شرح العقيدة الطحاوية
تنزيه الله عن مشابهة مخلوقاته

تنزيه الله عن مشابهة مخلوقاته

قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَا يُشْبِهُ الْأَنَامَ.


ولا يشبه الأنام أي أن الله -سبحانه وتعالى- لا يشبه أحدا من خلقه والأنام هم الناس كما قال الله تعالى: ﴿ وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ(1) . وقيل: المراد بهم الثقلان الجن والإنس، وقيل: المراد بهم كل ذي روح. والأقرب الأنام: الناس. والأفضل الأنام: الناس. ولا يشبه الأنام: المعنى لا يشبه أحدًا من خلقه.

وأراد المصنف الرد على المشبهة الذين يشبهون الله بخلقه ويغلون في الإثبات، فيقول أحدهم: عِلْم الله كعلم المخلوقين وقدرته كقدرتهم، وسمعه كسمعهم واستواؤه كاستوائهم.

وهذا هو مذهب المشبهة والغالب أن المشبهة من غلاة الشيعة. وأول من قال إن الله جسم: هشام بن الحكم الرافضي وبيان بن سمعان التميمي الذي تنسب إليه البيانية من غالية الشيعة.

وكان يقول: إن الله على صورة الإنسان. ومِن المشبهة هشام بن سالم الجَوَاليقي وداود الجَوَاربي، ومذهبهم الغلوُّ في الإثبات حتى أدخلوا في ذلك ما نفاه الله ورسوله.

حتى أثبتوا أنَّ الله يُرى في الدنيا بالأبصار وأنه يُصَافح ويعانَق، ويحاضر ويسامر، وينزل عشية عرفة على جَمَل، وقال بعضهم: إنه يندم ويحزن ويبكي.

تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرا، كما قالت اليهود، شابهوا اليهود في هذا، وهؤلاء ما قدروا الله حق قدره، قال -سبحانه وتعالى-: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ(2) .

كيف يقولون: إن الله ينزل بين طبقتين ينزل عشية عرفة على جمل ويكون بين طبقات، تكون السماء فوقه والأرض تحته، فيكون مختلطا بالمخلوقات -تعالى الله عما يقولون-.

والله تعالى يقول: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ(2) وثبت في الحديث الصحيح « أن الله يضع السماوات يوم القيامة على إصبع، والأرضين على إصبع، والماء والثرى على إصبع، والجبال على إصبع، وسائر خلقه على إصبع، ثم يهزهن بيده فيقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟ »(3) خمسة أصابع!.

وفى الحديث: « ما السماوات السبع والأرضين السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في كف أحدكم »(4) ومعلوم أن الإنسان إذا كان في يده خردلة فهو مسيطر عليها مستو، عليها، إن شاء قبضها وإن شاء جعلها تحته، فكيف يقول هؤلاء الكفرة: إن الله ينزل عشية عرفة على جَمَل، وتكون السماء فوقه والأرض تحته؟ -تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرا-.

والتشبيه مذهب باطل قد جاءت النصوص بنفيه وإبطاله، قال الله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(5) وقال سبحانه: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا(6) وقال سبحانه: ﴿ فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ(7) .

وقال سبحانه: ﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(8) ومن شبَّه الله بخلقه، اعتقد أن الله يشبه المخلوقات فهو في الحقيقة لم يعبد الله على الحقيقة وإنما يعبد وثنا صوره خياله ونحته له فكره. فهم من عباد الأوثان لا من عباد الرحمن كما قال العلامة ابن القيم في كتابه (الشافية):

لسنا نشبه وصفه بصفاتنا *** إن المشبه عابد الأوثان

ومَن شبَّه الله بخلقه فقد شابه النصارى، وكما أن الله لا يشبه أحدا من خلقه فهو لا يشبهه أحدٌ من خلقه، ومذهب المشبهة عكس مذهب النصارى؛ فالمشبهة شبهوا الله بخلقه وقالوا: إن الله مثل المخلوقات والنصارى شبهوا المخلوق بالخالق.

المشبهة شبهوا الخالق بالمخلوق فقالوا: إن صفة الله كصفة المخلوق، والنصارى شبهوا المخلوق بالخالق فقالوا: إن عيسى ابن الله فالنسبة بين المشبهة والنصارى عكسية. وكل منهم مشبهة.

ولهذا قال العلامة ابن القيم في كتابه (الشافية):

من مثل الله العظيم بخلقه *** فهـو النسيب لمشرك نصراني

وقال نعيم بن حماد شيخ البخاري -رحمه الله- من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله فقد كفر، وليس في ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله من ذلك تشبيه، قال إسحاق بن راهويه الإمام المشهور: مَن شبه الله بخلقه فقال: إن الله يشبه أحدا من خلقه في صفاته فهو كافر بالله العظيم، أو كما ورد عنه -رحمه الله-.

وبهذا يتبين أن المشبهة كفار، وأن غالبهم من غلاة الشيعة، نسأل الله السلامة والعافية!.

نكتفي بهذا القدر، نسأل الله للجميع العمل الصالح، وصلى الله على محمد وآله وصحبه.

أسئلة

س: ما رأيكم في كتاب قوت القلوب لأبى طالب المكي ؟

ج: ما قرأته ولا أحكم عليه بشيء.

س: ما رأيكم في كتاب شرح العقيدة الطحاوية لمؤلف يدعى عبد الغني الغنيمي الميداني الحنفي الدمشقي المتوفى سنة ثمان وتسعين ومائتين وألف، علما بأنه يباع في الرياض؟.

ج: ما قرأته. لكن علي بن أبي العز شارح الطحاوية هذه ذكر أن الطحاوية شرحت بشروح متعددة، وأن شراحها شرحوها على ما يتمشى مع معتقد أهل الكلام وأهل البدع، فأراد أن يشرحها على معتقد أهل السنة والجماعة.

فأنسب الشروح هو هذا الشرح "شرح الطحاوية" لابن أبي العز المنتشر بين أيدي طلبة العلم، هذا الذي أنصح بقراءته وما عداه فلا ينبغي؛ فلعله من الشروح التي ذكر الشارح أنها تتمشى مع معتقد أهل البدع.

وأما ما قرأت هذا الشرح الذي ذكرت. نعم.

س: باب الأفعال أوسع من باب الصفات، فهل معنى هذا أن نقف على ورود اللفظ في النص إن كان فعلا فنطلقه فعلا دون الوصفية ؟.

ج: نعم. الأفعال لها صفة الأفعال يطلق على لفظ الفعل الخَلْق مثلا يثبت لله على ما ورد الخَلْق والتصوير والقبض والبسط والخفض والرفع كل هذه صفات أفعال على ما وردت.

﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ(9) ما يشتق منها الماكر بل يقال: يمكر الله المكر اللائق به. يخادعون الله وهو خادعهم يقال: إن الله يخدع من خدعه، وهو خادع من خدعه جاء على لفظ الفعل، وعلى لفظ اسم الفاعل بالإضافة لكن ما يشتق منه اسم الخادع.

وكذلك ﴿ إنهم يكيدون كيدا (15) وأكيد كيدا(10) وإن الله يكيد من كاد، ولا يشتق منها اسم فيقال: من أسماء الله الكائد إن فعل يأتي على لفظ الفعل. نعم.

س: بعض أهل العلم يجعل شروط لا إله الله شرطين فقط هما: العلم والإخلاص ويقول: مرد الشروط السبعة إلى هذين الشرطين.

ج: نعم هذا من باب الاختصاص؛ لأن الصدق المانع من النفاق من الإخلاص؛ ولأن اليقين كذلك ولكن عند التفصيل تفصيلها أولى. نعم.

س: يقرر بعض أهل العلم أن شروط لا إله الله ثمانية، فما هو الشرط الثامن ؟ .

ج: الكفران -كما قالوا-: الكفر بما يعبد من دون الله، وهو معروف، مأخوذ من الشروط الأخرى. نعم.

س: كيف الإجابة عن هذه الشبهة، وهى قول بعضهم: أنتم تقولون: الإيمان قول وعمل واعتقاد، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في الأصول الثلاثة يقول في العلم: هو معرفة الله، فاكتفى بالمعرفة وهذا مذهب باطل، وجزاكم الله خيرا ؟.

ج: هذا تفسير العلم ما قال الإيمان، تفسير العلم والمعرفة. الإيمان قول وعمل واعتقاد، هذا قول أهل السنة قاطبة، وبعضهم يقول: قول وعمل، فالقول: قول القلب وهو الإقرار والتصديق، وقول اللسان، والعمل عمل القلب والجوارح، أما تفسير العلم فهذا غير تفسير العلم والمعرفة، والشيخ محمد فسر العلم بالمعرفة، فتفسير العلم ما فيه تفسير الإيمان، فالعلم غير الإيمان، نعم.

السؤال في غير محله، ما فيه وجه مقارنة. نعم.

س: أحسن الله إليكم، يقول السائل: إن من القواعد في الصفات أن باب الأخبار أوسع من باب الصفات يعنى ذلك أنه يجوز الإخبار عن الله بشيء لم يرد في الكتاب والسنة، لكن قيده بعضهم بقوله مما ورد جنسه في الكتاب والسنة، فهل هذا القيد صحيح، وإن كان صحيحا فنرجو إيضاحه، ومن ذكره من أهل العلم ؟.

ج: هذا سبق قوله البارحة هذا من باب الخبر أوسع من باب الصفات يخبر عن الله بأنه شيء بأنه ذات وبأنه موجود. هذا من باب الخبر، ولا يقال من أسماء الله الذات، من أسمائه الموجود.

وشيخ الإسلام كذلك في باب الرد على البدع، يخبر شيخ الإسلام علل بأنه الصانع والذات لها أصل

وذلك في ذات الإله وإن يشأ *** ..............................

والصانع ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ(11) لها أصل.

والوجود كذلك له أصل. نعم.

س: -أحسن الله إليكم- يقول السائل: لو تخلف شرط من شروط لا إله إلا الله وتحقق الباقي فهل تنفع صاحبها ؟ .

ج: لا بد من اجتماعها. من لم يحب، تخلف العلم صار جاهلا ما نفع، تخلف الإخلاص صار مشركا ما نفع، تخلف اليقين صار شاكا ما نفع، تخلف الصدق صار منافقا ما ينفع، تخلفت المحبة صار يكره أهل الإيمان وأهل التوحيد ما نفعه، خالف القبول ما قبل هذه الكلمة ما نفعه.

خالف الانقياد؛ ما انقاد بحقوقها قال لا إله إلا الله لكن ما قبلها، ما انقاد بحقوقها لا بد من الشروط هذه.

س: -أحسن الله إليكم-، ما جاء في دعاء الدخول إلى المسجد " وسلطانه القديم " ألا يدل على صفة القديم ؟.

ج: هذا وصف السلطان، وصف السلطان. نعم.

س: يقول السائل: هل الدائم من أسماء الله -عز وجل- ؟.

ج: ما أذكر هذا، يحتاج إلى ثبوت. نعم.

س: وهل يصح إطلاق اسم الأول بدون تقيده بالآخر، وكذا الظاهر والباطن، وهل يجوز أن يتسمى الإنسان بعبد الباطن أو عبد الظاهر ؟.

ج: نعم يجوز. لكن هذه الأسماء متقابلة، اسمان متقابلان، الذي لا يطلق منه، مثل الخافض الرافع، النافع الضار، ما يطلق النافع فقط، النافع الضار، الخافض الرافع، المعطي المانع.

أما الأول نعم وحده، الأول والآخر، عبد الأول، عبد الآخر لا بأس. نعم.

س: -أحسن الله إليكم-، يقول السائل: عند دعوة إنسان إلى الدين الحنيف فما الرد عليه إذا قال: إن الله أراد لي ما أنا فيه من ضلال، كيف نرد عليه من الشرع ؟.

ج: هذه مسألة القدر سيأتي البحث فيها، نقول: إن الله تعالى... أنت مكلف بالشريعة إن الله، تعالى أمرك بالإيمان والتوحيد والطاعة، وأرسل الرسل وأنزل الكتب لعباده، فأنت مخلوق لعبادة الله، أما القدر فهو سر الله في خلقه هذا من شئون الله ليس من شئونك.

أنت عبد مأمور بالإيمان، والتوحيد والطاعة والالتزام بالشريعة، وأنت عندك عقل، وعندك سمع وبصر تستطيع... لست... ولا ممنوع ولا مسلوب العقل.

أما تحتج بالقدر ليس حجة لك، لو كان القدر حجة لك لكان حجة للكفرة؛ قوم نوح، وقوم شعيب وقوم صالح، وكان حجة للكافر والسارق والزاني. ليس حجة. نعم.

س: أحسن الله إليكم، يقول السائل: كيف يجمع بين نفي تشبيه الله بخلقه مع ورود الحديث وفيه: « أن الله خلق آدم على صورته ؟ »(12) .

ج: ما فيه تشبيه هذا خلق الله آدم على صورته كما ثبت في الصحيح، هذا إثبات الصورة لله، وهذا يقتضي نوعا من المشابهة، كما حقق الشيخ ابن تيمية، نوع من المشابهة، وهي مشابهة في مطلق الصورة لا في الجنس والمقدار، نوع من المشابهة.

والمشابهة في مطلق الصورة، لكنه ليس، لا يقصد مشابهة مماثلة في الجِنس ولا في المقدار، وشيخ الإسلام له كتاب عظيم في هذا بيان تلبيس الجهمية، وحفظ في رسالة كاملة "دكتوراه" وهو الآن تحت الطبع، أو انتهى من الطبع، على وشك الخروج -إن شاء الله- كتابه العظيم (بيان تلبيس الجهمية) نعم.

السؤال الأخير: يقول السائل: أنتم أشرتم بإصبعكم حفظكم الله أن الله يجعل الجبال على إصبع، وأشرتم بهذا، فهل هذا جائز؟.

ج: نعم من باب تحقيق الصفة كما ثبت أن النبي قال: إن الله كان سميعا بصيرا أشار إلى أذنه وعينه من باب تحقيق الصفة، ليس المراد التشبيه. نعم.


(1) الرحمن: 10
(2) الزمر: 67
(3) البخاري : تفسير القرآن (4811) , ومسلم : صفة القيامة والجنة والنار (2786) , والترمذي : تفسير القرآن (3238) , وأحمد (1/457).
(4)
(5) الشورى: 11
(6) مريم: 65
(7) النحل: 74
(8) البقرة: 22
(9) آل عمران: 54
(10) الطارق: 15، 16
(11) سورة النمل (سورة رقم: 27)؛ آية رقم:88
(12) البخاري : الاستئذان (6227) , ومسلم : الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2841) , وأحمد (2/315).


 مواد ذات صلة: