شرح العقيدة الطحاوية
كلمة التوحيد لا إله إلا الله

كلمة التوحيد لا إله إلا الله

قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-:" وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ " .


" ولا إله غيره " هذه هي كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " التي بعث الله بها المرسلين، وأنزل الله من أجلها الكتب، وخلق الخلق الخليقة من أجلها كما سبق "لا إله غيره" هو معنى "لا إله إلا الله " ومعناها لا معبود بحق إلا الله، وقد أخبر الله تعالى عن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي (1) .

هذا هو معنى كلمة التوحيد ﴿ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي (1) ﴿ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (2) هذا النفي ﴿ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي (3) هذا هو الإثبات، ومعنى كلمة التوحيد " لا إله غيره " هو معنى " لا إله إلا الله " وإثبات التوحيد إنما هو بالنفي والإثبات، إثبات توحيد هذه الكلمة إنما هو بالنفي والإثبات المقتضي للحصر " لا إله إلا الله ".

ولهذا لما قال -سبحانه وتعالى-: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ (4) قال بعدها: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (4) ؛ لأن الإثبات وحده يتطرق إليه احتمال تقول: "الله إله؟" يتطرق إليه احتمال، قد يخطر بخاطر شيطاني فيقول: إذا كان إلهنا الله فهل لنا إله غيره؟.

ولهذا قال سبحانه: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ (4) ثم قال بعدها: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (4) فإذن إثبات التوحيد بهذه الكلمة إنما هو من أجل النفي والإثبات المقتضي للحصر، وليس هناك توحيد إلا بنفي وإثبات "لا إله غيره" لا بد من النفي والإثبات حتى يكون التوحيد، كفر وإيمان، كفر بالطاغوت وإيمان بالله -عز وجل- "لا إله" هذا كفر بالطاغوت، "إلا الله "هذا إيمان بالله.

نفي وإثبات ففيها كفر وإيمان كفر بالطاغوت "لا إله" "إلا الله" إيمان بالله -عز وجل-، تخلية ثم تحلية "لا إله" هذا تخلية، نفيت جميع الآلهة التي تعبد من دون الله ثم أثبت الألوهية لله -عز وجل-، و "لا إله إلا الله " "لا" نافية للجنس، و"إله" اسمها، والخبر محذوف "لا إله حق إلا الله" التقدير " لا إله حق إلا الله " والإله معناه المعبود، الإله معناه المعبود لا معبود بحق إلا الله.

وهذه الكلمة كلمة التوحيد لا تنفع صاحبها إلا بتحقيق شروطها التي دلت عليها النصوص من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فلا بد من العلم المنافي للجهل، لا بد من العلم المنافي للجهل، قال سبحانه: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ (5) فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.

ولهذا قال البخاري -رحمه الله- في صحيحه: "بابٌ العلم قبل القول والعمل" ثم استشهد بهذه الآية ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (5) لا بد من العلم، وقال -سبحانه-: ﴿ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (6) ﴿ وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (6) .

لا بد من العلم، العلم المنافي للجهل تعلم أن هذه الكلمة مشتملة على نفي وإثبات، ولا بد أن تعرف الشيء الذي تنفيه، والشيء الذي تثبته، فهي تنفي الألوهية عن غير الله وتثبتها لله، تنفي جميع أنواع العبادة لغير الله وتثبتها لله -عز وجل-، والعبادة هي اسم لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة كل ما أمر به الشرع ونهى عنه الشرع. كل ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب يمتثل، وكل ما نهى عنه نهي تحريم أو تنزيه يترك، هذه هي العبادة طاعة لله وإخلاص له.

لا بد من العلم، ولا بد من اليقين يقولها عن يقين منافٍ للشك والريب إن قالها وعنده شك وتردد تَرَدَّدَ في أن الإله هو المعبود بحق لا تنفع هذه الكلمة، لا بد أن يقولها عن يقين منافٍ للشكِّ والريب، ولا بد من الصدق المانع من النفاق، فإن المنافقين يقولونها لكن لا يَصْدُقون.

يقولونها بألسنتهم وقلوبهم مكذِّبة، قال الله -عز وجل-: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (7) ﴿ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ (7) بألسنتهم ﴿ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (7) بقلوبهم، وقال سبحانه: ﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (8) .

ولا بد من الإخلاص المنافي للشرك. إذا قال هذه الكلمة لا إله إلا الله، ولم يخلص أعماله لله، فإن وقع في عمله شرك بطلت هذه الكلمة وانتقضت فالشرك ينقضها ويحبط جميع الأعمال. قال سبحانه: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (9) وقال سبحانه: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (10) وقال سبحانه: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (11) .

لا بد من الإخلاص. إذا وقع الشرك في عمل العبد بطل توحيده وإيمانه وانتقض كما لو توضأ وأحسن الوضوء وتطهر وأحسن الطهارة ثم أحدث، خرج منه بول أو غائط أو ريح بطلت الطهارة، كذلك كلمة التوحيد إذا قالها عن غير إخلاص في عمله شرك فإن شركه ينقض التوحيد.

لا بد من علِمْ ٍمناف للجهل، ويقين مناف للشك والريب، وصدق مانع من النفاق وإخلاص مناف للشرك، ولا بد من المحبة لهذه الكلمة ولأهلها والسرور بذلك، ولا بد من الانقياد بحقوقها، وهى الأعمال الواجبة بفعل الواجبات، وترك المحرمات.

المنقاد يكون منقادًا ضد حقوقها، ولا بد من القبول المنافي للترك فقد يقولها بعض الناس لكن لا يقبلها ممن يدعون إليها تعصبا وتكبرا إذا وجدت هذه الشروط، فإن هذه الكلمة تكون صحيحة، ويكون قالها عن تحقيق. لا بد من إخلاص التعلق بالله -عز وجل-.

أما مَن قالها بلسانه ولكنه ينقضها بأفعاله، أو قالها وقلبه مكذب فإنها لا تنفع، ولا بد أيضا أن يوحد الله في ربوبيته وفى أسمائه وصفاته كما سبق في البارحة. أنواع التوحيد الثلاثة متلازمة. توحيد الربوبية، وتوحيد الله بأفعاله هو، وتوحيد الألوهية، توحيد الله بأفعالك أنت أيها العبد، وتوحيد الأسماء والصفات كذلك. هذه الأنواع الثلاثة متلازمة، كلها مطلوبة، لا بد أن توحد الله في ربوبيته، وتوحد الله في أسمائه، وصفاته، وتوحد الله في عبادته وألوهيته.

مَن لم يأت بنوع من هذه الأنواع فلا يصح التوحيد من لم يوحد الله في ربوبيته فهو كافر ولو زعم أنه يعبد الله، ولا يمكن أن يعبد الله وهو لا يوحد الله في ربوبيته، كذلك من زعم أنه يوحد الله في أسمائه وصفاته، ولكنه لم يوحد الله في عبادته لم يكن موحدًا.

هذه الأنواع الثلاثة متلازمة، توحيد الألوهية متضمن بتوحيد الربوبية بمعنى أن مَن عَبَدَ الله وأخلص التعلق بالله -عز وجل- فلا بد أن يكون قد وحَّد الله في ربوبيته في ظل ذلك لا بد يوحّد الله في ربوبيته إنما عبد الله لاعتقاده أن الله هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت الذي بيده النفع والضر.

فإِذًا توحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، أما توحيد الربوبية فإنه مستلزم لتوحيد الألوهية، بمعنى أن مَن وحَّد الله في ربوبيته، واعتقد أن الله هو الخالق، والرازق، المدبر، المحيي، المميت، فإن هذا الاعتقاد، وهذا التوحيد يوجب له أن يوحد الله في ألوهيته ولكن ليس واحد يلتزم بما يلزمه يلزم مَن يوحِّد الله في ربوبيته أن يوحد الله في ألوهيته.

لكن ليس كل واحد يلتزم بما لزمه.والدلالات عند العلماء من أهل الأصول ثلاث دلالات:

1- دلالة التضمن .

2- دلالة المطابقة .

3- دلالة الالتزام .

قلنا: إن توحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، وتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، فما معنى الاستلزام؟ وما معنى التضمن؟ وما معنى المطابقة ؟.

دلالة التضمن: هو دلالة الشيء على جزء معناه أو على بعض معناه. ودلالة الالتزام: دلالة الشيء على خارج معناه. ودلالة المطابقة: دلالة الشيء على جميع معناه.

فمثلا مَن عَبَد الله فإنه وحد الله في ربوبيته ووحد الله في ألوهيته، فتكون دلالة توحيد العبادة دلالة مطابقة، لأنه دل على جميع ما نهى؛ لأن توحيد العبادة يشمل أمرين:

يشمل توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، فدلالة العبادة على توحيد الربوبية، والألوهية دلالة مطابقة، ودلالة توحيد العبادة على توحيد الربوبية دلالة تضمن؛ لأنه يدل على جزء معناه، فتوحيد الربوبية جزء من معنى توحيد الألوهية، ودلالة العبادة والألوهية على الربوبية والألوهية دلالة مطابقة هي دلالة الشيء على جميع معناه.

أما دلالة توحيد الربوبية على توحيد الألوهية فهي دلالة التزام؛ لأنه خارج عن معناه مثل دلالة التوبة على التائب فالتوبة غير التائب دلالة الوالد على الولد، فالولد غير الوالد شيء خارج عنه، فتوحيد الربوبية غير توحيد الألوهية.

فدلالة توحيد الربوبية على دلالة توحيد الألوهية دلالة التزام هو شيء خارج عن معناه. أما دلالة الألوهية على الربوبية فهي دلالة تضمن لأنه في ظل الألوهية توحيد الربوبية، هذه الثلاث دلالات تسمى دلالة التضمن، ودلالة الالتزام، ودلالة المطابقة.

فدلالة الالتزام دلالة الشيء على خارج معناه كدلالة توحيد الربوبية على توحيد الألوهية، ودلالة التضمن هي دلالة الشيء على جزء من معناه كدلالة توحيد الألوهية على توحيد الربوبية، ودلالة المطابقة: دلالة الشيء على جميع معناه كدلالة الألوهية على الربوبية والألوهية.

ومعنى الإله كما سبق هو المعبود، وبعض أهل الكلام كالأشاعرة وغيرهم أخطئوا في تفسير الإله، فقالوا: الإله فيه تقدير الخبر، قالوا: لا إله موجود إلا الله، وفسروا الإله بالخالق، وهذا خطأ، لو كان المعنى لا خالق إلا الله لما حصل نزاع بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وكفار قريش، ولما حصل نزاع بين الرسل وأممهم، لأن الأمم يقرون بأنه لا خالق إلا الله.

وبعض أهل الكلام كالأشاعرة وغيرهم يقولون: معنى لا إله إلا الله: لا خالق إلا الله، أو لا قادر على الاختراع إلا الله، وهذا غلط كبير؛ لأنه لو كان معنى لا خالق إلا الله لما حصل نزاع وقتال وجهاد من الرسل للكفرة؛ لأن الكفرة يقرون بأنه لا خالق إلا الله، لا خالق إلا الله، هذا لا إشكال فيه عندي.

ولا يتبين عظمة هذه الكلمة "لا إله إلا الله" وأنها كلمة التوحيد التي تنفي الشرك إلا بتفسير الإله بالمعبود، وتقدير الخبر بحق لا إله بحق إلا الله. لا معبود بحق إلا الله، وبهذا يتبين عظمة هذه الكلمة لأن الآلهة موجودة، ولكنها آلهة باطلة، قال سبحانه: ﴿ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ (12) إذًا لهم آلهة، وقال سبحانه: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2)وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3)وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4)وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5)لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (13) .

إذًا فيه معبودات؛ اليهود، الكافرون لهم معبود يعبدون الأصنام، والأوثان، لهم إله، وجميع الكفرة كل إنسان له معبود، لكن، وكل إنسان له دين، لكن المعبود بحق هو الله. ما سواه إلا باطل، قال سبحانه: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ (14) .

وكل إنسان له دين. الكفار لهم دين لكن دين باطل؛ ولهذا قال سبحانه: ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (15) وقال الله عن أهل الكتاب إنهم قالوا: ﴿ وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ (16) فلهم دين لكن دين باطل، والدين الحق هو دين الإسلام ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ (17) .

فتفسير الإله بالخالق تفسير باطل. الذين فسروا هذا الكلام كالأشاعرة وغيرهم؛ لأنه لو كان الإله هو الخالق لما حَصَلَ خلاف بين الأنبياء وبين أممهم، ولما حصل قتال.

ولا يتبين عظمة هذه الكلمة، وأن كلمة التوحيد التي تنفي الشرك إلا بتفسير الإله هو المعبود، وهذا معناها في اللغة العربية الإله هو المعبود، وإله اسم لا النافية للجنس من أخوات إن تنصب الاسم، وترفع الخبر، وإله اسمها. والخبر محذوف تقديره لا إله حق، لا معبود حق إلا الله.


(1) الزخرف: 26، 27
(2) الزخرف: 26
(3) الزخرف: 27
(4) البقرة: 163
(5) محمد: 19
(6) الزخرف: 86
(7) البقرة: 8
(8) المنافقون: 1
(9) الزمر: 65
(10) الأنعام: 88
(11) الفرقان: 23
(12) هود: 101
(13) الكافرون: 1 - 6
(14) لقمان: 30
(15) الكافرون: 6
(16) آل عمران: 73
(17) آل عمران: 19


 مواد ذات صلة: