شرح العقيدة الطحاوية
الرد عل شبه نفاة الرؤية

رؤية المؤمنين لربهم

أقوال أهل العلم في رؤية المؤمنين لربهم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام الطحاوي -رحمه الله تعالى-:

والرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفية .


بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: والرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفية بين المؤلف -رحمه- الله هنا، واعتقد أهل السنة والجماعة في أن الرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفية، ولم يذكر الرؤية قبل دخول الجنة والرؤية قبل دخول الجنة فيها ثلاثة أقوال لأهل العلم:

القول الأول: أن المؤمنين يرون بهم في المحشر في الموقف في المحشر قبل دخول الجنة لا يراه إلا المؤمنون خاصة.

القول الثاني: أنه يراه المؤمنون يراه أهل الموقف جميعًا مؤمنهم وكافرهم، ثم يحتجب عن الكفرة فلا يرونه بعد ذلك.

القول الثالث: أنه يراه المؤمنون والمنافقون لما ثبت في حديث الصحيح في صحيح البخاري بل في الصحيحين: من أن الكفرة يساقون إلى النار وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، وأن الله يتجلى لهم هذه ثلاثة أقوال لأهل العلم، لا يراه إلا المؤمنون في المحشر يراه أهل الموقف مؤمنهم وكافرهم، ثم يحتجب عن الكفرة فلا يرونه بعد ذلك يراه المؤمنون والمنافقون، أما رؤية المؤمن لربه في الجنة هذه لا شك فيها خاصة لأهل الجنة بعد الموقف، ومسألة الرؤية من أشرف مسائل أصول الدين، وهي رؤية الله في الآخرة رؤية الله رؤية المؤمنين لربهم في الجنة من أشرف مسائل أصول الدين، وهي التي لأجلها شمر المشمرون وتنافس المتنافسون، ولأجلها حرم الذين هم عن ربهم محجوبون وعن بابه مطرودون، مسألة الرؤية من المسائل العظيمة، وهي من المسائل التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وبين المخالفين لهم من أهل البدع كمسألة الكلام، وكذلك أيضًا مسألة العلو، علو الله فوق سماواته فوق عرشه، هذه المسائل الثلاث وهذه الصفات الثلاثة هي العلامة الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدع، خذوها قاعدة من أثبت رؤية الله في الآخرة، وأثبتت كلام الله، وأن الله يتكلم بحرف وصوت، وأن كلام الله لفظ ومعنى، وأثبتت رؤية الله في الآخرة فهو من أهل السنة، ومن أنكرها أو نفاها فهو من أهل البدعة، نعم.

الرؤية والكلام والعلو من أثبتها فهو من أهل السنة

الرؤية والكلام والعلو هذه الصفات الثلاث من أثبتها فهو من أهل السنة، من أثبت رؤية الله في الآخرة وأثبت كلام الله وأن الله يتكلم بحرف وصوت وأن كلام الله لفظ ومعنى، وأثبت العلو وأن الله فوق السماوات مستو على عرشه بائن من خلقه فهو من أهل السنة، ومن أنكرها فهو من أهل البدع، هذه هي العلامة الفارقة بين أهل السنة والجماعة، ومسألة الرؤية مسألة أيضا اشتد النزاع فيها مثل الكلام بين أهل السنة وبين أهل البدع، فأهل البدع لهم مصنفات ومؤلفات الأشاعرة لهم مؤلفات والمعتزلة لهم مؤلفات والخوارج الإباضية لهم مؤلفات فهم يستعرضون أدلة أهل السنة ويرددون عليها، كما أننا نستعرض أدلة الخوارج والمعتزلة وأدلة الأشاعرة ونرد عليها.

هم كذلك يستعرضون الأدلة التي نستدل بها ويردون عليها، ولهم مؤلفات قد وزعت بعض الرسائل من سنتين، بعض الطوائف وزعوا رسالة في المسجد الحرام فيها نفي الرؤية ونفي الكلام ونفي العلو والفوقية ويقولون: إن هذا هو الحق فيردون على أهل السنة ويسمون أنفسهم أهل الحق والاستقامة، فلا تظنون أن بحث مثل هذه المسائل ليس بعيدا عنا بل هم موجودون الآن الذين يتبنون نفي الرؤية من المعتزلة والخوارج الإباضية وكذلك الكلابية والأشعرية، هم موجودون الآن موجودون بين أظهرنا، ولهم مؤلفات موجودون في القديم والحديث؛ ولذلك ينبغي على طالب العلم والحريص على اتباع السنة ومنهج السلف الصالح وأهل السنة والجماعة، إذا أطلق السلف الصالح المراد هم الصحابة والتابعون أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية وهم الطائفة المنصورة وهم السلف الصالح وأتباعهم بإحسان.

س: بعض الإخوان يسأل عن السلف وعن السنة أو عن السلفية إذا أطلقت وحدها قد تكون فرقة ينظر هل هي ملتزمة بالسنة أو غير ملتزمة بها؟

ج: إذا قيل: السلف الصالح المراد بهم الصحابة والتابعون والتابعون لهم بإحسان لكن أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية وهم الطائفة المنصورة أما إذا قيل: السلفية هذه السلفية أو السلف فقط ما من خلف إلا وله سلف لكن إذا قيد السلف بالسلف الصالح، فالمراد بهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان؛ ولهذا بعض الناس يشكل عليه الجماعات السلفية وغير السلفية ينظر هذه السلفية إذا كانوا ملتزمين بما عليه السلف الصالح بما عليه الصحابة والتابعون بما عليه أهل السنة والجماعة بما عليه الفرقة الناجية فهم على الحق؛ لأن النبي قال لما بين الفرق وأن هذه الأمة تفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل: من هي يا رسول الله قال: « من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي »(1) هذا هو الميزان، الميزان هو ما كان عليه الرسول --صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام السلف الصالح وهم أهل السنة والجماعة وهم الفرقة الناجية، ومن خالفهم فليس منهم ولو سمى نفسه بالسلفية أو سمى نفسه باسم آخر.

أقوال المذاهب في رؤية الله في الآخرة

والواجب على الإنسان أن يلزم الحق وأن يبحث عن ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فيعمل به ويعمل بما قرره أهل السنة والجماعة من الحق المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فالرؤية -رؤية الله في الآخرة- مسألة عظيمة من أشرف مسائل أصول الدين اختلف الناس في رؤية الله في الآخرة على ثلاثة مذاهب مشهورة:

المذهب الأول : مذهب أهل السنة والجماعة وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان ومن تبعهم من الأئمة أن الله يُرى في الآخرة بالأبصار عيانًا مواجهة لهم، وهذا مذهب الصحابة والتابعين والأئمة وتابعوهم وأئمة الدين كالأئمة الأربعة -أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد- وسفيان الثوري وأبي عمرو والأوزاعي والليث بن سعد وأبي يوسف وغيرهم من الأئمة والعلماء وكذلك أيضًا سائر الفقهاء وأهل الحديث كلهم على هذا الاعتقاد، وكذلك بعض الطوائف التي تنتسب إلى الحديث كالكرامية والسالمية، كلهم يثبتون أن الله يرى في الآخرة بالأبصار عيانًا مواجهة، فهم يثبتون رؤية الله بالإبصار ويثبتون أيضًا الفوقية، وأنهم يرون ربهم من فوقهم فهم يثبتون الأمرين يثبتون الفوقية والعلو ويثبتون الرؤية.

المذهب الثاني: نفي الرؤية في الآخرة يقولون: الله لا يُرى في الآخرة لا يُرى بالأبصار، وليس له جهة وليس له مكان فهم نفوا الرؤية ونفوا الفوقية، وهذا مذهب الجهمية والمعتزلة والخوارج والإمامية، فإن الإمامية لهم قولان: القدماء من الأمامية وهم الرافضة يثبتون الرؤية، وجمهور المتأخرين ينفون الرؤية، فجمهور المتقدمين يثبتون الرؤية وجمهور المتأخرين ينفونها فيكون نفي الرؤية هو مذهب الجهمية والمعتزلة والخوارج، وجمهور المتأخرين من الإمامية ويسمون الإمامية؛ لأنهم يقولون: بإمامة اثني عشر إمامًا فهم ينفون الأمرين ينفون الرؤية وينفون الفوقية والعلو، فيقولون: إن الله ليس له مكان فليس فوق المخلوقات بل هو في كل مكان - نسأل الله السلامة والعافية- ويقولون: إن الله لا يُرى في الآخرة ينفون الأمرين عكس مذهب أهل السنة يثبتون الأمرين يثبتون الفوقية والعلو والرؤية بالأبصار فهو يُرى بالأبصار عيانًا في الآخرة وهؤلاء يقولون: لا يرى وليس له مكان ليس فوق ولا يُرى.

المذهب الثالث: مذهب بين مذهب أهل السنة وبين مذهب الجهمية يقولون: إن الله يرى لا في جهة أثبتوا الرؤية ونفوا الفوقية والعلو فقالوا: يُرى لا في جهة وهذا مذهب طائفة من الكلابية والأشاعرة مذهب الأشاعرة أثبتوا الرؤية ونفوا الفوقية والعلو فهم مذبذبون بين هؤلاء وبين هؤلاء فهم أخذوا أثبتوا الرؤية فكانوا مع أهل السنة ونفوا العلو والفوقية فكانوا مع المعتزلة وتجدهم دائمًا في الغالب أن مذهب الأشاعرة مذبذب بين هؤلاء وبين هؤلاء، ولهذا يسميهم بعض العلماء خناثى لا أنثى ولا ذكر فهم في مبحث الرؤية كانوا مع أهل السنة في إثبات الرؤية وهم مع المعتزلة في نفي الفوقية والعلو، وكذلك في مبحث الكلام كما سبق يقولون: الكلام لفظ ومعنى المعنى حقيقة كانوا مع أهل السنة في أن المعنى حق، وكانوا مع المعتزلة في أن اللفظ مخلوق، فهم بين هؤلاء وبين هؤلاء فتكون المسألة فيها ثلاثة مذاهب:

أهل السنة يثبتون الرؤية والفوقية، الجهمية والمعتزلة، والخوارج وجمهور الإمامية المتأخرين ينفون الرؤية والفوقية، الكلابية والأشاعرة يثبتون الرؤية وينفون الفوقية والعلو.

أدلة أهل السنة في مسألة إثبات الرؤية

وأهل السنة اعتصموا بالكتاب والسنة، واستدلوا بالنصوص الكثيرة من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- واستدلوا أيضًا بالإجماع والعقل الصريح؛ إذن أدلتهم استدلوا بالكتاب واستدلوا بالسنة واستدلوا بالإجماع واستدلوا بالعقل الصريح وأدلتهم كثيرة .

لكن من أدلتهم من القرآن الكريم قول الله تعالى: ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (2) المؤمنون لهم ما يشاءون فيها أي: الجنة ولدينا مزيد هي رؤية الله في الآخرة، فسرها العلماء بأن المزيد هو رؤية الله في الآخرة .

الدليل الثاني قول الله -تعالى-: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ (3) والحسنى المراد بها الجنة، والزيادة النظر وإلى وجه الله الكريم كما جاء تفسير ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم بأن « الزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم »(4) .

الدليل الثالث من القرآن الكريم قول الله -تعالى-: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (5) ناضرة الأولى بالضاد من النضرة والبهاء والحسن، ﴿ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (6) الثاني بالظاء من النظر بالعين، ووجه الدلالة من الآية على أن الله يرى في الآخرة أن الله -سبحانه وتعالى- أضاف النظر إلى الوجه أن الله أضاف النظر الوجه الذي هو محله وعداه بأداة إلى الصريحة في نظر العين وأخلى الكلام من قرينة تدل على خلاف موضوعه وحقيقته، فدل على أن المراد النظر بالعين التي في الوجه إلى الرب -جل جلاله-؛ لأنه أضاف النظر إلى الوجه الذي هو محله وعداه بأداة إلى الصريحة في نظر العين، وأخلى الكلام عن قرينة تدل على خلاف موضوعه وحقيقته فدل على أن المراد النظر بالعين التي في الوجه إلى الرب -جل جلاله- وذلك أن النظر له عدة استعمالات بحسب صلاته وتعديته بنفسه فإذا عدى بنفسه، النظر إذا عدي بنفسه معناه التوقف والانتظار كقوله تعالى: ﴿ انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ (7) يعني توقفوا وانتظروا وإذا عدي بفي فمعناه التفكر والاعتبار كقوله: ﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (8) وإذا عدي بإلى فمعناه المعاينة بالأبصار كقوله: انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه وهنا إلى ربها ناظرة معناه النظر بالعين،

الدليل الرابع قول الله تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (9) وجه الدلالة أن الله -سبحانه وتعالى- أخبر أن الكفار محجوبون عن الله فلا يرونه فدل على أن أولياءه يرونه، وإلا لو كان المؤمنون لا يرونه لتساووا هم والكفار في الحجب، فلما أن حجب الكفار دل على أن المؤمنين لا يحجبون وبهذا استدل الإمام الشافعي- رحمه الله- فقال: لما أن حجب هؤلاء في السخط دل أن أولياءه يرونه في الرضا، هذه أمثلة من الكتاب العزيز على إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، .

وأما السنة فالأحاديث فيها متواترة رواها من الصحابة نحو ثلاثين صحابيًا فهي متواترة في الصحاح والسنن والمسانيد رواها نحو ثلاثين صحابيًا ساقها العلامة ابن القيم -رحمه الله- في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح فهي متواترة ومن المعلوم أن المتواتر يفيد العلم القطعي فلا تجوز مخالفته ومع ذلك خالف الجهمية والمعتزلة هذه النصوص، وهي متواترة من أمثلتها ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: « أن ناسًا قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: هل تضامون في رؤية القمر ليلة البدر قالوا: لا يا رسول الله قال: هل تضامون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب قالوا: لا يا رسول الله قال: فإنكم ترونه كذلك »(10) .

الدليل الثاني : ما ثبت في الصحيحين من حديث جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- قال: « كنا جلوسا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: إنكم ترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته »(11) .

الدليل الثالث: حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: « وجنتان من فضة آنيتها وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن يروا ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن »(12) رواه الشيخان.

الدليل الرابع: حديث عدي بن حاتم -رضي الله عنه- وفيه: « وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له فيقول: ألم أبعث إليك رسولًا فيبلغك؟ فيقول: بلى يا رب فيقول: ألم أعطك مالًا وأتفضل عليك؟ فيقول: بلى يا رب »(13) والشاهد في الحديث قوله: « وليس بينه وبينه حجاب »(14) هذا صريح في الرؤية.

الدليل الخامس: ما ثبت في صحيح مسلم من حديث صهيب الرومي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « إذا أدخل أهل الجنة الجنة نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم موعدا عند الله يريد أن ينْجزكموه فيقولون: ما هو؟، ألم يبيض وجوهنا؟ ألم يثقل موازيننا؟ ألم يدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟ قال: بلى فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إليه وهي الزيادة »(15) رواه الإمام مسلم في صحيحه، هذه أمثلة من النصوص المتواترة، وهي كثيرة كما سبق رواها نحو ثلاثين صحابيًا في الصحاح والسنن والمسانيد، وهي صريحة في رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، ولما ساق العلامة ابن القيم -رحمه الله- هذه النصوص قال بعد ذلك فكأنك تشاهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول ذلك ويبلغه للأمة ولا شيء أقر لأعينهم منه، وشهدت الجهمية والفرعونية والرافضة والقرامطة والباطنية وفرق الصابئة والمجوس واليونان بكفر من اعتقد ذلك وأنه من أهل التشبيه والتجسيد وساعدهم على ذلك كل عدو للسنة وأهلها، والله ناصر كتابه وسنة رسوله ولو كره الكافرون.

الرد عل شبه نفاة الرؤية

يقول: إن هؤلاء الجهمية والفرعونية والرافضة وغيرهم شهدوا بأن من أثبت الرؤية شهدوا بكفره شهدوا بأنه كافر وقالوا: إنه من أهل التشبيه والتجسيد، هل الجهمية والمعتزلة والرافضة وغيرهم يكفرون من أثبت الرؤية من قال: إن الله يُرى في الآخرة يقولون:: كافر لماذا؟ قالوا: لأنه شبه الله بخلقه؛ لأنه جسد الذي يرى هو الجسم الذي يكون محدودا ومجسما الذين يكون محدود وجسم، أما الرب فلا يُرى فليس بجسم وليس محدود ليس له مكان يحصره فليس له مكان ولا يُرى، هكذا يقولون: فقالوا: من أثبت العلو وأن الله لو مكان وأثبت الرؤية فهو كافر لأنه مشبه ومجسم، فإذن هم أهل البدع يكفرون أهل السنة والجماعة ما موقف نفاة الرؤية من هذه النصوص؟ هل وقفوا مكتوفي اليدين؟ هل وقفوا مكتوفين؟ أو أجابوا عنها، أجابوا عن هذه النصوص من الكتاب والسنة تأولوها وحرفوها وقالوا: على لسان بشر المريسي؛ بشر المريسي جهمي معتزلي جهمي قالوا: إن المراد بالرؤية في هذه الأحاديث الرؤية القلبية وهي العلم المراد الرؤية القلبية وهي العلم، فمعنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: « ترون ربكم كما ترون القمر »(16) تعلمون أن لكم ربًا كما تعلمون أن هذا القمر قمرًا قالوا: المراد العلم « ترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته »(16) قالوا: المعنى تعلمون ربكم فيه لا تعتريكم فيه الشكوك والريب كما تعلمون في القمر أنه قمر وليس المراد الرؤية بالأبصار لكن أنتم أيها المشبهة يعنون أهل السنة توهمتم أن المراد الرؤية بالأبصار وهذا تشبيه منكم وتنقص للرب فليس المراد الرؤية بالبصر؛ لأن هذا تشبيه وتجسيد، وإنما المراد الرؤية بالقلب وقالوا: واللغة العربية تدل على ما قلنا فالعرب تقول للأعمى: ما أبصره! يعني ما أعلمه تقول للأعمى: ما أبصره! يعني ما أعلمه المراد العلم وتقول العرب: نظرت في المسألة وليس للمسألة جرم ينظر إليها وليس المراد الرؤية كما توهمون بالأبصار؛ لأن الله تفى ذلك عن نفسه بقوله: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ (17) والدليل على ما قلنا أن الرؤية بمعنى العلم نصوص كثيرة منها قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (18) يعني ألم تعلم فدل على أن الرؤية في هذه النصوص المراد بها العلم هذا هو جواب نفاة الرؤية عن هذه النصوص.

أجاب أهل السنة عن هذا الاعتراض بأجوبة:

الجواب الأول : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فسر الرؤية في هذه الأحاديث برؤية البصر النبي -صلى الله عليه وسلم- قرن التفسير بالحديث فلم يدع لمتأول مقالًا فالتفسير مقرون بالحديث، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر »(19) وهذا صريح في رؤية العين رؤية البصر الثاني أن تفسير الرؤية بالعلم تفسير مخالف لتفسير النبي -صلى الله عليه وسلم- مع كونه لم يؤثر عن عالم لم يفسر الرؤية في هذه الأحاديث بالعلم إلا جاهل ظالم فكيف يترك تفسير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المقرون بحديثه إلى تفسير جاهل ضال ليس له مستند ولا يؤثر عن عالم؟

الجواب الثالث: أن أهل اللغة أجمعوا على أن اللقاء إنما يكون معاينة بالأبصار، فنقل أبو العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب نقل إجماع أهل اللغة أن المراد باللقاء في قول الله -عز وجل-: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ (20) أن اللقاء هو المعاينة بالأبصار بسند صحيح فأجمع أهل اللغة على أن اللقاء هو المعاينة بالأبصار.

رابعًا: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « إنكم ترون ربكم كما ترون القمر »(21) فأدخل كاف التشبيه على ما المصدرية الموصولة بترون التي تؤول مع صلتها بالمصدر، وهي الرؤية فيكون المعنى إنكم ترون ربكم كرؤية الشمس والقمر، وهذا ومعلوم أننا نرى الشمس والقمر بأبصارنا من فوقنا، فيجب أن تكون رؤية الله كذلك بالأبصار من فوق.

الخامس: أننا لا ننكر أن الرؤية لها معان متعددة تكون الرؤية بالبصر وتكون الرؤية بالقلب وتكون الرؤية رؤية الحلم كقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: « رأيت ربي في أحسن صورة »(22) يعني في النوم، فالرؤية تكون بالبصر وتكون الرؤية بالعلم، وتكون الرؤية رؤية الحلم في النوم، ولكن لا بد من قرينة تبين المعنى المراد، وأي قرينة فوق هذه القرينة فوق قوله -صلى الله عليه وسلم-: « إنكم ترون ربكم كما ترون الشمس صحوا ليس دونها سحاب »(23) ؟فهل هذا مما يتعلق برؤية البصر أو مما يتعلق برؤية القلب وهل يخفى هذا على ذي البصيرة؟.

السادس: أن تفسير الرؤية بالعلم تفسير مخالف لتفسير النبي -صلى الله عليه وسلم- ومخالف للغة ويترتب عليه فساد المعنى مع ما فيه من المعاندة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن تفسيركم أيها النفاة للرؤية بالعلم تقولون: إنكم ترون ربكم كما ترون القمر أي: تعلمون أن لكم ربًا لا تشكون في ربوبيته كما لا تشكون في القمر أنه قمر، هذا الشك زائل عن المؤمنين وعن الكفار يوم القيامة؛ لأنه في موقف القيامة كل يعلم ريه حتى الكفرة حتى النفاة حتى من أنكروا وجود الله إذا كان يوم القيامة علموا بربهم وتيقنوا ربهم، فالشك في الربوبية زائل عن جميع أهل الموقف مؤمنهم وكافرهم والنبي -صلى الله عليه وسلم- خص المؤمنين بالرؤية وبشرهم هذه البشرى؟ ما قيمة هذه البشرى وما فائدة التخصيص إذا كان المراد بالرؤية العلم؟ لأن العلم حاصل لجميع أهل الموقف مؤمنهم وكافرهم كلهم إذا وقفوا يوم القيامة عرفوا ربهم وعلموا ربهم ولا يشكون فيه، فما قيمة تخصيص المؤمنين بالرؤية؟ ما قيمة بشرى النبي -صلى الله عليه وسلم- للمؤمنين بأنهم يرون ربهم يوم القيامة؟ ما فائدة تخصيص المؤمنين بالرؤية؟ فتفسير الرؤية بالعلم في هذه الأحاديث مع كونه مخالفًا للغة يفسد فيه المعنى ولا يكون الحديث معنى سليمًا مع ما فيه من المعاندة للرسول -صلى الله عليه وسلم- .

قال النفاة للرؤية لما أجيبوا بهذه الأجوبة قالوا: ألجأنا إلى نفي الرؤية إلى نفي رؤية الله في الآخرة حكم العقل بأن رؤيته -تعالى- محال لا يتصور إمكانها هذا هو الذي ألجأنا الذي ألجأنا إلى أن نفينا رؤية الله في الآخرة حكم العقل بأن رؤية الله -تعالى- محال لا يتصور إمكانها؛ لأنهم يرون كما سيأتي في أدلتهم أن الله ليس بجسم ولا داخل العالم ولا خارجه، وما كان كذلك لا تمكن رؤيته قالوا: حكم العقل هو الذي ألجأنا لهذا حكم العقل بأن رؤية الله محال لا يتصور وجودها ولا يتصور إمكانها، أجاب أهل السنة بأن هذه دعوى منكم خالفكم فيها أكثر العقلاء قولكم: إن العقل يحكم بأن الرؤية محالة هذه دعوى خالفكم فيها أكثر العقلاء، بل لو عرض على العقل السليم موجود قائم بنفسه لا يمكن رؤيته لحكم بأن هذا محال، فأكثر العقلاء يخالفونكم في هذا لو عرض على العقل السليم بأن هناك موجود قائم بنفسه لا تمكن رؤيته لحكم بأن هذا محال دليل أهل السنة من الإجماع قالوا: أجمع الصحابة والتابعون ومن بعدهم من الأئمة والعلماء على أن الله -تعالى- يُرى في الآخرة بالأبصار أجمع على هذا الصحابة والتابعون قبل مجيء الجهمية والرافضة والمعتزلة والخوارج أجمع الصحابة والتابعون ومن بعدهم من الأئمة على أن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم عيانا في الآخرة، وما زال العلماء والأئمة وأهل السنة يتناقلون هذا الإجماع يرويه المتأخر عن المتقدم، والمتقدم يورثه للمتأخر يقدرون ذلك ويفتون بذلك ويقولون: بذلك ويتجملون بذلك ينقلون هذا بعضهم عن بعض ويتوارثونه جيلًا عن جيل وقرنًا بعد قرن بل كان من أكثر رجائهم وأجزل ثوابهم عند الله أنهم يرونه في الآخرة أعظم نعيم من الله يلقاه أهل الجنة هو رؤية الله في الآخرة، فأنتم أيها النفاة نفيتم أعظم نعيم يعطاه أهل الجنة وهو الرؤية، وقد نقل البيهقي -رحمه الله- إجماع الصحابة على إثبات الرؤية وأن الصحابة أجمعوا على ذلك، ولا زال أهل السنة والجماعة والأئمة والعلماء يؤلفون المؤلفات ويعدون من أنكر الرؤية أنه معطل من أهل التعطيل، ومن تراجمهم باب إثبات الرؤية والرد على الجهمية ويعدون من أنكر الرؤية من أهل التعطيل، ومن مؤلفاتهم: باب الوعيد لمنكر الرؤية كما فعل شيخ الإسلام وغيره -رحمه الله- فثبت بهذا إجماع الصحابة ومن بعدهم من التابعين والأئمة والعلماء على إثبات رؤية الله في الآخرة قبل مجيء نفاة الرؤية،.

أما دليلهم من العقل قالوا: إن الرؤية أمر وجودي لا يتعلق إلا بموجود، وما من أكمل وجودا كان أحق بالرؤية من غيره والله -تعالى- أكمل وجودا من غيره فهو أحق أن يرى من غيره يوضح ذلك أن تعذر الرؤية إما لخفاء المرئي وإما لضعف وآفة في الرائي والله -تعالى- ليس به خفاء فهو أظهر من كل موجود، وإنما تعذرت رؤيته في الدنيا لضعف القوة الباصرة، فإذا كان يوم القيامة نشئ المؤمنون تنشئة قوية بجوارح وأبصار قوية يتحملون بها رؤية الله في الآخرة، أما في الدنيا فلا يستطيعون أن يروا الله لا يستطيع البشر لضعف بشريتهم أن يروا ربهم في الدنيا، ولهذا لما سأل موسى ربه الرؤيا قال: ﴿ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ (24) فلما تجلى الله للجبل تدكدك الجبل وخر موسى صعقًا، وإذا كان الإنسان في الدنيا الآن لا يستطيع أن يرى الشمس ويحد بها، وهي مخلوقة فكيف يستطيع أن يرى الله؟ بل إن الإنسان لا يستطيع أن يرى الملك على صورته إلا إذا قواه الله، قال الله -تعالى-: ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا (25) ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ (26) يعني لمات لا يستطيع الإنسان أن يرى الملك على صورته والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما رأى الملك على صورته رعب رعبًا شديدًا وذهب إلى زوجته، وقال: دثروني دثروني وقواه الله، فإذا كان الإنسان البشر لا يستطيعون أن يروا الملك على صورته ولا يستطيع أن يرى الشمس ويحدق فيها ويحدق فيها وهي مخلوق فيكف يستطيع أن يرى الله في الدنيا؟ لا يستطيع البشر أن يروا الله لكن في الآخرة ينشئهم الله تنشئة قوية بأجسام قوية وأبصار قوية يتحملون فيها رؤية الله -عز وجل-.

هذه أدلة أهل السنة من الكتاب والسنة والإجماع والعقل على إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، أما الكلابية والأشاعرة، فهم أثبتوا الرؤية ونفوا الجهة والفوقية وهم أرادوا بذلك أن يجمعوا بين الاعتقادين بين اعتقاد نفي الجسمية عن الله وبين إثبات الرؤية لما ليس بجسم بالحس فأرادوا أن يثبتوا الرؤية؛ لأنهم لم يجرءوا على إنكارها ولم يستطيعوا إنكارها لكن أرادوا أن يبقوا مع المعتزلة في نفس الجهة والفوقية فهم لا يريدون أن يفارقوا المعتزلة، فكانوا مع المعتزلة في نفي الفوقية عن الله والعلو؛ لأن الله ليس بجسم والذي ليس بجسم ولا يكون المكان إلا للأجسام، والله ليس بجسم فلا يكون له مكان، فأرادوا أن يجمعوا بين الاعتقادين بين اعتقاد نفي الجسمية عن الله -عز وجل- وبين إثبات الرؤية لما ليس بجسم بالحس، فأرادوا أن يكونوا مع أهل السنة في إثبات الرؤية وأن يكونوا مع المعتزلة في نفي الجهة والفوقية فعجزوا عن ذلك فلجأوا إلى حجج السفسطائية وهي الحجج المموهة التي توهم أنها حجة وليست بحجة؛ لأن الحجج أقسام هناك حجج يقينية تفيد اليقين، هناك حجة تفيد اليقين، وهناك حجة دون اليقين، وهناك حجة موهمة مرائية وهي التي توهم أنها حجة وليست بحجة، وهذه كحجة الأشاعرة كما أن الناس أقسام، فمن الناس من هو فاضل تام الفضيلة ومن الناس من هو دون ذلك في الفضل، ومن الناس من هو مرائي يوهم أنه فاضل وليس بفاضل، فلما عجزوا عن ذلك قالوا: نثبت الرؤية وننفي الجهة والفوقية فقالوا: إن الله يُرى لا في جهة أين يُرى من فوق قالوا: لا من تحت قالوا: لا من أمام قالوا: لا خلف قالوا: لا عن يمين، قالوا: لا عن شمال قالوا: لا أين يُرى؟ قالوا لا في جهة هذا مذهب الأشاعرة أثبتوا الرؤية ونفوا الجهة والفوقية.

مناقشتهم ناقشهم أهل السنة بجوابين:

الجواب الأول: وهو أن يقال: إنكم أيها الكلابية والأشاعرة انفردتم بهذا القول عن طوائف بني آدم وخرجتم به عن ضرورات العقل، فإنه في بدائه العقول أن كل مرئي لا بد أن يكن مواجهًا للرائي مباينًا له لا يمكن أن يكون هناك مرئي قائم بنفسه إلا بجهة للرائي لا بد أن يكون مباينًا للرائي مواجهًا له أما أن يوجد مرئي ليس في جهة هذا لا يعقل؛ ولهذا ضحك جمهور العقلاء من الكلابية والأشعرية حينما أثبتوا الرؤية ونفوا الجهة قالوا: هذا لا يمكن ولا يتصور خرجتم بذلك عن ضرورات العقول خرجتم بذلك عما هو معروف في بدائه العقول لا بد للرؤية من جهة لا بد أن يكون المرئي مواجهًا للرائي مباينًا له، إما أن يكون هناك مرئي ليس له جهة، فهذا لا يعقل ولا يتصور؛ ولهذا أنكر على الكلابية والأشاعرة جميع طوائف بني آدم وضحكوا من إثباتهم الرؤية إنكارهم الجهة والفوقية قالوا: هذا لا يمكن ولا يتصور ولا يعقل، فإنه يلزم من الرؤية أن يكون المرئي بجهة من الرائي؛ ولهذا تسلط عليهم المعتزلة وقالوا: أنتم الآن وقعتم في الفخ كيف تثبتون الرؤية ولا تثبون الجهة؟ لا بد أن تثبتوا الجهة والفوقية فتكونوا أعداء لنا مع المشبهة أو تنفوا الرؤية فتكونوا معنا، أما أن تبقوا مذبذبين تثبتون الرؤية وتنكرون الجهة والفوقية فهذا غير معقول غير متصور ولا يمكن.

الجواب الثاني: الأحاديث المتواترة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الصريحة الأخبار المتواترة الصريحة في أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة كما في الأحاديث الصحيحة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: « هل تضارون في رؤية الشمس والقمر قالوا: لا قال: فإنكم ترونه كذلك »(27) وفي الحديث الثاني « هل نرى ربنا قال: نعم كما ترون الشمس صحوا ليس دونها سحاب وكما ترون القمر صحوا ليس دونه سحاب »(28) وفي الحديث الآخر « ترون ربكم عيانًا »(29) يعني مواجهة، فهذه النصوص صريحة في أننا نرى ربنا كما نرى الشمس والقمر كيف نرى الشمس والقمر من أي جهة نراها؟ من فوق وهو عيانا يعني معاينة مواجهة معاينة، فالأحاديث صريحة في هذا، وليس المراد من الأحاديث تشبيه الله بالقمر والشمس -تعالى الله- بل المراد تشبيه الرؤية بالرؤية والمعنى أننا نرى ربنا يوم القيامة رؤية واضحة لا لبس فيها من فوقنا كما أننا نرى الشمس والقمر رؤية واضحة لا لبس فيها من فوقنا، هو تشبيه للرؤية بالرؤية وليس تشبيهًا للمرئي بالمرئي، ليس المراد تشبيه الله بالشمس والقمر، فالله ليس له مثيل ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (30) سبحانه ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (31) بل المراد تشبيه الرؤية بالرؤية.

وبطل بهذا دعوى الكلابية والأشاعرة من أنه يمكن أن تكون هنا كرؤية بلا جهة لما ألزموا بذلك وألزمهم الخناق قالوا: عندنا دليل عقلي على أن الرؤية ممكنة بدون جهة قال الكلابية والأشاعرة: عندنا دليل من العقل يدل على أن الرؤية ممكن أن تكون من غير جهة وهو أن الإنسان يرى صورته في المرآة وليس في جهة، الإنسان يرى نفسه في المرآة وليس في جهة منها هذه رؤية بدون جهة، فكذلك الله يرى لا في جهة أجاب أهل الحق بأن هذا تلبيس منكم أيها الكلابية والأشاعرة هذا تلبيس منكم، فإن الإنسان لا يرى صورته الحقيقية في المرآة وإنما يرى خيال صورته تنطبع في الجسم الصقيل وهو أيضًا في جهة منها، أما ما يراه أمامه يرى خيال صورته تنطبع في الجسم الصقيل وهو في جهة منها، فتبين بهذا أن هذا الدليل العقلي الذي زعموه لا قيمة له، وبطل بهذا هذا المذهب وهو أنه يلزم الكلابية والأشاعرة أن يثبتوا الجهة والعلو حتى يكونوا من أهل السنة أو ينفوا الرؤية فيكونوا كالمعتزلة وأنه لا يمكن لهم البقاء على هذا المذهب، ومع ذلك فهم أقرب إلى الحق من المعتزلة؛ لأن من أثبت شيئًا من الحق فهو أقرب ولو كان متناقضا هم متناقضون، ولكن مع ذلك هم أقرب إلى الحق من المعتزلة النفاة؛ لأنهم أثبتوا الرؤية وهي حق، وإن كان يلزمهم أن يثبتوا الفوقية والعلو لكن مع ذلك هم أقرب للحق من نفاة الرؤية.

أما نفاة الرؤية من الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الخوارج والإمامية لهم شبة عقلية ولهم شبة شرعية أخشى أن يطول بنا المقام لعلنا نقتصر على هذا ونؤجل استعراض شبه النفاة للغد -إن شاء الله- ونسأل الله للجميع العلم النافع والعمل الصالح وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فإن مسألة الرؤية مسألة عظيمة من أشرف مسائل أصول الدين كما سبق، ومن المسائل التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة، وبين المخالفين لهم من أهل البدع، وسبق البارحة أن سُقنا أدلة أهل السُنة والجماعة الذين يثبتون رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة.

وأما النفاة الذين ينفون رؤية الله في الآخرة مثل الجهمية والمعتزلة، ومن تبعهم من الخوارج والإمامية فلهم شبه، شبه عقلية وشبه شرعية، والمراد بالشبه الأدلة لكن إذا كان المستدَل غير محق سمى شبها. شبها عقلية وشبها شرعية.

والأصل الذي قادهم إلى هذا هو اعتمادهم على العقل، العقل هو الأساس عند المعتزلة عند النُّفاة، بلاؤهم إنما جاءهم من تقديم العقل على النقل والاعتماد على العقل، وجعل العقل أساس فهم، اعتمدوا على عقولهم، وتركوا كتاب الله وراءهم ظهريا، فلما اعتمدوا على العقل أولوا النصوص التي تدل على إثبات الرؤية؛ لأنهم اعتمدوا على عقولهم، فلما كان العقل هو الأصل هو الأساس عند النفاة حرفوا لأجله النصوص من كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- حتى يوافق عقولهم فمن شبه الرؤية العقلية.

الدليل العقلى:

أولًا: هو أنهم قالوا: إنه يلزم من إثبات رؤية الله أن يكون الله ذا جهة، ويلزم من كونه ذا جهة أن يكون جسمًا، أو أن يكون محدودًا ومتحيزًا، والله ليس في جهة جسمًا، وليس محدودًا، ولا متحيزًا، فالرؤية منتفية؛ لانتفاء لازمها، وهو الجهة قالوا: ولو أثبتنا الرؤية للزم بذلك أن يكون الله ذا جهة، ويلزم من كونه ذا جهة أن يكون جسما، ويلزم من كونه جسما أن يكون محدودًا وأن يكون متحيزا وهذا تنقصٌ للرب.

فالله ليس في جهة، مستغن عن الجهات، لا تحويه الجهات، والله ليس جسمًا، ولا محدودًا، ولا متحيزًا، فالرؤية منتفية؛ لأنتفاء لازمها، وهو الجهة، وقد يصوغون هذا الدليل بصياغة منطقية، فيصوغون الدليل مركبا من مقدمتين ونتيجة كما هو معروف عند أهل المنطق فيقولون في صياغة الدليل: الله ليس في جهة، وكل ما ليس في جهة لا يرى، فالنتيجة الله لا يرى هذا الدليل المنطقي، مكون من مقدمتين ونتيجة، والنتيجة مستخلصة من المقدمتين، الله ليس في جهة هذه المقدمة الأولى مكونة من مبتدأ، أو خبر.

المقدمة الثانية كل ما ليس في جهة لا يرى النتيجة تؤخذ من المقدمتين وهو أنك تحذف مبتدأ الجملة الأولى وخبر الجملة الثانية فتأخذ النتيجة الله لا يُرى، وأنت إذا سلمت لهم المقدمتين ألزموك بالنتيجة يقولون: الله ليس في جهة إذا سلمت ثم يأتون بالمقدمة، وكل ما ليس في جهة لا يُرى، إذا سلمت ألزموك بالنتيجة أن الله لا يُرى، لكن الطريقة في هذا أنك تعارض المقدمة الأولى فلا تسلم بها أو تعارض المقدمة الثانية فلا تسلم بها، أو تعارض كلا المقدمتين حتى تبطل النتيجة.

والجواب عن هذه الشبهة: أولًا : أن يقال: ما قولكم في الجهة؟ تقولون: إنه يلزم من إثبات رؤية الله أن يكون في جهة بالجهة.. هل مرادكم بالجهة أمر وجودي؟ أو أمر عدمي؟ هل مرادكم بالجهة أمر مخلوق؟ أو أمر عدمي؟ ومن المعلوم أنه ليس هناك في هذا العالم إلا الخالق والمخلوق، فإن أردتم بالجهة أمرا وجوديا يعني أمرا مخلوقا، فالله منزه أن يكون في جهة بهذا المعنى، فليس في شيء من مخلوقاته، وهو سبحانه لا.. لم يدخل في ذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته، فهو بائن عن مخلوقاته -سبحانه وتعالى-، فإن أردتم بالجهة جهة وجودية مخلوقه تحويه وتحصره، وتحيط به إحاطة الظرف بالمظروف، فالله منزه عن الجهة بهذا المعنى؛ لأن الله ليس في جهة من خلقه، وليس في شيء من خلقه، ولا يحويه شيء من خلقه، ولا يحصره شيء من خلقه -سبحانه وتعالى- فهو أعظم، وأعلى، وأجل، وهو متميز عن خلقه منفصل بائن عنهم -سبحانه وتعالى-.

فالله ليس في جهة بهذا المعنى، وإن أردتم بالجهة أمرا عدميا غير مخلوق أمرا عدميا، وهو ما فوق العرش؛ لأن هذه المخلوقات سقف عرش الرحمن ما فوق العرش ليس هناك أحد إلا الله، فإن أردتم بالجهة أمرا عدميا، وهو ما فوق العرش، فإن نفيكم الجهة بهذا المعنى باطل، فالله في جهة نفى في العلو بعد أن تنتهي المخلوقات إلى سقف عرش الرحمن الله في العلو فوق العرش، فإذًا لا بد من التفصيل، فإن أردتم بالجهة أمرا مخلوقا فالله ليس في جهة، وإن أردتم بالجهة أمرا عدميا، وهو ما فوق العرش، فالله في جهة وعلى هذا فقولكم: الله ليس في جهة في المقدمة الأولى، إن أردتم بالجهة أمرا عدميا.

فنقول: المقدمة الأولى باطلة،قولكم الله ليس في جهة إن أريد به أمرا عدميا نقول: هذه المقدمة باطلة، ولا دليل على إثباتها بل نقول: الله في جهة بهذا المعنى؛ لأن الجهة أمر عدمي، والمعنى أن الله في العلو فوق العرش، وإن أردتم بالجهة أمرا وجوديا بطلت المقدمة الثانية، وهو قولكم: كل ما ليس في جهة لا يرى؛ لأنه لا يلزم أن يكون كل مرئي في جهة مخلوقة، فإن سطح العالم يمكن أن يُرى، وليس العالم في عالم آخر، كل ما ليس في جهة لا يرى يعني كل ما ليس في شيء مخلوق لا يرى هذا باطل؛ لأن سطح العالم لم يمكن أن يرى، وليس العالم في عالم آخر، وإلا لزم التسلسل يكون العالم في عالم، والعامل في عالم إلى ما لا نهاية، وإذا بطلت المقدمتين، أو بطلت إحداهما بطلت النتيجة، وهو من قولكم: الله لا يُرى هذا هو الدليل الأول العقلي.

الدليل الثاني لنفاة الرؤية لله -عز وجل- قالوا: الله ليس بجسم، ولا هو داخل العالم ولا خارجه، وما كان كذلك لا تمكن رؤيته، ويقولون: الله ليس بجسم ولا داخل العالم ولا خارجه، وما كان كذلك لا تمكن رؤيته وأجيب عن هذا الدليل العقلى بأجوبة:

الجواب الأول: أن إثبات ما لا يكون داخل العالم ولا خارجه أمر لا يمكن الإحساس به، والحكم الفطري يحيل إثبات شيء، أو أمر لا يمكن الإحساس به أن إثبات ما لا يكون داخل العالم ولا خارجه لا يمكن الإحساس به، والحكم الفطري يحيل وجود ما لا يمكن الإحساس به.

الجواب الثاني: سلَّمنا وجود أمر، أو شيء لا يمكن الإحساس به فوجود ما يمكن الإحساس به أولى سلمنا وجود أمر، سلمنا التسليم هذا جدل سلمنا من جهة لنرد من جهة أخرى، سلمنا وجود أمر لا يمكن الإحساس، فوجود ما يمكن الإحساس به أولى، فمن أثبت موجودًا فوق العالم ليس بجسم يمكن الإحساس به، كان قوله أقرب إلى العقل ممن أثبت موجودا لا يمكن الإحساس به وليس داخل العالم ولا خارجه.

الجواب الثالث: أن رؤية ما ليس بجسم ولا في جهة إما أن يحوزه العقل، وإما أن يمنعه، فإن جوَّزه فلا كلام، وإن منعه كان منع العقل لإثبات موجود لا داخل العالم، ولا خارجه أشد وأشد.

الجواب الرابع: أن رؤية الباري -تعالى- إما أن تكون ممكنة وإما أن لا تكون ممكنة فإن كانت ممكنة، بطل قولكم بإثبات موجود لا يمكن الإحساس به، وهو ما لا يكون لا داخل العالم ولا خارجه، وإن قلتم رؤيته غير ممكنة قيل لكم: فحينئذ هو غير محسوس، فلا يقبل فيه حكم الوهم، فإن قلتم رؤيته غير ممكنة قيل لكم: هو غير محسوس، وإن قلتم: رؤيته ممكنة، إما أن تكون رؤيته ممكنة، وإما أن لا تكون ممكنة.

فإن كانت ممكنة بطل قولكم بإثبات موجود غير محسوس، وهو ما لا يكون داخل العالم ولا خارجه، وإن قلتم: غير ممكنة قيل لكم: فحينئذ هو غير محسوس فلًا يقبل فيه حكم الوهم، فثبت أنَّ رؤية الله -سبحانه وتعالى- مناسبة له، وليست كالرؤية المعهودة للأجسام، هذه الأدلة العقلية يصارع فيها الخصم بالأدلة التي يعتقدها دليل بدليل، دليل عقلي يرد عليه برد عقلي.

أما أدلتهم الشرعية وشبههم الشرعية فاستدلوا بأدلة:

الدليل الأول : استدلوا بقول الله -تعالى-: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (24)

ووجه الاستدلال قالوا: وجه الاستدلال أن الله نفي رؤية موسى له بلن فقال: " لن تراني " فلن تقتضي النفي المؤبد فدل على أن الله لا يُرى في الآخرة، أجاب أهل الحق عن استدلالهم.

أولًا: نحن لا نوافق أن " لن " تقتضي النفي المؤبد، بل نقول بأن القول بأن لن تقتضي النفي المؤبد قول ضعيف مرجوح عند النحاة وأهل اللغة أن " لن " لا تقتضي النفي المؤبد بدليل تحديد الفعل بعدها في قول الله -تعالى-: ﴿ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الحاكمينَ (32) فلو كانت للنفي المؤبد لما حُدد الفعل بعدها، فلما حدد الفعل بعدها دل على أنها ليست للنفي المؤبد.

ولهذا قال ابن مالك -رحمه الله -تعالى- ألفيته:

ومن رأى النفي بلن مؤبدًا *** فقولـه اردد وسواه فاعضدا

يعني قوله ضعيف رد هذا القول لضعفه.

الجواب الثاني: أن لن لا تفيد النفي المؤبد، ولا تفيد دوام النفي في الآخرة حتى ولو قيدت بالتأييد حتى، ولا جاء التأبيد بعدها، فهي لا تفيد دوام النفي بالتأبيد، والدليل على ذلك قول الله -تعالى- عن اليهود: ﴿ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (33) فأخبر الله عن الكفار أنهم لا يتمنون الموت بسبب ما قدمت أيديهم من الكفر، ولن يتمنوه قيدت " لن " بالتأبيد ثم أخبر الله أنهم تمنوا الموت في الآخرة.

كما أخبر الله عن أهل النار أنهم قالوا: ﴿ وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ (34) هذا هو تمني للموت، فتمنوه في الآخرة، فدل على أن لن لا تفيد دوام النفي في الآخرة حتى ولو قيدت بالتأبيد، فكيف إذا لم تقيد بالتأبيد.

الجواب الثالث: أن نقول: إن الآية الكريمة وهي قول الله -تعالى- " لن تراني " لموسى ﴿ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي (24) تدل على ثبوت الرؤية في الآخرة من وجوه متعددة.

الوجه الأول : أن موسى -عليه الصلاة والسلام- سأل ربه الرؤية، ولو كانت الرؤية مستحيلة، وغير ممكنة لما سألها موسى -عليه الصلاة والسلام- وهو كليم الرحمن وأعلم الناس بربه في وقته، فهو لا يجهل الجائز في حق الله -تعالى-، فلما سأل موسى دل على أن الرؤية ممكنة ليست مستحيلة لا يتحمل الرؤية لا يستطيع.

الوجه الثاني: أنه لو كانت الرؤية مستحيلة وغير ممكنة؛ لأنكر الله على موسى سؤاله رؤيته، كما أنكر الله على نوح سؤاله نجاة ابنه، فإن نوحًا -عليه الصلاة والسلام- لما أغرِق ابنه الكافر نادى ربه ﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الحاكمينَ (35) أنكر الله عليه فقال: ﴿ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (36) فلو كانت الرؤية غير جائزة؛ لأنكر الله على موسى سؤاله، كما أنكر على نوح سؤاله نجاة ابنه، لكن الله لم ينكر على موسى سؤاله، ولكنه لا يستطيع النظر، لا يستطيع رؤية الله في الدنيا ببشريته الضعيفة.

الوجه الثالث: أن الله -تعالى- أجاب موسى بما يدل على جواز الرؤية، ولم يجبه بما يدل على نفيها، لو كانت الرؤية غير جائزة لأجاب الله موسى بما يدل على نفي الرؤية واستحالتها فقال له: إني لا أرى " أو لا تمكن رؤيتي، أو لست بمرئي، وإنما أجابه قال: ﴿ لَنْ تَرَانِي (24) ولم يقل: إني لا أرى، أو لا تمكن رؤيتي، والفرق بين الجوابين ظاهر، كما تأمل تعدد فرق بين " لن تراني " أو لا يمكن أن أُرى، أو لا تجوز رؤيتي، أو لست بمرئي.

الوجه الرابع: أن الله لم يعلق الرؤية بشىء مستحيل كالأكل، والشرب، والنوم؛ لأن هذا الأكل، والشرب، والنوم مستحيل على الله، وإنما علقه بشيء ممكن، وهو استقرار الجبل فقال: الله لموسى: ﴿ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي (24) والله قادر على أن يجعل الجبل مستقرًا، فلم يعلقه بشيء مستحيل، كالأكل، والشرب، والنوم، وإنما علقه بشيء ممكن، وهو استقرار الجبل، والله قادر على أن يجعل الجبل مستقرًا.

الخامس: أن موسى -عليه الصلاة والسلام- لا يستطيع رؤية الله -تعالى- في الدنيا ببشريته، لضعف القوة البشرية عن تحمل رؤية الله -تعالى-، فإذا كان يوم القيامة نشأ الله المؤمنين تنشئة قوية يستطيعون بها الثبوت لرؤيته -سبحانه وتعالى-.

السادس: أن الله تجلى للجبل وهو جماد، ولا ثواب له ولا عقاب عليه، فلأن يتجلى الله لرسله وأوليائه وعباده المؤمنين في دار كرامته من باب أولى.

السابع: أن الله نادى موسى، وناجاه، وكلمه، ومن جاز عليه التكليم، وأن يسمع مخاطبه كلامه جاز عليه… جاز رؤيته في الآخرة أن الله نادى موسى، وناجاه، وكلمه، فمن جاز عليه النداء والتكليم، وأن يسمع مخاطبه كلامه جاز أن يراه من باب أولى في الدار الآخرة.

الثامن: أن رؤية الله نعيم، وهو أعظم نعيم، والنعيم يكون لأهل الجنة ولا يكون لأهل الدنيا؛ فلذلك فلذلك منع موسى من رؤية الله؛ لأن الرؤية نعيم، أعظم نعيم يعطاه أهل الجنة هو رؤية الله، كما جاء في الحديث؛؛ ولذلك أعظم نعيم يعطاه أهل الجنة هو الرؤية، فإذا كشف الله -سبحانه وتعالى- الحجاب ورآه المؤمنون نسوا ما هم فيه من لذة، فهم في أعظم نعمة يعطاها أهل الجنة، فالرؤية نعيم، والنعيم لا يكون لأهل الدنيا، وإنما يكون لأهل الجنة؛ فلذلك نفى الله رؤية موسى له في الدنيا، وبهذا يبطل استدلال نفاة الرؤية بهذه الآية الكريمة.

الدليل الثاني: استدلوا بقول الله - تعالى-: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (17) .

وجه الاستدلال:

قالوا: إن الله نفى إدراك الأبصار له، فدل على أن الله لا يُرى في الآخرة، وهذا نفي للرؤية، والجواب أُجيبَ بجوابين:

الجواب الأول: أن الله نفى الإدراك، ولم ينف الرؤية؛ وا لإدراك قدر زائد على الرؤية وهو أخص من الرؤية، والرؤية أعم، ونفي الأخص لا يدل على نفي الأعم، إن الله نفى الإدراك ولم ينف الرؤية، ففرق بين الرؤية وبين الإدراك، فالرؤية أعم من الإدراك، والإدراك أخص، ونفي الأخص لا يدل على نفي الأعم، والإنسان قد يرى الشيء لا يدركه؛ لأن الإدراك هو الإحاطة، فالله نفى الإدراك وهو الإحاطة، ولم ينف الرؤية، فأنت ترى السماء لكن هل تحيط بها رؤية؟ لا تحيط بها من جميع جهاتها ترى جزءا منها فأنت ترى السماء لكن هل تحيط بها رؤية وأنت ترى البستان الواسع لكن لا تحيط به رؤية، ترى الجبل ولا تحيط به رؤية، ترى المدينة أنت في مدينة الرياض الآن هل تحيط بها؟ لا تحيط بها من خلال الرؤية لا تحيط بها.

وإذا كان الإنسان يرى بعض المخلوقات ولا يحيط بها رؤية، فكيف يحيط بالله -سبحانه وتعالى-؟ فالله -تعالى- يُرى ولا يحاط به رؤية كما أنه يُعلم ولا يحاط به علما -سبحانه وتعالى- فهو يُرى ولا يحاط به رؤية لكمال عظمته، وكونه أكبر من كل شيء.

والدليل على أن نفي الرؤية غير نفي الإدراك، غير نفي الرؤية ما أخبر الله -سبحانه وتعالى- عن موسى -عليه الصلاة والسلام- حينما سار بالجيش وتبعه فرعون وقومه ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (37) فسرى موسى بجيش وتبعه فرعون بجيشه فلما تراءى قال الله: ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (38) الرؤية ثابتة " فلما تراءى الجمعان ".

الجمع الجمعان هما الجيشان: الجمع الذي يقوده موسى، والجمع الذي يقوده فرعون، ﴿ تَرَاءَى الْجَمْعَانِ (39) رأى بعضهم الآخر ثبتت الرؤية ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (39) لمحاطٌ بنا، فنفى موسى الإدراك فقال: كلا لستم بمدركين ﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (40) فإذًا الرؤية ثابتة تراءى الجمعان ولكن نفى موسى الإحاطة.

يعنى يقول قوم موسى -عليه الصلاة والسلام-: ﴿ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (39) سوف يحيط بنا فرعون ماذا نفعل؟ البحر أمامنا، فإن خضناه غرقنا، وفرعون وجيشه خلفنا، فإن وقفنا أدركنا، ماذا نفعل ؟ ﴿ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (39) فقال موسى: "كل"ا لستم بمدركين ﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (40) فأمر الله موسى فضرب البحر بعصاه فصار يبسا في الحال، اثني عشر طريقًا فسلكه موسى وقومه، وتبعه فرعون وقومه، فلما خرج موسى من الجهة الثانية وتكامل جيش فرعون أمر الله البحر ينطبق عليهم، وأن يعود إلى حالته، فإذًا الرؤية ثابتة، تراءى الجمعان فموسى نفى الإدراك، ولستم بمدركين فدل على أن الإدراك قدر زائد على الرؤية وهو الإحاطة، فالله -تعالى- يُرى ولكن لا يحاط به رؤية، لكمال عظمته، وكونه أكبر من كل شيء.

الجواب الثاني: أن الآية سيقت مساق المدح، الآية سيقت مساق المدح والمدح إنما يكون بالصفات الثبوتية، أو بالنفي الذي يتضمن إثبات ضده من الكمال لا بالنفي المحض الآية سيقت مساق المدح، الله أثنى على نفسه بأنه ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ (17) الآية سيقت مساق المدح، والمدح إنما يكون بشيئين:

الشيء الأول: الصفات الثبوتية كما يمدح نفسه بأنه بكل شيء قدير، وأحاط بكل شيء علمًا.

والثاني: النفي الذي يتضمن إثبات ضده من الكمال، كنفي السنة والنوم بكمال قيوميته ﴿ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ (41) هذا نفي، لكن يتضمن إثبات ضده من الكمال حياته وقيوميته. لا يعجزه شيء لكمال قوته، واقتدار نفي الموت لكمال حياته ﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (42) لكمال عدله، نفي الولد والشريك والصاحبة لكمال ربوبيته ﴿ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ (43) لكمال علمه، فكذلك هذه الآية ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ (17) لكمال عظمته، وكونه أكبر من كل شيء، فالنفي المحض فالنفي.

فالكمال إنما يكون بالنفي الذي يتضمن إثبات ضده من الكمال كما في هذه الآيات، أو يكون بالصفات الثبوتية.

أما النفي المحض الصرف فهذا لا يكون كمالًا؛ لأن المعدوم يوصف بالنفي الصرف المحض والمعدوم لا يمدح، فلو كان المراد من الآية نفي الرؤية فقط لما كان كمالًا، ولما كان مدحًا لو قيل: معنى ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ (17) لا تراه العيون، لم يكن في هذا مدح، المعدوم لا يُرى لو قال: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ (17) لو قيل: كان معنى ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ (17) لو كان معنى الآية كما تقولون أيها النفاة ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ (17) لا تراه العيون، لم يكن في هذا مدح؛ لأن المعدوم لا يُرى، فما فائدة هذا النفي؟ ولكن إنما يكون كمالًا إذا تضمن إثبات ضده من الكمال وهو إثبات الرؤية ونفي الإدراك، والمعنى تراه الأبصار ولكن لا تحيط به، ولا تدركه لكمال عظمته ولكونه أكبر من كل شيء -سبحانه وتعالى- فتبين أن الآية تدل على إثبات الرؤية ولكن المنفي هو الإدراك وهو الإحاطة لكونه -سبحانه- أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء.

الدليل الثالث: استدلوا بقول الله -تعالى-: ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (44) وقال سبحانه: ﴿ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ (45) وقال سبحانه: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (46)

قالوا: وجه الدلالة من هذه الآيات أن الله -تعالى- أنكر على من سأل رؤيته وذمه، أنكر على هؤلاء حينما سألوا رؤية الله وذمهم وعاقبهم بالصاعقة، والصيحة بالصاعقة لظلمهم، فدل على أن الله لا يُرى في الآخرة، لو كان الله يرى لما أنكر على هؤلاء الذين طلبوا رؤية الله، وذمهم وعاقبهم بالصاعقة ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (44) ﴿ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ (45) ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (46) فإذًا الذين سألوا رؤية الله ذمهم الله وعاقبهم وأنكر عليهم وعاقبهم بالصاعقة لظلمهم فدل على أن الله لا يُرى في الآخرة، هذا استدلال.

والجواب الرد أن يقال: إن هؤلاء الذين ذمهم الله وعاقبهم وأنكر عليهم؛ لأنهم سألوا شيئًا ممنوعًا، سألوا رؤية الله في الدنيا إلحافًا ألحفوا في السؤال، سألوا رؤية الله إلحافًا، فذمهم وعاقبهم وأنكر عليهم وعاقبهم بالصاعقة.

لكن لو سألوا رؤية الله في الآخرة لما ذمهم الله، فإن الصحابة -رضوان الله عليهم- سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- رؤية الله في الآخرة قالوا: « هل نرى ربنا؟ فقال: نعم، كما ترون الشمس صحوا ليس دونها سحاب »(28) فلما سألوا رؤية الله في الآخرة أثبت ذلك، أثبت الرؤية وبشرهم بذلك، وحسَّنه لهم بشَّرهم بذلك بُشرى جميلة وأنهم يرون الله في الآخرة، لكن هؤلاء الذين أنكر الله عليهم وذمهم وعاقبهم؛ لأنهم سألوا شيئًا ممنوعًا في الدنيا، سألوا ممنوعًا؛ ولذلك عاقبهم الله بالصاعقة، وذمهم وعاب عليهم، لكن لو سألوا رؤية الله في الآخرة كما سأل الصحابة لما ذمهم الله، ولما أنكر عليهم بل لبشرهم، بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- بشر الصحابة، وحسنها لهم، وبشرهم بشرى جميلة، فدل على أن الله يُرى في الآخرة، أما في الدنيا فلا يُرى -سبحانه وتعالى- وبهذا يبطل استدلال هؤلاء النفاة بأن الله لا يُرى في الآخرة، هذه أمثلة.

ننتقل بعد ذلك إلى رؤية الله في الدنيا حكم رؤية الله في الدنيا: هل رؤية الله في الدنيا ممكنة؟ أو غير ممكنة؟ وهل هي واقعة؟ أو غير واقعة؟ تحرير محل النزاع:

أولًا: اتفقت جميع الطوائف على أن الله يُرى في المنام كما نقل ذلك شيخ الإسلام ابن تميمة أن جميع الطوائف اتفقوا على أن الله يُرى في النوم إلا الجهمية، فإنهم أنكروا ذلك لشدة إنكارهم للرؤية فمن شدة إنكارهم لرؤية الله أنكروا رؤيته في المنام، لكن رؤيته في المنام جائزة عند جميع الطوائف، ولا يلزم من ذلك أن يكون ما يراه الإنسان، وهو أن يرى الله -سبحانه وتعالى- على صفته التي هو عليها، بل إن رؤية الإنسان لله في المنام على حسب اعتقاده، فإن كان اعتقاده صحيحًا رأى ربه في حالة حسنة، في صورة حسنة، وإن كان اعتقاده فيه خلل رأى ربه في صورة مناسبة لاعتقاده.

كما قال ذلك أبو العباس ابن تميمة -رحمه الله -تعالى- إذًا رؤية الله في المنام جائزة عند جميع الطوائف ما عدا الجهمية، رؤية الله في اليقظة هذا محل نزاع، رؤية الله في اليقظة: هل يمكن لأحد أن يرى الله في اليقظة في الدنيا ؟

ذهبت المشبهة إلى أن الله يُرى في الدنيا، وأنه يُحاضر ويُسامر ويُصافح ويعانق وينزل عشية عرفة على جبل -قبحهم الله وأخزاهم- هؤلاء المشبه كفرة من غلاة الشيعة يقولون: إن الله على صورة الإنسان، وإن الله يشبه الإنسان في ذاته وصفاته هؤلاء كفرة أثبتوا أن الله يُرى في الدنيا -قبحهم الله-.

كذلك بعض الصوفية قالوا: يمكن أن يكون الله في الخضرة إذا رأيت خضرة شيئًا أخضر، قالوا: لا ندري لعل ربنا يكون في هذه الخضرة -قبحهم لهم-، أما ما عدا المشبة فأجمعت الأمة على أن الله -تعالى- لا يراه أحد في الدنيا.

أجمعت الأمة سوى المشبة على أن الله لا يراه أحد في الدنيا، ولم يختلفوا في ذلك إلا في نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فاختلفوا في رؤيته لربه ليلة المعراج هل رأى ربه؟ أو لم يرى ربه؟ واتفقوا على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه في الأرض هذا بالإجماع، اتفقوا على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه في الأرض، واتفقوا على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بعين قلبه لا بعين رأسه هذا محل اتفاق، والمراد بالرؤية بعين القلب العلم الزائد عن العلم العادي.

والخلاف بين العلماء في رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- لربه ليلة المعراج خاصة هل رآه أو لم يره؟ فإذن أجمعت الأمة سوى المشبه على أن الله لا يراه أحد في الدنيا غير النبي -صلى الله عليه وسلم- وأجمعوا على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه في الأرض وأجمعوا على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بعين قلبه، واختلفوا في رؤية النبي لربه بعيني رأسه ليلة المعراج في السماء، هل رآه؟ أو لم يره؟ على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بعيني رأسه ليلة المعراج خاصة.

القول الثاني: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه ليلة بعيني رأسه، وإنما رآه بعين قلبه.

القول الثالث: التوقف في المسألة.

فتكون الأقوال والمذاهب ثلاثة: القول الأول: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه ليلة المعراج في السماء بعينى رأسه، وهذا مروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وأتباعه وهي رواية عن الإمام أحمد -رحمه الله- واختار هذا القول النووى بشرح صحيح مسلم وأبو الحسن الأشعرى وأتباعه واختاره ابن خزيمة في كتاب التوحيد الإمام محمد بن إسحاق وابن خزيمة في كتاب التوحيد، واختاره أبو إسماعيل الهروي وكل هؤلاء رأوا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بعيني رأسه ليلة المعراج.

إذن هو رواية ابن عباس ورواية عن الإمام أحمد، واختاره النووي والأشعري أبو الحسن الأشعري وأبو إسماعيل الهروي ومحمد بن إسحاق وابن خزيمة في كتاب التوحيد، دليل واستدلوا بقول الله -تعالى-: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (47)

روي عن ابن عباس - رضي الله عنه- هي رؤية عين أُريها النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة أسري به، وفي رواية هي رؤيا عين رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه بعينه، ذكر ذلك الإمام محمد بن إسحاق وابن خزيمة في كتاب التوحيد، قالوا: فهذا الدليل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بعينه، هذه الآية: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا (47) قال ابن عباس: هي رؤيا عين أريها النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة أسرى به، وفي رواية رؤيا عين رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه بعينه.

القول الثاني: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يرى ربه بعين رأسه ليلة المعراج وإنما رآه بعين قلبه، وهذا مروي عن عائشة -رضي الله عنها- فإنها قالت لمسروق لما سألها: هل رأى محمد -صلى الله عليه وسلم- ربَّه؟ قالت: لقد قفَّ شَعْري مما قلت، ثم قالت: من حدثك أن محمد رأى ربه فقد كذب.

وفى رواية أنها قالت: من قال: إن محمد رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، وهذا مروي أيضًا عن ابن مسعود، وعن أبي هريرة واختلف فيه جماعة من الصحابة والتابعين، وهو قول كثير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين، بل هو قول جمهور العلماء، وهو الصواب كما سيأتي.

واستدلوا على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه بعين رأسه بأدلة:

الدليل الأول: فقول الله - تعالى-: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (48) فهذه الآية فيها بيان أنواع الوحي، وأن الله -تعالى- إذا كلم الرسول فإما أن يكون وحيا، أو من وراء حجاب، أو يرسل رسولًا، وإما أن يكون وحيًا يلقى في روعه، أو يكون من وراء جاب كما كلم الله موسى من وراء حجاب، وكما كلم محمدًا -صلى الله عليه وسلم- من وراء حجاب ﴿ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ (48) فقول الله -تعالى-: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ (48) يدخل في ذلك محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو بشر ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ (48) فمحمد بشر كلمه الله من وراء حجاب، هو محجوب عن رؤية الله، كلمه الله بدون واسطة سمع كلام الله، وفرض الله عليه الصلوات خمسين صلاة في اليوم والليلة، ثم خففت ثم خففها الله إلى خمس صلوات، كلمة الله بدون واسطة لكن من وراء حجاب لم يره.

نص الآية: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا (48) فالله كلم محمد -صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج من وراء حجاب، لم يكشف الحجاب حتى يراه، وإنما كلمه من وراء حجاب نص الآية.

الدليل الثاني: ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه- أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: « هل رأيت ربك؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: نور أنَّى أراه؟ »(49) في اسم استفهام بمعنى كيف ". والمعنى نور كيف أراه؟ المعنى أن الحجاب أن النور حجاب يمنعني من رؤية الله نور أنَّى أراه والنور حجاب بينى وبينه يمنعني من رؤيته فكيف أراه؟ هل رأيت ربك؟، قال: أنَّى أراه؟. وفي رواية: وفي لفظ: رأيت نورًا، وهو الحجاب.

الدليل الثالث: ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعرى -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور »(50) وفي رواية: " النار " والمعنى واحد النار بمعنى النور، حجابه النور، وفي رواية النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.

وجه الدلالة من قوله -صلى الله عليه وسلم-: حجابه النور يعني الله -سبحانه وتعالى- احتجب بالنور لو كشفه يعني الحجاب لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، هذا صريح في أن الله لو كشف الحجاب لأحرق من جميع خلقه، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- من خلقه.

حجابه النور وفي رواية النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- من خلق الله، فلو كشف الحجاب لأحرقت سبحات وجه الرب ما انتهى إليه بصره من خلقه.

هذا دليل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه بعيني رأسه في ليلة المعراج؛ لأن الحجاب يمنعه من رؤية الله؛ لأنه احتجب عن جميع خلقه بالنور، هذه الأدلة كلها تدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه بعيني رأسه.

وأما أهل القول الثالث الذين توقفوا قالوا: نتوقف يعني ما ندري لا نقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بعينى رأسه، ولا نقول: إنه لم يره، وهذا رواية القرطبي -رحمه الله- والقاضي عياض وغيرهما قالوا: نحن نتوقف لا نقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه، ولا نقول: إنه لم ير، قالوا: الأن الأدلة متكافئة، أدلة هؤلاء تكافئ هؤلاء، وليس في المسألة دليل قاطع واستدل به هؤلاء وما يستدل به هؤلاء ظواهر قابلة للتأويل؛ فلذلك توقفوا ما تبين لهم الأمر، قالوا: نحن نتوقف لا نقول: رآه، ولا ما رآه؛ لأن هؤلاء لهم أدلة، وهؤلاء لهم أدلة، وأدلة هؤلاء محتملة التأويل، وأدلة هؤلاء محتملة التأويل، وبهذا لا نجزم بأحد القولين، فلا نقول: إنه يراه، ولا: إنه لم يره، فنتوقف في المسألة.

والصواب في المسألة والراجح من هذه الأقوال القول بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه بعيني رأسه، هذا هو الصواب؛ لأن الأدلة التي استدلوا بها صريحة واضحة وكون القاضي و القرطبي ما تبين لهم هذه الأدلة هذا يدل على تفاوت الناس في الأفهام، الناس يتفاوتون في الأفهام هم لم يتبين، ولكن يتبين لغيرهم فقول الله -تعالى-: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ (48) صريح فالنبى -صلى الله عليه وسلم- وكلمه الله من وراء حجاب.

وكذلك حديث أبي ذر « حجابه النور »(4) وكذلك حديث " النار " وحديث أبي ذر « رأيت نورًا »(51) صريح أدلة صريحة في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- محجوب عن ربه بالنور، وأن الله احتجب عن جميع خلقه، ومنهم محمد -صلى الله عليه وسلم- وأن أي مخلوق لا يثبت لرؤية الله في الدنيا، وذلك؛ لأن الرؤية نعيم فلا تكون إلا لأهل الجنة فلا تكون للأنبياء، ولا لغيرهم فلا يمكن لأحد أن يرى الله في الدنيا أولًا؛ لأنه لا يستطع أن يثبت لرؤية الله فكيف يستطيع البشر أن يثبت لرؤية الله؟ فكيف يستطيع البشر أن يثبت لرؤية الله إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يثبت لرؤية الشمس وهي مخلوقة؟، هل تستطيع أن تثبت لرؤية الشمس؟ تحدق في الشمس بعينك تنعمي تعمى لو حدقت في الشمس، ذهب بصر عينك ما تستطيع أن ترى الشمس وهي مخلوقة فكيف يستطيع البشر أن يرى الله؟ بل إن البشر لا يستطيعوا أن يروا المَلَك على الصورة التي خلق عليها.

ولهذا لما اقترح المشركون أن يكون الرسول من الملائكة أخبر الله أن هذا لا يكون، وقال - سبحانه وتعالى-: ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ (26) يعني: لماتوا ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا (25) فيمكن مقارنته والأخذ عنه، فإذا كان الناس البشر لا يستطيعون أن يروا المَلَك على الصورة التي خلق عليها، فكيف يستطيعون أن يروا الله؟ والنبى -صلى الله عليه وسلم- ثبته الله حينما رأى جبريل في أول بعثه على الصورة التي خلق عليها، ثبته الله، وجاء يرجف فؤاده إلى زوجه وقال: خشيت على نفسي فإذا البشر لا يستطيعون أن يروا الملك، وهو مخلوق، فكيف يستطيعون أن يروا الله، إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يرى الشمس وهي مخلوقة ويحدق بها من شدة شعاعها فكيف يستطيع أن يرى الله؟، لا يستطيع الناس أن يروا الله في الدنيا، ولا يستطيع أحد من الرسل ولا غيرهم ولا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، هذا هو الصواب؛ ولأن الأدلة صريحة؛ ولأنه لا يوجد شيء من الأحاديث المعروفة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بعيني رأسه.

ليس هناك شيء من النصوص يدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بعينه ليلة المعراج ولم يقله أحد من الصحابة بل إن الأحاديث تدل على نفي الرؤية، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه، وهو قول الله سبحانه: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا (47) فالمراد به الآيات ليس المراد رؤية الله ﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا (47) وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أسري به وعرج به ورأى الآيات أخبر الناس فصار فتنة واختبار لهم، حيث صدقه قوم، وكذبه آخرون.

فإذًا المراد بالرؤية ﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا (47) الآيات فلما أراه الآيات أخبر الناس فصار فتنة واختبارا لهم حيث صدقه قوم وكذبه آخرون، ولهذا قال سبحانه: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ (52) أي اختبارا وامتحانا حيث صدقه قوم، وكذبه آخرون.

ومن الأدلة على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه ليلة المعراج بعيني رأسه قول الله - تعالى-: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ (52) وقوله: ﴿ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (53) وقوله: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (54) فالله أخبر أنه رأى الآيات ورأى جبريل، ولو كان الله أراه نفسه لكان ذكر ذلك أهم وأولى من ذكر الآيات فالله -تعالى- أخبر أنه ﴿ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا (47) هذه رؤية الآيات، وقال: ﴿ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (53) أي من الآيات، وقال: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (54) أى: جبريل فلما نوه الله على رؤيته للآيات ورؤيته لجبريل دل على أنه لم يُره نفسه.

ولو كان الله أراه نفسه لنوه عن ذلك؛ لأن رؤية الله أعظم وأعظم وأشرف وأجل من ذكر الآيات وذكر جبريل، فلما لم يذكر الله أنه رأى ربه وأنه أراه نفسه وإنما ذكر رؤية الآيات، وذكر رؤية الآيات، وذكر جبريل دل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه، ولو رأى لذكره الله، وبين؛ لأن ذكر ذلك أعظم وأهم وأشرف فكيف ينوه الله على رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- للآيات ورؤيته لجبريل، ولا ينوه عن رؤيته له -سبحانه وتعالى-؟ فدل على النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه بعيني رأسه، وإنما رآه بعين قلبه.

أما ما روي عن ابن عباس، وما روي عن الإمام أحمد -رحمه الله- فإن الروايات التي رويت عن ابن عباس بعضها مطلق وبعضها مقيدة فما روي عن ابن عباس أنه قال: رآه، وفي رواية: أنه قال: رآه بفؤاده فيحمل المطلق على المقيد، فالروايات عن ابن عباس بعضها مطلق وبعضها مقيد بعضها فيها أنه رآه وبعضها قال: إنه رآه بفؤاده فيحمل المطلق على المقيد، فالرواية التي فيها أنه رآه تحمل على رؤية الفؤاد وأنه رآه بقلبه، وكذلك ما روي عن الإمام أحمد -رحمه الله- فإنه تارة يطلق الرواية، وتارة يقول: رآه بفؤاده، فيحمل المطلق على المقيد، وليس هناك رواية عن ابن عباس، وعن الإمام أحمد صريحة بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بعيني رأسه، وإنما الروايات إما مطلقة وإما مقيدة برؤية الفؤاد، وإما مطلقة برآه أو مقيدة برؤية الفؤاد وفي رواية رآه بفؤاده، وهذا هو الصواب الذي عليه والذي عليه المحقوق أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه بعيني رأسه وإنما رآه بفؤاده، وما ورد من الآثار وما ورد عن السلف من إثبات الرؤية فهي المحمولة على رؤية الفؤاد على رؤية القلب، وما ورد من الآثار وما ورد من السلف من نفي الرؤية فهي محمولة على نفي الرؤية بالعين عن الرأس وبذلك تجتمع الأدلة بهذا.

ما ورد من الآثار أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه فهو محمول على أنه رآه بقلبه، وما ورد من الآثار أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو محمول نفي رؤيته بعين رأسه، وكذلك ما ورد عن السلف وعن العلماء بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رآه فهو محمولة على رؤية القلب والفؤاد، وما ورد عن الصحابة وعن السلف والعلماء والأئمة بأنه لم يره بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه، فهي محمولة على أنه لم ير ربه بعين رأسه، وبذلك تجتمع الأدلة والآثار ولا تختلف كما بين ذلك أهل التحقيق أهل العلم من أهل التحقيق كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، وهذا هو التحقيق في المسألة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ير به بعين رأسه، وإنما رآه بعين قلبه، والرؤية بعين القلب في العلم العلم الزائد عن العلم العادي، وما جاء عن الإمام أحمد، أو عن ابن عباس، أو غيرهم من السلف، أو من الآثار من إثبات الرؤية فهي محمولة على رؤية الفؤاد، وما جاء عن ابن عباس، أو عن الإمام أحمد، أو عن السلف، أو عن الآثار من نفي الرؤية فهي محمولة على نفي الرؤية بالعين بعين رأسه، وبهذا تجتمع الأدلة ولا تختلف والله الموفق للصواب،

وبهذا نأتى إلى.. ونكتفى بهذا القدر، وأسأل الله -تعالى- لي ولكم العلم النافع، والعمل الصالح وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.

س: ورد الحديث: « فاستحيا فاستحيا الله منه »(55) وورد في الحديث الآخر: « ولا أحد أغير من الله »(56) هل يوصف الله بالحياء والغيرة: أم لا ؟.

ج: نعم يوصف الله بالحياء قال الله -تعالى-: ﴿ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ (57) وقال -تعالى-: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا (58) وفي الحديث « فاستحيا فاستحيا الله منه »(55) وهو من الصفات التي تليق بالله -عز وجل- ولا يماثل فيها أحدًا من صفاته كسائر الصفات ولا يلزم منه ما يلزم من حياء المخلوق وكذلك الغيرة الغيرة كذلك من الأوصاف الفعلية قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح:- « أتعجبون من غيرة سعد؟ أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني ومن أجل غيرته …… »(59) وفي الحديث الآخر « لا أحد أغير من الله ومن أجل غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن »(60) هذا في إثبات الغيرة لله كما يليق بجلاله وعظمته يوصف الله بالغيرة كسائر الصفات يوصف الله بالغيرة كسائر الصفات الفعلية مثل الغضب والرضا والسخط والمحبة والكراهية والغيرة والحياء كلها صفات تليق بجلال الله وعظمته، وهي الصفات الكاملة ليس فيها نقص لا يماثل فيها أحدًا من خلقه -سبحانه وتعالى-.

س: هل يصح التسمي بعبد المنعم وعبد المحسن وعبد الناصر؟.

ج: إذا ثبت أنه اسم من أسماء الله يجوز، عبد المحسن ثابت ولا يزال الأئمة والعلماء يعبّدون له وكذلك المنعم ما أذكر الآن الحديث الذي وردت فيه، لكن يغلب على الظن أنه ثابت والناصر جاء في: ﴿ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (61) يحتاج إلى تأمل هل هو من أسماء الله أو ليس من أسماء الله".

س: ما الفرق بين الاعتقاد واليقين؟ وهل لو عبر أهل السنة بقولهم: يقين أهل السنة بدل اعتقاد أهل السنة كان أولى؛ لأن الاعتقاد فيه شيء من عدم التثبت ؟.

ج: الاعتقاد يفيد اليقين والاعتقاد من العقد والربط ومنه عقد البيع، ويطلق على التصديق الجازم والاعتقاد هو اليقين لكن إذا كان هذا الاعتقاد موافق للحق فهو اعتقاد صحيح وإذا كان باطلًا فهو اعتقاد باطل مثل يقين اليهود والنصارى على ما هم عليه هذا يقين باطل، يقين أهل البدع على ما هم عليه يقين باطل واعتقاد أهل الحق يقين اعتقاد صحيح، والاعتقاد ليس ظنًا إنما هو يقين

س: هل يُرى الملائكة يوم القيامة؟.

ج: الله تعالى أعظم وهو يُرى إذا كان يُرى الله -سبحانه وتعالى- فالملائكة من باب أولى ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (62) كيف يدخلون عليهم وهم لا يرونهم ظاهر الأدلة أنهم يرونهم ورؤية الله أعظم نعيم يرضاه أهل الجنة رؤية الملك دون ذلك بكثير.

س: ما رأيكم في وصف الله بالحمية فيقال: إن لله حمية على عباده المؤمنين؟ .

ج: القاعدة عند أهل السنة والجماعة أن الأسماء الصفات توقيفية ليس لنا أن نسمي الله بأسماء مخترعة من عند أنفسنا ولا بصفة من الصفات فلا يقال: إن من صفات الله الحمية إلا بدليل، ولا أذكر وصفًا أن الله وصف نفسه أو وصفه رسوله بالحمية لكن أن الغيرة ثابتة.

س: قد يقول قائل دفاعًا عن الزمخشري في كتاب الكشاف بالنسبة لرؤية الرب -سبحانه-: إن دخول الجنة يتضمن رؤية الرب، وبذلك فإن أقصى ما يتمناه العبد دخول الجنة؛ لأن بحصوله يرى الرب؟

ج: لا معروف عنه أنه ينفي الرؤية ويدافع عنها بشدة؛ ولهذا قال البلقيني: استخرجت منه اعتزالًا بالمناقيش؛ لأنها أشياء خفية منها أنه قال في قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ (63) أي فوز أعظم من الجنة؟ وقصده بذلك إنكار الرؤية وهو معروف عنه؛ لأن يضم كلامه بعضه إلى بعض وينفي الرؤية.

س: سبق أن الصفات لها نظران النظر إلى المعنى وهذا يثبته أهل السنة والجماعة، والنظر الثاني الكيفية هذه يفوضونها وبناء على ذلك كيف يحمل قول الإمام الطحاوي: فمن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر؟.

ج: يعني من وصف الله بصفات البشر التي هي من خصائصهم بأن قال: إن صفات الله كصفات البشر وأن الله كالبشر أو قال: إن الله كالبشر في الحاجة أو في غير ذلك فمن خصائص البشر الفقر والحاجة والنقص في صفاتهم وأعمالهم، فمن قال: إن الله مثلهم كفر؛ لأن الله كامل في ذاته وصفاته ولا يوصف بنقائص البشر.

س: في سؤال له آخر يقول: أليس ما قررناه سابقًا وهو وصف الله بصفات ثابتة ولو كانت صفاتًا للمخلوقين كالعلم والقدرة وأن المحذور هو عدم تفويض الكيفية فكيف التوفيق بين ما قررناه سابقًا وبين قول الإمام أو علام يحمل قوله؟.

ج: إن الصفات المشتركة مثل العلم ثابتة للخالق والمخلوق لكن من دون مشابهة من دون مماثلة، مقصود الطحاوي من قال: إن علم الله مثل علم المخلوق، وأما من قال: إن الله يوصف بالعلم والمخلوق يوصف العلم، والخالق علمه يخصه والمخلوق علمه يخصه فلا إشكال في ذلك، لكن من قال: إن علم الخالق مثل علم المخلوق أو قال: إن محبة الخالق مثل محبة المخلوق أو قال: إن يد الخالق مثل يد المخلوق هذا هو الذي يقصده الطحاوي هذا وصف الله بمعنى من معاني البشر أما من قال: إن الله له يد والمخلوق له يد، ولكن صفات الخالق تخصه وصفات المخلوق تخصه هذا ما وصف الله بمعنى من معاني البشر نزه الله، أما من قال: يد الله مثل أيدي المخلوقين، علم الله مثل علم المخلوقين سمع الله مثل سمع المخلوقين هذا وصف الله بمعنى من معاني البشر.

س: ما الضابط للتأويل الذي به يدرأ به التكفير عن المبتدعة لا سيما وأن أكثرهم يكون معتمدًا على أدلة أو شبه؟.

ج: المقصود أن يكون عنده شبهة لا يكون جحد، أما من جحد الصفات هذا كفر، أما من كان له شبهة يدرأ عنه التكفير بالشبهة، وقد يكفر لكن بالعموم مثل ما كفّر السلف فقالوا: من قال: إن القرآن مخلوق فهو كافر والمعتزلة يقولون: إن القرآن مخلوق، أما الشخص المعين فلان بن فلان، فهذا لا يكفر حتى تقام على الحجة يبين له ويوضح له الحق ثم يتبين له الحق ويصر يحكم بكفره بعد ذلك، أما إذا كان له شبهة وله تأويل ولم تقم عليه الحجة فلا يكفر.

س: هذا السائل يذكر عنكم أنكم سبق أن أجبتم عن سؤال من قال للميت: ادع الله لي فقلت: إن فيه قولًا قويًا أنه شرك أكبر لِمَ لَمْ تجزموا بأنه شرك أكبر ؟.

ج: هذا؛ لأنه ما دعا الميت وطلب منه المدد أو طلب منه الاستغاثة إنما طلب منه شيئًا يخصه، وهذا فيه كلام ذكره البعض فيه كلام لشيخ الإسلام، وفيه كلام لبعضهم، والأقرب المنع إذا كان يدعوه يدعو الميت وهو عظام رميم مثل لو قال: يا فلان اشفع لي عند ربك، كذلك إذا قال: أعطني كذا أو كذا، فالأقرب عندي أن الحكم واحد، لكن المسألة فيها كلام لشيخ الإسلام وغيره تحتاج المسألة إلى تحرير حتى يجزم الإنسان.

س: ما المقصود بالإمامية المتقدمين والإمامية المتأخرين مع التمثيل - أثابكم الله- ؟.

ج: الإمامية هم الرافضة لهم أسماء يقال لهم الرافضة؛ لأنهم رفضوا زيد بن علي حينما سألوه عن أبي بكر وعمر فقال: هما وزيرا جدي رسول الله فرفضوه فسموا بالرافضة وسموا بالإمامية؛ لأنهم يقولون: بإمامة اثني عشر يقولون:: اثني عشر أئمة منصوصين معصومين من سلالة على بن أبي طالب، وهم علي بن أبي طالب ثم الحسن بن علي ثم الحسين بن علي ثم علي بن الحسين زين العابدين ثم محمد بن علي الباقر ثم جعفر بن محمد الصادق ثم موسى بن جعفر الكاظم ثم علي بن موسى الرضا ثم محمد بن علي الجواد ثم علي بن محمد الهادي ثم الحسن بن علي العسكري ثم محمد بن الحسن المهدي المنتظر الذي دخل سرداب سامراء بالعراق سنة ستين ومائتين ولم يخرج إلى الآن قال شيخ الإسلام: مضى عليه أربع مائة سنة، ونحن نقول مضى عليه في زماننا الآن ألف ومائتا سنة، ولم يخرج هذه الأئمة يسمون بالإمامية؛ لأنهم يقولون: بإمامة اثني عشر، فالمتقدمون منهم يثبتون الرؤية جمهورهم والمتأخرون ينفوها.

س: هلا أوضحتم الفرق بين ابن عربي وابن العربي الأشبيلي لما في ذلك من اللبس؟ .

ج: ابن عربي محمد بن يحيي بن عربي بدون ألـ الطائي هذا رئيس وحدة الوجود، أما أبو بكر ابن العربي وكذلك آخر محمد بن العربي من غير ألـ فليس منهم محمد بن العربي هذا المفسر المعروف العالم المشهور هذا غيره، أما محمد بن يحيي بن عربي بدون ألـ هذا هو رئيس وحدة الجود واقرءوا تراجم هؤلاء، أما محمد ابن العربي بألـ، هذا ليس هذا غير هذا فيه ابن عربي أبو بكر بن العربي صاحب التفسير، وفيه غيره أيضًا ابن العربي آخر لكن هذا متقدم، ابن عربي في القرن السادس تقريبا أو السابع، لقبه محيي الدين ابن عربي وهو مميت الدين، هذا رئيس وحدة الوجود، أما ابن العربي بأل هذا آخر مفسر معروف.

س: هل ثبت عن أحد من السلف أنه رأى الله في المنام كما ذكرت ذلك بعض الكتب، وما مدى صحة ذلك؟

ج: ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن رؤية الله في المنام ثابتة، وأن جميع الطوائف أثبتوا الرؤية في المنام إلا الجهمية من شدة إنكارهم لرؤية الله حتى أنكروا رؤية الله في المنام، ويقول شيخ الإسلام --رحمه الله-: إن جميع الطوائف يثبتون الرؤية في المنام ولا شيء في ذلك لكن لا يلزم من ذلك أن يكون ما رآه الإنسان مشابه لله، بل يقول: إن رؤيته على حسب اعتقاده، فإذا كان اعتقاده صحيح رأى الله برؤية حسنة، وإذا كان اعتقاده غير صحيح رأى الله رؤية مناسبة لاعتقاده، ولما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أصح الناس اعتقادًا، وأكمل الناس عبودية رأى الله في أحسن صورة كما في الحديث « رأيت ربي في أحسن صورة فوضع كفيه فقال: يا محمد أتدري فيم يختصم الناس -هذا الاختصام في الملأ الأعلى- فقلت: لا يا رب فوضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله فعلمت ما بعد ذلك »(22) .

المقصود أن الرؤية في المنام يقول شيخ الإسلام: ثابتة عند جميع الطوائف عدا الجهمية .

س: ما الضابط الذي يفرق به بين الأسماء والصفات الواردة في الكتاب والسنة؟.

ج: الأسماء ما ورد إطلاقه على الله فهو اسم مثل العليم الحكيم السميع البصير، أما الصفة ما ورد على نص الصفة ﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (64) نقول: علمًا هذه صفة فما ورد على نص الصفة نقول: صفة وما ورد إطلاقه على الله فهو اسم ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (65) ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (66) ﴿ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (67) ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (68) ﴿ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (69) هذه كلها أسماء أطلقت على الله، أما الصفة مثل ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (64) ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ (70) وهكذا الاسم يطلق ما يرد إطلاقًا على الله -عز وجل- والصفة ما ورد على لفظ الصفة والأسماء ليست أسماء جامدة، أسماء الله متضمنة الصفات، أسماء الله مشتقة ليست جامدة كل اسم يتضمن صفة، فالعليم يتضمن صفة العلم، القدير يتضمن صفة القدرة، الحليم يتضمن صفة الحلم، الرحيم يتضمن صفة الرحمة، الله يتضمن صفة الألوهية، وهكذا كل اسم يتضمن الصفة ليس جامدًا بل هو مشتق، الحي يتضمن صفة الحياة، وهكذا وفق الله الجميع لطاعته ورزقنا العلم النافع وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

قال المؤلف رحمه الله -تعالى-: والرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفية، سبق أن المؤمنين يرون ربهم أيضًا في موقف القيامة قبل دخولهم الجنة وهذا متفق عليه، واختلف في غير المؤمنين هل يرون ربهم أم لا يرونه على أقوال ثلاثة:

القول الأول : أن أهل الموقف جميعًا يرون الله -عز وجل- مؤمنهم وكافرهم ثم يحتجب عن الكفرة.

القول الثاني: أنه لا يراه إلا المؤمنون، أنه يراه المؤمنون والمنافقون.

القول الثالث: أنه لا يراه إلا المؤمنون خاصة، وكذلك هذه الأقوال في تكليم الله لأهل الموقف، نفس الأقوال الثلاثة، هل يكلم الله أهل الموقف؟ قيل: لا يكلم الله إلا المؤمنين، لا يكلمه سبحانه إلا المؤمنين، وقيل: يكون التكليم للمؤمنين وللكفرة ثم لا يكلمه الكفرة، وقيل: يكون التكليم للمؤمنين والمنافقين، هذه الأقوال الثلاثة تجري في التكليم.

ويقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: والرؤية حق لأهل الجنة، ما لم يتسع من المؤلف لرؤية المؤمنين في موقف القيامة، والأحاديث ثابتة في رؤية المؤمنين لربهم في موقف يوم القيامة، وأنهم يرونه أربع مرات كما ثبت في بعض الأحاديث: يرونه في المرة الأولى، ثم في المرة الثانية يتحول في غير الصورة التي يعرفونه، فيكبرون ويقولون: نعوذ بالله منك هذا مكاننا فيأتينا ربنا فإذا أتانا ربنا عرفناه، ثم في المرة الثالثة يتحول في الصورة التي يعرفونه فيسجدون له، حينما يجعل بينه وبينهم علامة، يجعل لهم علامة، وهي كشف الساق فيسجدون له، فإذا وقفوا رأوه ثم تحول رأوه في الصورة التي تحول مما الصورة التي رأوه فيها أول مرة، فيرونه أربع مرات -سبحانه وتعالى- في موقف القيامة، المؤمنون يرونه من قبل دخولهم الجنة، وأما بعد دخولهم الجنة فكذلك، فهناك أحاديث متواترة في هذا سبق، ورؤية الله -سبحانه وتعالى-.

الخلاصة في مبحث الرؤية أن رؤية الله -سبحانه وتعالى- بالأبصار جائزة عقلًا في الدنيا والآخرة؛ لأن كل موجود يجوز أنه يُرى، ومن الأدلة على جوازها عقلًا سؤال موسى ربه أن ينظر إليه ﴿ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ (24) فموسى لا يسأل إلا جائزا في حق الله -تعالى-، وأما شرعًا: فهي جائزة وواقعة في الآخرة وممتنعة في الدنيا رؤية الله -تعالى- بالأبصار جائزة عقلًا في الدنيا والآخرة، وأما شرعًا فهي جائزة وواقعة في الآخرة وممتنعة في الدنيا.

ومن أصلح الأدلة على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم رواه ابن خزيمة أيضًا في كتاب التوحيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا »(71) والأحاديث في رؤية المؤمنين لربهم متواترة كما سبق رواه عامة الصحابة نحو ثلاثين صحابيا.

وقول المؤلف -رحمه الله-: بغير إحاطة، ولا كيفية يعني أن الله سبحانه يُرى، ولكن لا يحاط به رؤية لكمال عظمته وكونه أعظم من كل شيء وأكبر من كل شيء كما قال -سبحانه-: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ (17) فهو يرى ولا يحاط به رؤيةً لكمال عظمته، وكونه أعظم من كل شيء، وإذا كانت بعض المخلوقات ترى ولا يحاط بها رؤية، فكيف بالخالق؟ الخالق أولى وأولى أن لا يحاط به فأنت ترى البستان، ولا تحيط به رؤية، وترى الجبل ولا تحيط به رؤية، وترى السماء ولا تحيط بها رؤية، وترى المدينة ولا تحيط بها رؤية وهي مخلوقات، فالخالق أولى ألا يحاط به رؤية كما أنه -سبحانه وتعالى- يُعلَم، ولا يحاط به علمًا كما قال -سبحانه وتعالى-: ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (72) ولا كيفية، أي لا نكيف لا نقول: يُرى على كيفية كذا، وعلى كيفية كذا.. أو أنا نراه وكيفية كذا تثبيت الرؤية، وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم والله أعلم بالكيفية.


(1) الترمذي : الإيمان (2641).
(2) ق: 35
(3) يونس: 26
(4)
(5) القيامة: 22 - 23
(6) القيامة: 23
(7) الحديد: 13
(8) الأعراف: 185
(9) المطففين: 15
(10) البخاري : الأذان (806) , ومسلم : الإيمان (183) , وأحمد (2/275) , والدارمي : الرقاق (2801).
(11) البخاري : مواقيت الصلاة (554) , ومسلم : المساجد ومواضع الصلاة (633) , والترمذي : صفة الجنة (2551) , وأبو داود : السنة (4729) , وابن ماجه : المقدمة (177) , وأحمد (4/360).
(12) البخاري : تفسير القرآن (4880) , ومسلم : الإيمان (180) , وابن ماجه : المقدمة (186) , وأحمد (4/416) , والدارمي : الرقاق (2822).
(13) البخاري : المناقب (3595).
(14) البخاري : الزكاة (1413).
(15) مسلم : الإيمان (181) , والترمذي : تفسير القرآن (3105) , وابن ماجه : المقدمة (187) , وأحمد (6/15).
(16) مسلم : الإيمان (182) , والترمذي : صفة الجنة (2554) , وأحمد (2/533).
(17) الأنعام : 103
(18) الفيل : 1
(19) البخاري : التوحيد (7440) , ومسلم : الإيمان (183) , وأحمد (2/275).
(20) الأحزاب: 43 - 44
(21) البخاري : مواقيت الصلاة (554) , ومسلم : المساجد ومواضع الصلاة (633) , والترمذي : صفة الجنة (2551) , وأبو داود : السنة (4729) , وابن ماجه : المقدمة (177) , وأحمد (4/360).
(22) الترمذي : تفسير القرآن (3233).
(23) البخاري : الأذان (806) , ومسلم : الإيمان (182) , وأحمد (2/275) , والدارمي : الرقاق (2801).
(24) الأعراف: 143
(25) الأنعام: 9
(26) الأنعام: 8
(27) البخاري : التوحيد (7440) , ومسلم : الإيمان (183) , وأحمد (2/275).
(28) البخاري : الأذان (806) , ومسلم : الإيمان (183) , وأحمد (2/275) , والدارمي : الرقاق (2801).
(29) البخاري : التوحيد (7435).
(30) الشورى: 11
(31) مريم: 65
(32) يوسف: 80
(33) البقرة: 95
(34) الزخرف: 77
(35) هود: 45
(36) هود: 46
(37) الشعراء: 52
(38) الشعراء: 61 - 62
(39) الشعراء: 61
(40) الشعراء: 62
(41) البقرة: 255
(42) الكهف: 49
(43) سبأ: 3
(44) البقرة: 55
(45) النساء: 153
(46) الفرقان: 21
(47) الإسراء: 1
(48) الشورى: 51
(49) مسلم : الإيمان (178) , والترمذي : تفسير القرآن (3282) , وأحمد (5/157).
(50) مسلم : الإيمان (179) , وأحمد (4/405).
(51) مسلم : الإيمان (178) , والترمذي : تفسير القرآن (3282) , وأحمد (5/170).
(52) الإسراء: 60
(53) النجم: 12
(54) النجم: 13
(55) البخاري : العلم (66) , ومسلم : السلام (2176) , والترمذي : الاستئذان والآداب (2724) , وأحمد (5/219) , ومالك : الجامع (1791).
(56) البخاري : الجمعة (1044) , ومسلم : الكسوف (901) , والنسائي : الكسوف (1474) , وأحمد (6/164) , ومالك : النداء للصلاة (444).
(57) الأحزاب: 53
(58) البقرة: 26
(59) البخاري : التوحيد (7416) , ومسلم : اللعان (1499) , وأحمد (4/248) , والدارمي : النكاح (2227).
(60) البخاري : تفسير القرآن (4634) , ومسلم : التوبة (2760) , والترمذي : الدعوات (3530) , وأحمد (1/381) , والدارمي : النكاح (2225).
(61) آل عمران: 150
(62) الرعد: 23 - 24
(63) آل عمران: 185
(64) الطلاق: 12
(65) التوبة: 28
(66) البقرة: 106
(67) يوسف: 6
(68) يوسف: 98
(69) الإسراء: 44
(70) الأنعام: 59
(71) أحمد (5/324).
(72) طه: 110


 مواد ذات صلة: