شرح العقيدة الطحاوية
القرآن كلام الله تعالى

القرآن كلام الله تعالى

القرآن كلام الله تعالى ليس بمخلوق

قال رحمه الله: وإن القرآن كلام الله.

منه بدأ بلا كيفية قولا، وأنزله على رسوله وَحْيًا، وصَدَّقَه المؤمنون على ذلك حقًّا، وأيقنوا على أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية فمَن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر حيث قال تعالى: ﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (1) . فلما أوعد الله بسقر لمن قال إن هذا إلا قول البشر علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر ولا يشبه قول البشر.


"وإن القرآن كلام الله" بالكسر معطوف على قوله: "نقول في توحيد الله بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له، وإن محمد عبده المصطفى، وإن القرآن كلام الله" الكل معمول قول: نقول: إن الله واحد لا شريك له نقول في توحيد الله: "إن الله واحد لا شريك له، ونقول: إن محمدًا عبده المصطفى ورسوله" ونقول: "إن القرآن كلام الله".

القرآن كلام الله، صفة من صفاته، فالقرآن كلام الله -عز وجل- تكلم به وأنزله على نبيه وحيا، وليس بمخلوق كما يقول أهل البدع، وليس معنى قائم بالنفس بل هو كلام الله تكلم به بحرف وصوت يسمع سمعه جبرائيل، وكلم الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج، وسمع موسى كلام الله.

هذا هو الحق الذي عليه أتباع الرسل من أهل السنة والجماعة والصحابة والتابعين وأتباعهم: أن القرآن كلام الله، وأنه صفة من صفاته -عز وجل- وأن الله تكلم بحرف وصوت يسمع، وأنه ليس بمخلوق ككلام البشر؛ خلافا لأهل البدع، ومسألة الكلام مسألة عظيمة، وهي من المسائل الكبار المشهورة التي تنازع الناس فيها، وهي من الصفات العظيمة التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وأهل الحق وبين المخالفين لهم، ففي معنى كلام الله وحقيقة كلام الله مذاهب للناس، وهذه المسألة من المسائل العظام.

ولما كان النزاع فيها شديدا بين أهل السنة وأهل البدع؛ ولما كان الحق قد يلتبس بالباطل لكثرة من خاض في هذه المسألة؛ فلا بد من استعراض المذاهب في هذه المسألة وبيان القول الحق الذي تشهد له الأدلة والنصوص، وتشهد له العقول والفطر لا بد من بيان القول الحق الذي تقتضيه النصوص، وتشهد به العقول السليمة والفطر المستقيمة، والناس تنازعوا في كلام الله على مذاهب، لكن أبرز المذاهب في هذه المسألة ثمانية مذاهب هذه لأهل الأرض جميعا سبعة مذاهب باطلة، والمذهب الثامن هو قول الحق.

ومع كون هذه المذاهب الباطلة سبعا يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-: هذه المذاهب السبعة هي الذائعة بين الناس وبين فضلاء العالم لا يعرفون غيرها مع بطلانها، وهذه المذاهب بعضها فكرية وبعضها مبتدعة.

المذهب الأول مذهب الاتحادية، المذهب الثاني مذهب الفلاسفة، المذهب الثالث مذهب السالمية، المذهب الرابع الكرامية، المذهب الخامس مذهب الكلابية، المذهب السادس مذهب الأشعرية، المذهب السابع مذهب الجهمية والمعتزلة، المذهب الثامن مذهب أهل السنة والجماعة، هذه أبرز المذاهب وهناك مذاهب أخرى لكن ليست مشهورة، لكن هذه أبرز المذاهب، مذاهب أهل الأرض جميعا في مسمى كلام الله ما هو ؟

المذهب الأول مذهب الاتحادية: والاتحادية هم الذين يقولون بوحدة الوجود وأن الوجود واحد يقولون: إن كلام الله كل كلام يسمع في الوجود فهو كلام الله، سواء كان حقا وصدقا أو كذبا وسواء، كان نظما أو نثرا سواء، كان حقا أو باطلا وزورا وبهتانا وسواء كان كلام الأعجميين، أو كأصوات الطيور، أو الحيوانات كله كلام الله، نعوذ بالله من ذلك.

كما قال زعيمهم ابن عربي الطائي رئيس وحدة الوجود:

ألا كل قول في الوجود كلامه *** ســواء علينـا نـثره ونظمـه

لكن موجود في كتابه "الفتوحات المكية"

ألا كل قول في الوجود كلامه *** ســواء علينـا نـثره ونظمـه

فإذا مذهب الاتحادية كل كلام يسمع في الوجود فهو كلامه سواء كان نظما أو نثرا، سواء كان حقا أو باطلا، وسواء كان كلام آدميين أو غيره.

وهذا المذهب مبني على مذهبهم في القول بوحدة الوجود؛ فإن مذهبهم أن الوجود واحد ليس هناك موجودات، ليس هناك رب وعبد ولا خالق ولا مخلوق، بل الوجود واحد الرب هو العبد والعبد هو الرب، والخالق هو المخلوق والمخلوق هو الخالق لا فرق بينهم؛ ولهذا يقول ابن عربي الطائي:

الــرب عبــد والعبــد رب *** يـا ليـت شعري مَن المكلف

إن قلــت عبـد فـذاك ميـت *** أو قـلت رب أنَّـــى يُكَلَّف

إن ثبت عليه الأمر إذن العبد هو الرب، والرب هو العبد أيهما المكلف، إن قلت: عبد فذاك ميت وذاك نفي وإن قلت رب أنَّى يُكَلَّف وقال أيضا رب مالكٌ وعبد هالكٌ، وأنتم ذلك والعبد فقط والكثرة، وهم هؤلاء الاتحادية من أكثر خلق الله أكثر خلق الله هم الاتحادية وهم منافقون زنادقة يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر فهم في الدرك الأسفل من النار، نعوذ بالله من المنافق والمنافقون.

والله -تعالى- يقول:﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ (2) وكل كفر، فجزاء مَن كَفَرَ النار، نسأل الله السلامة والعافية، ليس بعد هذا كفر ليس فوق هذا إنكار كامل لوجود الله فإذن مذهبهم في القول بوحدة الوجود مذهبهم في الكلام مبني على القول بوحدة الوجود وأصل هذا المذاهب نشأ من إنكار مسألة المباينة والعلو أنكروا علو الله على الخلق، وأنكروا مباينته لهذه المخلوقات، قالوا: ليس منفصلًا عنها ولا مبينا لها ولا فوقها وقرروا هذه القاعدة، وهذا الأصل.

فلما تقرر هذا عندهم وهو إنكار مباينة الله للمخلوقات، وإنكار العلو صاروا بين أمور ثلاثة: إما أن يقولوا: إنه معدوم لا وجود له، وهذا ما استساغوه؛ لأن الناس يكذبون، فقالوا: إن الله معدوم كذبوه، وهم منافقون زنادقة؛ لأن هؤلاء الاتحادية يظهرون الإسلام ويخفون الكفر؛ ويدعون الإسلام؛ ولهم مؤلفات تحقق وتنشر ككتاب "الدرة" وغيره تحقق ولهم مؤلفاتهم محققة توجد في كثير من الأقطار العربية وتطبع بورق ثقيل وخط واضح وتحقق.

وهناك من يدافع عن ابن عربي يدافع عنه ويقول: إنه معذور لا تظنوا أن هذا المذهب ما هو موجود مذهب الاتحادية؟ موجود ومنتشر وهناك رجل في السودان على عهد النميري الحاكم الأول يقال له العربي ادعى أن الله حَلَّ فيه، وقال: إنه هو الله والعياذ بالله فلا تظنون أن مذهب الاتحادية ما هو موجود، وهم من أكثر خلق الله بل أكثر خلق الله.

لهذا اقتضى العلماء لبيان هذا الكفر ويدعون أنهم أولياء الله وهم الخواص والعياذ بالله، هذا ابن العربي له مؤلفات وكتب "الفتوحات المكية" وله مؤلفات في الفقه فلا بد من بيان الشرح حتى لا ينطلي على بعض الناس، فلما أنكروا مباينته لخلقه وعلوه فصاروا بين واحد من ثلاثة أمور:

الأمر الأول: أن يقولوا بأن الله معدوم لا وجود له صراحة، وهذا ما استساغوه؛ لأن الناس يكشفون كفرهم؛ وهم زنادقة يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر فاستبعدوا هذا الأمر.

الأمر الثاني: أن يقولوا: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا مغاير له، ولا محايد له، ولا متصل به، ولا منفصل عنه كما قال الجهمية الذين نفوا عن الله النقيضين قالوا هذا أيضا ما استساغوا هذا القول، وقالوا هذا غير متصور ولا يمكن تصور هذا.

فاختاروا القول الثالث: وهو أن الله هو عين المخلوقات، فالخالق هو المخلوق والرب والعبد كل ما تروه هو الرب. قال ابن عربي: "سِرْ حيث شئت فإن الله ثَمَّ وقُل ما شئتَ به فالواسع الله، فكل شيء تراه هو الله، والله هو عين هذه المخلوقات، وهو عين هذه الموجودات". والشيء لا يحايد نفسه، ولا ينافيها فثبت عند هؤلاء الملاحدة أن الله عين هذه المخلوقات؛ فلما ثبت عندهم أن الله عين هذه المخلوقات، قالوا: إن كل كلام في الوجود هو كلامه سواء كان حسنا أو قبيحا، وسواء كان كفرا أو إيمانا، وكل اسم فهو له حسن أو قبيح، وكل صفة فهي له صفة نقص أو كمال، وهذا مذهب كفري شديد بل هم أعظم الناس كفرا، كفى أن يقال: يجرؤ عاقل أن يقول كل كلام يسمع في هذا الوجود كلام الله من الكفر والسب والشتم والغناء والباطل إلى غير ذلك.

وهؤلاء كفرة لا يؤمنون بالله ولا بملائكته ولا بكتبه ولا برسله ولا باليوم الآخر ولا بالقدر خيره وشره فهم أكثر الناس، نسأل الله السلامة والعافية، ومن فروع هذا المذهب أنهم يقولون: إن فرعون مصيب حينما قال: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (3) وكذلك عباد الأصنام والأوثان يكونون على الحق هم على الحق والصواب، وكل من عبد شيئا فهو مصيب من عبد النار فهو مصيب، من عبد الصنم فهو مصيب، ومن عبد النيران فهو مصيب، ومن عبد العجل فهو مصيب كلهم مصيبون، وإنما الكفر بالتخصيص لا تنهى أحدا عن شيء فإذا خصصت شيئا، وقلت: لا يجوز عبادة إلا هذا الشيء فهذا هو الكفر التخصيص.

وابن عربي له مُؤَلَف من مؤلفاته أنه يقول: إن فرعون مصيب حينما قال: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (3) ويقول: إنه أُغْرِق لما أَغْرَقه الله لما أُغْرِق في البحر قال هذا الإغراق تطهير له الحسبان والوحي تطهير له؛ لأنه ظن أنه الرب وحده، وهذا غلط حينما قال ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (3) كل واحد رب فلما حسب هذا الحسبان أغرق تطهيرا له، هذا هو الحسبان ويقول معارضة لكتاب الله إن موسى -عليه الصلاة والسلام- لما أخذ برأس هارون ولحيته حينما عبدوا العجل يقول أخذ برأسه ولحيته يقول لماذا تنهاهم عن العجل وهم على الصواب.

المؤلفات موجودة الآن، وهناك من يدافع عنها، نسأل الله السلامة والعافية، ومن فروع هذا المذهب أنه لا فرق بين الزنى والنكاح، ولا بين الخمر والماء، ولا بين الأم والأخت والأجنبية الكل واحد، ومن فروع هذا الأمر ضيقوا على الناس وبعدوا عليهم الأصول، والواقع وراء ذلك كله، نسأل الله السلامة والعافية.

فالمقصود أن هذا المذهب الكفري هو موجود موجودة مؤلفاته، نبه عليها العلماء، وهناك من يدعي أنهم على الصواب والاتحادية، وأنهم أولياء الله وهناك من يعتذر عنهم فلا بد أن يكون طالب العلم على حذر، وعلى إلمام بهذا المذهب الخبيث الذي هو أكفر مذهب في الأرض، نسأل الله السلامة والعافية، وبهذا القدر نكتفي لئلا نسترسل في الكلام، ونسأل الله للجميع العلم النافع والعمل الصالح، ونسأل الله للجميع السلامة والعافية من الفتن إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين.

س: أحسن الله إليكم يقول السائل: ما قول أهل السنة والجماعة في مسألة حياة الأنبياء في قبورهم أهي حياة حقيقية أم برزخية؟ وإذا قلنا: إنها حقيقية فهي حجة للصوفية الذين يدعون الأنبياء والصالحين ويتوسلون إليهم بالدعاء بحجة أنهم أحياء وإذا قلنا: إنها برزخية لم يكن ثمة فرق بينهم وبين سائر المؤمنين نرجوا توضيح ذلك؟ أفادكم الله.

ج: حياة الأنبياء حياة حقيقية برزخية؛ لكنها لا تشبه حياة الدنيا والروح لها تعلقات بالبدن تختلف فتعلق الروح بالبدن في الحياة الدنيا غير تعلقها به بالبرزخ، وغير تعلقها به في النوم، وغير تعلقها به في يوم القيامة، فالنائم روحه لها تعلق به. فالروح قد تذهب إلى مكان بعيد ولكنها قريبة، فإذا ضربت رجلك جاءت الروح بسرعة، وكما سيأتي في قصة موسى -عليه الصلاة والسلام- رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج ليلة أسري به قائما يصلي، ورآه في السماء السادسة فالروح سريعة فهي حياة برزخية حقيقية، لكنها ليست كحياة الدنيا، والرسول -صلى الله عليه وسلم- والأنبياء ميتون، ولا يقال: إنهم أحياء قال تعالى: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (4) وهذه الحياة البرزخية لا تنافي أنهم ميتون، ولذلك من دعا الأموات فهو كافر، ولو كان الميت حي الحياة البرزخية أنت منهي أن تدعو الميت، ولو كان له حياة برزخية، ولا إشكال في هذا. نعم.

س:أحسن الله إليكم يقول السائل:

إن الله لا يفتقر لوجود خلقه فهو الكامل بذاته وصفاته سبحانه، وبما أن الصفات لا تنفك عن الذات فالفعل ممكن الحدوث فهو موصوف به، وإن لم يحدث في وقت من الأوقات فلماذا يصرف النص عن ظاهره في قوله -صلى الله عليه وسلم- « كان الله وليس معه شيء »(5) أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-.

ج- السؤال يدل على عدم فهم السائل، الله تعالى متصف بفعله والفعل غير المفعول، والفعل وصفه -سبحانه وتعالى- قائم بذاته والمفعول المخلوق المنفصل فلا تخلط بين هذا وهذا، فالرب فعَّال صفة الفعل قائم بذاته، وهو غير المفعول المخلوق المنفصل المخلوق، السماوات والأرض مخلوقة لله، والخلق غير المخلوق والفعل غير المفعول فالخلق وصف الله، والفعل وصف الله، والمفعول المخلوق هو المفعول المنفصل، والله تعالى يوصف بأنه فعال، والمخلوقات منفعلة ليست هي الفعل وليست هي الخلق. نعم.

س- أحسن الله إليكم يقول السائل: هل يجوز القول: ولا يسأل عن الله متى كان؛ لأن الله هو خالق الزمان؟

ج- نعم الله -تعالى- هو أول كل شيء، أول لا بداية له كما أن آخريته لا نهاية لها. نعم.

س- أحسن الله إليكم يقول السائل: ما رأيكم بكتاب "عمر أمة الإسلام وظهور المهدي عليه السلام" وهو كتاب توصل فيه الباحث -وهو من جامعة عربية- إلى أن عُمر أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- ما بين ألف وأربعمائة إلى ألف وخمسمائة سنة استنادا لبعض أحاديث الصحيحة والآثار عن علماء الإسلام الأولين كالسيوطي وغيره؟ حفظكم الله.

ج- ما رأيت الكتاب ولا قرأته، ولكن تحديد عمر الأمة تحديد باطل ليس هناك دليل، ولا أظن يثبت أن هناك تحديد بالسنين لكن الله -سبحانه وتعالى- جعل علامات للساعة وأشراط، وأشراط الساعة الكبار إذا ظهرت كلها فالساعة تعقبها ﴿ فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا (6) كما قال الله تعالى، أما التحديد بالمئات والآلاف فهذا لا دليل عليه ولا يثبت في هذا شيء. نعم.

س- أحسن الله إليكم: جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله عن موسى: « لا أدري هل أفاق قبلي أو لا؟ أم كان ممن استثناه الله »(7) والسؤال من هم الذين استثناهم الله من الصاعقة.

ج- الصواب أن هذا وهم من بعض الرواة كما نبه على ذلك محققون من أهل العلم والحديث كاالعلامة ابن القيم وغيره وأن صواب الحديث: « لا تفضلوني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فإذا موسى آخِذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدرى أفاق قبلي أم جُوزِيَ بصعقة يوم الطور »(8) .

وهذه الصعقة إنما هي صعقة في موقف القيامة، وسببها تجلي الله للخلائق لفصل القضاء حينما يتجلى الله لفصل القضاء خشية، ثم يفيقون فأول من يفيق النبي -صلى الله عليه وسلم- فيجد موسى قائما آخذ بقائمة العرش قال نبينا -صلى الله عليه وسلم- فلا أدري هل موسى صعق فأفاق أم أنه لم يصعق مجازاة له بصعقة يوم الطور وعلى كل حال فهي مَنْقَبَة لموسى، ولكن الفضيلة الخاصة لا تدل على الفضل العام وإنما هي منقبة لموسى أنه لما يزول الصعق، ويفيق نبينا -صلى الله عليه وسلم- يجد موسى قاعدا، قال: « ما أدري هل صعق فأفاق قبلي أم أنه لم يصعق مجازاة له بصعقة يوم الطور؟ »(9) .

أما رواية بعضهم « فلا أدري أفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله »(10) فهذا وهم بعض الرواة؛ لأن الصعق ليس فيه استثناء، لماذا يستثنى، ليس استثناء في صعقة الموت، قال الله تعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ (11) صعقة الموت حين ينفخ إسرافيل في آخر الدنيا، فيصعق الناس ويموتون ولكن هناك مَن يستثنه الله منها الأرواح لا تموت؛ لأنها باقية؛ وكذلك ما في الجنة من الحور وغيرها باقية هذا مما استثناهم الله.

أما صعقة التجلي فليس فيها؛ فالصواب أنها لمن ثبت في حديث البخاري استثناء ولكن هذه اللفظة رأى بعض الرواة « ولا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثناهم الله »(12) صواب، وصواب الحديث ما جاء في الرواية « أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور »(13) أما لفظة « أفاق قبلي أم كان من الذين استثناهم الله »(14) وهم من بعض الرواة كما نبه على ذلك المحققون من أهل العلم والحديث؛ وذلك؛ لأن الصعقة في يوم القيامة التي سببها التجلي لفصل القضاء ما فيها استثناء كل الناس يصعقون إنما الاستثناء في الصعقة التي تكون في آخر الدنيا صعقة الموت، نعم. والله أعلم.

س- أحسن الله إليكم: ما معنى قول وهب بن منبه: "نظرت في القدر فتحيرت ونظرت فيه فتحيرت ووجدت أعلم الناس بالقدر أكفهم عنه وأجهل الناس بالقدر أفقهم به" لا سيما وقد كثر خوض الطلاب في القدر بلا فائدة بعد الدرس في القدر.

ج- لسنا مكلفين بتفسير كلام وهب بن منبِّه، وهب بن منبِّه من العلماء التابعين ومنبه من العلماء الذين أسلموا من بني إسرائيل، قد يكون قوله صوابا، وقد يكون خطأ، ولسنا مُتَعَبَّدِين بأن نفسر كلامه، نعم فنحن نفسر كلام الله وكلام رسوله هذا من الصحة والقدر لا يجب للإنسان أن يخوض فيه، وكما سيأتي -إن شاء الله- في الطحاوية أن قول الطحاوي: "القدر سر الله في الخلق فمن سئل عن فعل فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين" سيأتي -إن شاء الله- لا نستعجل. نعم.

س-أحسن الله إليكم، هل النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل من السموات والأرض ومن ميكائيل وجبرائيل وأفضل من العرش والكرسي وأفضل من كل شيء ؟

ج- نعم ظاهر الأدلة أنه أفضل المخلوقات -صلى الله عليه وسلم- هذا وهو أفضل المرسلين، الصواب وأفضل الملائكة ومسألة تفضيل الأنبياء وتفضيل صالح البشر على الملائكة فيها كلام أهل العلم من العلماء، من قال: إن الأنبياء أفضل ومنهم من قال: إن الملائكة أفضل، ومنهم قال: إن صالح البشر أفضل.

شارح الطحاوية قال: "إن هذه المسألة من فضول الكلام، فالأولى تركها". لكن حقق شيخ الإسلام ابن تيمية هذه المسألة وقال: "إني كنت أظن هذه المسألة من بدع الكلام فتبين لي أنها مسألة أثرية صحابية سلفية، وحقق القول بأن الأنبياء وسائر الرسل أفضل من الملائكة لكن هذا عند كمال حالهم عند دخول الجنة، وإن كان حال الملائكة قد يكون في الدنيا أفضل، لكن في النهاية حال الأنبياء وصالح البشر أفضل". نعم.

س-أحسن الله إليكم في أي كتب السنة ورد لفظ « أعطيت ستا -وفيها وختم بي النبيون »(15) فرواية الصحيحين « أعطيت خمسا لم يعطهن غيري »(16) ولم يذكر فيها « وختم بي النبيون »(17)

ج- « أعطيت ست خصال »(18) أخرجها مسلم عن شرح الطحاوية فارجع إليها. نعم.

س-أحسن الله إليكم هل هناك فرق بين العارف والعالم عند الصوفية.

ج- الصوفية عندهم العارف من المعرفة والعلم، الله تعالى يوصف بالعلم لا بالمعرفة؛ وسيأتي كلام الطحاوي -رحمه الله- وذلك بأن الله ما هو إله معرفة وأن هذا منتقد. نعم.

س- يقول السائل: هل يجوز لنا أكل لحوم مَن يدعي وحدة الوجود.

ج- نعم التحريم لا غيبة إلا لفاسق إذا أظهر فسقه ليس له غيبة، فإذا ما رأيت إنسان يحلق لحيته، وقلت فلان يحلق لحيته هل تكون غيبة؟ لا فهو الذي فضح نفسه إذا المجاهر بالمعصية لا غيبة له، والمجاهر بالبدعة أعظم، والمجاهر بالكفر أعظم وأعظم، فالتحذير من البدع والمنكرات، والتحذير من الكفر ما يسمى غيبة، هذا نصح لله ولرسله، والنصيحة واجبة، التحذير من الكفر والبدع هذا ليس غيبة، والتحذير من الشر حتى إن الميت كما جاء في الحديث: « لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا »(19) لا يسب الميت لكن إذا كان في التحذير من بدعة الميت مصلحة للأحياء نحذر من بدعته حتى لا يتضرر الأحياء. نعم.

س-هل يجوز لنا أكل لحوم ممَن يدعي وحدة الوجود؟

ج- إذا كانت لحوم تعني غيبتهم فقد سبق الجواب، هل يجوز أكل ذبيحتهم أما الذبائح فالكافر لا تصح ذبيحته أما اليهود والنصارى فَمُسْتَثْنَوْنَ، أهل الكتاب قال تعالى: ﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ (20) هذا إذا عرفت أنهم يذبحون على الطريقة الشرعية أو جهلت الحال، أما إذا علمت أنه يذبح بالصعق أو بالكهرباء أو بالخنق هذا، لا تأكل أو يقول حين الذبح: باسم المسيح، فلا تأكل لكن إذا جهلت ما تدري فالأصل حلال للآية، وذلك؛ لأن اليهود وأهل الكتاب مستثنون فكفرهم أخف.

أما الوثنيون وأما المجوس وأما المنافقون فهؤلاء أعظم وأعظم هؤلاء ذبائحهم ولحومهم لا تحل.

س- توجد لدينا جامعة تابعة للصوفية تدرس أمورا كفرية، فما النصيحة التي تقدمونها لنا؟ وما الواجب علينا تجاه أصحابها ؟

ج- الواجب الابتعاد بأنفسكم فلا تدرسوا في هذه الجامعة، وأن تحذروا المسلمين من الدخول فيها تحذروا الناس، وتبينوا ضلالها، وتبينوا أن ما هم عليه كفر وضلال نصحا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. نعم.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فإن مبحث الكلام مبحث عظيم، وهو من المسائل التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وبين المخالفين لهم كما سبق بيان ذلك، وقلنا: إن المسألة فيها ثمانية أقوال للناس في مسمى كلام الله عز وجل.

المذهب الأول مذهب الاتحادية: سبق الكلام عليه بالأمس، والمذهب الثاني مذهب الفلاسفة وأتباعهم، الفلاسفة المَشَّاءون ومن تبعهم من متكلم ومن متصوف كابن سينا والفارابي وابن عربي وغيرهم، الفلاسفة مذهبهم في كلام الله عز وجل أنه خيرٌ فَاضَ من العقل الفَعَّال على النفس الفاضلة الذكية فحصل لها تصورات وتصديقات لحصر ما قبلت منه فكلام الله ليس حرفا ولا صوت، ولكنه معانٍ تفيض على النفوس الفاضلة الذكية.

ويحصل لها تصورات وتصديقات بحسب ما قبلته من هذا الفيض، وهذا المذهب في الكلام مبني على مذهبهم في القول بقِدَم العالم، وأن العالم لازم لله أزلا وأبدا، فالفلاسفة يذهبون إلى أن العالم لازم لله لا ينفك عنه في الأزل، ولا في الأبد كلزوم الضوء للسراج فلا يقولون: إن العالم حادث بل يقولون: إن العالم قديم كقدم الله وهذا المعنى إنكار لوجود الله وأنه واجب الوجود بذاته وأنه الأول الذي ليس قبله شيء فَبَنَوْا على هذا الأصل، وهو القول بقِدَم العالم أن الكلام معنى يفيض على النفس الفاضلة الذكية فيحصل لها تصورات وتصديقات بحسب ما قبلت منه.

وأصل هذا أنهم لم يؤمنوا بالرب الذي أخبر عن نفسه أنه الأول، وليس قبله شيء، والذي عرف اسمه الرسل الفعال لما يريد المتصف بالصفات القادر على كل شيء المتكلم بقدرته ومشيئته؛ لما لم يؤمنوا بالرب -سبحانه وتعالى- الذي وصف نفسه وسماها بأسماء وصفات؛ لما لم يؤمنوا بذلك قالوا: إن العالم قديم، ثم إن الكلام فضل فاض من العقل الفعال.

وحقيقة هذا المذهب الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. فهم لم يؤمنوا برسله فهم كفرة ملاحدة؛ لأنهم لم يؤمنوا بالله ربا وإلها ومعبودا بالحق، وأنه الأول الذي ليس قبله شيء، وأنه الغني بذاته الذي لا يحتاج إلى أحد، وأن له الكمال في أسمائه وصفاته فلم يؤمنوا به بالرب ولا بالملائكة ولم يؤمنوا بالكتب المنزلة ولم يؤمنوا بالرسل، ولم يؤمنوا باليوم الآخر، ولا بالبعث والنشور، ولا بالجنة والنار، ولم يؤمنوا بالقدر فهم كفرة ملاحدة، نسأل الله السلامة والعافية.

وهم يلتقون مع الاتحادية الذين يقولون: الوجود واحد، العبد هو الرب، والرب هو العبد، وهؤلاء يقولون: إن العالم قديم ولازم للرب ولم يثبتوا ربا غنيا خالقا قادرا بمشيئته، وقالوا: إن الرب هو أول هذا العالم، وهو المحرك له، وهو العلة، وهو مبدأ هؤلاء الكفرة، وهو العلة الغائية لحركته هم بهذا يلتقون مع الاتحادية كلهم كفرة كلهم ملاحدة زنادقة، نسأل الله السلامة والعافية.

هذان المذهبان كفريان، ولكن العلماء يذكرون هذه المذاهب؛ لأن الملاحدة تستروا باسم الإسلام، وهم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر والإلحاد، وكذلك الفلاسفة هناك من يظن من الناس أنهم على حق، وأنهم على صواب، وأنهم أهل علم، وأهل قواعد، وأصول فاغتر بهم كثير من الناس من أهل البدع، وظنوا أنهم على حق وصواب، هذان المذهبان كفريان.

المذهب الثالث: مذهب السالمية أتباع هشام بن سالم الجواليقي وتبعهم بعض أتباع الأئمة الأربعة أو بعض من ينتسب للحديث ذهبوا إلى أن كلام الله ألفاظ ومعاني وحروف وأصوات قديمة في الأزل لم تزل ولا تزال ولا يقولون: إن الكلام متعلق بقدرة الله ومشيئته بل يقولون: إن الكلام قديم ألفاظه ومعانيه، والحروف والأصوات وما دامت الألفاظ قديمة فالحروف التي تؤلف هذه الأصوات قديمة، وما دامت المعاني قديمة، فالحروف التي تتألف من هذه الألفاظ قديمة.

وهم يقولون: إن كلام الله نوعان نوع يصنع بواسطة ونوع يصنع بغير واسطة كما سُمِع بجبرائيل وبواسطة كما سَمِع محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- كلام الله بواسطة جبرائيل، لكن الكلام وإن كان لفظا ومعنى، وإن كان بحرف وصوت إلا أنه قديم لم يزل ولا يزال ولا يزال الرب يتكلم في القدم والأزل، وأيضا حروف الكلمات كلمات الرب مقترنة لا يسبق بعضها بعضا. الباء مع السين مع الميم كلها يتكلم بها للرب دفعة واحدة هكذا يقولون.

وقالوا: إن الحروف إنما تسمع متعاقبة بالنسبة لسمع الإنسان وإلا فالحروف مقترنة وشبهتهم في ذلك؛ لأن هذا المذاهب مبني على أن الكلام لا بد أن يقوم بمتكلم وأن الرب ليس محلا للحوادث قالوا: لو قلنا: إن كلام الرب متعلق بقدرته ومشيئته لصار محلا للحوادث لصار يحفظ الكلام في ذاته فلا أقول: إن الكلام متعلق بقدرته ومشيئته بل يقولون: إن الكلام قديم في الأزل لم يزل ولا يزال وإن كانت حروف وأصوات لم يزل الرب يتكلم في القدم والأزل، لكن لا يتعلق الكلام بقدرته ومشيئته متى شاء تكلم بل يقولون: إن الكلام قديم أزلي لا يزال الرب يتكلم الحروف مقترنة.

ولهذا يسمونهم بالأقرانية نسبة إلى الاقتران الذي ذكروا في الحروف، وأن الرب يتكلم بها دفعة واحدة الباء مع السين مع الميم ليست متعاقبة، تأتي السين بعد الياء قالوا لو قلنا: إن الحروف متعاقبة للزم ذلك أن يحدث الحرف الثاني في ذات الرب فيكون ذلك محل للحوادث، وهذا مذهب باطل.

وقولهم: إن الكلام ألفاظ ومعان وحروف وأصوات قائمة بذات الرب فهذا حق، لكن قولهم: إنه لا يتعلق بقدرته ومشيئته فهذا باطل، الرب لم يزل يتكلم الكلام قديم لكن ألفاظه لم تزل حادثة متعلق بمشيئته فهو يكلم جبريل ويكلم الملائكة ويكلم الأنبياء ويكلم الناس يوم القيامة، فالقول بأنه لا يتعلق بقدرته ومشيئته تعطيل للرب من الكمال وتنقص للرب.

فكذلك قولهم: إن الحروف مقترنة وأنه لا يسبق بعضها بعضا تخليط وهذيان مخالفٌ للحِسِّ، وما هو معلوم بالفطرة؛ لأن الكلمة إذا كانت مكونة من حرفين فلا يمكن للمتكلم أن يتكلم بالحرف الثاني إلا بعد الأول، ولا وجود للكلمة إلا بالتعاقب والقول بأنها غير متعاقبة تخليط وهذيان غير متصور، وقولهم: إنه يلزم من ذلك أن تحدث الحروف في ذات الرب، فهذا باطل؛ لأن هذا يلزم بالنسبة للمخلوق أما الخالق فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين؛ لأن الرب لا يشابه المخلوقين لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله سبحانه.

المذهب الرابع مذهب الكلابية: أتباع عبد الله بن سعيد بن كلاب يرون أن كلام الرب معنى قائم بنفس الرب ليس بحرف ولا صوت أن كلام الرب معنى قائم بنفس الرب ليس بحرف ولا صوت ولا يسمع، وهو لازم لذاته كلزوم السمع والبصر والعلم فالكلام معنى قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت ولا يسمع وهو لازم لذات الرب كلزوم الحياة والسمع وللبصر وهو أربع معانٍ في نفسه: الأمر والنهى والخبر والاستفهام.

وأما الحروف والأصوات فهذه الحكاية دالة على كلام الله وليست كلام الله وليس في المصحف كلام بزعمهم بل ما فيه إنما هو حروف وكلمات دالة على كلام الله، وليس هي كلام الله فكلامه الله في نفسه لا يسمع والحروف والأصوات حكاية دالة عليه، وهذا المذهب مبني بأن الكلام لا بد أن يقوم بالمتكلم، وعلى هذا أيضا أن الله ليس محلا الحوادث؛ لأنه لو كان حرفا وصوتا لكان محلا للحوادث ومرارا من ذلك قالوا ليس بحرف ولا صوت، وإنما هي حكاية دالة عليه.

ويُنَاقش هؤلاء الكلابية: أنتم تقولون: إن الحروف والأصوات حكاية عن كلام الله. فحكاية الشيء إنما تكون بالإتيان بمثل الشيء من غير زيادة ولا نقصان ولا تقديم ولا تأخير تقول: حكيت الحديث بعينه تريد أن الرواية مطابقة للحديث من غير زيادة ولا نقص، والحروف والأصوات ليست مطابقة للمعنى القائم بنفس الرب فكيف يقال: إنها حكاية لكلام الله.

ثانيا: لو كانت الحروف والأصوات حكاية عن كلام الرب كما تزعمون فلزم من ذلك أن تكون صفات الله محكية، وله مثل وشبيه والله ليس له مثل ولا شبيه.

ثالثا: لو كانت الحروف والأصوات حكاية عن كلام الله، لكان الناس قد أتوا بكلام مثل كلام الله، وحينئذ يبطل تحديهم، وقد قال تعالى: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (21) وقال أيضا: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (22) .

فلو كانت الحروف والأصوات حكاية لكلام الله لأتى الناس بمثل كلام الله، وهنا يبطل تحديهم أين عجزهم؟

ورابعا: لو كان الحروف والأصوات حكاية عن كلام الله للزم عليه أن يحكي بحرف وصوت ما ليس بحرف ولا صوت، وهذا باطل ومذهب الكلابية مذهب باطل.

المذهب الخامس: مذهب الأشاعرة أتباع أبي الحسن الأشعري يقولون: إن الكلام معنًى قائم بنفس الرب بمعنى واحد قائم بنفس الرب ليس بحرف ولا صوت لا يسمع لكنه معنى واحد، شيء واحد، لا يتنوع لأربع أشياء كما يقول الكلابية الذين يقولون بأن الكلام أربع أنواع: الأمر، والخبر، والنهي، والاستفهام.

أما الأشاعرة فيقولون: بأن الكلام معنًى واحد لا يتعدد ولا يتبعض ولا يتجزأ ولا يتكثر، بل هو معنًى واحد، والحروف والأصوات عبارة دالة عليه، فهذا يقول حكاية، وهذا يقول عبارة، وكونه أمر ونهى وخبر واستفهام قالوا: هذه الصفات الإضافية لهذا المعنى الواحد، ولكنها ليست أنواع بل صفات إضافية لذلك النوع الواحد فهو نوع واحد وهم صفات تضيف لهذا المعنى يكون الخطاب أمر يكون أمرا بالإضافة نهيا بالإضافة وخبرا بالإضافة واستفهاما بالإضافة فهي صفة إضافية كما أن الإنسان له صفات إضافية، فأنت شخص واحد توصف بأنك أب بالإضافة إلى أبنائك، وتوصف بأنك ابن بالإضافة إلى آباءك وتوصف بأنك خال بالنسبة لأولاد الأخت.

وأنت شخص واحد فهذه الصفات إضافية تسمى أباَ وابنا وعما وخالا بالإضافة كذلك كلام الرب بمعنى واحد، وكونه أمرا ونهيا وخبرا واستفهاما من الصفات الإضافية، وقوله: توراة وإنجيل وقرآن وزبور، قالوا: هذا تقسيم للعبارة للدلالات، لا للمدلول، فالمدلول واحد، وهو المعنى القائم بنفس الرب بحسب العبارة كلام الرب معنى قائم بالنفس لكن إن عبرت عنه بالعربية فهو القرآن، وإن عبرت بالعبرانية فهو التوراة، وإن عبرت عنه بالسيريانية فهو الإنجيل، وإن عبرت عنه بالداودية فهو الزبور، وهو شيء واحد ومعنى واحد فقالوا: إن الحروف تقصير بالنسبة للدلالات والعبارات فالحروف والأصوات عبارة دالة عليه.

وبعضهم يرى أنه لا فرق بين مذهب الكلابية والأشاعرة فبعض الأشاعرة يقول: إن المذهب واحد؛ لأن كُلًّا من المذهبين يتفق على أن الكلام معنى قائم بنفس الرب، واتفقوا على أن الحروف والأصوات دالة على كلام الرب فتكون الكلابية قالوا: حكاية والأشاعرة قالوا: عبارة لا يتعلق بغرض علمي فيكون مذهبا الأشاعرة والكلابية متقاربين، ومذهب الأشاعرة هو المذهب الذي يكاد يقنع العقل ويسمون أنفسهم بأهل السنة والجماعة.

وفي بعض الأزمنة طبق الأمر أهل السنة إلا عدد قليل منهم فيسمونهم بأهل السنة أيضا فَمُهِم معرفة مذهب الأشاعرة.

المذهب السادس مذهب الكرامية: وكان الترتيب أن يكون قبل مذهب الكلابية والأشاعرة وهم أتباع محمد بن كرام يقولون: إن كلام الله حروف وأصوات وألفاظ ومعان قائمة بذات الرب ويتعلق بقدرته ومشيئته، فالحروف ألفاظ ومعان وحروف وأصوات وكلام الله متعلق بمشيئته وقدرته يتكلم متى شاء إن شاء إلا أن الكلام حادث في ذاته كان الكلام ممتنعا عن الرب لا يقدر عليه، ثم انقلب فجأة فصار ممكنا.

فقولهم: إن كلام الرب ألفاظ ومعان، حروف أصوات قائم بذاته، ومتعلق بقدرته ومشيئته فهذا حق، وهو موافق لأهل السنة والجماعة لكن قولهم: إن كلام الرب حادث في ذاته فهذا باطل قالوا: إن الكلام كان ممتنعا عن الله، ثم انقلب فجأة فصار ممكنا. كان هناك فترة أولا لا يقدر أن يتكلم ثم انتقل فجأة فصار يتكلم، وهذا مَبْنِيّ على أن القول بأن الكلام قديم يوجب أن تتسلسل الحوادث والموجودات.

قالوا: لو قلنا بأن كلام الرب قديم ليس حادثا لزم التسلسل في الحوادث والموجودات ولو حدث طريق إثبات الأولية، فلا نستطيع أن نثبت أن الله هو الأول وليس قبله شيء ففرارا من ذلك قالوا: إن الكلام كان ممتنعا على الرب، ثم انقلب فجأة فصار ممكنا، وهذا باطل أولا أن الكلام صفة كمال، وصفة الرب الكمال، فكيف يخلو الرب من هذا الكمال في وقت من الأوقات؟!

وإذا خلا من الكمال صار ذلك نقصا، والله لا يوصف بالنقص كان الكلام ممتنعا أي كان عاجزا عن الكلام فوصفتم الله بالنقص، ونفيتم الكمال عنه، وكيف يكون كلامه ممتنعا، ثم يصير ممكنا؟ إذا كانت حال الرب سواء، ولم تتجدد له صفة الكلام، فكيف يكون الكلام ممتنعا كما قالوا، إذن ما الذي جعله ينقلب من الامتناع إلى الكلام إذا كان ممتنعا كما قالوا؟ إذن ما الذي جعله ينقلب من الامتناع إلى الكلام؟

فإذا كان الرب كاملا في صفاته وذاته وأسمائه، وفيها الكمال، ما الذي يجعل الرب يخلو من هذا الكمال في وقت من الأوقات، ويوصف بالنقص والعجز، وهم لم تتجدد له صفة الكلام ولم يستفدها من غيره، فالرب لم يزل ولا يزال متصفا بالكمال من صفاته وأسمائه.

أما القول بأن الطريق ينسد بإثبات الأولية، فنقول: لا ينسد فالله هو الأول، وليس قبله شيء، وهو فعال -سبحانه وتعالى- ويتكلم ويخلق بالكلام، إنما أمره إذا أراد شيئا فإنما يقول له: كن فيكون، وكل فرد من أفراد المخلوقات مسبوق بالعدم، مخلوق بعد أن كان معدوما خلق الله بقدرته ومشيئته، وإذا وصف كل فرد من المخلوقات بهذا فلا يلزم من ذلك أن يكون هناك فترة يعطل فيها الرب.

السابع وهو مذهب الجهمية: وتلقاه منهم المعتزلة فنسب إليهم يقال مذهب الجهمية ومذهب المعتزلة وهو القول بأن كلام الرب ألفاظ ومعان وحروف وأصوات متعلق بقدرته ومشيئته إلا أنه مخلوق خارج عن ذاته، خلقه الرب خارجا عن ذاته فصار به متكلما.

وقولهم: إن كلام الرب ألفاظ ومعان وحروف وأصوات متعلق بقدرته ومشيئته فهذا حق ولكن قولهم: إنه مخلوق فهذا باطل فقالوا: نحن نقول: إن كلام الرب ألفاظ ومعان وحروف وأصوات تتعلق بقدرته فيتكلم متى شاء إذا شاء إلا أن الكلام مخلوق، خلقه خارج عن ذاته فصار به متكلما هذه الحروف والأصوات خلقها خارجة عن ذاته فصار متكلما بها خلقها من الهواء فمن ذلك الجسم ابتدأ الكلام بدأ من الله لا من اللوح المحفوظ، ولا من الجسم.

قالوا: إن الله -تعالى- لما نادى موسى من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة قالوا: إن الله خلق الكلام في الشجرة فهي التي قالت: إنما أرى الله رب العالمين، فإذن يقولون: إن الكلام مخلوق خارج ذاته وإن كان ألفاظا ومعان وحروفا وأصوات بمشيئته إلا أنه مخلوق، وهذا المذهب مبني على نفس الصفات عن الرب لئلا يذهب إلى التشبيه والتجسيد مبني على أنه يلزم لإثبات الصفات للرب التشبيه والتجسيد ومشابهة المخلوقات، ففرارا من ذلك نفوا الصفات، نفوا الصفات فرارا من التشبيه والتجسيد.

هذه سبعة مذاهب، وكلها باطلة وهي التي تدور في العالم لكن هذه المذاهب مذاهب الاتحادية، ومذاهب الفلاسفة، ومذاهب السالمية، ومذاهب الكرامية هذه كلها مذاهب باطلة واضحة البطلان وليست منتشرة انتشارا كبيرا، وقد رددنا عليها وبقية المذاهب المنتشرة والسائدة: الأشاعرة، والكلابية، فالأشاعرة والكلابية يكادان يكونان مذهبًا واحدًا مذهب الأشاعرة مذهب منتشر طبق الأرض حتى إن كثيرا من الفقهاء وغيرهم مذهبهم يتمشى مع مذهب الأشاعرة.

الفقهاء من الحنابلة وغيرهم ومذهب أيضا كثير من الأحناف مذهبهم أشعري بعض الحنابلة حتى صاحب "الروض المربع" أول ما بدأ في الشرح: بسم الله الرحمن فسر الرحمة بالإنعام على طريقة الأشاعرة والإنعام ليست الرحمة، كثير من الفقهاء وغيرهم مذهبهم يتماشى مع مذهب الأشاعرة وقد يوافقهم بعض المحدثين في بعض كالحافظ ابن حجر -رحمه الله- فبعض الصفات أَوَّلَهَا على طريقة الأشاعرة الغضب والرضا والكلام وكذلك النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم يؤول الصفات على طريقة الأشاعرة.

والسبب في هذا أن هؤلاء العلماء الفطاحل المحدثين لم يوفقوا لمن ينشئهم على معتقد أهل السنة والجماعة في سن الطلب ظنوا أن هذا هو الحق.

المحصلة لهم أعمال عظيمة في خدمة الإسلام لكن هذه الأخطاء صدرت منهم عن اجتهاد لم يتعمدوا، ولم ينشئوا مع مذهب أهل السنة والجماعة، فإذا كان هؤلاء العلماء الكبار وقعوا في الغلط ولم يهتدوا إلى مذهب أهل السنة والجماعة، فإذا قرأت ما في الحديث تجد تأويلاتهم الكثيرة فتذكر أقوال كثيرة تأويل اليد خطأ وتأويل السنة والجماعة ولا يزل، فإذا كان بمعتقد أهل السنة والجماعة ولا يزال فإذا كان العلماء الفطاحل زلوا فأنت يخشى عليك أن تزل، فإذن مذهب الأشاعرة مذهب سائد، وكذلك المعتزلة والجهمية ومذهب أهل السنة والجماعة. تبقى هذه المذاهب الثلاث هي المنتشرة الآن.

المذهب الثامن مذهب أهل السنة والجماعة: وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان وأتباعهم والأئمة وهم أتباع الرسل، وهذا الباب عن الرسل مذهبهم في كلام الرب أن الله موصوف بالكلام وأن الكلام من صفاته الذاتية لاتصافه به في الأزل فالله تعالى موصوف بالكلام أزلا وأبدا فهو من صفاته الذاتية لاتصافه سبحانه به في الأزل، ومن صفاته الفعلية لكون الكلام بمشيئة الرب واختياره فالكلام من صفاته الذاتية ومن صفاته الفعلية فهو من صفاته الذاتية؛ لأن نوع الكلام قديم ومن صفاته الفعلية؛ لأن الله يتكلم بقدرته ومشيئته ويتكلم بما شاء إذا شاء كيف شاء سبحانه، وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديما.

وأن كلام الله ألفاظ ومعانٍ بحرف وصوت يُسْمَع وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديما، وأن كلام الرب -سبحانه وتعالى- ليس حالا في المخلوقات ولا متحدا بهم، بل الرب بائن بذاته وصفاته من خلقه منفصل عنهم، والقرآن كلام الله لفظه ومعانيه ليس كلام الله الحروف دون المعاني ولا المعاني دون الحروف، وأما ألفاظ العباد وأصواتهم وحركاتهم وأداتهم وأفعالهم فكل ذلك مخلوق بأمر الله -عز وجل-.

هذا معتقد أهل السنة والجماعة في الكلام أن كلام الله من صفاته الفعلية والذاتية أن الله متصف بالكلام أزلا وأبدا، ومن صفاته الذاتية لأنه مُتَّصِفٌ به في الأزل، ومن صفاته الفعلية لكون الكلام واقعا بمشيئته وقدرته هو يتكلم بما شاء كيف يشاء متى يشاء، وأن كلام الله ألفاظ ومعانٍ بحرف وصوت يسمع، وأن نوعه قديم، ولكن الصوت المعين قديم.

وأن الله بائن من خلقه في ذاته وصفاته، وأن كلام الله ليس حالا في المخلوقات بل هو بائن في ذاته وصفاته -سبحانه وتعالى- وكونه يتكلم بمشيئته وقدرته من لوازم ذاته المقدسة -سبحانه وتعالى- والقرآن كلام الله لفظه ومعناه ليس اللفظ دون المعنى، ولا المعنى دون اللفظ، أما ألفاظ العباد وحركاتهم وأدائهم فكل ذلك مخلوق بائن عن الله عز وجل.

هذه المذاهب الثمانية هي أبرز المذاهب في كلام الرب، وهذه المذاهب تدور على أصلين: الأصل الأول هل كلام الرب واقع بمشيئته واختياره وقدرته أو بغير مشيئته واختياره، والأصل الثاني هل كلام الرب قائم بذاته ومتصف به أو هو خارج عن ذاته ومنفصل عنه.

هذه المذاهب الثمانية كلها تدور على هذين الأصلين، الأصل الأول اختلفوا في ذلك فقال بعضهم: إن كلام الرب واقع بغير مشيئته واختياره، وهم أربعة طوائف:

الأولى قالت: إن كلام الرب واقع بغير مشيئته واختياره، وهو معنى يفيض منه على نفس شريفة تتكلم به وهم الفلاسفة.

وطائفة قالت: إن كلام الرب معنى قائم به ألفاظ ومعان وحروف وأصوات قديمة في الأزل لم تزل ولا تزال وهم السالمية.

وطائفة قالت: بأن كلام الرب واقع بغير مشيئته واختياره وهو معنى قائم بنفسه جامع لأربعة معان: هي الأمر والنهي والخبر والاستفهام وهم الكلابية، وطائفة قالت: إن كلام الرب معنى قائم بنفسه وهو واحد لا يتبعض ولا يتعدد ولا يتكثر وهم الأشعرية هذه أربعة طوائف، وقال بعضهم: إن كلام الرب واقع بمشيئته واختياره، وهم أربعة طوائف:

طائفة قالت: إن كلام الرب واقع بمشيئته واختياره، وهو الذي يتكلم به الناس كلهم وهو يسمع من جميع الناس وهم الاتحادية، وطائفة قالت: إن كلام الرب واقع بمشيئته واختياره وهو ألفاظ ومعان وحروف وأصوات إلا أنه حادث في ذاته كائن بعد أن لم يكن وهم الكرامية.

وطائفة قالت: إن كلام الرب واقع بمشيئته واختياره وهو ألفاظ وحروف ومعان وأصوات إلا أنها مخلوقة خارجة عن ذاته وهم الجهمية والمعتزلة وطائفة قالت: إن كلام الرب قائم بذاته واقع بمشيئته واختياره وهو قديم النوع حادث الآحاد بحرف وصوت يُسْمَع وهم أهل السنة والجماعة.

أما الأصل الثاني: وهو هل كلام الرب قائم بذاته ومتصف به أو خارج عن ذاته ومنفصل عنه، فاختلفوا فيه فقال بعضهم: إن كلام الرب خارج عن ذاته ومنفصل عنه، وهم ثلاثة طوائف:

طائفة قالت: إن كلام الرب خارج عن ذاته ومنفصل عنه، وهو معانٍ تفيض على النفوس الفاضلة الذكية وهم الفلاسفة وطائفة قالت: إن كلام الرب خارج عن ذاته ومنفصل عنه، وهو الذي يتكلم به الناس كلهم حقه وباطله وهم الاتحادية.

وطائفة قالت: إن كلام الرب خارج عن ذاته ومنفصل عنه وهو هذه الحروف والأصوات خلقها خارجة عن ذاته فصار بها متكلما، وقال بعضهم: واقع بذاته متصف به، وهم خمس طوائف:

طائفة قالت: إن كلام الرب قائم بذاته متصف به وهو ألفاظ ومعان وحروف والأصوات لم تزل، ولا تزال، وهم السالمين.

وطائفة قالت: إن كلام الرب قائم بذاته ومتصف به وهو ألفاظ ومعانٍ وحروف وأصوات إلا أنه حادث في ذاته كائن بعد أن لم يكن، وهم الكرامية.

وطائفة قالت: إن كلام الرب قائم بذاته ومتصف به، وهو معنى جامع لا معانٍ هي الأمر والنهي والخبر والاستفهام، وهم الكلابية.

وطائفة قالت: إن كلام الرب قائم بذاته ومتصف به وهو معنى واحد لا يتعدد ولا يتبعض ولا يتجزأ ولا يتكثر وهم الأشاعرة.

وطائفة قالت: إن كلام الله قائم بذاته ومتصف به وهو قديم النوع حادث الآحاد وهم أهل السنة والجماعة فتبين بهذا أن هذه المذاهب ترجع لهذين الأصلين.

والذين أثبتوا الصوت في كلام الله خمس طوائف: طائفة قالت: إن كلام الله بصورة وهو الذي يتكلم به للناس كلهم وهم الاتحادية.

وطائفة قالت: إن كلام الله بالصوت وهذه الحروف والأصوات خلقها خارجة عن ذاته فصار بها متكلما، وهم الجهمية والمعتزلة.

وطائفة قالت: إن كلام الله بالصوت حادث في ذاته كائن بعد أن لم يكن وهم الكرامية.

وطائفة قالت: إن كلام الله بصوت، وهو ألفاظ معان لم تزل، ولا تزل في الأزل وهم السالمية، وطائفة قالت: إن كلام الله بالصوت قديم النوع وحادث الآحاد وهم أهل السنة والجماعة.

والذين لم يثبتوا الصوت ثلاث طوائف: طائفة قالت: إن كلام الله ليس بصوت وهو معنى يفيض على النفس الشريفة فتتكلم بها وهم الفلاسفة.

وطائفة قالت: إن كلام الله ليس بحرف ولا صوت لكنه معنى جامع لأربع معان: الأمر والنهى والخبر والاستفهام وهم الكلابية.

وطائفة قالت: إن كلام الله ليس بصوت، وهو معنى واحد لا يتجزأ ويتعدد ولا يتبعض ولا يتكثر وهم الأشاعرة.

هل الصوت المسموع من كلام الله هل يقال: إنه مخلوق أو غير مخلوق؟ هذا فيه تفسير إن أُرِيدَ به الصوت المسموع عن الله، فهذا كلام غير مخلوق، وإذا أريد به الصوت المسموع عن المبلغ ففيه تفصيل.

وإن أريد به الصوت الذي روي به كلام الله فهذا مخلوق، وإن أريد به الكلام المُؤَدَّى بالصوت فهذا كلام الله.

ومسمى الكلام اختلفوا فيه هل اللفظ أو المعنى؟ قال بعضهم: إن مسمى الكلام حقيقة في المعنى مجاز في اللفظ وهم الأشاعرة، والأصل في الكلام المعنى، وأما اللفظ مجاز.

وقيل: إن الكلام حقيقة في اللفظ مجاز في المعنى، وهذا مذهب المعتزلة، وقيل: إن الكلام حقيقة في كل من اللفظ والمعنى فإطلاقه على المعنى وحده حقيقة وإطلاقه على اللفظ حقيقة، وهذا مذهب ابن علي الجويني: وقيل إن الكلام حقيقة في اللفظ والمعنى على سبيل الجواز فإطلاقه على أحدهما إطلاقه على جزء معناه، وإطلاقه عليهم على سبيل الجمع إطلاق على كل معناه.

وهذا هو الذي عليه أكثر العقلاء وهو: الصواب مسمى الكلام اللفظ والمعنى، ليس مسمى الكلام اللفظ فقط، كما تقول المعتزلة، ولا مسمى الكلام المعنى كما تقول الأشاعرة، ولا مسمى اللفظ وحده والمعنى وحده كما يقول ابن علي الجويني فمسمى الكلام اللفظ والمعنى.

بسم الله الرحمن الرحيم

وقيل: إن الكلام حقيقة في كل من اللفظ والمعنى، فإطلاقه على المعنى وحده حقيقة، وإطلاقه على اللفظ حقيقة، وهذا مذهب أبي علي الجويني، وقيل: إن الكلام حقيقة في اللفظ والمعنى على سبيل الجمع، فإطلاقه على أحدهما إطلاق على جزء المعنى، وإطلاقه عليهما على سبيل الجمع إطلاق على كل المعنى.

وهذا هو الذي عليه أكثر العقلاء، وهو الصواب أن مسمى الكلام اللفظ والمعنى، ليس مسمى الكلام اللفظ فقط كما تقول المعتزلة، ولا مسمى الكلام المعنى كما تقول الأشاعرة، ولا مسمى اللفظ وحده والمعنى وحده كما يقول أبو علي الجويني.

فالمسمى الكلام واللفظ والمعنى، لكي أتكلم أو كلام أو هذا الكلام اسم للفظ والمعنى.

حقيقة مذهب أهل السُّنة والجماعة في كلام الرب -عز وجل-: أن كلام الله محفوظ في الصدور مقروء بالألسن مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور معلوم في القلوب، مقروء مسموع بالآذان، وهو في هذه المواضع كلها حقيقة.

فإذا قيل في المصحف كلام الله فُهم منه معنًى حقيقي، وإذا قيل فيه مداد كتب به فهم منه معنى حقيقي، وإذا قيل: في المصحف خط فلان الكاتب فهم منه معنى الحقيقية.

وإذا قيل المداد في المصحف فالظرفية فيه غير الظرفية المفهومة من قولك: فيه السماوات والأرض وفيه محمد وعيسى، وهي غير الظرفية المفهومة من قولك: فيه خط فلان الكاتب، وهي غير الظرفية المفهومة من قولك: فيه مداد كتب به، وهي غير الظرفية المفهومة من قولك: في المصحف كلام الله.

هذه كلها حقائق فالمصحف فيه كلام الله، وفيه خط فلان، وفيه مداد كتب به وفيه محمد وعيسى يعني ذكر محمد وعيسى وفيه السماوات والأرض أي ذكر السماوات والأرض.

ومن لم يتنبه لهذه الفروق ضل ولن يهتدي إلى الصواب، وكذلك لا بد من الانتباه للفرد بين القراءة والمقروء فالقراءة فعل القارئ والمقروء كلام الرب.

وقد استدل الإمام البخاري -رحمه الله- في كتابه الصحيح على أن أفعال العباد مخلوقة في نصوص التبليغ على أن أفعالهم -ومن ذلك كلامهم وأفعالهم وأصواتهم- كلها مخلوقة، استدل بنصوص التبليغ كقوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ (23) وقوله: ﴿ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ (24) وهذا من رسوخه في العلم، فإن ذلك يتضمن أصلين عظيمين ضل فيها أهل الزيغ:

الأصل الأول: أن المبلغ ليس له من الكلام إلا مجرد التبليغ فليس مُنْشِئًا ولا محدثًا للكلام؛ إذ لو كان الكلام من عنده لكان مُنْشئًا محدثًا للكلام ولم يكن مبلغًا؛ فالمبلغ إنما يبلغ كلام غيره إذا قرأت: « إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى »(25) تقول هذا كلامك أو كلام الرسول؟ كلام الرسول.

وإذا قرأت قول امرئ القيس:

قفـا نبك من ذكرى حبيب ومنزل *** بسقط اللوى بين الدخول فحومل

تقول هذا كلام امرئ القيس، أنت مبلغ عنه، والكلام لامرئ القيس ليس لك. « إنما الأعمال بالنيات »(25) - الكلام للرسول ليس لك، فالمبلغ إنما يبلغ كلام غيره.

الأصل الثاني: أن التبليغ فعل المبلغ وحقيقته أن يورد إلى الموصل إليه ما حمله إليه غيره فله مجرد التبليغ، قد ترجم الإمام البخاري -رحمه الله- في الصحيح في كتاب التوحيد باب قراءة الفاجر والمنافق لا تجاوز حناجرهم، أراد من ذلك أن أفعال العباد وقراءتهم وأصواتهم مخلوقة، هم يقرءون كلام الله بأصواتهم فأصواتهم وقراءتهم هي أفعالهم، والمقروء كلام الله.

وحقيقة كلام الله الخارجية هي ما يسمع منه أو من المبلغ عنه حقيقة كلام الله الخارجية ما يسمع منه كما سمعه جبرائيل، وكما سمعه نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وكما سمعه موسى وكما يسمعون نص كلام الله يوم القيامة، فحقيقة كلام الله الخارجية هي ما يُسمع منه أو من المبلغ عنه، فإذا سمعه السامع فكلام الله له مسموع، وإذا علمه وحفظه فكلام الله له محفوظ، وإذا قرأه فكلام الله له مقروء، وإذا كتبه فكلام الله له مكتوب، وهو حقيقة في هذه المواضع كلها لا يصح نفيها، ولو كان مجازًا صح نفيه.

ولو كان مجازًا لقيل ما قرأ القارئ كلام الله، وما كتب الكاتب كلام الله، وما سمع السامع كلام الله أو ما حفظ الحافظ كلام الله وهذا حق لأن ده فيه خطأ فهو حقيقة في هذه المواضع كلها.

فكلام الله محفوظ في الصدور، معلوم في القلوب، مقروء بالألسن، مكتوب في المصاحف، والفرق بين كون القرآن في زبر الأولين، وبين كون القرآن في لوح محفوظ، وفي كتاب مكنون، وفي رق منشور واضح فإن معنى ﴿ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (26) يعني: ذكره ووصفه والإخبار عنه، وفي زبر الأولين في كتب الأولين، فالقرآن في الإنجيل والتوراة ذكره وخبره، والوصف عنه وليس المراد أن القرآن نزل في التوراة والإنجيل؛ لأن القرآن إنما أنزله الله على محمد -صلى الله عليه وسلم- كما أن فيه خبر النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وأما ما ترى في رق منشور في لوح محفوظ في كتاب مكنون يعني مكتوب فيه؛ ولهذا قال الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- في كتابه، في رسالة سماها "الفقه الأكبر" قال ما معناه:

"وكلام الله في المصاحف مكتوب، وعلى الألسن مقروء، وفي القلوب محفوظ، وعلى النبي -صلى الله عليه وسلم- منزل، ولفظنا في القرآن مخلوق والقرآن غير مخلوق، وما ذكر الله في القرآن عن موسى -عليه الصلاة والسلام -وعن إبليس وفرعون كذلك كلام الله إخبارًا عنهم، وكلام موسى وغيره من المخلوقين مخلوق.

وكلام الله ليس ككلام المخلوقين، يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا، ويتكلم لا ككلامنا" أو كما قال رحمه الله.

والأدلة على ثبوت كلام الرب -عز وجل- وأن الله يتكلم بحرف وصوت، وأن الله موصوف بالكلام كثيرة منها قول الله -عز وجل-... منها: تكلم الله -سبحانه وتعالى- كلام الله لأنبيائه ورسله، وكلام الله مع أهل الجنة قال الله تعالى: ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (27) وقال: ﴿ وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ (28) وقال: ﴿ سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (29) .

ومن السنة ما ثبت في الحديث الذي رواه ابن ماجه: « بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رءوسهم فإذا الرب -جل جلاله- قد أشرق عليهم من فوقهم فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة، فلا يزالون في نعيم حتى يتوارى عنهم فطاب بركة ونورًا »(30) أو كما جاء في الحديث، والحديث وإن كان فيه ضعف إلا أن له شواهد.

ومن الأدلة على أن الله يتكلم، وأن الكلام قائم به قول الله -تعالى- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (31) نفى التكليم عنهم عن أعدائه قال: لا يكلمهم أي لا يكلمهم كلام الله تكليم بل يكلمهم كلام سخط وغضب كما أخبر الله أنه يكلم أهل النار ويقول: ﴿ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (32) .

ونفي الكلام عن أعداء الله يدل على أن الله يكلم عباده مقررًا، ولو كان لا يكلمهم لتساووا هم وأعدائه في عدم الكلام، أي: لو كان لا يكلم أعدائه فسخطه عليهم فهو يكلم أولياءه لرضاه عنهم.

ومن الأدلة قول الله -تعالى- أو قول النبي في الحديث الصحيح: « أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق »(33) « أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر »(34) فالنبي -صلى الله عليه وسلم- استعاذ بكلمات الله، فدل على أن كلام الله غير مخلوق كما تقول المعتزلة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يستعيذ بمخلوق.

فالبخاري -رحمه الله- بَوَّبَ في صحيحه: باب كلام الرب مع أهل الجنة وغيرهم وذكر فيه عدة أحاديث.

ومن الأدلة العقلية على أن الرب يتكلم والكلام قائم به: أن الكلام صفة كمال، والرب -سبحانه وتعالى- لا يخلو من الكلام فلا بد أن يتصف الرب بالكلام، فالكلام صفة كمال، فلا يخلو الرب من هذا الكمال، وعدم الكلام نقص ينزه عنه الرب كما قال الله -تعالى- عن العجل وعُبّاده: ﴿ وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا (35) وقال في الآية الأخرى: ﴿ أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (36) .

فعلى أن عدم الكلام نقص يستدل به على عدم ألوهية العجل، فالعجل ما يتكلم، بنو إسرائيل عبدوا العجل قال الله -تعالى- ﴿ أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا (36) ﴿ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ (35) .

هذا نقص يستدل به على عدم ألوهية العجل، فنفي رجوع القول يدل على عدم ألوهية العجل، وبنو إسرائيل سكتوا ما قالوا: إن الله لا يتكلم فهم في هذه الخصلة أحسن من المعتزلة، المعتزلة قالوا: إن الله لا يتكلم، والكلام مخلوق، وأما بنو إسرائيل الذين عبدوا العجل ما قالوا: ربك لا يتكلم لما قيل لهم: إن العجل لا يتكلم ما قالوا: وربك لا يتكلم فكانوا في هذه الخصلة أحسن من المعتزلة.

ومن الأدلة على أن كلام الله قديم النوع حادث الآحاد قول الله -تعالى-: ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (37) وفي الآية الأخرى: ﴿ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ (38) فقوله "محدث" صريح في حدوث آحاد كلام الله، ولا يفهم من ذلك أن تحل الحوادث في ذات الرب؛ لأن كلام الله لا يماثل كلام المخلوقين، إنما كلام المخلوقين هو الذي يلزم منه الحدوث في ذواتهم، أما كلام الرب فلا يماثل كلام المخلوقين.

ومن الأدلة أيضًا على أن كلام الله آحاده حادثة قول الله -تعالى-: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (39) الله -تعالى- أخبر عن سماعه لكلام المجادلة بلفظ الماضي "سمع" وهذا يدل على أن المجادلة والجدال الذي حصل كان قبل نزول الآية.

ثم نزلت الآية بعد المجادلة فدل هذا على نزول الآية، وأن الرب تكلم في هذه الآية بعد حصول الحادثة، وهي المجادلة.

فالمرأة التي جاءت تجادل النبي -صلى الله عليه وسلم- في زوجها هي خولة بنت حكيم لما ظاهر منها قالت: « أشكو إلى الله صبية إن ضممتهم إليّ ضاعوا أو إليه جاعوا وجعلت تجادل النبي فيقول: "ما أراك إلا حرمت عليه" فجاءت تشتكي إلى الله فقالت: أشكو إلى الله صبية (أولادها الصغار) إن ضممتهم إلي ضاعوا أو إليه جاعوا قالت عائشة -رضي الله عنها- إنه يخفى علي بعض ا) . لكلام من المرأة سبحان من وسع سمعه الأصوات »(5) لكن الله سمع كلامها من فوق سبع سماوات وأنزل: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ (39

فهذا دليل على أن آحاد كلام الله حادثة متى تكلم الله، قد سمع تكلم بعد حصول القصة بعد المجادلة، فهذا دليل على حدوث آحاد كلام الله، وأن كلام الله وإن كان قديم النوع لكن أفراده حادثة، ومثل قول الله تعالى: ﴿ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (40) فالله أخبر عن خروج نبيه -صلى الله عليه وسلم- أول النهار بلفظ الماضي قد غدوت، وهذا يدل على سبق التبوؤ للخبر يعني أن النبي خرج أول النهار وبوأ المؤمنين مقاعد للقتال ثم أنزل الله: ﴿ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ (40) فالتبوؤ والخروج سابق لنزول الآية، وهذا يدل على أن كلام الله أفراده حادثة.

ومثل قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ (41) "ثم" تفيد الترتيب والتراخي، فالخلق والتصوير خلق آدم وتصويره سابق ثم تكلم الله قال للملائكة: اسجدوا لآدم.

والأدلة في هذا كثيرة، والمعتزلة لهم شُبَهٌ في قولهم: إن كلام الله مخلوق وهي موجودة الآن ومنتشرة في فكر تراه، مذهب الأشاعرة والمعتزلة يدرس الآن في بعض البلدان العربية ولهم مؤلفات موجودة حتى كثير من المفسرين الآن غلطوا في هذا فالزمخشري كتابه "الكشاف" مبني على هذا حتى قال البلقيني: "استخرجت من الكشاف اعتزالًا بالمناقيش" بالمنقاش خفي منها أنه قال في قوله -عز وجل-: ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ (42) قال: أي فوز أعظم من الجنة هو قصده بذلك إمكان رؤية الله يوم القيامة الرؤية أعظم نعيم وهو الجنة.

إذا كانت كتب التفسير الآن موجود فيها مذهب المعتزلة فقد يقرأ طالب العلم وينطلي عليه فلا بد لطالب العلم أن يكون على إلمام ببعض الشبه، فمذهب المعتزلة ومذهب الأشاعرة مذهبان منتشران، ومذهب الأشاعرة أكثر ولهم شُبَه، ونحن حينما نستعرض يعني شيئًا من شبههم حتى يكون طالب العلم على شيء من الإلمام بشبههم والرد عليها.

من شبه المعتزلة العقلية أنهم يقولون: إنه يلزم من إثبات الكلام لله التشبيه والتجزيء لو قلنا: إن الله يتكلم والمخلوق يتكلم تشابه الخالق والمخلوق والله ليس كمثله شيء.

والجواب عن هذه الشبهة أن نقول: إننا إذا قلنا: إن الله يتكلم، ولا نعلم كيف يتكلم زالت هذه الشبهة نقول: إن الله يتكلم ليس ككلام المخلوق يتكلم، ولا نعلم كيف يتكلم الله ليس له مثيل لا في ذاته، ولا في صفاته ولا في أسمائه ولا في أفعاله هو يتكلم، ولا نعرف كيف يتكلم قالوا: لو قلنا: إن الله يتكلم لزم من ذلك صوت يخرج من الرئة يكون أضراس يلزم من الكلام أضراس وأسنان ولسان ولثة وشفتان، والله منزه عن ذلك فلا نقول: إن الله يتكلم حتى لا يشابه المخلوقين الذين يتكلمون بألسنتهم ويخرج الكلام من الرئة.

وكذلك أيضًا من الشفتين ومن الأضراس والحروف منها ما يخرج من الأضراس الخ ففرارًا من ذلك قالوا: لا يتكلم نقول: إن الله يتكلم ولا نعلم كيف يتكلم، ونحن نرى بعض المخلوقات تتكلم، ولا نرى كيف تتكلم فهذه الجلود تنطق يوم القيامة والأرجل والأيدي تشهد قال الله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (43) وقال تعالى: ﴿ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ (44) هل الجلود والأيدي والأرجل لها لسان ولها شفتان ولها أضراس؟ قال تتكلم بلا بدون شيء بدون أضراس وأسنان ولا شفة ولا رئة كيف تتكلم؟ كيف تتكلم الجلود كيف تتكلم الأرجل؟ ما نعلم.

كذلك ثبت تسبيح الحصا والطعام بين يدي النبي-صلى الله عليه وسلم- يسبح الحصا والطعام كيف يتكلم الحصا والطعام هل لها أضراس وأسنان، وقال: « إني أعرف الحجر يسلم علي بمكة -عليه الصلاة والسلام »(45) -كذلك الجذع حنَّ وصاح وبكى مثل بكاء الصبي وجعل يهدئه فجعل يهدأ شيئًا فشيئًا كما يهدأ الصبي، الجذع له لسان؟.

إذا كانت بعض المخلوقات تتكلم، ولا نعلم كيف تتكلم فمن باب أولى أن الله يتكلم ولا نعلم كيف يتكلم، وعلى هذا تبطل هذه الشبهة من شبههم يقولون إن الله خلق الكلام في محل لا في محل عند بعضهم وفي محل آخر عند بعضهم مخلوق أضيف إلى الله نقول لهم: الذين يقولون: إن الكلام خلق لا في محل كيف يكون الكلام مخلوقًا لا في محل الكلام معنى من المعاني لا بد أن يقوم بغيره محال أن يكون الكلام مخلوقًا لا في محل.

ونقول للطائفة الثانية الذين يقولون: إنه خلق في محل لكنه أضيف إلى الله فصار الله متكلمًا به نقول كيف يكون الكلام قائمًا بغير ذات الرب، ويكون متصلًا به، الكلام لا بد أن يكون بمتكلم كيف يقولون: إن الكلام مخلوق خارج عن ذات الله فصار الله به متكلمًا لو صح الله أن يوصف الله بكلامه صفات لم تقم به لصح أن يوصف فيما خلقه في غيره من المخلوقات من الصفات من الروائح والألوان والطعوم والطول والقصر لو صح أن يتكلم الله بكلام قام بغيره للزم أن يكون ما خلقه في غيره من الحيوانات، وما أحدثه من الجمادات كلامًا له كما فرض ذلك الاتحادية وهذا باطل.

وكيف يوصف الله بصفة قامت بغيره لو صح أن يوصف الله بصفة قامت بغيره لو صح أن يوصف الشخص بصفة قامت بغيره لصح أن يقال للأعمى بصير، ولصح أن يقال للبصير أعمى؛ لأن الأعمى قام وصف البصر بغيره والبصير قام وصف العمى بغيره وهذا باطل لو كان الكلام بدأ من الله بدأ من غيره وقام به متكلمًا لكان قول فرعون ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (3) صدقًا وهذا باطل.

ومن شُبَههم يقولون: إن الكلام كلام الله مخلوق لكنه أضيف إلى الله إضافة تشريف وتكريم، كما أن البيت بيت الكعبة أضيف إلى الله للتشريف بيت الله والناقة أضيفت إلى الله ناقة الله تشريف والعبد عبد الله أضيف إلى الله تشريف والروح أضيف إلى تشريف، كذلك الكلام أضيف إلى الله وإن كان مخلوقًا كغيره للتشريف والتكريم هذه من شبههم.

والجواب أن هذه الشبهة باطلة وذلك أن المضاف نوعان: النوع الأول أعيان قائمة بذاتها كالبيت والعبد والرسول والروح قال عبد الله، روح الله عيسى روح الله وكلمته، هذا بيت الله ناقة الله هذه إضافة مخلوق إلى خالقه لأنها أعيان قائمة البيت عين قائم بنفسه، الناقة عين قائمة بنفسها، العبد عين قائم بنفسه الروح عين قائم بنفسها، فإذا أضيفت إلى الله فهي إضافة مخلوقة إلى خالقه، وهذه الإضافة للتشريف والتكريم وتقتضي هذه الإضافة التشريف والتكريم لما امتاز به ذلك المضاف من الصفات.

النوع الثاني إضافة معاني وأوصاف لا تقوم بنفسها كالعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام هل هذه تقوم بنفسها هل الكلام ذات قائم بنفسه هل العلم ذات قائم بنفسه، هذه إضافة صفة إلى موصوف إضافة معاني إلى الموصوف وتقتضي هذه الإضافة اتصاف الموصوف بهذه الصفات وقيامها به وهذا فرق بديهي لا ينكره إلا من أنكر المحسوسات.

هذه من أبرز الشبه التي يشبه بها المعتزلة الذين يقولون: إن القرآن ليس كلام الله وإنما هو مخلوق خلقه في غيره فصار به متكلمًا، وبهذا القدر نكتفي ونسأل الله للجميع العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على رسول الله، يقول السؤال: فضيلة الشيخ

س- أليس من الغلط أن تبين الحوادث للربط جملة لاحتمال هذا البحث معنى حق كما يحتمل معنى باطلًا، وعلى هذا فعلى من ينتسب إلى مذهب أهل السنة أن يستفصل عن المراد فإن أريد بحلول الحوادث أن الرب يشبه المخلوقين فإن هذا المعنى يحمل على الرب سبحانه، وإذا أريد يشبه المخلوقين فإن هذا المعنى يحمل على الرب سبحانه، وإن أريد بحلول الحوادث اتصاف الرب بصفات اختيارية فإن هذا المعنى يحمل بكون الرب سبحانه يتصف بصفات اختيارية متى شاء؟.

ج - نعم هذا قلناه، قلنا: إن قولهم يلزم من ذلك حلول الحوادث بالرب ارتبط بكل هذا في الدرس الماضي ذكرنا كل هذا أنه يستفسر إن أردتم أنه يتصف بقيام الحوادث وأنه يحل في شيء من مخلوقاته هذا باطل، وإن أردتم أنه يتصف بالصفات الاختيارية مثل الخلق والتصوير والطي والاستواء والنزول فهذه المعاني ثابتة لله ومتصف بها، ولا يضرنا تسميتكم إياها بأنها حوادث، نعم هذا التفصيل لا بد منه وبيَّنَا هذا.

س- يقول السائل: كيف أجمع بين أن آحاد كلام الله حادثة كما في قصة المجادلة، وأن كلام الله حدث بعد سماع التي تجادل في زوحها، وبين أن القرآن نزل جملة واحدة في اللوح المحفوظ، ثم نزل منجمًا للحوادث ؟

ج- أنت أجبت على السؤال نزل منجمًا على الحوادث منجم يعني نجومًا منجمًا على حسب الحوادث، وهذه من الحوادث، أما القول هذا مروي عن ابن عباس أن الكلام نزل جملة واحدة إلى اللوح المحفوظ هذا قول ابن عباس، وقد يقال إن هذا يتمشى مع مذهب الأشاعرة؛ لأن الأشاعرة كما سيأتي يقولون: إن الكلام معنى قائم بنفس الرب، وأن جبريل ما سمع كلام الله لكن الله اضطر جبريل ففهم المعنى القائم بنفسه فعبر عنه وأحيانًا يقولون: إن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ فالقول فيه كلام.

ورد عن ابن عباس أن القرآن أنزل جملة واحدة إلى بيت العزة، ثم أنزل منجمًا على حسب الحوادث فهذا فيه نظر. قول ابن عباس: وقوله ثم نزل منجمًا على حسب الحوادث هذا هو الجواب يعني أنه إذا حدثت حادثة تكلم الله كما في قصة المجادلة هذا هو التنزيل، التنزيل نزوله شيئًا بعد شيء كلام الله نزول القرآن شيئًا بعد شيء على حسب الحوادث نعم أحسن الله إليكم.

س - هل كلام الأنبياء الموجود في القرآن مخلوق أو غير مخلوق؟

ج- مثل ما سبق عن الإمام أبي حنيفة يقول ما ذكر الله في القرآن عن موسى وعن الأنبياء هذا كلام الله إخبارًا عنهم ما في القرآن قال الله عن موسى: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ (46) هذا كلام الله إخبارًا عن موسى أما كلام موسى الذي يتكلم به مخلوق لكن ما أخبر الله في القرآن عن موسى فهذا كلام الله إخبارًا عن موسى ما أخبر الله في القرآن عن فرعون أنه قال: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (3) هذا كلام الله إخبارًا عن فرعون ما أخبر الله عن إبليس أنه قال امتنع عن السجود لآدم هذا كلام الله إخبارًا عن إبليس، أما كلام فرعون في زمانه هذا مخلوق، وكلام إبليس حينما يتكلم مخلوق، لكن ما ذكر الله في القرآن هذا كلام الله إخبارًا عنهم لا يلتبس الأمر.

س - يقول السائل: هلا بينتم لنا الفرق بين قول السالبية في القرآن وقول الكلابية إذ إن ظاهرهما التشابه.

ج- هناك فرق واضح، السالبية يقولون: القرآن كلام الله ألفاظ ومعان وحروف وأصوات، حرف وصوت موجود في الأزل لا يتعلق الكلام بقدرته ومشيئة تقول لم يزل الرب يتكلم ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ (39) قد سمع الله قول التي تجادلك في الأزل مستمر الكلام هكذا يقولون ألفاظ ومعان وحروف وأصوات تسمع.

أما الكلابية فهناك فرق بينهم من جهتين: الكلابية لا يقولون: إن كلام الله اللفظ والمعنى بس المعنى فقط، وكذلك الأشاعرة والسالبية يقولون اللفظ والمعنى.

ثانيًا: أن الكلابية يقولون: إن كلام الله حرف وصوت يسمع والكلابية والأشاعرة يقولون: كلام الله ليس بحرف ولا صوت الحروف والأصوات هذه مخلوقة، والكلام معنى قائم بنفس الرب لا يسمع خبط خبط واضح نعم. أحسن الله إليك.

س- يقول السائل: من المعروف أن القول بأن الكلام صفة ذاتية فعلية من كلام المتأخرين وكان المتقدمون يقولون بأنه صفة فعلية فهل هم مخطئون ؟

ج - ما قالوها، ما قالوا هذا المتقدمون لم يبتلوا بأهل البدع فهم يقولون القرآن كلام الله ويسكتون لكن لما جاء أهل البدع وتكلموا بكلام الباطل بيَّن العلماء أن كلام الله قديم النوع وهو صفة ذاتية وحادث الآحاد نعم. أحسن الله إليكم

س- يقول السائل ما معنى أن أفراد كلام الله حادثة ؟

ج- على ظاهره أفراد الله يعني حينما يتكلم تأتي المجادلة وتكلمت، تكلم الله حدث الكلام تكلم الله يعني وقع في مشيئته وقدرته يكلم الله الناس يوم القيامة يكلم جبريل، أما نوع الكلام أزلي لم يزل الرب يتكلم. أحسن الله إليكم.

س- يقول السائل: إن البعض يشككون في نسبة كتاب "الفقه الأكبر" للإمام أبي حنيفة النعمان؛ لأن فيه مسائل لم تكن في زمانه فما صحة ذلك؟

ج- ما أعلم هذا، التشكيك هذا كثير الطلبة المتأخرون يشككون في كل شيء. قالوا "الفقه الأكبر" ليس للإمام أحمد، وقالوا كذلك "الرسالة" ليست للإمام أبي حنيفة، رسالة "الصلاة" ليست للإمام أحمد، ورسالة "الزنادقة" ليست للإمام أحمد قال بعض البدع لا يريدون أن تثبت؛ لأن فيه ردا عليهم، هذا التشكيك يحتاج إلى دليل، أما كل من شكك، وقال: إن هذا ليس كلام لا يقبل منهم إلا بدليل نعم. أحسن الله إليكم.

س- هل يجوز القول بأن الأشاعرة من الفرق الثلاث والسبعين التي مأواها النار بسبب مخالفتها لهدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهل يخص ذلك علماءهم.

ج- الله أعلم بهذا لكن الأشاعرة أقرب المذاهب إلى السنة وهم من أهل السنة فيما وافقوا فيه أهل السنة. وأما مسألة كونهم متوعدون يختلف هذا قد يكون إنسان عالم اجتهد وأداه اجتهاده ولم يتعمد يكون معذور كالعلماء كالمحدثين فالحافظ ابن حجر والنووي وغيرهم رحمهم الله هؤلاء علماء خدموا السنة ونفعوا الأمة هل لهم هذه الهفوات هذه الأخطاء غير متعمدة اجتهدوا ولم ينشئوا من قبل مشايخهم على معتقد أهل السنة وأظن أن هذا هو الحق نعم. أحسن الله إليكم.

س- هل رجع أبو الحسن الأشعري في ما فعل في كلام الله تعالى ؟

ج- نعم رجع لكن بقيت عليه بعض الأشياء كما ذكرنا، في الجملة رجع، كما بين في كتاب "الإبانة" كان على طريقة الأشاعرة لكن أتباعه ما رجعوا لكن بقيت عليه بعض الأشياء نعم. أحسن الله إليكم.

س- لماذا لا نستعمل كلمة أزلي في العبارة التالية: كلام الله أزلى النوع حادث الآحاد تفاديًا لاستعمال كلمة القِدَم التي لا تعبر عن أزلية الصفة خاصة وأنكم قد نبهتم عن كلمة قديم في حق الرب سبحانه.

ج- نعم قديم هذا لا يوصف به الرب هذا مثلًا نقول سلطانه القديم هذا وصف وصف للكلام ليس أما وصف الرب معروف هو الأول ليس قبله شيء لكن العلماء يقولون قديم النوع في معنى أنه مراد، له ولهذا قلنا: إن الرب موصوف بالكلام أزلًا وأبدًا، أزلًا وأبدًا، هذا يعني العبارة يتساوى وسلطانه القديم. لذا نعرف أن الرب متكلم به لم يزل الكلام صفة له أزلًا وأبدًا نعم قديم النوع يعني ليس له بداية. أحسن الله إليكم.

س- ورد في تفسير ابن كثير عند كثير عن قول الله تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) قال المصنف: بأيد أي بقوة، فهل هو من تأويل الصفات؟ وهل يجوز جمع يد على أيد؟

ج - ليست منها ليست من تأويل الصفات ليست هذه من الصفات من أيد من أدى يأيد بقوة وقدرة إنما اليد التي يثبت في قوله تعالى: ﴿ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ (48) ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ (49) أما هذا من آد يأيد من قوة بأيد! بقوة ليس المراد اليد التي هي الصفة. نعم وليس هذا من التأويل.

أحسن الله إليكم وجمعنا بكم على طاعته وصلى الله وسلم على نبينا محمد وفق الله الجميع لطاعته.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد

فلا يزال الحديث موصولًا عن صفة الكلام وقلنا: إن هناك ثلاثة مذاهب منتشرة في مسألة الكلام انتشارًا عظيمًا، وهي مذهب أهل السنة والجماعة، ومذهب المعتزلة، ومذهب الأشاعرة.

سبق الكلام على مذهب أهل السنة وأدلتهم، واستعرضنا بعض الشُّبَه للجهمية والمعتزلة الشبه العقلية؛ ولهم شبه شرعية بالأدلة بنصوص من الكتاب والسنة من شبه شرعية، استدلوا على ما ذهبوا إليه من أن القرآن مخلوق، وأن كلام الله مخلوق استدلوا بقول الله --عز وجل-: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ (50) فوجه الاستدلال أنهم قالوا: إن كل من صيغ العموم فتعم كل شيء ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ (50) ويدخل في هذا العموم صفة الكلام، ويدخل في هذا العموم صفة الكلام فيكون الكلام مخلوقًا فيكون القرآن مخلوقًا ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ (50) والقرآن شيء من الأشياء، وكلام الله شيء من الأشياء فيكون مخلوقًا.

أجاب أهل السنة والجماعة عن هذه الشبهة بأجوبة:

الجواب الأول: أن الخالق -سبحانه وتعالى- اسم الخالق يشمل الذات والصفات فصفاته ليست خارجة عن مسمى ذاته فالله -سبحانه وتعالى- بذاته وصفاته هو الخالق، وما سواه مخلوق، فهو الخالق بذاته وصفاته، وكلامه صفة من صفاته ليست خارجة عن مسمى اسمه فالله هو الخالق بذاته وصفاته وما سواه مخلوق.

ويقال للمعتزلة: كيف أدخلتم كلام الله الذي هو صفة من صفاته في هذا العموم وأخرجتم أفعال العباد فقلتم: إن الله لم يخلقها مَن الذي أخرج أفعال العباد عن هذا العموم هذا يدل على أنكم أهل هوى، كيف أخرجتم من هذا العموم أفعال العباد ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ (50) للذوات والصفات والأفعال وأفعال العباد داخلة في هذا العموم فتكون مخلوقة، فكيف أخرجتموها عن عموم الكل وأدخلتم في هذا العموم الكلام الذي هو صفة من صفاته؟

وهذا يدل على أن المعتزلة أصحاب هوى متناقضون كيف يدخلون في هذا العموم صفات الله، صفة الكلام الذي هو صفة من صفات الله الذي هو داخل في مسمى اسمه، ويخرجون عن هذا العموم أفعال العباد فيقولون: إنها ليست مخلوقة لله بل هو خالق لها، هذا يدل على أنهم أهل هوى.

الجواب الثاني: أن الكلام صفة من صفات الله، به تكون المخلوقات فالله تعالى يخلق بالكلام قال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (51) وقد فرق الله -سبحانه وتعالى- بين الخلق والأمر فقال: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ (52) فالخلق شيء والأمر شيء آخر، فلو كان الكلام مخلوقًا ولو كان الأمر مخلوقًا للزم أن يكون مخلوقًا بأمر آخر، والآخر بآخر إلى ما لا نهاية فيلزم التسلسل وهو باطل، ويتبين بهذا أن الكلام صفة من صفات الله به تكون المخلوقات؛ لأن الله يخلق كل شيء ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (51) .

والجواب الثالث: أن عموم كل في كل موضع بحسبه فلما قال الله -عز وجل- في الريح التي أهلك الله بها عاد ﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا (53) تدمر كل شيء هذه من صيغ العموم؛ لكن العموم في كل موضع بحسبه بدليل أن هناك بعض الأشياء ما دمرتها؛ ولهذا قال سبحانه: ﴿ فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ (53) فالمساكن ما دمرتها الريح ولا دمرت الريح السماوات والأرض فالمعنى -والله أعلم- ﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ (53) يصلح للتدمير أو يستحق التدمير عادة.

ومثل قول الله -عز وجل- عن ملكة سبأ: ﴿ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (54) هناك أشياء ما أوتيتها، والمعنى -والله أعلم- وأوتيت من كل شيء يصلح للملوك، فكذلك عموم كل في هذه الآية الكريمة المراد الله خالق كل شيء مخلوق كل شيء المراد به المخلوقات، ولا يدخل في ذلك صفات الله، لا يدخل في ذلك الكلام؛ لأنه صفة من صفاته داخل في مسمى اسمه.

الجواب الرابع: أن فرض مذهب المعتزلة أن تكون جميع الصفات مخلوقة من العلم والقدرة والحياة، وهذا صريح الكفر يعني فرض مذهبهم أن يقولوا كل الصفات مخلوقة، أليس الكلام صفة من صفات الله، فإذا كان الكلام مخلوقًا إذا يلزمكم أن تقولوا: جميع الصفات مخلوقة: العلم، والقدرة، والحياة ومن قال: إن حياة الله مخلوقة فهو كافر كفرًا صراح، إذن فرض مذهبهم يوصل إلى الكفر لكنه لا يلتزم بهذا، لو التزموا كانوا كفارًا صرحاء.

ومن شبههم الشرعية التي استدلوا بها قول الله -تعالى- ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (55) ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا (55) قالوا: "جعل" بمعنى خلق والمعنى إنا خلقناه قرآنا عربيا وهذا يدل على أن القرآن مخلوق أجاب أهل الحق عن هذا الاستدلال بأنه استدلال باطل؛ لأن جعل إنما تكون بمعنى خلق إذن تعدت إلى مفعول واحد لا إلى مفعولين إذا تعدت إلى مفعول واحد جعل تصدر عن خلق كقوله -تعالى-: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (56) ﴿ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ (57) ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (57) ﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا (58) ﴿ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ (59) .

"جعل" بمعنى خلق في هذه الآيات، ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ (56) وخلقنا من الماء كل شيء حي، أما إذا تعدت إلى مفعولين فلا تكون بمعنى خلق وفي هذه الآية تعدت إلى مفعولين ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا (55) كقوله تعالى: ﴿ وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا (60) فلو فسرت جعل بمعنى خلق لفسد المعنى ﴿ وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا (60) هل يستطيع معتزلي أن يقول المعنى وقد خلقتم الله كفيلا، ﴿ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (61) هل يقول المعتزلي الذين خلقوا القرآن عضين ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ (62) هل يمكن أن تفسر جعل بمعنى خلق لا يمكن، وكذلك في هذه الآية ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا (55) لا تكون بمعنى خلق، وبهذا يبطل استدلال المعتزلة بهذه الآية.

الدليل الثالث: استدلوا بقول الله -عز وجل- ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (63) قالوا: هذا وجه الدلالة أن الله أخبر أن القرآن قول رسول، ودل على أن القرآن مخلوق، وليس كلام الله؛ لأن الله نسبه إلى الرسول قال: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ (63) وهو مخلوق، والله خلق الرسول، وخلق كلامه فيكون القرآن مخلوقًا.

أجيب عن هذه الشبهة بأجوبة:

الجواب الأول: أن الله تعالى قال: ﴿ لَقَوْلُ رَسُولٍ (63) والرسول إنما يبلغ عن المرسل فلم يقل: إنه قول نبي، بل قال قول رسول الرسول لا ينشئ الكلام، وإنما يبلغ كلام غيره، فدل على أن الكلام كلام الله، والرسول يبلغ كلام الله، إنه لقول رسول الرسول يبلغ عن المرسل، ولهذا لم يقل: إنه نبي.

الجواب الثاني: أن الرسول جاء في موضعين من كتاب الله -عز وجل- في موضع في سورة التكوير: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (64) وهذا المراد به الرسول الملكي وهو جبريل، وجاء في سورة الحاقة ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (65) وهذه المراد به الرسول البشري وهو محمد -عليه الصلاة والسلام -أي الرسولين أحدث نظم القرآن أي الرسولين على زعمكم أيها المعتزلة أحدث نظم القرآن إن أحدثه محمد امتنع أن يحدثه جبريل، وإن أحدثه جبريل امتنع أن يحدثه محمد.

وهذا يدل على بطلان قولكم هذا يدل على أن المراد أن الرسول مبلغ والله تعالى تكلم بالقرآن وسمعه جبرائيل وبلغه إلى محمد ثم قرأه محمد -عليه الصلاة والسلام -وبلغه الأمة.

رابعًا: أنه قال في وصفه ﴿ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (66) في سورة التكوير والأمين ووصفه بالأمانة يدل على أنه يبلغ ما أرسل به كما أنزل لا يزيد ولا ينقص فجبريل يبلغه كما سمعه من الله -عز وجل- على ما أرسل به لا يزيد فيه ولا ينقص منه.

خامسًا: أن قولكم: إن قول المعتزلة: إن محمد أحدث نظم القرآن هذا القول يجعله داخلًا في الوعيد الذي توعد الله به الوليد بن المغيرة الذين قال الله عنه ﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (67) الله قال توعد من قال بأن هذا القرآن قول البشر بأن يصليه سقر فمن قال إن القرآن قول محمد ومحمد بشر -عليه الصلاة والسلام -فهو داخل في هذا الوعيد ويكون المعتزلة داخلين في هذا الوعيد.

ومن أدلة أهل السنة والجماعة على أن القرآن كلام الله أن الله أخبر بأنه منزل ﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (68) ﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (68) ﴿ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (69) ﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ (70) .

فهذه النصوص صريحة في أن القرآن منزل، اعترض المعتزلة على هذه النصوص التي فيها أن القرآن منزل قالوا: إن الأخبار عن القرآن أنه منزل لا يمنع أن يكون مخلوقًا؛ لأننا نجد أن بعض المخلوقات أخبر الله عنها بأنها منزلة وهي مخلوقة، وقد اتفقتم معنا يا أهل السنة على أنها مخلوقة، فالله تعالى قال عن الحديد: ﴿ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ (71) فالله أخبر عن الحديد أنه منزل؛ ومع ذلك فهو مخلوق؛ وأنتم توافقوننا على هذا.

وقال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ (72) أخبر الله عن الأنعام بأنها منزلة وهي مخلوقة وأنتم توافقننا على هذا قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً (73) أخبر الله أنه أنزل من السماء ماء، والمطر مخلوق وأنتم توافقننا على هذا، الحديد والأنعام والمطر مخلوقة مع أن الله أخبر أنها منزلة فكذلك القرآن مخلوق، ولو أخبر الله بأنه منزل، فلا يمنع أن يكون مخلوقًا.

أجيب عن هذا الاعتراض أجاب أهل الحق أن هناك فرق بين إنزال القرآن وإنزال الحديد والأنعام والمطر. فإنزال القرآن صريح في الآيات أنه منزل من عند الله لا من غيره منزل من عند الله، تنزيل الكتاب من الله العزيز الحميد من الله ﴿ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (69) ﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ (70) ﴿ وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي (74) فهو صريح بأنه منزل من عند الله.

أما الحديد فإن إنزاله مطلق ما أخبر الله أن الحديد منزل من عنده قال: ﴿ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ (71) فهو مطلق وذلك أن الحديد إنما يؤخذ من الجبال والجبال عالية على وجه الأرض فإنزال الحديد يؤخذ من أعالي الجبال؛ وكلما كان أخذ الحديد من أعلى الجبل كان حديده أجود فهذا إنزال من الجبال ﴿ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ (71) .

والأنعام أخبر الله أنها منزلة ﴿ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ (72) وذلك أن الأنعام إنما تخلق بالتوالد والتوالد يستلزم إنزال الذكور الماء من أصلابها إلى أرحام الإناث فهذا إنزال الماء من أصلاب الذكور إلى أرحام الإناث، ثم الأجنة تنزل من بطون الأمهات على وجه الأرض فهذا إنزال.

﴿ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ (72) وأما إنزال المطر قال الله: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ (73) هو مقعد بأنه من السماء والسماء العلو من جهة العلو وأنزلنا من السماء ماء طهورًا، وفي الآية الأخرى ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (75) والمعصرات السحاب الآية الأخرى ﴿ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ (76) والمزن هو السحاب فتبين بهذا الفرق بين إنزال القرآن وإنزال الحديد والأنعام والمطر، وذلك أن إنزال القرآن صريح بأنه منزل من عنده سبحانه بخلاف الحديد والأنعام والمطر.

هذه أمثلة لشبه الأشاعرة حتى يكون طالبي العلم على بصيرة من هذا؛ لأنك لو فتحت "الكشاف" للزمخشري أو غيره تجد هذه التأويلات تجد هذه التأويلات فيكون طالب العلم على بصيرة من أمره إذا عرف بعض الأمثلة يقيس عليها بقية الأمثلة، وهذه موجودة ومُدَوَّنَة في الكتب وفي التفاسير، فطالب العلم حينما يبحث ويقرأ قد ينطلي عليه بعض هذه التأويلات فيكون على بصيرة، ومسألة الكلام من المسائل العظيمة المهمة.

ننتقل إلى شبه الأشاعرة، الأشاعرة وهم طائفة كبيرة يسمون أنفسهم أهل السنة وتأويلاتهم موجودة ومنتشرة في الكتب التي بين أيديكم في كتب الفقه وغيرها في كتب الأصول، أصول الفقه وغيرها، كلها موجودة تأويلات الأشاعرة وقد يسمون أنفسهم أهل السنة، وهم ينافسون أهل السنة في كثير من الأزمان فلا بد للمسلم لطالب العلم على إلمام بحقيقة مذهب الأشاعرة وبيان بعض الشبه التي يركزون عليها حقيقة مذهب الأشاعرة في كلام الله -عز وجل- والقرآن يقولون: إن كلام الله معنى قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت معنى قائم بنفس الرب -عز وجل- والله تعالى لا يُسْمَع منه الكلام بل الكلام معنى قائم بنفسه لا يسمع.

وأما الموجود في المصاحف فهذا عبارة عن كلام الله عبر به جبريل أو عبر به محمد ويسمى ما في المصحف كلام الله مجازًا، ولهذا إذا قلت لبعض الأشاعرة عند التسامح يقول الأشاعرة: المصحف فيه كلام الله يقولون المصحف كلام الله، كلام الله في المصحف لكن عند المناظرة وبيان حقيقة المذهب يقولون: لا ليس في المصحف كلام الله لكن نسميه كلام الله مجازًا؛ لأنه تأدى به كلام الله؛ ولأنه دليل على كلام الله؛ أما كلام الله فهو معنى قائم بنفسه ولهذا -والعياذ بالله- بعضهم قد يدوس في المصحف بين قدميه ويقول ليس فيه كلام الله نسأل الله السلامة والعافية.

فإذن حقيقة مذهب الأشاعرة أن كلام الله معنى قائم بنفسه، وأما النظم المسموع المقروء في المصاحف فهو دليل على القرآن مخلوق فعلى هذا يكون القرآن من شيئين أو كلام الله من شيئين، شيء له نصفان، نصفه غير مخلوق وهو المعنى القائم بنفس الرب والحروف والكلمات مخلوقة فيقولون نصفه مخلوق ونصفه غير مخلوق نصفه مخلوق وهو الحروف والكلمات التي يقرؤها القارئ ونصفه غير مخلوق وهو المعنى القائم بنفس الرب كيف عرف جبريل ما في نفس الله قالوا: لهم أقوال في ذلك بعضهم يقول: إن الله اضطر جبريل ففهم المعنى القائم بنفسه اضطرارًا فعبر عنه فهذا عبارة عبر بها جبريل، الله اضطره ففهم المعنى القائم بنفسه فعبر عنه يعني مثل، مثال ذلك أن يكون عندك أخرس لا يتكلم فيشير إليك بالإشارة ثم تكتب إشارته تفهم إشارته وتكتبها هذا، والعياذ بالله، جعل الله كالأخرس نسأل الله العافية عاجز عن الكلام.

وبعضهم يقول: إن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ وبعضهم يقول: فهمه من الرب؛ لأن الله اضطره ففهم المعنى القائم بنفسه؛ فإذن حقيقة مذهب الأشاعرة أن نصفه مخلوق، وهو الحروف والكلمات ونصفه غير مخلوق، وهو المعنى القائم بنفسه، وهذا يوافق نصف مذهب المعتزلة، المعتزلة يقولون: القرآن مخلوق لفظه ومعناه اللفظ والمعنى مخلوق، والأشاعرة يقولون: معناه غير مخلوق، ولفظه مخلوق.

فهم يوافقون المعتزلة في نصف مذهبهم كما أن الأشاعرة يشابهون النصارى في مسألة اعتقادهم في عيسى، فإن النصارى يعتقدون أن عيسى مكون من شيئين جزء من الإله وجزء من الناس اتحدا وامتزجا فصارا شيئًا واحدًا يقال له المسيح المسيح عيسى ابن مريم فيه جزء من الإله وجزء من الناس امتزجا وصارا هذا هو المسيح عندهم.

والأشاعرة له شبه بهذا المذهب، فإن الأشاعرة يقولون: إن كلام الله معنى قائم بنفسه، وأما الألفاظ والحروف والكلمات دليل يفهم بها المعنى القائم بنفس الرب فإفهام المعنى القديم الذي هو في نفس الرب بواسطة الألفاظ والحروف والكلمات يشبه امتزاج اللاهوت بالناسوت الذي قالته النصارى في عيسى، عيسى النصارى قالوا: امتزج اللاهوت بالناسوت والأشاعرة قالوا: إن القرآن معنى قائم بنفس الرب لكنه لا يفهم إلا بواسطة الألفاظ التي يتكلم بها الآدميون فإفهام المعنى القديم بواسطة اللفظ الذي يتكلم به الآدميون يشبه امتزاج اللاهوت بالناسوت الذي قالته النصارى في عيسى.

كما أن قول الأشاعرة: إن محمدًا أحدث لفظ القرآن؛ لأنهم يقولون إما أحدثه جبريل أو محمد يشبه قول الوليد بن المغيرة عن القرآن إنه قول البشر قال: ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (77) ويتناولهم هذا الوعيد فإن الوليد بن المغيرة قال: ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (77) والأشاعرة قالوا: هذا الذي في المصحف قول البشر فيدخلون في هذا الوعيد من أدلة الأشاعرة على أن القرآن معنى قائم بالنفس لا يُسْمَع ليس بحرف ولا صوت ولا لفظ استدلوا بقول الله تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (78) .

قالوا: وجه الدلالة أن الله قال: ﴿ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ (78) فدل على أن القول إنما يكون في النفس وأما الألفاظ والحروف والأصوات فليست من القول؛ لأن الله قال: ﴿ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ (78) فدل على أن كلام الله معنى قائم بنفسه.

وأجيب عن هذا الاستدلال بجوابين: الجواب الأول جواب بالمنع والجواب الثاني جواب بالتسليم.

الجواب الأول جواب بالمنع، وهو أن نقول: نمنع أن يكون المراد في الآية في قوله: ﴿ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ (78) المعنى القائم بالنفس، وإنما المراد القول سرًا ﴿ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ (78) يعني يقولون سرا يتكلمون بألسنتهم سرا كما قاله أكثر المفسرين، وذلك أن اليهود كانوا يأتون النبي ويقولون سام عليك، والسام الموت، وهم يظهرن أنهم يلقون السلام فيحلفون لله ويقولون سام عليك يعني الموت ثم إذا خرجوا من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- قال بعضهم البعض سرًا لو كان نبيًا عذبنا بقولنا له ما نقول، فأنزل الله ﴿ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ (78) يعني يقولون سرًا فيما بينهم وبين بعضهم إذا خرجوا من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- لو كان نبيًا لعذبنا بقولنا؛ لأننا نقول سام عليك وهذا هو الذي عليه أكثر المفسرين ويؤيده ما ثبت في الصحيحين في الحديث القدسي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال « من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم من ذكرني في نفسه »(79) معناه تكلم سرًا ذكر الله سرًا بدليل قوله: ومن ذكرني في ملأ « من ذكرني في نفسه »(79) يعني سرًا ذكرته في نفسي « ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه »(80) .

الجواب الثاني: جواب بالتسليم وهو أن نقول سلمنا جدلًا ومعنى التسليم أن توافق الخصم من هذه الجهة لترد عليه من جهة أخرى هذا معنى التسليم عندنا معنى التسليم يعني أن توافق الخصم على ما يقوله من هذه الجهة لترد عليه من جهة أخرى مثل الفارس الذي يأتي إلى العدو وقد تحصن بحصن فينصرف يوهم العدو بأنه منهزم فإذا خرج العدو كر عليه فضربه، سلمنا أن قوله تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ (78) قول في النفس وأنه ليس فيه حروف ولا كلمات.

سلمنا جدلًا لكن الآية مقيدة بأنه قول في النفس، وإذا قيد القول بأنه في النفس تقيد وإذا قيد تقيد، ويقولون في أنفسهم ونظيره الحديث الصحيح: « إن الله عفا عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل »(81) فإذا قيد القول بأنه في النفس تقيد هل قيد كلام الله أنه في النفس ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (27) هل قال الله: وكلم الله موسى في نفسه ﴿ وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ (28) هل قال: وكلمه في نفسه، فإذا قيد القول بأنه في النفس تقيد أما إذا لم يتقيد فلا يكون القول في النفس، وإنما يكون قولًا يتكلم به المتكلم حروف وألفاظ وكلمات.

ومن الأدلة التي يركز عليها الأشاعرة وهي منتشرة وموجودة في الكتب الاستدلال ببيت من الشعر منسوب إلى الأخطل.

إن الكـلام لفـي الفؤاد وإنما *** جعل اللسان على الفؤاد دليلًا

وجه الدلالة: قالوا: إن هذا بيت عربي، والقرآن نزل بلغة العرب، وأثبت الشاعر العربي أن الكلام إنما يكون في الفؤاد أي: في النفس، وأما ما يكون في اللسان الحروف والكلمات، واللفظ فهذا دليل على الكلام الذي في النفس فدل على أن كلام الله معنى قائم بنفسه لا بحرف ولا صوت إن الكلام لفي الفؤاد.

الكلام في الفؤاد، وأما اللسان فهو دليل على ما في الفؤاد، والقرآن نزل بلغة العرب وهذا شاعر عربي أثبت أن الكلام إنما يكون في النفس، أما الألفاظ والحروف والأصوات فهي دليل عليه، فدل هذا على أن كلام الله معنى قائم بنفسه ليس بحرف ولا صوت، وهذا هو الذي نقرره هكذا يقول الأشاعرة أجاب أهل الحق عن هذا الاستدلال في أجوبة.

الجواب الأول: أنا لا نسلم أن هذا البيت للأخطل فهذا البيت مصنوع مختلق لا يوجد في ديوان الأخطل وكثير من النحويين ينكرون نسبته إليه فكيف تستدلون ببيت مصنوع مختلق لا أساس له من الصحة منسوب إلى الأخطل خطأ غلط أنتم نسبتموه إلى الأخطل، والأخطل ما قاله بدليل أنه لا يوجد في ديوانه، وبدليل أن النجاة وأهل اللغة أنكروا نسبته إليه وبهذا يبطل استدلاتكم تصنعون بيتًا ثم تستدلون به على كلام الله وكلام رسوله هذا الجواب الأول.

الجواب الثاني: سلمنا وهذا التسليم كما سبق من جهة للرد من جهة أخرى سلمنا بصحة البيت وأن الأخطل قاله لكنه قول واحد من أهل اللغة فلا يقبل حتى يوافقه أهل اللغة، وإذا كان حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يقبل حتى يصح سنده وتعدل رواته ولا يكون شاذًا ولا معللًا فكيف ببيت من الشعر لا يدرى من قاله بيت من الشعر قاله واحد لكن ما وافقه أهل اللغة فيكون شاذًا.

حديث الرسول -عليه الصلاة والسلام -إذا جاء مخالفا للأصول صار علة ما يقبل؛ لأن من شرط الصحيح أن يكون السند متصل، وأن يكون الرواة عدول ثقات، وأن لا يكون الحديث شاذ ولا معلل وهذا بيتي شاذ لا يقبل.

الجواب الثالث: سلمنا صحة البيت وسلمنا نسبته إلى الأخطل سلمنا قبول أهل اللغة له لكن ليس مقصود الشاعر بقوله: إن الكلام لفي الفؤاد. الكلام العاري عن الألفاظ والحروف والكلمات بل مقصود الشاعر أن الكلام الحقيقي هو الذي يهيئه الإنسان في نفسه ويزنه بعقله قبل أن ينطق به ويتروى إن كلامنا في الرد على الكلام الحقيقي الكلام الموزون.

الكلام الذي يتروى فيه صاحبه ويهيئه في نفسه ويزنه في عقله قبل أن ينطق به هذا هو الكلام الحقيقي، أما الكلام الذي يجري على اللسان من دون تَرَوٍ ومن دون نظر فهذا يشبه كلام النائم والهاذي لا قيمة له اللسان إذا أراد أن يتكلم يتكلم بكلام موزون وبكلام مهيأ، ولهذا روي البيت برواية أخرى وهي أقرب إلى الصحة.

إن البيان لفي الفؤاد وإنما *** ....................

إن البيان لفي الفؤاد وهذا أقرب للصحة.

رابعًا: سلمنا صحة البيت وأنه للأخطل وسلمنا موافقة أهل اللغة له وسلمنا أن المراد بالبيت الكلام النفسي العاري عن الحروف والألفاظ لكنه قول نصراني الأخطل نصراني قول نصراني، والنصارى قد ضلوا في معنى الكلام فإن النصارى زعموا أن المسيح هو كلمة الله كلمة كن نفس الكلمة قال النصارى: إن عيسى نفس الكلمة.

وأهل السنة يقولون: ليس نفس الكلمة عيسى مخلوق بالكلمة، وليس نفس الكلمة: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) إذن عيسى مخلوق بالكلمة، هذا عند أهل الحق النصارى يقولون عيسى نفس الكلمة النصارى هم أنفسهم ضلوا في معنى الكلام فكيف تستدل بقول نصراني ضل أفيستبدل بقول نصراني قد ضل في معنى الكلام على معنى الكلام ؟

كيف نستدل بقول نصراني ضل في معنى الكلام على معنى الكلام؟ ويترك ما يعرف بمعنى الكلام من النصوص واللغة.

سادسًا: سلمنا جدلًا الاستدلال بقول النصارى لكن البيت يلزم عليه معنى فاسدًا وهو أن يسمى الأخرس متكلمًا، يلزم على البيت لو سلمنا الاستدلال به معنى فاسدا وهو التسمية الأخرى متكلمًا، لقيام الكلام بنفسه، وإن لم يتكلم به يلزم عليه أن يسمى الأخرس متكلما لقيام الكلام بنفسه، وإن لم ينطق به والأخرس لا يسمى متكلمًا لا شرعًا ولا عقلا ولا لغة ولا حسًا، وبهذا يبطل استدلال الأشاعرة بهذا البيت.

ومما ناقش به أهل الحق الأشاعرة أنهم قالوا: الأشاعرة يقولون: إن الكلام معنى واحدًا لا يتعدد ولا يتجزأ ولا يتكثر معنى واحدًا، والتعدد والتجزؤ والتكثر في الدلالات والعبارات.

قالوا لهم: الله تعالى أخبر أن موسى سمع كلام الله فهل سمع موسى جميع المعنى أو بعض المعنى هل سمع موسى جميع المعنى، أو بعض المعنى إن قلتم سمع جميع المعنى فقد زعمتم أن موسى سمع جميع كلام الله، وهذا باطل، وإن قلتم سمع بعض كلام الله فقد قلتم بالتبعض وأبطلتم مذهبكم بأنفسكم، لا محيد لكم عنهما، إن قلتم سمع جميع المعنى فقد زعمتم أن موسى سمع جميع كلام الله، وإن قلتم سمع البعض فقد قلتم بالتبعض وهذا خلاف مذهبكم.

ومن المناقشات أن يقال: لو كان الكلام معنى قائما بالنفس كما تزعمون أيها الأشاعرة وأن الدلالات والعبارات هي التي تختلف للزم على ذلك ملازم فاسدة منها: أولًا: أن يلزم على قولكم: إن الكلام معنى قائم بالنفس وأنه لا يتعدد ولا يتبعض أن يكون معنى قوله ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ (83) هو معنى قوله: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا (84) وأن يكون معنى قوله: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ (83) هو معنى قوله: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا (84) وأن يكون معنى آية الدين هو معنى آية الربا، وأن يكون معنى ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (85) هو معنى ﴿ تَبَّتْ يَدَا (86) وهذا باطل.

ثالثًا: لو كان الكلام معنى قائم بالنفس وأن المصحف ليس فيه شيء من كلام الله لجاز للمُحْدِث مس المصحف، وهذا خلاف ما أجمع عليه الأئمة الأربعة أنه يجب على المحدث أن يتوضأ لِمَسِّ المصحف، كما جاء في الحديث الذي كتبه النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن حزم: « ألا يمس القرآن إلا طاهر »(87) .

فلو كان المصحف ما فيه كلام الله لجاز للمحدث مسه ولو كان القارئ ما يقرأ كلام الله لجاز للجنب أن يقرأ وهو لم يغتسل وكذلك الحائض عند كثير من الفقهاء على الخلاف في المسألة لو كان الكلام معنى قائم بالنفس للزم أن يسمى الأخرس متكلمًا والأخرس لا يسمى متكلمًا، ويقال للأشاعرة: إن النصوص الكثيرة تبطل قولكم: إن الكلام معنى قائم بالنفس إن كلام الله معنى قائم بنفسه منها قول الله تعالى: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (21) الإشارة إلى أين تعود ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ (21) هل الإشارة تعود إلى ما في نفس الله؟ أو تعود إلى القرآن المتلو المسموع المكتوب في المصاحف لا شك أن الإشارة تعود إلى القرآن المتلو بالألسن المكتوب في المصاحف؛ لأن ما في نفس الله غير مشار إليه ما في نفس الله غير مشار إليه ولا متلو ولا مسموع.

وكذلك قوله: لا يأتون بمثله الضمير يعود إلى ما في نفس الله، أو إلى ما في هذا القرآن المتلو المكتوب في المصاحف، لا شك أنه يعود إلى ما في المصحف؛ لأن ما في نفس الله لا حيلة إلى الوصول إليه فهو غير متلو، وغير مسموع كذلك أيضًا قول الله -عز وجل- ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ (88) .

صريح في أن الذي يسمعه المشرك كلام الله، ولم يقل حتى يسمع ما هو عبارة عن كلام الله كما تقولون حتى يسمع كلام الله، دل على أن السامع إنما يسمع كلام الله والقارئ إنما يقرا كلام الله كذلك أيضا من الأدلة ما ثبت في الأحاديث الصحيحة: « أن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث ألا تكلموا في الصلاة »(89) وحديث « إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتهليل قراءة القرآن »(90) أو كما ورد.

وقد أجمع العلماء على أن الإنسان المصلي لو تكلم عامدًا بغير مصلحتها بطلت صلاته، وقد أجمعوا أيضًا على أنه لو حدث نفسه بشيء في صلاته، وأن ما يقوم في القلب من تصديق بأمور دنيوية وطلب لا يبطل الصلاة فحديث النفس الذي يكون في القلب من تصديق بأمور دنيوية وطلب لا يبطل الصلاة وإنما يبطله عندما يتكلم بلسانه عامدًا لغير مصلحتها، فدل على أن الكلام إنما هو لفظ ومعنى، والكلام الذي يتكلم به اللسان بلسانه دل على أن كلام الله لفظ ومعنى وأن الله تكلم به بحرف وصوت يسمع.

ومن الأدلة أيضًا ما ثبت في الصحيحين عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه قال: « إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل »(91) ففرق النبي -صلى الله عليه وسلم- بين حديث النفس وبين الكلام، وأخبر أن الله عفا عن حديث النفس وأن ما تكلم به الإنسان بلسانه لا يعفى عنه فدل على أن الكلام لفظ ومعنى حروف وأصوات.

ومن الأدلة أيضًا ما ثبت في السنين من حديث معاذ -رضي الله عنه- لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- « ألا أدلك على ملاك ذلك كله … »(92) في حديث معاذ الطويل لما سئل النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فسأله الرجل « … عن عمل يدخله الجنة ويبعده عن النار قال: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله لا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله ثم أخذ بلسان نفسه ثم قال: كف عليك هذا قال معاذ فقلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوهم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم »(93) .

فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الإنسان إنما يؤاخذ بما يتكلم به بلسانه فدل على أن الكلام ألفاظ ومعاني حروف وأصوات وكذلك كلام الله -عز وجل- تكلم به كلام الله اسم للمعنى واللفظ جميعًا والله تكلم به وحرف وصوت يسمع بهذا يتبين أن مسمى كلام الله المعنى واللفظ جميعًا، وأن كلام الله بحرف وصوت يسمع والحق أن التوراة والإنجيل والزبور والقرآن كلهم من كلام الله وكلام الله لا يتناهى، ولو كان البحر ومد بسبعة أبحر وجعل ما في الأرض من الأشجار كله أقلام والبحار مداد يكتب به لتكرث الأقلام ونفذت مياه البحر وما نفذت كلمات الله: ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (94) ﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (95) .

فهذه المسألة مسألة الكلام مسألة عظيمة اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وبين المخالفين لهم، والتبس الأمر على كثير من الناس، ولا سيما مذهب الأشاعرة ثم مذهب المعتزلة فينبغي لطالب العلم أن يعتني بهذا الأمر، وأن يعتني بالنصوص، وأن ينبغي لطالب العلم أن يعتني بهذا الأمر، وأن يعتني بالنصوص، وأن يتأمل حينما يقرأ في الكتب حتى لا يلتبس عليه معتقد أهل السنة والجماعة المأخوذ من نصوص الكتاب والسنة من كتاب الله وسنة رسوله في مذهب المعتزلة والأشاعرة المبني على الأراء والأهواء والشهوات. نعم اقرأ وإن القرآن كلام الله.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام الطحاوي-رحمه الله تعالى-:

"وإن القرآن كلام الله منه بدا بلا كيفية قولًا".

وإن القرآن كلام الله، الطحاوي الآن يقرر مذهب أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله يعني لفظه ومعناه، هذا هو الأصل، فالكلام هي لفظة تشمل اللفظ والمعنى، وإن القرآن كلام الله لفظ ومعنى منه بدا.

هذا فيه الرد على المعتزلة والرد على الأشاعرة فإن المعتزلة لا يقولون منه بدا يقولون بدا من شيء آخر بدأ من الشجرة أو بدأ من الهواء أو بدأ من اللوح المحفوظ خلقه الله في اللوح المحفوظ فأضافه إليه إضافة تشريف وتكريم وكذلك الأشاعرة لا يقولون منه بدا بل يقولون: لم يبد منه شيء، الكلام معنى قائم بنفسه لم يبد ما سمع منه ما سمع جبريل كلامًا ولا لفظًا ولا حرفًا ولا صوتًا وإنما جبريل هو الذي أحدث لفظ القرآن أو أحدثه محمد لأنه فهم المعنى القائم بنفس الرب اضطره الله ففهم المعنى أو أن الله خلقه في الهواء وأخذه من الهواء.

وأهل السُّنة يقولون: القرآن منزل غير مخلوق منه بدا وإليه يعود، فالقرآن كلام الله منزل نزله الله ﴿ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (69) غير مخلوق كما تقوله المعتزلة منه بدا، بدا من الله ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى (27) وإليه يعود في آخر الزمان في آخر الزمان.

من أشراط الساعة الكبار التي تعقبها الساعة مباشرة أشراط الساعة كما هو معروف عشرة:

أولها: خروج المهدي في آخر الزمان يبايع له اسمه اسم النبي -صلى الله عليه وسلم- وكنيته أبو عبد الله محمد المهدي، يملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا، يبايع له في وقت ليس للناس فيه إمام، فيه أحاديث كثيرة بعضها صحيح وبعضها ضعيف وبعضها موضوع فهي ثابتة.

ثم يخرج الدجال في زمنه يدعي الصلاح، ثم يدعي النبوة ثم يدعي الربوبية، ثم ينزل عيسى ابن مريم يقتله، ثم يخرج يأجوج ومأجوج ثم بعدها تتتابع أشراط الساعة، تهدم الكعبة -والعياذ بالله- ثم يصلي الناس إلى الجهة ثم ينسوا الجهة وينزع القرآن من الصدور ومن السطور في آخر الزمان؛ إذا ترك الناس العمل به نزع من صدورهم من صدور الرجال، ونزع من المصاحف، فيصبح الناس لا يجدون في صدورهم آية ولا في المصاحف آية -نعوذ بالله- إذا ترك الناس العمل به. هذه هي أشراط الساعة.

ومنها الدخان الذي يملأ الأرض، ومنها طلوع الشمس من مغربها، ومنها الدابة، ثم يعقب ذلك نار تخرج من قعر عدن تسوق، الناس إلى المحشر فهو شرط من أشراط الساعة، وقوله: "وإليه يعود" يعني يعود إلى الله في آخر الزمان، فالقرآن منزل غير مخلوق منه بدا، بدا من الله، وإليه يعود في آخر الزمان يعود إلى الله حينما يترك الناس العمل به فينزع من صدور الناس ومن المصاحف -نسأل الله السلامة والعاقبة- نعم.


(1) المدثر: 26
(2) النساء: 145
(3) النازعات: 24
(4) الزمر: 30
(5)
(6) محمد: 18
(7) البخاري : أحاديث الأنبياء (3398) , وأحمد (3/33).
(8) البخاري : أحاديث الأنبياء (3398) , وأحمد (3/33).
(9) البخاري : أحاديث الأنبياء (3415) , ومسلم : الفضائل (2373) , والترمذي : تفسير القرآن (3245) , وأحمد (3/33).
(10) البخاري : الخصومات (2411) , ومسلم : الفضائل (2373) , والترمذي : تفسير القرآن (3245) , وأبو داود : السنة (4671) , وأحمد (2/450).
(11) الزمر: 68
(12) البخاري : الخصومات (2411) , ومسلم : الفضائل (2373) , والترمذي : تفسير القرآن (3245) , وأبو داود : السنة (4671) , وأحمد (2/450).
(13) البخاري : أحاديث الأنبياء (3398) , وأحمد (3/33).
(14) البخاري : الخصومات (2411) , ومسلم : الفضائل (2373) , والترمذي : تفسير القرآن (3245) , وأبو داود : السنة (4671) , وأحمد (2/264).
(15) مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (523) , وأحمد (2/411).
(16) البخاري : التيمم (335) , ومسلم : المساجد ومواضع الصلاة (521) , والنسائي : الغسل والتيمم (432) , وأحمد (3/304) , والدارمي : الصلاة (1389).
(17) مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (523) , وأحمد (2/411).
(18) البخاري : الجهاد والسير (2977) , ومسلم : المساجد ومواضع الصلاة (523) , وأحمد (2/411).
(19) البخاري : الجنائز (1393) , والنسائي : الجنائز (1936) , وأحمد (6/180) , والدارمي : السير (2511).
(20) المائدة: 5
(21) الإسراء: 88
(22) يونس: 38
(23) المائدة: 67
(24) الشورى: 48
(25) البخاري : بدء الوحي (1) , ومسلم : الإمارة (1907) , والترمذي : فضائل الجهاد (1647) , والنسائي : الطهارة (75) , وأبو داود : الطلاق (2201) , وابن ماجه : الزهد (4227) , وأحمد (1/25).
(26) الشعراء: 196
(27) النساء: 164
(28) الأعراف: 143
(29) يس: 58
(30) ابن ماجه : المقدمة (184).
(31) آل عمران: 77
(32) المؤمنون: 108
(33) مسلم : الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2708) , والترمذي : الدعوات (3437) , وابن ماجه : الطب (3547) , وأحمد (6/409) , والدارمي : الاستئذان (2680).
(34) أحمد (3/419).
(35) الأعراف: 148
(36) طه: 89
(37) الأنبياء: 2
(38) الشعراء: 5
(39) المجادلة: 1
(40) آل عمران: 121
(41) الأعراف: 11
(42) آل عمران: 185
(43) يس: 65
(44) فصلت: 21
(45) مسلم : الفضائل (2277) , والترمذي : المناقب (3624) , وأحمد (5/105) , والدارمي : المقدمة (20).
(46) الصف: 5
(47) الذاريات: 47
(48) ص: 75
(49) المائدة: 64
(50) الرعد: 16
(51) يس: 82
(52) الأعراف: 54
(53) الأحقاف: 25
(54) النمل: 23
(55) الزخرف: 3
(56) الأنبياء: 30
(57) الأنبياء: 31
(58) الأنبياء: 32
(59) الأنعام: 1
(60) النحل: 91
(61) الحجر: 91
(62) البقرة: 224
(63) الحاقة: 40
(64) التكوير: 19 - 20
(65) الحاقة: 40 - 42
(66) التكوير: 21
(67) المدثر: 18 - 26
(68) غافر: 2
(69) فصلت: 2
(70) النحل: 102
(71) الحديد: 25
(72) الزمر: 6
(73) المؤمنون: 18
(74) السجدة: 13
(75) النبأ: 14
(76) الواقعة: 69
(77) المدثر: 25
(78) المجادلة: 8
(79) البخاري : التوحيد (7405) , ومسلم : الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2675) , والترمذي : الدعوات (3603) , وابن ماجه : الأدب (3822) , وأحمد (2/251).
(80) البخاري : التوحيد (7405) , والترمذي : الدعوات (3603) , وابن ماجه : الأدب (3822) , وأحمد (2/251).
(81) البخاري : الطلاق (5269) , ومسلم : الإيمان (127) , والترمذي : الطلاق (1183) , والنسائي : الطلاق (3433) , وأبو داود : الطلاق (2209) , وابن ماجه : الطلاق (2040) , وأحمد (2/491).
(82) آل عمران: 59
(83) البقرة: 43
(84) الإسراء: 32
(85) الإخلاص: 1
(86) المسد: 1
(87) مالك : النداء للصلاة (468).
(88) التوبة: 6
(89) النسائي : السهو (1221) , وأبو داود : الصلاة (924) , وأحمد (1/415).
(90) مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (537) , والنسائي : السهو (1218) , وأبو داود : الصلاة (930) , وأحمد (5/447) , والدارمي : الصلاة (1502).
(91) البخاري : الطلاق (5269) , ومسلم : الإيمان (127) , والترمذي : الطلاق (1183) , والنسائي : الطلاق (3435) , وأبو داود : الطلاق (2209) , وابن ماجه : الطلاق (2040) , وأحمد (2/393).
(92) الترمذي : الإيمان (2616) , وابن ماجه : الفتن (3973) , وأحمد (5/231).
(93) الترمذي : الإيمان (2616) , وابن ماجه : الفتن (3973) , وأحمد (5/231).
(94) الكهف: 109
(95) لقمان: 27


 مواد ذات صلة: