شرح العقيدة الطحاوية
اتباع السنة والجماعة واجتناب الخلاف والفرقة

اتباع السنة والجماعة واجتناب الخلاف والفرقة

ونتبع السنة والجماعة، ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة.


هذا معتقد أهل السنة والجماعة، أن اتباع السنة والجماعة واجتناب الشذوذ والخلاف والفرقة، والمراد بالسنة طريقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي يسير عليها من قول، أو فعل، أو تقرير، والجماعة هم المسلمون، وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين، فاتباعهم هدى وخلافهم ضلال، والشذوذ الخروج عن الجماعة، والخلاف ضد الوفاق، وهو عدم الاتفاق في الرأي والفعل، والفرقة ضد الوحدة، والوحدة ضد التفرق، والأدلة..، ومن مميزات الجماعة السير على كتاب الله وسنة رسوله، والتحاكم إليهما، ورد المتشابه إلى المحكم عند العلم به، وإلا وكل إلى عالمهم هذه هي الفرقة الناجية، وأما غيرها، فمن مميزاتها اتباع المتشابه، وتأويله بما يناسب أهواءها، والأدلة على هذا كثيرة على اتباع السنة والجماعة.

من الأدلة قول الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) دلت الآية على أن اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما جاء به من السنة محبة الله، فهو دليل لاتباع السنة قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (2) دلت الآية على الوعيد على من خرج عن الجماعة، وهو دليل للتحذير من الشذوذ قال تعالى: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (3) فهو دليل لاتباع السنة في قوله: ﴿ أَطِيعُوا (3) ودليل للتحليل من الشذوذ في قوله: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا (3) وقال تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (4) فهو دليل لاتباع السنة في قوله: ﴿ فَاتَّبِعُوهُ (4) ودليل للتحذير من الشذوذ في قوله: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ (4) وقال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا (5) فهذا أمر بالجماعة واتباع للسنة، ونهي عن الشذوذ والتفرق، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (6) .

فهو ذم للتفرق والاختلاف والشذوذ، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (7) ذم للتفرق والشذوذ وقال تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ (8) الآية مدح للجماعة في المستثنى، وذم للاختلاف في المستثنى منه، حيث جعل أهل الرحمة مستثنين من الخلاف، وقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (9) فهو ذم للاختلاف والشذوذ.

ومن السنة حديث ابن عباس « من رأى من أميره شيئا يكرهه، فليصبر؛ فإنه من فارق الجماعة شبرا، فمات فميتته جاهلية »(10) وفي رواية: « فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه »(11) وقال -صلى الله عليه وسلم-: « إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة -يعني: الأهواء- كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة »(12) وفي رواية « قالوا ما هي يا رسول الله؟ قال ما أنا عليه وأصحابي »(13) .

ووجه الدلالة: بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن عامة المختلفين هالكون من الجانبين إلا أهل السنة والجماعة، وأن الاختلاف واقع لا محالة، ومن الأدلة حديث معاذ بن جبل « إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم، يأخذ الشاة القاصية والناحية، فإياكم بالشعاب، وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد »(14) فقد نهى عن التفرق، وأمر بلزوم الجماعة والسواد الأعظم، ونهى عن الشعاب، وتسمى بنيات الطريق؛ لأنها مولدة من انفصال الولد عن أمه.

والواجب على المسلم عند اختلاف الأمة، الواجب عليه: لزوم جماعة المسلمين، والدليل على هذا حديث حذيفة الطويل، وفيه تلزم جماعة المسلمين، وإمامهم وحديث العرباض بن سارية؛ فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نصحه عند اختلاف الأمة بالتزام سنته وسنة الخلفاء الراشدين، حيث قال العرباض بن سارية -رضي الله عنه- « وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع -لأنها حارة خالصة، ولها أثر في النفس- فماذا تعهد إلينا، فقال: أوصيكم بالسمع والطاعة؛ فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة »(15) .

وهو دليل الوجوب اتباع السنة في قوله: « عليكم بسنتي »(15) ولزوم الجماعة في قوله: « أوصيكم بالسمع والطاعة »(15) وللتحذير من الشذوذ في قوله: « وإياكم ومحدثات الأمور »(16) . نعم.


(1) سورة آل عمران: 31
(2) سورة النساء: 115
(3) سورة النور: 54
(4) سورة الأنعام: 153
(5) سورة آل عمران: 103
(6) سورة آل عمران: 105
(7) سورة الأنعام: 159
(8) سورة هود: 118 - 119
(9) سورة البقرة: 176
(10) البخاري : الفتن (7054) , ومسلم : الإمارة (1849) , وأحمد (1/297) , والدارمي : السير (2519).
(11) الترمذي : الأمثال (2863) , وأحمد (4/130).
(12) أبو داود : السنة (4597) , وأحمد (4/102) , والدارمي : السير (2518).
(13) الترمذي : الإيمان (2641).
(14) أحمد (5/232).
(15) الترمذي : العلم (2676) , وابن ماجه : المقدمة (42) , وأحمد (4/126) , والدارمي : المقدمة (95).
(16) الترمذي : العلم (2676) , والدارمي : المقدمة (95).


 مواد ذات صلة: