شرح العقيدة الطحاوية
أصول الإيمان عند أهل السنة

أصول الإيمان عند أهل السنة

ونؤمن بالملائكة والنبيين والكتب المنزلة على المرسلين .


نعم، نؤمن بالملائكة الموكلين والكتب والرسل واليوم الآخر هذه أصول الإيمان، أصول الدين أصول الدين، وأصول الإيمان هي الإيمان بالله والإيمان بالملائكة والإيمان بالكتب والإيمان بالرسل والإيمان باليوم الآخر والإيمان بالقدر، هذه أصول الدين وهذه أركان الإيمان، فهي داخلة في حقيقة الإيمان وماهيته، من لم يؤمن بهذه الأركان الستة، فليس بمؤمن، والأدلة كثيرة عليها من كتاب الله، قال الله تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ (1) فسمى الله من آمن بهذه الجملة مؤمنا، قال تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ (2) فجعل الإيمان هو الإيمان بهذه الجملة.

وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (3) فجعل الكافرين من كفر بهذه الجملة.

ومن السنة حديث جبرائيل حينما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان فقال: « الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره »(4) أما الإيمان بالملائكة، فنؤمن بهم جملة وتفصيلا، فنؤمن بمن سمى الله في كتابه منهم كجبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ورضوان ومالك خازن النار، من سمى الله منهم تفصيلا، ونؤمن إجمالا بأن لله ملائكة سواهم لا يعلم أسمائهم وعددهم إلا الله ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ (5) لأنه لم يأت في عددهم نص، فنؤمن بهم جملة.

وأما الأنبياء والمرسلون فنؤمن بهم جملة وتفصيلا، فنؤمن بمن سمى الله في كتابه من رسله وهم خمس وعشرون ذكروا في آية النساء ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ (6) وفي آية الأنعام: ﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (7) وَقَالَ ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا (8) إلى آخر الآيات.

ونؤمن بأن الله تعالى أرسل رسلا سواهم وأنبياء لا يعلم أسماءهم إلا الله، وورد في حديث أبي ذر أن عدد الأنبياء مائة ألف وعدد الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر، ويحتاج إلى ثبوت الحديث، والحديث فيه ضعف، فنؤمن بهم، وعلى كل حال لا بد من الإيمان الإجمالي نؤمن بهم جملة، قال الله تعالى: ﴿ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ (9) وقال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ (10) وأما أولو العزم من الرسل، فأحسن الأقوال فيهم أنهم المذكورون في آية الأحزاب والشورى، في قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (11) وقوله سبحانه في سورة الشورى: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ (12) .

وأما الإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم- فلا بد من الإيمان به تفصيلا زائدا على الإيمان بتلك الرسل، الإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم- تصديقه واتباع ما جاء به من الشرائع إجمالا وتفصيلا.

وأما الإيمان بالكتب المنزلة على المرسلين، فنؤمن بهم جملة وتفصيلا، نؤمن بمن سمى الله في كتابه من التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وصحف إبراهيم وصحف موسى، نؤمن بها تفصيلا، ونؤمن بأن الله بأن الله تعالى سوى ذلك كتبا أنزلها على أنبيائه ورسله، لا يعرف أسمائها وعددها إلا الله؛ لأنه لم يأت في عددها نص، فنؤمن بها جملة، وأنها حق وهدى ونور وشفاء، وأما الإيمان بالقرآن فالإقرار به واتباع ما فيه وتحكيمه في كل شيء في المنشط والمكره واليسر والعسر، مع اعتقاد بأنه أفضل الكتب وأنه ناسخ لها ومهيمن عليها، وذلك أمر زائد على غيره من الكتب ذلك أمر زائد على غيره من الكتب.

كذلك أيضا نؤمن باليوم الآخر، وبما يكون قبل ذلك في البرزخ من سؤال منكر ونكير، ومن نعيم القبر وعذابه، وكذلك نؤمن بالبعث بعث الأجساد وإعادة الأرواح إليها والحشر والنشر والوقوف بين يدي الله وتطاير الصحف ووزن الأعمال والحوض والصراط والجنة والنار، كل هذا نؤمن به، ويؤمن به أهل الحق.

أما أعداء الله من الفلاسفة وغيرهم، فلهم تفصيلات في هذه الأصول الستة، وحقيقتهم أنهم لم يؤمنوا بالله ولا بالملائكة ولا بالكتب ولا بالرسل ولا باليوم الآخر ولا بالقدر خيره وشره، ومعتقدهم في ذلك وتفصيلاته يؤجل إن شاء الله. فيما بعد.

أصول الإيمان عند الفلاسفة سبق الكلام على أصول الإيمان عند أهل السنة، وأن أهل الحق يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وأن هذه الأصول أصول الدين جاءت بها الرسل والكتب المنزلة، وأجمع عليها المسلمون، ومن أنكر شيئا منها فهو خارج عن ملة الإسلام، وليس في عداد المسلمين بإجماع المسلمين، لكن الفلاسفة المتأخرين أرسطو واتباعه وابن سينا ملاحدة زنادقة ينتسبون إلى الإسلام، وهم براء منه، وتأثر بهم كثير من أهل الكلام من المبتدعة وغيرهم، حتى إن ابن سينا يقدسه يعظمه كثير من الناس، ويسمونه الفيلسوف الإسلامي، وهو كما قال.. كما نقل عنه ابن القيم رحمه الله في غزل الأحوال أنه قال: أنا وأبي من دعوة الحاكم العبيدي، والحاكم العبيدي رافضي خبيث، لا يؤمن بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا اليوم الآخر ولا القدر.

فالفلاسفة ينتسبون إلى الإسلام، والإسلام بريء منهم، ولم يجرءوا على على إنكار أصول الدين صراحة؛ لأنهم لو أنكروا أصول الإيمان لعرف الناس كفرهم ووضح كفرهم، لكنهم لبسوا لأنهم منافقون ذنادقة يتسترون بالإسلام، فهم يثبتون هذه الأصول في اللفظ، يقولون: أصول الدين خمسة الإيمان بالله ويدخل فيها الإيمان بالقدر والإيمان بالملائكة والإيمان بالكتب المنزلة والإيمان بالرسل والإيمان باليوم الآخر في اللفظ، لكن في الحقيقة لا يثبتون هذه الأصول، فهم لم يؤمنوا في الحقيقة بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا باليوم الآخر .

أما إيمانهم بالله وهو أصل الدين، فمذهبهم أن الله -سبحانه- موجود وجودا مطلقا يعني موجود في الذهن لا ماهية له ولا حقيقة، فلا يعلم جزيئات بأعيانها إذ لو علم جزيئات للحقه الكلل والتعب من تصور تلك المعلومات، ولكان كاملا بنفسه لا بغيره، بل يعلم الكليات، والكليات أمر ذهني ولا يسأل عندهم بقدرته ومشيئته، وليس له صفة البتة لا يثبتون له السمع ولا البصر ولا العلم ولا القدرة، وليس العالم مخلوقا لله بمشيئته وقدرته، بل العالم عندهم لازم لله أزلا وأبدا، لا يستطيع انفكاكا عنه، فليس العالم مخلوقا بقدرته ومشيئته، بل العالم مقارن لله ليس متقدما عليه ينكرون أن يكون متقدما عليه في الزمان، بل هو مقارن له، وهو العلة المحرك لهذا العالم، وهو أول هذا العالم، والعالم ملازم لله أزلا وأبدا، فهو لازم له كلزوم النور للسراج هذا مذهبهم في الإيمان بالله، وحقيقة مذهبهم الإيمان بالله أنهم لم يثبتوا وجودا الله إلا في اللفظ، وفي الذهن فقط، لم يثبتوا ربا هذا رب الفلاسفة، ربهم معدوم لا وجود له؛ لأن الموجود لا بد أن يتصف بصفة ولا بد أن يكون له اسم وهؤلاء يسلبون جميع الأسماء والصفات، فتبين بهذا أنه لا وجود له إلا في الذهن، وفي اللفظ وأما الملائكة، فإنهم لا يثبتون الملائكة على أنهم أشخاص محسوسة، تنزل وتذهب وترى وتجيء، وتخاطب الرسول وتصفه عند ربها، وتكتب أعمال العباد ولها وظائف كما جاء في الكتاب والسنة، بل يقولون: إنها هي العقول، وهي مجردات ليست داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته، ولا هي أشخاص تتحرك وتصعد وتنزل، وتدبر وتكلم وتكتب أعمال العبد، وتجيء وترى وتخاطب الرسول، وإنما ذلك عندهم أمور ذهنية لا وجود لها في الأعيان، وإذا تقربوا إلى أهل الإسلام، وإذا تقرب بعضهم إلى أهل الإسلام قالوا: الملائكة هي القوى الخيرة الفاضلة التي في العبد والشياطين، هي القوى الشريرة الرديئة هذا إذا تقربوا إلى أهل الإسلام، وإلا فإنهم يقررون أن الملائكة عبارة عن أشكال نورانية، يتصورها النبي في نفسها أشباح وأشكال نورانية، وإذا تقربوا إلى أهل الإسلام قالوا: هي أمور عقلية، فالأمور العقلية تبعث على الخير وعلى الإحسان وعلى الشجاعة وعلى الإيثار.

والشياطين هي القوى الشريرة الرديئة التي تبعث على الإيذاء وعلى الظلم وعلى الطغيان وعلى العدوان أمور عقلية ليست معنوية، هذا إذا تقربوا إلى أهل الإسلام وإلا فهم يقررون أنها أشخاص وأشباح وأشكال نورانية يتصورها النبي في ذاته، وأما الإيمان بالكتب فإنهم لا يثبتون الكلام لله عز وجل، ولا يثبتون أن الله تكلم بكلام أنزله على أنبيائه ورسله، ولم يكن لله كلام لا يثبتون لله كلاما ولا كتبا أنزلها، ولا يصفون الله بالكلام فلا يكلم ولا يتكلم ولا قال ولا يقول والقرآن عندهم فيض فاض من العقل الفعال على قلب بشر، يعني أمورا معاني تفيض معاني، ليس بحرف ولا صوت معاني تفيض من العقل الفعال على قلب بشر ذاك النفس طاهر متميز عن النوع الإنساني متميز عن النوع الإنساني بخصائص.

وهذا هو الرسول، وهو الإيمان بالرسل، فلا يؤمنون بأن الله تعالى اصطفى أنبياءه ورسله، بل يقولون: إن الرسالة ليست هبة من الله وليست محنة، بل هي صنعة من الصناعات وكسب يكسبه الإنسان وسياسة من السياسات، ولها ثلاث خصائص ثلاث خصائص من توافرت فيه فهو نبي، فالنبي رجل عبقري متميز عن غيره بهذه الخصائص.

الخصيصة الأولى قوة الإدراك وسرعته؛ لينال من العلم أعظم مما يناله غيره رجل ليس عاديا، بل هو رجل عبقري ذكي عنده سرعة الإدراك والحفظ لينال من العلم أكثر مما يناله غيره.

الثاني الصفة الثانية: قوة النفس أو قوة التأثير، ليؤثر بها في سيول العلم بقلب صورة إلى صورة، يعني يكون عنده قوة تأثير يشبه الساحر بحيث يقلب ما ارتسم في ذهنك من صورة إلى صورة، وأنت لا تشعر من قوة تأثيره من قوة نفسه، فإذا ارتسم في ذهنك صورة كذا وكذا، نوعها كذا وكذا استطاع أن يقلبها من صورة إلى صورة بقوة تأثيره وقوة نفسه.

الصفة الثالثة: قوة التخيل وقوة التخيل قوة التخيل، حتى يتخيل الملائكة الذين هم العقول، يتخيلهم في صورة شيء محسوس أمامه، كأن أمامه رجل يخاطبه، فيتخيل أن الملائكة أشخاص، وقد يقوى الوهم فيسمع أصواتا تخاطبه.

جزى الله فضيلة الشيخ خيرا على ما قدم، وجعله في ميزان حسناته.

وأما الإيمان بالكتب فإنهم لا يثبتون الكلام لله -عز وجل- ولا يثبتون أن الله تكلم بكلام أنزله على أنبيائه ورسله، ولم يكن لله كلام، لا يثبتون لله كلاما ولا كتبا أنزلها، ولا يصفون الله بالكلام، فلا يكلم ولا يتكلم، ولا قال ولا يقول، والقرآن عندهم فيض فاض من العقل الفعال على قلب بشر، يعني أمورا، معاني تفيض، معاني ليس بحرف ولا صوت، معاني تفيض من العقل الفعال على قلب بشر زاكي النفس طاهر متميز عن النوع الإنساني، متميز عن النوع الإنساني بخصائص، وهذا هو الرسول وهو الإيمان بالرسل، فلا يؤمنون بأن الله -تعالى- اصطفى أنبياءه ورسله، بل يقولون: إن الرسالة ليست هبة من الله، وليست محنة، بل هي صنعة من الصناعات، وكسب يكسبه الإنسان، وسياسة من السياسات، ولها ثلاث خصائص، ثلاث خصائص من توافرت فيه، فهو نبي، فالنبي رجل عبقري متميز عن غيره بهذه الخصائص.

الخصيصة الأولى قوة الإدراك وسرعته؛ لينال من العلم أعظم مما يناله غيره، رجل ليس عاديا، بل هو رجل عبقري ذكي، عنده سرعة الإدراك والحفظ؛ لينال من العلم أكثر مما يناله غيره.

الثاني… الخصيصة الثانية: قوة النفس أو قوة التأثير؛ ليؤثر بها في سيول العلم بقلب صورته إلى صورة، يعني يكون عنده قوة تأثير، يشبه الساحر بحيث يقلب ما ارتسم في ذهنك من صورة إلى صورة، وأنت لا تشعر من قوة تأثيره، من قوة نفسه، فإذا ارتسم في ذهنك صورة كذا وكذا، نوعها كذا وكذا، استطاع أن يقلبها من صورة إلى صورة بقوة تأثيره وقوة نفسه.

الصفة الثالثة: قوة التخيل، وقوة التخييل قوة التخيل حتى يتخيل الملائكة الذين هم العقول، يتخيلهم في صورة شيء محسوس أمامه، كأن أمامه رجل يخاطبه، فيتخيل أن الملائكة أشخاص، وقد يقوى الوهم فيسمع أصواتا تخاطبه، وليس لذلك حقيقة، وقوة التخييل، يعني يستطيع أن يخيلها للآخرين، حتى يرونها ويسمعون خطابها، فإذا وجدت هذه الخصائص، فهو نبي، وقالوا: إن النبوة لا كل أحد يستطيع أن يدركها بالمراس والكسب والخبرة، وقالوا: إن النبوة ليست بالدرجة العالية، بل هناك ما هو أعلى منها؛ لأن النبوة سياسة العامة، ولكن الفلسفة أعلى منها لأنها سياسة الخاصة، ولهذا فإن بعض الفلاسفة لا يرضون بها بالنبوة، ويقولون هي مرتبة ليست عالية، وإنما أعلى منها الفلسفة، ولهذا طلب النبوة من تصوف على مذهب ابن هود وابن سبعين وغيرهما، هذا إيمانهم بالرسل، فالرسول أو النبي رجل عبقري، توفرت فيه هذه الخصائص، أما وهذه الخصائص أي تحصل بالاكتساب، ولهذا طلب النبوة من تصوف على مذهب هؤلاء كابن سبعين وابن هود وأضرابهما، قالوا والنبوة صنعة من الصنائع، بل من أشرف الصنائع كالسياسة، بل هي سياسة العامة عندهم، وكثير منهم لا يرضى بها، ويقول الفلسفة نبوة الخاصة، والنبوة فلسفة العامة.

وأما الإيمان باليوم الآخر، فهم من أشد الناس تكذيبا وإنكارا له في الأعيان وفي الخارج، فعندهم أن هذا العالم لا يخرج، ولا تنشق السماوات، ولا تنفطر، ولا تنكدر النجوم، ولا تكور الشمس والقمر، ولا يقوم الناس من قبورهم، ويبعثون إلى جنة ونار، وكل هذا عندهم لا حقيقة له، بل هي أمثال مضروبة لتفهيم العوام، لا حقيقة لها في الخارج كما يفهم منها أتباع الرسل، يقول هذه من تخييلات هذا العبقري من سياسته، فيسوس الناس ويخبر أن هناك بعث وجزاء وجنة ونار حتى يتعايش الناس بسلام، وحتى لا يعتدي أحد على أحد، هذا من سياسته، وهو يكذب، لكن يكذب لهم ولا يكذب عليهم، قالوا: لا بأس هو يكذب لهم، ولا يكذب عليهم.

فرق بين من يكذب لك، ومن يكذب عليك، فهو يكذب للناس لأجل مصلحة الناس، وإلا فليس هناك بعث ولا جزاء ولا نشور ولا جنة ولا نار، هذا مذهب الفلاسفة في أصول الإيمان، وبهذا يتبين أنهم ملاحدة زنادقة، ينتسبون إلى الإسلام نفاقا، فيكون من المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار، ونعوذ بالله إذا ماتوا على ذلك، نسأل الله السلامة والعافية.


(1) سورة البقرة: 285
(2) سورة البقرة: 177
(3) سورة النساء: 136
(4) مسلم : الإيمان (8) , والترمذي : الإيمان (2610) , والنسائي : الإيمان وشرائعه (4990) , وأبو داود : السنة (4695) , وابن ماجه : المقدمة (63) , وأحمد (1/52).
(5) سورة المدثر: 31
(6) سورة النساء: 163
(7) سورة الأنعام: 83
(8) سورة الأنعام: 84
(9) سورة النساء: 164
(10) سورة غافر: 78
(11) سورة الأحزاب: 7
(12) سورة الشورى: 13


 مواد ذات صلة: