآمِدِي.

والثاني: لا ينتـقض، قاله القاضي.

والذي عليه عامة المتقدمين من أصحابنا ومن تبعهم من المتأخرين إقرار نصوصه على حالها، وقد نَصَّ على أن سابَّ الرسول يُقتل وينتقض عهده، وكذا من جسَّ على المسلمين، أو زنى بمسلمة، أو قتل مسلما، أو قطع الطريق، ونصَّ على أن قذف المسلم أو سَحَرَه لا يكون نقضا للعهد. قال شيخ الإسلام: وهذا هو الواجب تقرير نصوصه، فلا يخرج منها شيء، للفرق بين نصوصه.

وأما الشافعي فالمنصوص عنه أنه ينتقض العهد به، وأنه يُقتل، وأما أصحابه فذكروا فيما إذا ذكر الله أو رسوله أو كتابه بسوء وجهين، ومنهم مَن فَرَّق بين أن يكون مشروطا أو لا، ومنهم مَن حَكَى هذه الوجوه أقوالا، والمنصوص في كتب الخلاف عنه: أن سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم ينقض العهد، ويوجب القتل. وأما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا: لا ينتقض العهد بالسَّبِّ، ولا يُقتل بذلك لكن يُعَزَّر على إظهار المنكرات، ومن أصولهم: أن ما لا قتل فيه عندهم، مثل القتل بالمثقل، والجماع في غير القُبُل إذا تكرر، فللإمام أن يقتل فاعله، وله أن يزيد على الحد المقدَّر إذا رأى المصلحة، ويحملون ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم من القتل في مثل هذه الجرائم، على أنه رأى المصلحة في ذلك، ويسمونه: القتل سياسةً. وحاصله: أن له أن يُعزِّر بالقتل في الجرائم التي تغلَّظت بالتكرار، وأفتى أكثرهم بقتل مَن أَكْثَرَ مِن سَبِّ الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل الذمة، وإن أسلم، قالوا: يُقتل سياسة.


جَزَم رحمه الله بالحكم في عنوان المسألة؛ ليعطي ملخصا للحكم؛ لأنه رحمه الله أطال في ذكر الأدلة وعرض الأقوال حتى بلغت في الأصل مائة وخمسين صفحة، فأعطاك هنا في العنوان تلخيص ما بهذه الصفحات. المسألة الأولى: أن من سَبَّه صلى الله عليه وسلم من مسلم وكافر فإنه يجب قتله وهذا التلخيص للحكم محصور في أمرين:

الأول: أن حكم من سَبَّ نبي الله صلى الله عليه هو القتل لا مجرد التعزير بالحبس والجلد ونحوهما من أي تعزير كان.

الثاني: أن هذا الحكم يشمل من كان مسلما ومن كان كافرا، وماذا يعني بالكافر هنا؟ يعني به تحديدا من هو من أهل الذِّمَّة وهم المعاهَدون من أهل الكتاب ومن جرى مجراهم كالمجوس إذا أُعْطَوا العهد، وليس مراده بالكافر هنا المحارِب؛ لأن المحارب يُقتل ولو لم يَسُبَّ، فالكلام هنا في المعاهَد الذي أُعطِي العهد هل ينتقض عهده إذا سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم وينتقل من حكم حَقْن دمه إلى حكم إهداره، يأتي إن شاء الله تعالى تفصيل الكلام فيه.

قال رحمه الله:

هذا مذهب عامة العلماء، قال ابن المنذر: أجمع عوام العلماء على أن على من سَبَّه القتل، قاله مالك والليث وأحمد وإسحاق والشافعي. وحُكِي عن النعمان: لا يقتل الذمي. وحكى أبو بكر الفارسي -من أصحاب الشافعي- إجماع المسلمين على قتل من سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن حكم من سَبَّ غيره الجلد. وهذا الإجماع محمول على إجماع الصدر الأول من التابعين والصحابة قاله شيخ الإسلام، أو أنه أراد إجماعهم على وجوب قتله إذا كان مسلما، وكذلك قيَّده القاضي عياض. وقال إسحاق بن راهويه: أجمع المسلمون أن من سَبَّ الله أو سَبَّ رسوله، أو دَفَع شيئا مما أنزل الله، أو قتل نبيًّا أنه كافر، وإن كان مُقرًّا بكل ما أنزله الله. قال الخطابي: لا أعلم أحدا اختلف في وجوب قتله. وقال محمد بن سَحْنُون: أجمع العلماء أن شاتم الرسول المتنقِّص له كافر، ومن شكَّ في كُفره كَفَر.

وتحرير القول: أن السَّابَّ المسلمَ يُقتل بلا خلاف، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، وإن كان ذِمِّيًّا قُتل أيضا عند مالك وأهل المدينة، وهو مذهب أحمد وفقهاء الحديث، نصَّ عليه أحمد في مواضع متعددة. نقله حنبل وأبو الصقر والخلال وعبد الله وأبو طالب: أنه يُقتل مسلمًا كان أو كافرًا، قيل لأحمد: فيه حديث؟ قال: نعم، أحاديث، منها حديث الأعمى الذي قتل المرأة حين سمعها تشتم النبي صلى الله عليه وسلم(1)، وحديث حصين(2). قال: ولا يستتاب، رواه أبو بكر في «الشافي»، فلا خلاف عنه أنه يُقتل، وأنه ينتقض عهده.

ذكر رحمه الله تعالى أن الحكم بقتله مذهب عامة أهل العلم، الحكم بقتل السَّابِّ لنبيِّ الله صلى الله عليه وسلم هو مذهب عامة أهل العلم، نقل في هذا إجماع عموم أهل العلم عليه عن ابن المنذر، وحكى عليه أبو بكر الفارسي إجماع المسلمين، ونقل أيضا عن إسحاق بن راهويه إجماع المسلمين على كفر مَن سَبَّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو رد شيئا مما أنزل الله أو قتل نبيًّا ولو زعم أنه مقر بجميع ما أنزل الله، ونقل عن الخطابي عدم الاختلاف في وجوب قتله فيما يعلم، ونقل عن ابن سَحْنُون من المالكية إجماع العلماء على كفر الشاتم المتنقِّص للنبي صلى الله عليه وسلم، بل ذكر أن من شك في كفره فإنه يكفر. هذا مجموع ما نقله من إجماع هنا. فتارة حُكِي إجماعا للمسلمين وتارة حُكِي إجماعا لعوام أهل العلم، وتارة حُكِي على أنه لا اختلاف فيه. والمحكي عليه الإجماع تارة الإجماع على كفر السَّابِّ وتارة الإجماع على وجوب قتله.

ابن تيمية رحمه الله تعالى وَجَّه ما نقله هنا، فالإجماع المنقول عن المسلمين بقتل السَّابِّ ذكر أنه محمول على إجماع الصدر الأول من السلف، لصحة نقل الإجماع عنهم في هذه المسألة، أما من بعدهم فوجد عندهم الخلاف، أو أن المراد بالإجماع الإجماع على قتل السَّابِّ إذا كان مسلما؛ لأنه بسبِّه يكفر فيجب قتله، بعد ذلك ذكر أن تحرير القول في المسألة يكون على النحو الآتي:

إذا كان السَّابُّ مسلما قتل بلا خلاف، وعليه اتفاق أئمة المذاهب الأربعة بما فيهم أبو حنيفة رحمهم الله وغير الأئمة الأربعة أيضا. أما إن كان السَّابُّ ذِمِّيًّا قد أعطى العهد ففيه الخلاف، والصحيح أنه يُقتل وهو الذي عليه مالك وأهل المدينة وبه قال أحمد وأهل الحديث؛ لوجود عدد من الأدلة الدالة على ذلك، تأتي بعون الله. والشافعي رحمه الله تعالى يرى قتله وأن عهده ينتقض بذلك وإن كان عند أصحابه خلاف. أبو حنيفة رحمه الله يرى أن الذِّمِّي لا يُقتل بالسَّبِّ لما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى من ذكر حُجَّته في هذا. والصحيح إن شاء الله أن الذِّمِّي يُقتل؛ لأن الأمر كما قال الإمام أحمد ليس على هذا أعطوا العهد والذمة، أي أن المسلمين لم يعطوا أهل الذمة العهد ليُسمِعوهم في النبي صلى الله عليه وسلم المسبَّة، فأي عهد يَضمن لهم ذلك، ومَن الذي قال: إن مقتضى العهد الذي يلزمهم فيه الصغار أن لهم أن يَسبُّوا النبي صلى الله عليه وسلم فأي صغار لمن يَسُبُّك في أمر من أجلِّ أمور اعتقادك، وهذا سيذكره شيخ الإسلام إن شاء الله تعالى مبسوطا عند ذكر الأدلة، أما استتابة المسلم إذا وقع في السَّبِّ، أي هل يُقتل مباشرة ولا يستتاب؟ فإن قال: إني أتوب قيل: توبتك بينك وبين الله، إن صدقتَ نفعتك، أما في الدنيا فقتلك حَتْمٌ. هذا قول. أو يقال: إن المسلم يُستتاب كغيره من أنواع الردة، كل هذا بِإِذْنِ الله عز وجل سيأتي تفصيله وذكر الأدلة عليه إن شاء الله.

قال رحمه الله:

وذكر القاضي رواية في الذِّمِّي: أنه لا ينتقض عهده، وتبعه جماعة من الأصحاب، كالشريف وابن عقيل وأبي الخطاب والحلواني، ذكروا في جميع الأعمال التي فيها غضاضة على المسلمين وآحادهم في نفس أو مال أو دين، مثل سَبِّ الرسول روايتين، مع اتفاقهم على أن المذهب انتقاضه بذلك. روايتين(3). ثم هؤلاء كلهم ذكروا أن سابَّ الرسول يُقتل وإن كان ذِمِّيًّا، وأن عهده ينتقض. قال شيخ الإسلام: وهذا أقرب من تلك الطريقة، وعلى الرواية التي تقول: لا ينتقض العهد بذلك، فإنما ذلك إذا لم يكن مشروطا عليهم، فإن كان مشروطا؛ ففيه وجهان:

أحدهما: ينتقض، قاله الخِرَقي، وصححه الآمِدِي.

والثاني: لا ينتـقض، قاله القاضي.

والذي عليه عامة المتقدمين من أصحابنا ومن تبعهم من المتأخرين إقرار نصوصه على حالها، وقد نَصَّ على أن سابَّ الرسول يُقتل وينتقض عهده، وكذا من جسَّ على المسلمين، أو زنى بمسلمة، أو قتل مسلما، أو قطع الطريق، ونصَّ على أن قذف المسلم أو سَحَرَه لا يكون نقضا للعهد. قال شيخ الإسلام: وهذا هو الواجب تقرير نصوصه، فلا يخرج منها شيء، للفرق بين نصوصه.

أما أقوال أحمد المنصوصة فجميعها توجب قتل الذِّمِّي إذا سَبَّ ويتبين بها أن عهده ينتقض وليس عنه اختلاف في هذا، وهكذا عامة الحنابلة متقدمهم ومتأخرهم لم يختلفوا في هذا، لكن القاضي ذكر ثمانية أشياء يلزم الذِّمِّي الكف عنها، فإن خالف انتقض عهده سواء شُرط عليهم ذلك في عقد الذمة أو لم يشرط. كقطع الطريق على المسلمين، والزنى بمسلمة، وإيواء الجواسيس، والجَسِّ على المسلمين، وكذا قتل المسلم... إلى آخر هذه المسائل الثمان. ثم ذكر أن أحمد رحمه الله نصَّ على أن الذِّمِّي إذا قذف مسلما لا ينتقض عهده، يعني لو أنه قال لمسلم: يا زان هل ينتقض عهد الذمي؟ نصَّ أحمد رحمه الله على أن مجرد قذفه للمسلم لا ينتقض بل يُحدُّ حدَّ القاذف، فيُجلد كما يُجلد القاذف، قال القاضي: وفي معنى هذه الأشياء الثمانية التي ذكر: ذكر الله وكتابه ورسوله ودينه بما لا ينبغي، فهذه الأربع ذكر الله أو كتابه أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو دينه بما لا ينبغي، الحكم فيها كالحكم في الثمانية التي قبلها، إن أتوا واحدة منها نقضوا الأمان، ثم قال القاضي: وفيه رواية أخرى، هذه الرواية لاحِظ أنها ليست منصوصة عن أحمد ولكنها مُخرَّجة تخريجا، لا ينتقض العهد إلا بالامتناع من بذل الجزية وجريان أحكامها عليهم، هذه الروايات تَبِعَ القاضي فيها جماعة من الحنابلة، وذكروا أن ما فيه غضاضة على المسلمين في دينهم كسبِّ النبي صلى الله عليه وسلم ففيه روايتان: الرواية الأولى: انتقاض العهد، والثانية: أنه لا ينتقض، واتفقوا جميعا على أن المذهب المعتمد عند الحنابلة أن العهد ينتقض بذلك. ثم نبَّه شيخ الإسلام وهذا قد لا يتضح في المختصر لكنه واضح في الأصل، نبَّه أن هؤلاء المذكورين القاضي وجميع من تبعه كالشريف وابن عقيل رحم الله الجميع، نبه أن هؤلاء جميعا وسائر الحنابلة ذكروا مسألة السبِّ في موضع آخر، وذكروا أن السَّابَّ يُقتل وإن كان ذِمِّيًّا وأن عهده ينتقض، وذكروا نصوص أحمد من غير خلاف في المذهب، لكن ذكر الحلواني أن الذمي يحتمل ألا يُقتل بالسَّبِّ وبذلك تعرف أن المنصوص عن أحمد المضبوط من كلامه الذي لم يختلف عنه أن الذِّمِّيَّ يُقتل بالسَّبِّ وينتقض عهده وعليه عامة أصحابه، وبعض أصحابه خَرَّجوا رواية تخريجا تفيد عدم قتله.

شيخ الإسلام رحمه الله ذكر أن الواجب أن تبقى نصوص الإمام أحمد على حالها، وقد نصَّ بجَلاء على انتقاض عهد الذمي بالسَّبِّ، وأما تخريج رواية باحتمال عدم القتل للذِّمِّي في مسألة السَّبِّ بتخريج حكمها على حكم قذف المسلم وسحره فليس بدقيق؛ لوجود الفرق بين مسألة السَّبِّ لنبي الله صلى الله عليه وسلم وبين مثل هذه المسألة، وهي مسألة القذف لغير النبي قطعا، أي قذف المسلم، من جهة النص الصريح من أحمدأحمد رحمه الله نصَّ نصًّا صريحا على أن الذمي إذا سَبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يُقتل، وإذا قذف المسلم غير النبي صلى الله عليه وسلم يُحَدُّ، هذا نصٌّ واضح على التفريق بين المسألتين. ومن جهة الاستدلال فالفرق بين المسألتين واضح، وهذا ما أشار له البَعْلِي هنا في المختصر بقوله: للفرق بين نصوصه، فالفرق بين مسألة السَّبِّ وبين قذف المسلم ظاهر بَيِّن، ولا يصلح تخريج رواية السَّبِّ على النحو الذي ذكر، والرجوع للأصل -أعني كتاب شيخ الإسلام نفسه- يوضح المسألة هنا أكثر منها في المختصر.

 قال رحمه الله:

وأما الشافعي فالمنصوص عنه أنه ينتقض العهد به، وأنه يُقتل، وأما أصحابه فذكروا فيما إذا ذكر الله أو رسوله أو كتابه بسوء وجهين، ومنهم مَن فَرَّق بين أن يكون مشروطا أو لا، ومنهم مَن حَكَى هذه الوجوه أقوالا، والمنصوص في كتب الخلاف عنه: أن سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم ينقض العهد، ويوجب القتل. وأما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا: لا ينتقض العهد بالسَّبِّ، ولا يُقتل بذلك لكن يُعَزَّر على إظهار المنكرات، ومن أصولهم: أن ما لا قتل فيه عندهم، مثل القتل بالمثقل، والجماع في غير القُبُل إذا تكرر، فللإمام أن يقتل فاعله، وله أن يزيد على الحد المقدَّر إذا رأى المصلحة، ويحملون ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم من القتل في مثل هذه الجرائم، على أنه رأى المصلحة في ذلك، ويسمونه: القتل سياسةً. وحاصله: أن له أن يُعزِّر بالقتل في الجرائم التي تغلَّظت بالتكرار، وأفتى أكثرهم بقتل مَن أَكْثَرَ مِن سَبِّ الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل الذمة، وإن أسلم، قالوا: يُقتل سياسة.

لاحظ أن الكلام كله لا يزال الآن في السَّابِّ الذِّمِّيِّ لا في السَّابِّ المسلم، المسلم كما تقدم إذا سَبَّ ارتدَّ بِسَبِّه، ويأتي الكلام هل يُستتاب أو لا يُستتاب، أما الذِّمِّي فلماذا وُجد فيه هذا الخلاف؟ يأتي إن شاء الله عز وجل أن ممن فصَّلوا في أمر الذِّمِّي من قال: إن الذمي أَعْطى العهد مع أنا نعلم أن الذمي يشرك بالله تعالى، ومن دينه الذي أعطيناه عليه العهد أنه غير مُصدِّق بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه معتقد أن القرآن ليس بنازل عليه، وأن المسلمين على ضلالة، قالوا: فأعطيناه العهد ونحن نعلمها، وما هو منطوٍ عليه من اعتقاد التثليث إن كان من النصارى، أو الوثنية إذا كان من المشركين المجوس ونحوهم قالوا: ما هو منطوٍ عليه كفر صريح ومع ذلك أعطيناه عليه العهد، قالوا فإذا سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم فهو بالنسبة لنا كُفر، لكن بالنسبة له هو في دينه يزعم أنه لم يخالف دينه، وأن دينه يقتضي إبطال دين المسلمين، وأنهم ليسوا على صواب وإلا لكان من المسلمين. وهذه المسألة إن شاء الله تعالى سيأتي تحريرها وبيان الفرق الكبير جدًّا بين أن ينطوي على اعتقاد ويصمت ويخرس ولا يظهره ولا يتحدث به نهائيًّا، وبين أن يظهره، فإظهاره الكفر شيء، وانطواؤه على الكفر وسكوته عنه شيء آخر، ولهذا يأتينا إن شاء الله تعالى أن ما يحتمل منهم اعتقادا لا يحتمل منهم قولا، فيحتمل منهم اعتقادا أن يعتقدوا ما يعتقدونه من تثليث ونحوه ولهذا تترك عندهم ذراريهم كالنصارى ولا تنزع منهم ولا يقال: لا تُعلِّموهم النصرانية؛ لأن الذرية تتبع آباءها، لكن الفرق كبير جدًّا بين أن يظهر ويجهر في بلاد المسلمين بكفره وبين أن يتقوقع في كنيسته أو في وسط بيته ويقول هذا الكلام، الفرق واضح جدًّا ولهذا يأتينا بِإِذْنِ الله عز وجل.

أما الصواب الذي لا شك فيه أن إظهارهم الكفر على النحو الذي يخالف ما عليه أهل الإسلام لا يجوز أن يقروا عليه، ويأتي إن شاء الله تعالى أن عمر رضي الله عنه قد أخذ عليهم شروطا في الذمة قوية للغاية يضمن المسلمون معها أن لا يخرج الكفر الذي انطووا عليه أدنى خروج، وأن لا يصل إلى المسلمين، وأن لا يكون في حال من الظهور والاستعلاء، فإذا استعلنوا بالسَّبِّ لنبي الله صلى الله عليه وسلم أو دعوا مسلما بتنصير أو غيره، من فعل ذلك منهم انتقض عهده بلا أدنى شك؛ لأنه خرج عن السكوت والخمول الذي هو فيه والذي بناء عليه أَعْطَى العهد، خرج عنه إلى المجاهرة. ولهذا قال أحمد رحمه الله فيما مضى: ما على هذا أعطوا العهد. فإذا قال: يا معشر المسلمين كيف تقتلونني، أنتم أمة وفاء وأعطيتم العهد. نقول: ما عاهدناك على أن تشتم رسول الله، عاهدناك على الصغار، وعلى أن تلزم الذلة كما سيأتي إن شاء الله عز وجل، وعلى ألا تظهر من اعتقادك أدنى شيء، فإذا أظهرت فأنت الذي نقضت العهد على نفسك. ولهذا يأتي إن شاء الله في عبارات الشافعي الآتية ما يبين هذا ويوضحه؛ لأن طالب العلم قد يقول: سبحان الله يُقتل المسلم إذا سَبَّ ولا يُقتل الذِّمِّي إذا سَبَّ، يقال هذا هو السبب في التفصيل في الذِّمِّي، الذِّمِّي أُعطِي العهد والواجب على الأمة أن ترعى هذا العهد، وضربت الأمة وفاء عظيما في أمر حياطة العهد والمسلمون مضرب المثل في ذلك ولهذا نماذج لعلنا نشير إلى بعضها من باب الفائدة.

روى أبو نعيم في «الحلية» مبسوطًا ورواه أيضًا ابن سعد: أن عامر بن عبد قيس العنبري رحمه الله تعالى رأى رجلا من أهل الذِّمَّة يجرُّه أحد الجنود، فلقيه عامر وقال للذمي: أديت جِزْيتك؟ أديت الخراج؟- لأنه ظَنَّ أن الجندي يجرُّه لأنه لم يؤد الخراج فيريد أن يجرَّه حتى تؤخذ منه الجزية- قال: نعم، قال: علام يَجرُّك هذا؟ -أي الجندي- قال: إن الوالي يريدني أن أكسح بيته -يريدني أن أنظف البيت-، قال: وتطيب نفسك بهذا؟ قال: لا، قال للجندي: أَرْسِلْه -أطلقه-، قال: لا، قال: أطلقه، قال: لا، فأخذ عامر عمامته وألقاها على الذِّمِّي وجَرَّه من الجندي، قال: والله لا تنتهك ذِمَّة الله وذِمَّة رسوله صلى الله عليه وسلم وأنا حي. -حتى ولو كان الذي يجرُّك الجندي-. فالمسلمون يرعون ويحفظون العهد، وهذا سبب النقاش الطويل بين أهل العلم في الذِّمِّي، فصُعِّد الأمر على عامر رحمه الله، وأمره الوالي بالخروج من البلد، وكان من عُبَّاد أهل البصرة رحمه الله، وله أصحاب وتلاميذ فخرج رحمه الله تعالى، ولما اقترب من الخروج من البصرة قال لمن معه: إني داع فأَمِّنوا، ففرحوا وقالوا: هذه التي نشتهيها منك - نريدك أن تدعو على هذا الوالي الذي ظلمك وأخرجك في أمر مثل هذا – فقال: اللهم مَن أخرجني من بلدي وفرَّق بيني وبين أخوتي فأكثر ماله وولده. ما دَعَا عليه. يقول: أنا قمت بهذا الأمر لله عز وجل، وابتليت هذا الابتلاء وهذا الذي أخرجني من بلدي وفرَّق بيني وبين أخوتي وطردني كما يُطرد المجرم، اللهم بدلاً من أن تنتقم منه كثِّر له المال والولد. ما عندي قضية، أنا قلت في قضية لله عز وجل وهي حفظ عهد هذا الذمي، وهكذا حفظهم المسلمون من أي تعدٍّ لا يجوز عليهم، فبقوا محفوظي الأعراض، لا يتعرَّض مسلم لهم في أعراضهم، محفوظي الدماء، لا يتعرض لهم مسلم في دمائهم، محفوظي الأموال، لا يتعرض لهم مسلم في أموالهم إذا كانوا قائمين بما يقتضيه العهد.

ولهذا روى مسلم أن أحد الصحابة رضي الله عنهم جاء ورأى بعض أهل الذمة قد أقيموا في الشمس وصُبَّ على رؤوسهم الزيت فسأل عنهم، فقيل: يُعذَّبون في الخراج - أي ما أدوا جزيتهم فأمر الوالي أن يُوقَفوا في الشمس الحارة وأن يعاقبوا- فدخل عليه وروى له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا»(4). يؤخذ منهم الخراج بغير هذا الشكل، ولو بالسجن أو بغيره، ولكن لا يؤخذ بإقامتهم في الشمس، فأمر الوالي بهم فخلَّى سبيلهم.

وهكذا حتى مع غير أهل الذِّمَّة ممن هم داخل بلاد المسلمين، إذا جاء أحدهم بين المسلمين وبين أهل الحرب على كَفِّ القتال فترة، فإنه ليس للمسلمين أن ينقضوا هذا الذي ثم الاتفاق عليه. ولهذا روى أحمد أن عمرو بن عَبْسَة رضي الله عنه بلغه عن معاوية رضي الله عنه -وكان بينه وبين الروم عهد ينقضي هذا العهد في مدة معينة- فاقترب معاوية رضي الله عنه بالجيش من بلاد الروم حتى إذا انتهى العهد في أوله بَغَتَ الروم، هذا مراده، يعني لم يَبْغَت الروم في أثناء المدة، لكن يريد إذا انتهى العهد أن يَبْغَت الروم من حيث لا يشعرون، وهذا عهد الهُدنة، وهناك فرق بين عهد الهُدنة وعقد الذِّمَّة، فينتهي مثلا في نهاية هذا الشهر، فحَرَّك رضي الله عنه الجيش بحيث يصل في بلاد الروم إلى نقطة إذا قالوا: إن العهد الذي بيننا وبين المسلمين سينتهي بنهاية هذا الشهر، وإذا بالجيش قد دخل مباشرة. فرأى معاوية رضي الله عنه أنه ما نقض العهد الذي بينه وبينهم ولكن حَرَّك الجيش ليَبْغَتهم في أول مدة انقضاء العهد وانقضاء هذه المعاهدة، فجاء عمرو بن عَبْسَة رضي الله عنه وأرضاه على دابة، وكان يقول: الله أكبر وفاء لا غدر، الله أكبر وفاء لا غدر. فسمعه معاوية فأمر أن يحضر، فروى له عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كان بينه وبين قوم عهد أن لا يحل العقدة حتى ينقضي الأجل. فرجع معاوية بالجيش.

فالمسلمون يرعون الكلمة إذا أعطوها، سواء أُعطِيَت لأهل الذمة في داخل بلاد الإسلام أو أعطيت للذين بيننا وبينهم حرب وجعل بيننا وبينهم مدة توضع فيها الحرب، كما وضع النبي صلى الله عليه وسلم الحرب بينه وبين قريش في صلح الحديبية عشر سنين(5)، فالمسلمون يرعون هذه الكلمة التي أعطوها.

فهذا سبب خلاف أهل العلم، فطالب العلم قد يقول: سبحان الله أهل العلم لا يختلفون في المسلم ويوجبون قتله، ويختلفون في الذِّمِّي مع أن المسلم أعظم مكانة من الذمي، نقول: السبب أن المسلم إذا تحدَّث في رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسبَّة ارتدَّ وصار حكمه حكم أهل الكفر المرتدين، أما الذِّمِّي فنحن نعلم أنه قد يُلقِّن أبناءه في بيته مسبَّة النبي صلى الله عليه وسلم، ونعلم أنه قد ينشئ أبناءه على الكفر وعلى الشرك، لكن أعطيناه العهد وهو على هذا الحال الذي هو عليه. فالفرق الآن أنه جهر بالذي نعلم أنه يعتقده، فأهل العلم يعلمون أنهم يعتقدون الكفر كالتثليث للنصارى، لكن الشأن كل الشأن في الاستعلان والمجاهرة هذا هو محل النقاش، هل ينتقض العهد به أو لا؟ فهذا هو السبب في الكلام الطويل في المعاهَد. وليس المقصود أن للمعاهَد مكانة، لا، لكن لأن المسلمين أعطوه كلمة وأعطوه العهد.

ذكر هنا أن الشافعي رحمه الله في المنصوص عنه نفسه نصَّ على أن الذمي ينتقض عهده بالسَّبِّ وأنه يُقتل، حكى ذلك عنه ابن المنذر والخطابي ونص رحمه الله في كتاب «الأم» على أن الإمام يكتب في كتاب الصلح على الجزية: أن من ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أو كتاب الله أو دينه بما لا ينبغي فقد برئت منه الذِّمَّة، وأنه نقض ما أعطى من الأمان، وحل ماله ودمه كأهل الحرب. أما أصحاب الشافعي فذكروا في المسألة وجهين الأول: أن عهد الذمي ينتقض سواء شُرِطَ عليه ترك التعرُّض للنبي صلى الله عليه وسلم أو لم يُشرَط. الثاني: أن مسألة السَّبِّ هذه كالأفعال التي على المسلمين فيها ضرر، كقتل المسلم، لو أن ذميًّا قتل مسلمًا، أو زنى بمسلمة هل ينتقض عهده؟ إذا قيل بانتقاض عهده أُخذ ماله وتَحَتَّم قتله، وإذا قيل بعدم انتقاض عهده إذا قتل مسلمًا فإن قَبِلَ أولياء الدم من المسلمين الدية، دفع الدية وأقر مكانه، هذا هو الفرق. فذكروا أن هذه المسألة -مسألة السَّبِّ- شأنها شأن الأفعال التي فيها على المسلمين ضرر، كقتل المسلم أو الزنا بمسلمة، هذه الأمور عندهم فيها وجهان: الأول: إن لم يُشرط عليهم تركها ففي انتقاض العهد بفعلها وجهان، يعني ينظر هل شُرِط عليهم في عقد الذمة أن لا يفعلوها، فإن كان شُرِط عليهم ذلك وفعلها الذِّمِّي فانتقاض عهده بذلك فيه وجهان، وليس معنى ذلك أنه لا يُعاقَب، بل يُعاقَب، في نظرهم يُعاقَب، لكن يكون هناك وجهان الأول: ينتقض، والثاني: بعدم الانتقاض، والذي نَصَرَه الشافعية في كتب الخلاف أن السَّبَّ ينقض كما تقدم نقله عن الشافعي رحمه الله.

أما الحنفية فاختاروا أن السَّبَّ لا ينقض العهد الذي أُعطِيَ للذمي، لكن يعزَّر الذمي. ومعنى التعزير التأديب. وهذا الاختيار عند الحنفية راجع إلى مسألة اختاروها في عدم القتل في حال وقوع القتل بشيء مثقل، فالقتل تارة يكون بشيء محدَّد كالسكين والسيف ونحوها قالوا: هذه فيها القتل، إذا قََتَل قُتل، ولكن لو أنه قَتَل بشيء مثقل له جِرْم ثقيل رماه على الرجل فقتله به هل يُقتل به أو لا؟ يختارون عدم القتل بالمثقل، قالوا: فلا يقتل من بَاشَرَ القتل على هذه الهيئة. وكذا قضية الجماع لو أنه جامع في غير القُبُل فهذه وأشباهها يقولون: إذا تكررت ومنها السَّبُّ فللإمام القتل بها، لماذا قالوا هذا لأنهم يرون أنها على سبيل التعزير، فالإمام ينظر في المصلحة وفي نوع العقوبة التي يوقعها بالذِّمِّي، قالوا: لكن إذا تكررت منه وضُبِط عليه أنه سَبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فللإمام أن يقتله إن رأى المصلحة في ذلك. يَرِد على الحنفية إشكال كبير جدًّا يأتينا إن شاء الله في النصوص، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل بنفسه في مثل هذه الجرائم(6)، والصحابة رضي الله عنهم يختارون قتل الذمي في مثل هذه الجرائم، وأهمها قطعا قضية السَّبِّ، فالحنفية تأوَّلوا هذه النصوص على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قتل فيها من باب المصلحة وسموا القتل هنا: القتل سياسة. وحاصله التعزير بالقتل فيما تكرر من هذه الجرائم، ولذا قالوا: من أكثر -لاحظ الفرق- مَنْ أَكْثَرَ مِن سَبِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم من أهل الذمة قُتل من باب السياسة.

الإمام أحمد ومالك والشافعي يقولون: مَن سَبَّ ولو مرة واحدة منهم أُخذ مباشرة بالسَّبِّ، أما الحنفية فيرون أنه إذا أَكْثَرَ من السَّبِّ فللإمام أن يقتله لا على سبيل أن هذا حَدٌّ من الحدود كما يختار الأئمة الثلاثة، ولكن على سبيل أن هذا من باب المصلحة.

ولا شك في ضعف المنحى الذي نَحَتْه الحنفية، للأدلة الكثيرة الدالة على انتقاض العهد بالسَّبِّ، ووجوب القتل به، سواء أكان السَّابُّ مسلمًا أو ذِمِّيًّا، وحَمْلُ ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه من قتل السَّابِّ على ما ذكره الحنفية بعيد جدا؛ لأنه ليس عليه دليل، يعني ليس ثمة دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل تعزيرًا ومن باب المصلحة بعد أن أكثر من السَّبِّ، من يستطيع أن ينقل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، أي توجيه النصوص الدالة على القتل بأنها كانت على سبيل التعزير وأنها كانت من باب القتل سياسة، وبعد أن تكرر السب في المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضي الله عنهم في مثل هذه المسألة لاشك أنه يعوزهم الدليل في مثل هذا، فعلى من ادَّعى أن القتل في هذا من باب السياسة لا من باب الحَدِّ أن يذكر الدليل على دعواه ولا دليل، ولهذا فهذا القول قول فيه ضعف ظاهر.


(1) أخرجه أبو داود في كتاب الحدود – باب الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم (4361)، وأخرجه النسائي في كتاب تحريم الدم – باب الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم (4070)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (1251).
(2) أخرجه الخلال في «الجامع» رقم 732.
(3) قال الشارح -حفظه الله-: تحذف كلمة «روايتين» الثانية فما لها وجه، وهي زائدة عن الأصل.
(4) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة - باب الوعيد الشديد لمن عذب الناس بغير حق (2613)، وأبو داود في كتاب الخراج والإمارة والفيء - باب في التشديد في جباية الجزية (3045).
(5) «مغازي الواقدي» (2/611)، «سيرة ابن هشام» (2/317).
(6) لم أقف على شيء بهذا المعنى.


 مواد ذات صلة: