شرح العقيدة الطحاوية
الصلاة خلف البر والفاجر

الصلاة خلف البر والفاجر

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام الطحاوي -رحمه الله تعالى-

ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة .


بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

قبل أن نبدأ في حكم الصلاة خلف البر والفاجر، أحب أن أنبه على مسألة مرت بالأمس، وهي تتعلق بمن أتى ناقضا من نواقض الإسلام، وذلك أننا قلنا: إن المرجئة يقولون: لا يكفر إلا الجاحد بالقلب، قلنا: إن هذا خطأ، وأن الكفر يتنوع فيكون بالقلب والاعتقاد، ويكون باللسان بالقول، ويكون بالفعل، ويكون بالشك، ويكون بالترك، ولكن لا بد من شروط لمن يفعل الكفر حتى يحكم عليه بالكفر، لا بد من شروط.

قلنا: إن من شروطه العلم أن يكون عالما بما يقول، فإن كان جاهلا ومثله يجهل، فلا يكفر حتى تقوم عليه الحجة، ولا بد أيضا أن يكون مختارا، فإن كان مكرها فلا يكفر، إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ (1) ولا بد من القصد، فإن لم يقصد الفعل، فإنه لا يكون كافرا، لا بد أن يقصد السجود لصنم لا بد أن يقصد التكلم بكلمة الكفر، ولا يشترط أن يعتقد ذلك بقلبه، لكن لا بد من القصد، فإن قالها من غير قصد، فلا يكفر.

فمثلا المجنون ما عنده قصد، لو تكلم بكلمة الكفر لا يكفر السكران ليس عنده قصد، والصغير فاقد العقل ليس عنده قصد، الذي سبقت لسانه وهو لم يقصد الكلمة عن جهل كالشخص الذي قال: « اللهم أنت عبدي وأنا ربك »(2) هذا ما قصد، فلا بد من هذه الشروط، والمرجئة يركزون على الآية ﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ (1) قالوا: لا بد من القلب فالجاهل لا بد فيه من القلب، والمكره لا بد فيه من القلب، والمتكلم لا بد فيه من القلب.

وهذا خطأ الكفر كما سبق يتنوع يكون بالاعتقاد كما لو اعتقد أن لله صاحبة وولدا، كما لو جحد ربوبية الله، أو جحد أسماءه أو جحد صفة من صفاته، أو جحد ألوهيته وعبادته، أو جحد تحريم الزنا أو تحريم الخمر أو تحريم الربا، وما هو معلوم من الدين بالضرورة، أو جحد وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة أو وجوب الحج، كل هذا جاحد، لكن أيضا يكفر المتكلم بكلمة الكفر، ولو ما اعتقد بقلبه لو سب الله أو سب الرسول أو سب الدين أو استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله أو بدينه، كفر بهذا النطق ولو لم يقصد. المهم يقصد القول ولو لم يعتقد بقلبه، كذلك الفعل إذا سجد للصنم، ولو لم يقصد بقلبه.

المرجئة يقولون هذا دليل على الكفر، والصواب أنه نفس السجود، كفر لكن بشرط أن يقصد يكون له قصد، أما إذا لم يقصد الفعل، فإنه لا ينسب إليه القول إذن لا بد من القصد قصد الفعل، ولا بد من العلم ولا بد من الاختيار، فإذا وجدت هذه الشروط، فإنه يكفر الشخص سواء كان الكفر الذي فعله اعتقادا أو شكا أو نطقا أو فعلا أو تركا، كما لو ترك الدين لا يتعلم، ولا يعبد الله فيكفر بهذا الترك قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) .

أما هذه المسألة، وهي الصلاة خلف الفاسق، يقول الطحاوي -رحمه الله-: "ونوى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة" هذه المسألة من أصول أهل السنة والجماعة، الصلاة خلف كل بر وفاجر، خلافا لأهل البدع، فإن أهل البدع لا يصلون خلف أئمة الجور، لا يصلون خلف الفساق لأن الفاسق كافر عند الخوارج، وعند المعتزلة خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، وعند الرافضة أيضا لا يصلون خلف الفاسق؛ لأنهم لا يرون إلا الصلاة خلف المعصوم.

فإذن من أصول أهل السنة والجماعة الصلاة خلف الفسقة وأئمة الجور إذا كان ولاة الأمور فساقا أو جائرين، تصلى الجمعة والجماعة والعيد خلفهم، خصوصا إذا لم يكن هناك إمام غيرهم، كإمامة مثل الجمعة في البلد الذي ليس فيه إلا جمعة واحدة، وإمامة العيد وإمامة الحج بعرفة إذا لم يكن هناك إلا فاسق صحت الصلاة خلفه، بل تجب الصلاة خلفه ومن صلى وحده وترك الصلاة خلف الفاسق في هذه الحالة، فهو مبتدع عند أهل السنة والجماعة.

وهذا من أصول أهل السنة والجماعة التي خالفوا بها أهل البدع، ولذلك أدخلها العلماء في كتب العقائد الصلاة، هذه مسألة فرعية حكم الصلاة، لكن العلماء أدخلوها في كتب العقائد للرد على أهل البدع الخوارج والمعتزلة والرافضة لا يصلون خلف الفسقة وأئمة الجور؛ لأن الخوارج يكفرون الفاسق فلا يصلون خلفه.

والمعتزلة يقولون: خرج من الإيمان، ولم يدخل في الكفر.

والرافضة لا يصلون إلا خلف الإمام المعصوم، فأهل السنة والجماعة يخالفون هؤلاء أما إذا لم يكن الإمام إمام الجمعة وإمام العيد، وليس إمام المسلمين إماما عاديا، وهو فاسق فهل تصلى خلفه، أولا تصلى خلفه إذا وجدت إماما فاسقا وإماما غير فاسق ثم صليت خلف الفاسق، وليس هناك ولا يترتب على هذا مفسدة يصلى خلف الفاسق في حالتين.

الحالة الأولى: إذا كان إمام المسلمين، وليس للناس إمام غيره يصلي خلفه الجمعة والعيد والحج بعرفة، ومن صلى وحده وترك الصلاة خلفه، فهو مبتدع عند أهل السنة، الثاني: إذا كان هناك إمام غيره، ولكن إذا تركت الصلاة خلفه ترتب على ذلك مفسدة، كأن يحصل انشقاق للمسلمين، ويحصل فتن وإحن، فهل في هذه الحالة تصلى خلفه، أما إذا كان هناك إمام غيره، ولم يحصل مفسدة وصليت خلفه وتركت الصلاة خلف العدل، فاختلف العلماء في صحة الصلاة وعدمها، فالحنابلة والمالكية يرون أن الصلاة غير صحية، وإذا صليت خلف الفاسق، فإن الصلاة باطلة وتعيد الصلاة.

وذهب الشافعية والأحناف إلي أن الصلاة صحيحة مع الكراهة، وهذا هو الصواب، الصواب أن الصلاة صحيحة مع الكراهة، والدليل على هذا ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « يصلون لكم - يعني أئمة لكم - فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطئوا فلكم وعليهم »(4) فهذا الحديث نص صحيح صريح في أن الإمام إذا أخطأ فخطؤه على نفسه، وأما المأموم فليس عليه شيء من خطئه.

وكذلك أيضا ثبت عن الصحابة أنهم يصلون خلف الحجاج بن يوسف، وكان فاسقا ظالما وصلى الصحابة خلف عقبة بن أبي معيط، وكان أميرا للكوفة من قبل عثمان رضي الله عنه، كان فاسقا يشرب الخمر حتى إنه صلى بهم مرة الفجر، وهو سكران فصلى بهم الصلاة أربعا، ثم التفت عليهم، فقال هل تريدون أن أزيدكم، فقال المسور مازلنا معك منذ اليوم في زيادة، ثم أعاد الصلاة، ورفع أمره إلي الخليفة، فجلده وعزله.

وكذلك أيضا ثبت في صحيح البخاري « أن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- كان محصورا، قد أحاط به الثوار وأحاطوا ببيته لقتله هم فساق هؤلاء الثوار، ثم حضرت الصلاة فتقدم رجل من الثوار يريد أن يصلى بالناس فجاء شخص وسأل أمير المؤمنين عثمان فقال له: يا خليفة رسول الله يا خليفة، أيها الخليفة، يا أمير المؤمنين، إن الصلاة تقام الآن وسيصلي بنا رجل من الثوار، وهو فاسق فهل نصلي خلفه، فقال يابن أخي: إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم »(5) هذه النصوص تدل على أن الصلاة خلف الفاسق صحيحة، ولا تعاد، ولكن لا شك أن الصلاة خلف العدل أولى.

وأما الذين قالوا: لا تصح فحجتهم في هذا أنهم قالوا: إن من صلى خلف الفاسق فقد أقره على المنكر الذي هو متلبس به، فتكون صلاته منهيا عنها فلا تصح؛ لأن الصلاة خلفه متلبسة بمنكر، لم ينه عنه فلا تصح الصلاة.

وأما الذين قالوا لا تصح، فحجتهم في هذا أنهم قالوا: إن من صلى خلف الفاسق، فقد أقره على المنكر، الذي هو متلبس به، فتكون صلاته منهيا عنها، فلا تصح؛ لأن الصلاة خلفه متلبسة بمنكر لم ينه عنه، فلا تصح الصلاة.

ولكن هذه المسألة، وهي كونه متلبسا بمنكر مسألة مهمة تحتاج إلى تقعيد، وهي القاعدة إذا عرفها طالب العلم استفاد فائدة عظيمة، وهي كون النهي المنهي عنه، هل هو متعلق بذات المنهي، أو بشيء خارج عنه؟ فإذا كان النهي متعلقا بذات المنهي، دل على فساد هذا المنهي عنه، وإذا كان النهي متعلقا بشيء خارج عن المنهي عنه؛ فإن الصلاة صحيحة هذا هو الذي عليه الحق، وعليه الجمهور.

نطبق هذه القاعدة: مثلا على الصلاة في الدار المغصوبة، شخص دخل في دار مغصوبة وصلى فيها هل تصح الصلاة أو لا تصح؟ أو شخص غصب ثوبا ولبسه وصلى فيه، أو شخص لبس ثوب حرير وصلى فيه، أو شخص حمل صورة وصلى فيها، هل تصح أو لا تصح؟ المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، كما سنقول. الحنابلة والمالكية يرون الصلاة باطلة؛ لأن الإنسان إذا صلى في ثوب مغصوب، أو في دار مغصوبة أو في ثوب عليه صورة الصلاة باطلة؛ لأنه متلبس بشيء منهي عنه. والقول الثاني: أن الصلاة صحيحة مع الإثم؛ لأن الصلاة اجتمع فيها شيء، فله ثواب الصلاة، وعليه إثم الغضب إذا صلى في دار مغصوبة نقول: لك ثواب الصلاة، وعليك إثم الغصب صل في ثوب حرير لك ثواب الصلاة، وعليك إثم الحرير صل في ثوب فيه صورة لك ثواب الصلاة، وعليك إثم الصورة. واضح هذا.

لكن لو كان النهي متعلقا بذات المنهي عنه، كما لو صلى في ثوب نجس، هل تصح الصلاة؟ لا تصح الصلاة؛ لأن الصلاة منهي عنها بالثوب النجس؛ لأنه يشترط لصحة الصلاة أن يكون الثوب طاهرا، والبقعة طاهرة، والجسم طاهرا، فإذا تلبست بالنجاسة ما صحت الصلاة؛ لأن هذا يتعلق بذات المنهي عنه، والصلاة منهي عنها إذا كان الإنسان متلبس بنجاسة.

طيب: ننظر في مسألتنا صلى خلف الفاسق، الذين قالوا لا تصح الصلاة خلفه قالوا؛ لأنه لم ينكر المنكر عليه. صلى عليه أقره على المنكر، والقول الثاني: يقولون: صحيح أقره على المنكر لكن إنكار المنكر ما يتعلق بالصلاة، يجب عليه إنكار المنكر في الصلاة وخارج الصلاة، فنقول له ثواب الصلاة، وعليه إثم ترك المنكر هذه القاعدة مفيدة، فمثلا الصلاة خلف الفاسق هل تصح أو لا تصح؟ الصواب أنها تصح خلف الفاسق لك ثواب الصلاة، وعليك إثم ترك إنكار المنكر، إذا كنت تستطيع واضح هذا كذلك لو صليت في ثوب فيه صورة، أو صليت في ثوب حرير، أو ما أشبه ذلك، وعلى هذا، فتكون إذا صلى الإنسان خلف الفاسق، فالمسألة فيها خلاف بين أهل العلم.

بعض أهل العلم يقولون لا تصح، الحنابلة يقولون، يقول صاحب الروض المربع: لا تصح الصلاة خلف الفاسق مطلقا، سواء كان فسقه من جهة الأفعال، أو الاعتقاد إلا في جمعة، وعيد تعذرا خلف غيره لقوله -عليه الصلاة والسلام-: « لا تؤمن امرأة رجلا، ولا أعرابي مهاجرا، ولا فاجر مؤمنا، إلا أن يقهره بسلطان، يخاف سوطه »(6) كما لا تصح خلف كافر سواء علم بكفره في الصلاة، أو بعد الفراغ منها، وتصح خلف المخالف في الفروع.

قال صاحب الحاشية -العنقري رحمه الله-: ولا تصح الصلاة خلف فاسق أي مطلقا، واختار الموفق والمجد اختصاص البطلان بظاهر الفسق، وقال في الفروع لا تصح إمامة فاسق مطلقا وفاقا لمالك، وعنه تكره، وتصح وفاقا لأبي حنيفة والشافعي، كما تصح مع فسق المأموم، ومنه تعلم اتفاق العلماء على الكراهة، وإنما الخلاف في الصحة. واضح هذا.

وبهذا يتبين أن الصواب في هذه المسألة: صحة الصلاة خلف الفاسق مع الإثم في ترك إنكار المنكر، إذا كنت تستطيع ذلك أما إذا لم يوجد إلا هذا الإمام؛ فإنك تصلي خلفه، ولا كراهة باتفاق أهل السنة، ومن صلى وحده، وترك الصلاة خلف الفاسق في هذه الحالة، فهو مبتدع مخالف لأهل السنة والجماعة، يصلي وحده، ولا يصلي خلفه أما إذا وجد جماعة أخرى، ولا يترتب على هذا مفسدة، فهذا هو محل الخلاف والأئمة أقسام: مثلا الإمام مستور الحال.

وهو الذي لا يعلم منه بدعة وفجور، فالصلاة خلفه جائزة بالاتفاق، الصلاة خلف مستور الحال جائزة باتفاق الأئمة، ويجوز للرجل أن يصلي خلف من لم يعلم منه بدعة، ولا فسقا، وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه، ولا أن يمتحنه فيقول: ماذا تعتقد؟ بل يصلي خلف مستور الحال الصلاة، خلف المبتدع الداعي إلى بدعته، والفاسق ظاهر الفسق من العلماء من فصل: فقال: إذا كان يدعوا إلى بدعته، فلا يصلى خلفه، وإذا كان لا يدعو صلى خلفه، وكذلك الفاسق إذا صار ظاهر الفسق، فلا يصلى خلفه، وإذا لم يكن ظاهر الفسق يصلى خلفه، والصواب أن الصلاة خلفه صحيحة بشرط أن تكون البدعة لا توصله إلى الكفر، وبشرط أن يكون الفسق ما يوصله إلى الكفر.

أما إذا كان الإمام كافرا، فلا تصح الصلاة خلفه بالاتفاق كالقبوري، الذي يدعو غير الله، ويذبح للأولياء، أو يطوف بالقبور، أو ينذر هذا لا تصح الصلاة خلفه بالإجماع، وإذا صلى خلفه؛ فإنه يعيد الصلاة، إذا كان الإمام كافر ما تصح هذا.

يوجد الآن إذا خرجت من المملكة تجد أئمة كفره، إمام يدعو غير الله إمام يدعو الأولياء، يطلب المدد، يذبح للقبور هذا كافر لا تصح الصلاة خلفه، مشرك لا تصح الصلاة خلفه بالإجماع، سواء علمت كفره في حال الصلاة، أو قبلها، أو بعدها، وإذا علمت؛ فإنك تعيد الصلاة ولو بعد مائة سنة، ما تصح الصلاة هذا الإمام الكافر أما إذا كانت بدعته وفسقه لا يوصله إلى الكفر، فهذا محل الخلاف.

والصواب أن الصلاة خلفه صحيحة لحديث البخاري « يصلون لكم؛ فإن أصابوا، فلكم ولهم، وإن أخطئوا، فلكم وعليهم »(7) وهناك أحاديث ضعيفة -أيضا- مقوية حديث.. « صلوا خلف كل بر وفاجر »(5) وحديث «الصلاة واجبة عليكم مع كل أمير برا كان، أو فاجرا، وإن عمل بالكبائر » «الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان، أو فاجرا، وإن عمل بالكبائر » « صلوا خلف من قال لا إله إلا الله »(5) « وصلوا على من مات من لا إله إلا الله »(5) هذه أحاديث ضعيفة، لكن العمدة على صحيح البخاري.

كذلك الآثار عن الصحابة في صحيح البخاري، أن عبد الله بن عمر كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف، وكذلك أنس بن مالك والحجاج كان فاسقا ظالما، وكذلك عبد الله بن مسعود وغيره يصلون خلف عقبة بن أبي معيط، وأيضا من المعنى أن الفاسق والمبتدع صلاته في نفسها صلاة صحيحة، ومن صحت صلاته صحت الصلاة خلفه؛ ولأن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح، وتكميلها، وتعطيل المفاسد، وتقليلها بحسب الإمكان، فإذا لم يمكن صرف الإمام الفاسق، أو المبتدع عن الإمامة إلا بشر أعظم من ضرر ما أظهر من منكر، فلا يجوز شرعا دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بحصول أعظمها.

وأما الصلاة على من مات من الفسقة والفجار، كذلك الصواب أنه يصلى خلفهم، وما جاء من الآثار، وما جاء من النصوص في ترك الصلاة على بعض الفساق كقاتل نفسه وقاطع الطريق والغال، ومن عليه دين، فهذا إنما يترك الصلاة خلفه الأعيان والوجهاء والعلماء، لا يصلون خلفه ردعا للأحياء حتى لا يفعلوا مثل ذلك، وأما عامة الناس؛ فإنهم يصلون عليه، وكذلك الشهيد الصواب أنه لا يصلى على الشهيد؛ لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- دفن شهداء أحد بدمائهم وثيابهم ولم يصل عليهم، هذا هو الصواب الشهيد لا يصلى عليه يدفن بثيابه ودمائه، ولا يصلى عليه؛ لأن شهادته عند الله؛ لأن الشهيد له أجر عظيم ولأنه يأمن الفتنة، جاء في الحديث « كفي ببارقة السيف على وجهه فتنة »(8) ويأمن من الفتان، يأمن من فتنة القبر، ولا يصلى عليه لكن ما عداه؛ فإنه يصلى على كل مسلم إلا إذا علم أنه كافر، أو علم أنه نفاق منافق نفاق أكبر هذا لا يصلى عليه، إلا إذا لم يعلم؛ فإنه يصلى خلفه أما ما جاء من النصوص من أنه لا يصلى خلف بعض المبتدعة، فهذا لا يصلي عليه الأعيان، ووجهاء الناس زجرا وردعا للأحياء، حتى لا يفعلوا مثل فعله، ولكن لا يصلي عليه عامة الناس. نعم.


(1) سورة النحل: 106
(2) مسلم : التوبة (2747).
(3) سورة الأحقاف: 3
(4) البخاري : الأذان (694) , وأحمد (2/355).
(5)
(6) ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1081).
(7) البخاري : الأذان (694) , وأحمد (2/355).
(8) النسائي : الجنائز (2053).


 مواد ذات صلة: