شرح العقيدة الطحاوية
مسألة الضلال والهدى

مسألة الضلال والهدى

يهدي من يشاء، ويعصم ويعافي فضلا، ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلا .


هذا فعله -سبحانه وتعالى- يهدي من يشاء ويعصم، ويعافي فضلا منه وإحسانا، ويضل ويبتلي عدلا منه وحكمة، هو يهدي ويعصم ويعافي فضلا، ويضل ويبتلي حكمة منه وعدلا سبحانه وتعالى، وهذه المسألة؛ وهي مسألة الهدى والضلال مسألة عظيمة من أهم مسائل القدر حتى إن العلامة ابن القيم -رحمه الله - قال: إنه قلب أبواب القدر؛ مسألة الهدى والضلال، هذه تسمى مسألة الهدى والضلال قلب أبواب القدر ومسائله.

وأراد المؤلف -رحمه الله- الطحاوي الرد على القدرية والمعتزلة الذين يقولون: إنه يجب على الله فعل الأصلح للعبد، يقولون: يجب على الله فعل الأصلح للعبد، وهي مسألة الهدى والضلال. والقدرية أنكروا أن يهدي الله أحدا أو أن يضل أحدا فقالوا: إن العبد هو الذي يهدي نفسه، وهو الذي يضل نفسه، أما الله فلا يهدي أحدا، ولا يضل أحدا، وأجابوا على النصوص قالوا معنى يهدي: يعنى يبين له الطريق الصواب ويسميه مهتديا، ومعنى يضله، أي يسميه ضالا، أو يحكم عليه بالإضلال بعد خلقه الإضلال من نفسه.

فهذه المسألة وهي مسألة الهدى والضلال مسألة عظيمة من مسائل القدر، ولا بد من بيان مراتب الهداية وأقسامها حتى يتبين هذا الباب.

مراتب الهداية أربعة:

المرتبة الأولى: الهداية العامة لكل مخلوق إلى ما يصلحه هداية الله العامة لكل مخلوق إلى مصالح معاشه، وما يقيمه هذه الهداية العامة عامة لكل مخلوق للآدميين والطيور والوحوش والصغار والكبار والأطفال، هداية الله العامة لكل مخلوق إلى ما يصلحه في معاشه وإلى ما يقيمه، ويدخل في ذلك: هداية الطيور إلى أوكارها، وهداية الأنعام إلى مراتعها، وهداية الطفل إلى ثدي أمه، وهداية الإنسان إلى ما يصلحه في معاشه وما يقيم به أمور حياته، هداه الله كيف يأكل، كيف يشرب، كيف ينكح.

الحيوانات هداها الله تعرف كيف تأكل وكيف تشرب وكيف تنكح أنثاها.

هي عامة شاملة للآدميين وللحيوانات وللوحوش وللطيور، قال الله- سبحانه وتعالى-: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى(1) هذه دليل الهداية العامة، وقال -سبحانه- في جواب موسى لفرعون: ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى(2) كل المخلوقات هداها الله إلى ما يصلحها في معاشها؛ فالإبل والبقر والغنم هداها الله كيف تأكل وكيف تذهب إلى الماء وتشرب كيف تذهب إلى المراعي. الطفل من حين سقوطه من بطن أمه هداه الله إلى أن يلتقم ثدي أمه هذه هي الهداية العامة، الطيور هداها الله إلى أوكارها جلب غذائها لصغارها ﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى(2) هذه عامة للآدميين ولغيرهم وهذه ما أنكرها أحد.

النوع الثاني من الهداية: هداية البيان والدلالة والإرشاد والتعليم والدعوة والإبلاغ، التعليم والدعوة إلى ما يصلح الإنسان في معاده، وهذه خاصة بالآدميين خاصة بالمكلفين من الجن والأنس، هداية تسمى هداية البيان والدلالة والإرشاد والتعليم والدعوة إلى ما يصلح الإنسان في معاده يوم القيامة إلى ما يكون سببا في نجاته من النار وإيداعه بما أوجب الله عليه، وهذه المرتبة هي حجة الله على خلقه لا يعذب الله أحدا حتى تقوم عليه الحجة، وحتى يُهدى هذه الهداية وهي التي أرسل من أجلها الرسل وأنزل من أجلها الكتب قال سبحانه: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ(3) وقال سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ(4) يعني ما كان الله ليضلهم بعد أن هداهم وبين لهم طريق الخير فلما بين لهم طريق الخير وتركوه أضلهم عقوبة لهم، ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ(4) هذه هي هداية الدلالة والإرشاد.

وقال -سبحانه-: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى(5) هديناهم يعني دللناهم طريق الخير وطريق الشر، ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى(5) فلما بين الله لهم طريق الخير وطريق الشر واستحبوا العمى على الهدى جاءتهم العقوبة ﴿فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(5) .

وهذه هي هداية ثابتة للرسل والأنبياء والمصلحين والدعاة كلهم يقدرون عليها قال الله -تعالى- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(6) أي ترشد وتدل وتبلغ وتدعو، هذه هداية يقدر عليها الرسول - عليه الصلاة والسلام- ويقدر عليها الدعاة والمصلحون يهدون الناس هداية الدلالة والإرشاد والبيان والتبليغ والدعوة هذه خاصة بالمكلفين من الإنس والجن وليست للحيوانات ولا الطيور، هذه هداية يعني بيان وإرشاد الناس إلى الأمر الذي خلقوا له بيان ما أوجب الله عليهم من توحيده وطاعته وترك معصيته.

الله -تعالى- لا يعذب أحدا حتى تقوم عليه الحجة حتى تقوم الحجة عليه وحتى يتبين له ما أوجب الله عليه، كما قال-تعالى-: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ(4) وقال -سبحانه-: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا(7) إذا بعث الرسول وأرشد الناس ودلهم على ما أوجب الله عليهم من التوحيد والطاعة واجتناب المعصية قامت الحجة عليهم. إذا قامت الحجة بعد ذلك استحقوا العذاب، إذا لم يعملوا، هذه هداية والبيان والدلالة والإرشاد، وهذه المرتبة ما أنكرها المعتزلة.

النوع الثالث: هداية التوفيق والإلهام والتسديد وجعل الإنسان يقبل الحق ويرضاه ويختاره وخلق هداية القلب هذه خاصة بالله، لا يقدر عليها إلا الله، لا يقدر عليها أحد من الخلق لا الأنبياء ولا غيرهم وهذه هي المنفية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نفاها الله بقوله: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ(8) فهو لا يهدي يعني لا يخلق الهداية في القلب ولا يوفق ولا يلهم ولا يجعله يقبل الحق ويختاره ويرضاه إلا الله، ولو كانت هداية الدلالة والإرشاد لكان النبي -صلى الله عليه وسلم- أرشد من أحب ومن أبغض.

وقال سبحانه: ﴿مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(9) فالله -تعالى- يهدي ويضل، فالهداية والإضلال، بيد الله -عز وجل- والعبد هو الضال والمهتدي ولا بد في وقوع هذه الهداية من أمرين:

الأمر الأول: الهداية من الله، يعني يهديه الله.

والثاني: الاهتداء من العبد فإذا هداه الله واهتدى حصلت له الهداية بالتوفيق وكذلك الإضلال من الله، والعبد هو الضال إذا أضله الله فضل صار ضالا.

فالهداية والإضلال بيد الله عز وجل، وقد اتفقت رسل الله وكتبه المنزلة على أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وأنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وهذه المسألة مسألة الهداية والإضلال مسألة عظيمة؛ لأن أفضل ما يقدره الله على العبد وأجل ما يقسمه له هو الهداية وأعظم ما يبتلي الله به العبد وأعظم مصيبة تصيبه هو أن يقدر الله عليه الإضلال، وكل نعمة فهي دون نعمة الهداية، وكل مصيبة هي دون مصيبة الإضلال، فلذلك كانت الهداية والإضلال بيد الله عز وجل.

هذه المرتبة أنكرها المعتزلة والقدرية أنكروها فأنكر عليهم أهل السنة وبدَّعُوهم وضللوهم، وهذا هو معنى قول المؤلف - رحمه الله-: "يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلا ويضل من يشاء ويبتلي حكمة وعدلا ".

المعتزلة والقدرية قالوا: الهداية والإضلال بيد العبد وليس بيد الله الهداية والإضلال أنكروا هذه المرتبة. أنكر عليهم أهل السنة وقالوا: النصوص واضحة لأن الله - سبحانه وتعالى- بيده الهداية والإضلال قال: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي(10) لو كانت الهداية بيد العبد لما قيدها بالمشيئة ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا(10) ولكن الله -سبحانه وتعالى- خص المؤمن بنعمة دينية دون الكافر، كما قال -سبحانه-: ﴿وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ(11) وقال -سبحانه-: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً(12) .

هذه النعمة اختص الله بها المؤمنين اختصهم بنعمة دينية جعلهم يقبلون الحق ويرضون به ويختارونه وألهمهم إياه وخلق الهداية في قلوبهم فصاروا مهتدين. وله الفضل والإحسان. والكافر أضله الله خذله وأضله الله وابتلاه - كل ذلك -عدلا منه حكمة بالغة -سبحانه وتعالى-.

فالهداية والإضلال بيد الله -عز وجل-. فالمؤمن اختصه الله بهذه النعمة الدينية دون الكافر والكافر خذله الله. والمعتزلة والقدرية أنكروا هذه المرتبة، وقالوا: الهداية والإضلال بيد العبد، وتأولوا النصوص بقوله: ﴿ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ(13) قالوا معناه: يهدي أي يسميه مهتديا ويبين لهم طريق الصواب فسروها بهداية الدلالة والإرشاد. ويضل من يشاء قالوا: يسميه ضالا أو يحكم عليه بالإضلال بعد أن يخلق الضلال من نفسه، وهذا من أبطل الباطل.

القدرية يضربون مثلا في هذا، والله -تعالى- قال: ﴿ فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ(14) لكنهم يضربون مثلا يقولون: إن الله -تعالى- لم يهد أحدا ولم يضل أحدا، ولكن العبد هو الذي اختار الهداية بنفسه وخلق الهداية لنفسه، والكافر اختار الإضلال وخلق الإضلال لنفسه، واختار الإضلال لنفسه، والله -تعالى- لم يخص المؤمن بنعمة دينية ولم يخذل الكافر، وهذا مبني على شبهتهم السابقة.

وهو أن لو هدى هؤلاء وأضل هؤلاء لكان هذا جورا، والله عادل لا يجور، وسبق الجواب على هذه الشبهة، وأن الله له الحكمة البالغة فيما يقدره، وأن الله عاقبهم لما لم يستجيبوا للحق بعد ظهوره ووضوحه عاقبهم كما سبق في الآية ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ(4) فلما بين لهم ما يتقون واتضح لهم الأمر فلم يقبلوه أضلهم الله عقوبة لهم، وقال -سبحانه-: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ(15) وقال -سبحانه-: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ(16) .

فقالوا: مِثْلُ الله في ذلك مِثْلُ رجل له ابنان أعطى كل واحد منهما سيفا، وقال لهما جاهدا به في سبيل الله فالأول أطاع والده وجاهد به في سبيل الله والثاني عصى والده وجعل يستعرض رقاب المسلمين ويقتل المسلمين. هذا اختار طريق الحق، وهذا اختار طريق الضلال من نفسه، هذا من نفسه وهذا من نفسه، والله -تعالى- ما خص الأول بهداية ولا خص الثاني بالإضلال. وهذا من أبطل الباطل فمرتبة الهداية هداية التوفيق والتسليم هذه خاصة بالله -عز وجل- وهذه أنكرها المعتزلة والقدرية وهي خاصة بالله.

وأما الهداية الثانية -التي هي الدلالة والإرشاد- فهي حجة الله على خلقه، لا يعذب أحدا حتى يهديه هداية الدلالة والإرشاد كما سبق: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ(5) ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا(10) .

والآيات والنصوص في بيانها كثيرة كقوله سبحانه وتعالى: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ(17) .

والمرتبة الرابعة: الهداية إلى طريق الجنة والنار يوم القيامة، فالكفار يهديهم الله إلى النار، والمؤمنون يهديهم الله إلى الجنة، قال سبحانه وتعالى في الكفار: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ(18) الآية من سورة الصافات.

وقال سبحانه في المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ(19) فهذه هداية بعد قتلهم يهديهم إلى طريق الجنة، ويصلح بالهم في إلغاء خصومهم وقبول أعمالهم، فهذه مراتب الهداية.

المرتبة الأولى الهداية العامة والمرتبة الرابعة ليس فيهما إشكال، إنما البحث في المرتبة الثانية، مرتبة الهداية الدلالة والإرشاد، وهداية التوفيق والتسديد، هذا محل النزاع والخلاف بينهم وبين أهل السنة.

أهل السنة يقسمون الهداية إلى قسمين: هداية دلالة وإرشاد، وهداية توفيق وإلهام.

والقدرية والمعتزلة ليس عندهم إلا هداية واحدة: هداية الدلالة والإرشاد. وهداية التوفيق يردونها إلى هداية البيان والإرشاد، وهذا من أبطل الباطل، وهذا مبني على أصلهم الفاسد وهو قولهم بوجوب فعل الأصلح للعبد على الله قالوا: يجب على الله فعل الأصلح للعبد. وما دام يجب على الله فعل الأصلح للعبد قالوا: فلا يمكن أن يهدي الله أحدا ولا أن يضل أحدا.

وهذا أيضا مبني على أصلهم الآخر، وهو القول بأن أفعال العباد مخلوقة لهم، فالعباد هم الذين خلقوا الهداية والضلال، هم الذين يخلقون الطاعات والمعاصي، ولو خص الله أحدا بالهداية وخذل أحدا لكان ظالما، والله عدل لا يجور.

وكما سبق أن الله له حكمة بالغة -كما سبق- في بيان حكمة الله في تقدير الكفر والمعاصي وغيرها، وأن الذي ينسب إلى الله إنما هو الخلق، وهو مبني على الحكمة، والذي ينسب إلى العبد هو المباشرة والكسب.

ولهذا فإن الهداية والإضلال بيد الله، فالله تعالى يهدي ويضل، والعبد يباشر فيكون هو المهتدي وهو الضال، العبد هو المهتدي وهو الضال، والله يهدي ويضل ﴿ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ(13) ﴿مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(9) ولا بد فيها من أمرين: الهداية والإضلال، هذا من الله، والعبد من هواه، الاهتداء والضلال، المباشرة والكسب. نعم.


(1)الأعلى: 1 - 3
(2) طه: 50
(3) النساء: 165
(4) التوبة: 115
(5) فصلت: 17
(6) الشورى: 52
(7) الإسراء: 15
(8) القصص: 56
(9) الأنعام: 39
(10) السجدة: 13
(11) الصافات: 57
(12) الحجرات: 7، 8
(13) النحل: 93
(14) النحل: 74
(15) الصف: 5
(16) الأنعام: 110
(17) الزمر: 56، 57
(18) الصافات: 22 - 23
(19) محمد: 4 - 6


 مواد ذات صلة: