شرح العقيدة الطحاوية
ثبوت الحوض

الحوض

ثبوت الحوض

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آهله وصحبه أجمعين قال الإمام الطحاوي -رحمه الله تعالى-: والحوض الذي أكرمه الله -تعالى- به غياثا لأمته حق .


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين -نبينا محمد- وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فالحوض مما يتواتر فيه الأحاديث الصحيحة، وأصل الحوض في اللغة مجمع الماء أو ما يكون محلا لجمع الماء في الحقل مشتق من السيلان ومنه قولهم: حاض الوادي إذا سال وأما الحوض الوارد في الأحاديث فهو المراد به شرعا هو الحوض المورود للنبي -صلى الله عليه وسلم- في عرصات القيامة، وقد أنكر الحوض طوائف بعض الطوائف الخوارج وبعض المعتزلة.

وأما أهل الحق أهل السنة فإنهم يؤمنون بالحق ويؤمنون بالحوض وهو حق يجب اعتقاده والإيمان به، هكذا يراه أهل الحق يرون أهل السنة والجماعة أن الحوض حق يجب اعتقاده والإيمان به، والأدلة على ثبوته كثيرة تبلغ حد التواتر رواه من الصحابة بضع وثلاثون صحابيا منها حديث أنس -رضي الله عنه- « مثل ما بين ناحيتي حوضي مثل ما بين المدينة وصنعاء أو مثل ما بين المدينة وعمان »(1) .

ومنهما حديث أنس -رضي الله عنه- « إن قدر حوضي ما بين أيلة إلى صنعاء من اليمن وإن فيه من الأباريق عدد نجوم السماء »(2) ومنها حديث يزيد الرقاشي « إن لي حوضا كما بين إيليا إلى الكعبة أو قال: صنعاء »(3) ومنها حديث أبي بريدة عن أبيه -رضي الله عنه- « حوضي كما بين عمان إلى اليمن »(3) ومنها حديث ثوبان « إن حوضي من عدن إلى عمان البلقاء »(4) وعمان بفتح العين وتشديد الميم وهي مدينة معروفة.

يقول في النهاية ابن الأثير: إنها مدينة قديمة بالشام من أرض البلقاء ومنها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص « حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء »(5) ومنها عند ابن ماجه « حوضي ما بين المدينة إلى بيت المقدس »(3) ومنها في رواية الدارقطني «ما بين ناحيتي حوضي كما بين المدينة وجرباء وأذرح » وهما قريتان بالشام قيل بينهما مسيرة ثلاثة أيام.

فهذه ثمانية أحاديث وهذه الأحاديث مختلفة في تحديد المسافة واختلف العلماء في الجمع بين هذه الأحاديث التي اختلفت في تحديد المسافة على أقوال منها: أن اختلافها إنما هو؛ لأنها على وجه التقريب لا التحديد، ومنها أن اختلافها إنما هو بالنسبة للطول والعرض، ومنها أن اختلافها بحسب ما يعرفه السائل من حجازي ويماني وشامي، ومنها أن اختلافها إنما هو بالنسبة للمجد في السير والبطيء فيه، ومنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر بالمسافة القريبة أولا ثم أعلمه الله بالزيادة فضلا منه ورحمة.

أما القول الأول من هذا الاختلاف إنما هو على وجه التحديد التقريب لا التحديد المعنى أنه يقرب في كل منها مثلا لبعد أقطار الحوض وسعته بما تسنح له العبارة -عليه الصلاة والسلام- ويقرب ذلك للعلم ببعد ما بين البلاد النائية بعضها من بعض لا على إرادة المسافة من حقها، لكن يجاب عن هذا القول بأن ضرب المثل والتقدير إنما يكون فيما يتقارب، وأما هذا الاختلاف المتباعد الذي يزيد تارة على ثلاثين يوما وينقص إلى ثلاثة أيام فل.

وأما الثاني وهو أن الاختلاف بالنسبة إلى الطول والعرض فيجاب عنه أو فيرده حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- « حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء »(5) وبهذا يكون هذان القولان ضعيفان وأرجح هذه الأقوال الثلاثة أرجحها الثلاث الأخيرة وهي أن الاختلاف بالنسبة إلى المجد في السير والبطيء أو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبره بالمسافة القريبة أولا ثم أعلمه الله بالزيادة أو أن الاختلاف بحسب ما يعرفه السائل لكن أرجحها الرابع، وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر بالمسافة القريبة أولا، ثم الثالث وهو بحسب ما يعرفه السائل، ثم الخامس والرابع وهو أن اختلافه بالنسبة إلى المجد في السير هذا أرجحها الأرجح أن الاختلاف بالنسبة للمجد في السير والبطيء، ثم يليه الثالث وهو أن الاختلاف بحسب ما يعرفه السائل، ثم الرابع ثم الخامس وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبره الله بالمسافة القريبة أولا ثم أعلمه بالزيادة.

مسألة: هل في العرصات حوض غير حوض النبي -صلى الله عليه وسلم- ورد في الأحاديث أن هناك أحواضا أخرى للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأن لكل نبي حوضا لكن حوض نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أعظمها وأوسعها وأحلاها وأكثرها واردا -جعلنا الله منهم بمنه وكرمه- من الأدلة على أن للأنبياء لكل نبي حوض حديث الحسن عن سمرة الذي أخرجه الترمذي في جامعه إن لكل بني حوضا يتباهون أيهم أكثر واردا وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردا ولكن هذا من رواية الحسن عن سمرة، وسماع الحسن من سمرة اختلفوا فيه والأرجح أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة.

ومنها حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- « إن لي حوضا طوله ما بين الكعبة إلى بيت المقدس أشد بياضا من اللبن آنيته عدد نجوم السماء وكل نبي يدعو أمته ولكل نبي حوض، فمنهم من يأتيه الفئام، ومنهم من يأتيه العصبة، ومنهم من يأتيه النفر، ومنهم من يأتيه الرجلان والرجل، ومنهم من لا يأتيه أحد فيقال: لقد بلغت وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة »(6) .

مسألة: الحوض قبل الصراط أو بعد الصراط في هذه المسألة قولان للسلف في هذه المسألة قولان: أحدهما أن الحوض يورد بعد الصراط يعني: يكون المرور على الصراط أولا ثم بعد المرور على الصراط يورد الحوض واختار هذا الحافظ ابن حجر -رحمه الله- والسيوطي -رحمهما ال-له واحتج هؤلاء بحديث النضر بن أنس، فإن ظاهره يقتضي ذلك وذلك أن النضر قال: « سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يشفع لي يوم القيامة قال: أنا فاعل قال: وأين أطلبك يا نبي الله؟ قال: اطلبني أول ما تطلبني عند الصراط قال: قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟ قال: فأنا عند الميزان قال: قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: فأنا عند الحوض لا أخطئ هذه الثلاثة مواطن يوم القيامة »(7) .

وكذلك أيضا من أدلتهم حديث لقيط واقد بني المنتفق فإن فيه أنه قال في آخر الحديث: فتطلعون على الحوض يعني: بعد المرور على الصراط القول الثاني: أن الحوض يكون في الموقف قبل الصراط وهذا هو الصواب هذا هو الصحيح لما يأتي من الأدلة من الشرع والعقل، منها من أدلة هذه القول الأحاديث التي تدل على منع المرتدين على أعقابهم وأنهم يذادون عن الحوض كحديث أنس -رضي الله عنه- « ليردن علي ناس من أصحابي حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول: أصحابي، فيقال: لا تدري ما أحدثوا بعدك »(8) ومنها حديث سهل بن سعد الأنصاري -رضي الله عنه- « إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم - وزاد أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- فأقول: إنهم من أمتي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدي »(9) .

فهذه الأحاديث تدل على أن الحوض يورد قبل الصراط من وجهين الأول: لو كان الورود على الصراط قبل الحوض لكان مثل هؤلاء المذادين الذين يذادون عن الحوض ويطردون لا يجاوزون الصراط؛ لأنهم إن كانوا كفارا فالكافر لا يجاوز الصراط بل يكب على وجهه في النار قبل أن يجاوزه وإن كانوا عصاة وهم من المسلمين، فهؤلاء وإن كانوا عصاة وهم من المسلمين فجازوا الصراط لم يشفع لهم في دخول النار أو عفا الله عنهم بدون شفاعة، وإن لم يكن شفاعة ولا عفو دخلوا النار ولبثوا فيها بقدر عصيانهم وحينئذ يلزم حجبهم عن الحوض مع أنهم من المسلمين وهذا بعيد حجبهم عن الحوض لا سيما وعليهم سيما الوضوء وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « أعرفهم غرا محجلين من أثر الوضوء »(10) .

الثاني: لو كان الورود على الصراط قبل الحوض للزم ألا يحجب عن الحوض أحد؛ لأن من جاوز الصراط لا يكون إلا ناج مسلم ومثل هذا لا يحجب عن الحوض، ومن الأدلة من العقل أن الناس يردون الموقف عطاشا فمن المناسب ورود المؤمنين الحوض قبل مرورهم على الصراط، وأما حديث النضر بن أنس الذي استدل به أهل القول الأول على أن الصراط يكون قبل الحوض يجاب عنه بأجوبة: منها: أن المراد بالحوض فيه حوض آخر يكون بعد الجواز على الصراط لا يذاد عنه أحد كما جاء في بعض الأحاديث كحديث لقيط بن عامر وفيه: « ثم ينصرف نبيكم وينصرف على أثره الصالحون فيسلكون جسرا من النار فيطأ أحدكم الجمر فيقول: حس يقول ربك -عز وجل-: أو أنه ألا فتطلعون على حوض نبيكم على أظمأ -والله- ناهلة عليها قط ما رأيتها، فلعمر إلهك ما يبسط أحد منكم يده إلا وضع عليها قدح يطهره من الطوف والبول والأذى »(11) .

ثانيا: أن الحوض نفسه يمتد إلى ما وراء الجسر كما يفيده حديث لقيط هذا وأن المؤمنين إذا جاوزوا الصراط وقطعوه دنا لهم الحوض فشربوه منه فإنه ورد أن طوله شهر وعرضه شهر، فإذا كان بهذا الطول والسعة فما الذي يحيل امتداده إلى ما وراء الجسر، وعلى هذا فيرده المؤمنون مرتين مرة قبل الصراط ومرة بعده جمعا بين الأدلة وهذا في حيز الإمكان ووقوعه موقوف على خبر الصادق.

وهذا كلام العلامة ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد يقول: إذا كان الحوض بهذه السعة طوله شهر مسافته شهر فهذا يدل على أنه يمتد وأنه طويل وأنه يكون ما وراء الجسر وأن الناس يردونه مرة قبل الصراط ومرة بعد المرور على الصراط، وجمع بعض أهل العلم فقال: إن للنبي -صلى الله عليه وسلم- حوضين: أحدهما في الموقف قبل الصراط والآخر داخل الجنة وهو الكوثر وكل منهما يسمى كوثرا، ولكن هذا لا يصلح جوابا عن حديث النضر؛ لأنه صرح أنه يوم القيامة وأجاب الحافظ ابن حجر -رحمه الله- عن هذا الجواب قال: وفيه نظر؛ لأن الكوثر نهر داخل الجنة وماؤه يصب في الحوض ويطلق على الحوض كوثرا لكونه يمد من نهر الكوثر.

وقال الحافظ أيضا: ظاهر الأحاديث أن الحوض بجانب الجنة لينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها وهذا يدل على أن الحوض بعد الصراط؛ إذ لو كان قبل الصراط لحالت النار بينه وبين الماء الذي يصب من الكوثر فيه.

وأجاب الحافظ عن الأحاديث التي تدل على منع المرتدين على أعقابهم قال: وأما ما أورد عليه من أن جماعة يدفعون من الحوض بعد أن يروه ويذهب بهم إلى النار، فجوابه أنهم يقربون من الحوض بحيث يرونه ويرون الجنة فيدفعون في النار قبل أن يخلصوا من بقية الصراط، ولكن هذا تأويل بعيد.

وأجاب السيوطي عن إشكال يرد على القول أن الحوض يورد بعد الصراط قال: فإذا قيل: إذا خلصوا من الموقف دخلوا الجنة فلا يحتاجون إلى الشرب من الحوض، فالجواب بل هم محتاجون إلى ذلك؛ لأنهم محبوسون هناك لأجل المظالم فكان الشرب في موقف القصاص يعني: يكون الشرب على ما ذكر السيوطي بعد المرور على الصراط؛ لأنه ثبت أن المؤمنين إذا تجاوزوا الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار قيل: إنها طرف الصراط وقيل: إن الصراط خاص بالمؤمنين حتى يقتص بعضهم من البعض من الآخر المظالم التي بينهم، فإذا هذبوا ونقوا دخلوا الجنة.

قال السيوطي -رحمه الله-: يكون في هذا المكان يكون هو الحوض في هذا المكان، ولكن هذا أيضا بعيد؛ لأن هذا التأويل يرده الأحاديث الكثيرة التي صرحت بأنه يزاد عن الحوض أقوام قد ارتدوا على أعقابهم، وهذا يدل على أن الحوض في موقف الحساب لا في موقف قصاص المؤمنين بعضهم من بعض، وجمع بعض العلماء بين الأحاديث بجمع آخر وهو أنه يقع الشرب من الحوض قبل الصراط لقوم ويتأخر الشرب بعد الصراط لآخرين بحسب ما عليهم من الذنوب والأوزار حتى يهذبوا منها على الصراط، قال بعض أهل العلم: وهو جمع حسن القول، وعلى هذا الجمع يكون هناك حوضان حوض قبل الصراط وحوض بعده أو أن الحوض نفسه يمتد إلى ما وراء الجسر كما سبق هذا في الجواب عن حديث النضر.

هذه أقوال العلماء في الحوض هل قبل الصراط أو بعد الصراط ولكن يعني: الحافظ ابن حجر يقول: إنه الصراط وابن القيم -رحمه الله- يقول: لا مانع إذا صح الحديث يكون من وراء الجسر وبعض العلماء يقول: الناس محتاجون إلى أن يشربوا أيضا بعد الجسر.

لكن سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز -غفر الله له ورحمه وجمعنا به في الفردوس الأعلى- تنبه لأمر لم يتنبه له هؤلاء العلماء الذين قالوا إن الحوض قبل الصراط قال سماحة شيخنا -رحمه الله-: إن صحت الأخبار أنهم يردون بعد الصراط فهذا نهر يردونه في الجنة؛ لأن الصراط ممدود على متن جهنم يصعد الناس عليه إلى الجنة، فمن جاوز الصراط وصل إلى الجنة، والحوض في الأرض فلا يرجعون إلى الأرض مرة ثانية بعد صعودهم إلى الجنة يعني: كيف يكون الحوض بعد الصراط؟ الصراط ممدود على متن جهنم صعود يصعد الناس فيه من الأرض إلى السماء فإذا انتهوا وصلوا إلى الجنة ما فيه حوض هناك كيف وأين يكون الحوض؟ الحوض في موقف القيامة قبل الصراط قبل المرور على الصراط وهذا هو الذي تدل عليه الأحاديث وتدل على أنه، ويدل على ذلك أنه يذاد أقوام قد غيروا وبدلوا هذا يكون في موقف القيامة أما بعد المرور على الصراط انتهى الأمر، من سقط في النار سقط في النار، ومن تجاوز الصراط وصل إلى الجنة.

لكن السيوطي يقول: يكون في مكان قبل دخولهم الجنة لكن هذا بعيد والصواب الذي تدل عليه النصوص أن الحوض يكون قبل الصراط هذا هو الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة.

وهل الحوض قبل الميزان أو بعد الميزان؟ أيضا في المسألة قولان لأهل العلم: أحدهما: أن الميزان أسبق من الحوض حجة هذا القول ظاهر حديث النضر بن أنس فإنه قدم الميزان على الحوض الثاني: أن الحوض قبل الميزان، وهذا هو الراجح حجة هذا القول الأحاديث التي تدل على أنه يزاد عن الحوض أقوام قد ارتدوا على أعقابهم، فلو كان ورود الحوض بعد الميزان لما حجب عنه أقوام؛ لأن هؤلاء الذي خفت موازينهم يعرفون أنه لا سبيل لهم إلى الشرب من الحوض فلا يردونه إطلاقا.

ويدل على ذلك أيضا من العقل أن المعنى يقتضيه فإن الناس يخرجون من قبورهم عطاشا، فمن المناسب أن يكون الورود على الحوض قبل الميزان للحاجة الشديدة إلى الشرب فيقدم قبل الميزان.

صفة الحوض: صفة الحوض كما وردت في الأحاديث الذي يتلخص من الأحاديث الواردة في صفة الحوض أنه حوض عظيم ومورد كريم يمد من شراب الجنة من نهر الكوثر الذي هو أشد بياضا من اللبن وأبرد من الثلج وأحلى من العسل وأطيب ريحا من المسك، وأنه في غاية الاتساع وأن عرضه وطوله سواء وأن كل زاوية من زواياه مسيرة شهر، وكلما شرب منه فهو في زيادة واتساع وأنه ينبت في خلاله من المسك والرفراف من اللؤلو وقضبان الذهب ويثمر ألوان الجواهر، -فسبحان الخالق الذي لا يعجزه شيء-.

مكان الحوض: بين القرطبي -رحمه الله- في التذكرة أن مكان الحوض لا يكون على هذه الأرض وإنما يكون في الأرض المبدلة ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ(12) يكون في الأرض المبدلة التي تظهر لنزول الجبار -تعالى- فقال القرطبي -رحمه الله- ولا يخطر ببالك أنه في هذه الأرض بل في الأرض المبدلة أرض بيضاء كالفضة لم يسفك فيها دم ولم يظلم على ظهرها أحد ولم يظلم على ظهرها أحد، قط تظهر لنزول الجبار -جل جلاله- لفصل القضاء.

شبه المنكرين للحوض: قال القرطبي -رحمه الله- تبعا للقاضي عياض: مما يجب على كل مكلف أن يعلمه ويصدق به أن الله قد خص نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- بالحوض المصرح باسمه وصفته وشرابه في الأحاديث الصحيحة الشهيرة التي يحصل بمجموعها العلم القطعي؛ إذ قد روي ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصحابة ينيف على الثلاثين منهم في الصحيحين ما ينيف على العشرين وفي غيرها بقية ذلك مما صح نقله، واشتهرت رواته، ثم رواه كلا من التابعين أمثالهم ومن بعدهم أضعاف أضعافهم، وهلم جرا وأجمع إلى إثباته السلف وأهل السنة من الخلف وأنكر ذلك طائفة من المبتدعة وأحالوه على ظاهره وغلوا في تأويله من غير استحالة عقلية ولا عادية تلزم من حمله على ظاهره وحقيقته ولا حاجة إلى تأويله من غير استحالة عقلية ولا عادية تلزم من حمله على ظاهره وحقيقته لا حاجة تدعو إلى تأويله، فحرفه من حرف إجماع السلف وفارق مذهب أئمة الخلف، والذي أنكره الخوارج وبعض المعتزلة، وممن كان ينكر الحوض عبيد الله بن زياد أحد أمراء العراق لمعاوية وولده الذي يطرد من الحوض ويذاد عنه دلت الأحاديث على أن الذين ارتدوا كالأعراب الذين ارتدوا بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- يطردون ويذادون، ولهذا أخبرنا هذه الحديث أنه « يذاد أقوام فيقول النبي أصحابي أصحابي »(13) وفي لفظ « أصحابي أصحابي فيقال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم »(14) قال بعد السفاريني -رحمه الله-: إنه يطرد عن الحوض أقوام، أنواع جنس المفترين على الله وعلى رسوله من المحدثين في الدين كالخوارج وسائر أهل الأهواء والبدع المضلة، وثانيا: كل من يرتد عن دين الله أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله ولم يأذن به، وأشدهم من خالف جماعة المسلمين كالخوارج والروافض والمعتزلة، وثالثا: الظلمة المسرفون في الظلم في الظلم والجور وطمس معالم الحق وإذلال أهله، ورابعا: المتهتكون في ارتكاب المناهي والمعلنون في اقتراف المعاصي المستخفون بها.

هذا قول السفاريني -رحمه الله- يرى أن هذه الأنواع كل هؤلاء يطردون عن الحوض، لكن ظاهر الأحاديث الصحيحة أن الذين يزادون إنما هم الكفرة المرتدون على أعقابهم المرتدون عن الديانة هذه هو ظاهر الأحاديث، أما هذه الأنواع التي ذكرها المفترون على الله الكذب وعلى رسوله الكفرة لا بأس، أما كون العصاة يذادون، فهذا محل نظر ويحتاج إلى دليل والله أعلم. نعم.


(1) البخاري : الرقاق (6580) , ومسلم : الفضائل (2303) , وابن ماجه : الزهد (4304) , وأحمد (3/216).
(2) البخاري : الرقاق (6580) , ومسلم : الفضائل (2303) , والترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2442) , وابن ماجه : الزهد (4304) , وأحمد (3/230).
(3)
(4) الترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2444) , وابن ماجه : الزهد (4303).
(5) البخاري : الرقاق (6579) , ومسلم : الفضائل (2292).
(6) مسلم : الفضائل (2300) , والترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2445) , وأحمد (5/149).
(7) الترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2433) , وأحمد (3/178).
(8) البخاري : الرقاق (6582) , ومسلم : الفضائل (2304) , والنسائي : الافتتاح (904).
(9) البخاري : الرقاق (6585) , ومسلم : الفضائل (2291) , وأحمد (5/339).
(10) البخاري : الوضوء (136) , ومسلم : الطهارة (246) , والنسائي : الطهارة (150) , وابن ماجه : الزهد (4306) , وأحمد (2/523) , ومالك : الطهارة (60).
(11) أحمد (4/13).
(12) إبراهيم: 48
(13) البخاري : الفتن (7049) , ومسلم : الفضائل (2297) , وابن ماجه : المناسك (3057) , وأحمد (5/393).
(14) البخاري : تفسير القرآن (4740) , ومسلم : الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2860) , والترمذي : تفسير القرآن (3167) , والنسائي : الجنائز (2087) , وأحمد (1/253).


 مواد ذات صلة: