شرح العقيدة الطحاوية
صفة الغضب لله تعالى

صفة الغضب لله تعالى

والله يغضب ويرضى لا كأحد من الورى .


والله يغضب ويرضى يغضب هذه صفة لله الغضب من الصفات الفعلية والرضى من الصفات الفعلية لا كأحد من الورى، الورى: الناس أو الخلق يعني الله تعالى يغضب ويرضى لكن لا يشابه المخلوقين في غضبهم ورضاهم؛ لأنه سبحانه وتعالى كما أخبر عن نفسه ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)

وهذا البحث في الصفات، والصفات تنقسم إلى قسمين صفات الرب -سبحانه وتعالى- تنقسم إلى قسمين صفات ذاتية وصفات فعلية الصفات الذاتية رابطها هي التي لا تنفك عن الباري. والصفات الفعلية رابطها أنها هي التي تتعلق بالمشيئة والاختيار، إذن الصفات نوعان: صفات ذاتية، وهي التي لا تنفك عن الباري، وصفات فعلية وهي التي تتعلق بالمشيئة والاختيار.

والصفات الذاتية نوعان:

النوع الأول: صفات قائمة بنفسها.

والثاني: صفات معان قائمة بالذات، وضابط صفات الأفعال أنك إذا أدخلت المشيئة عليها صلحت؛ لأن تكون متعلقا لها وصدق التركيب.

أمثلة لصفات الذات وصفات الأفعال، مثال القسم الأول: من صفات الذات، وهي الصفات القائمة بنفسها مثل الوجه واليد والقدم.

مثال القسم الثاني: من صفات الذات وهي صفات المعاني القائمة بالذات مثل العلم والحياة والقدرة ومثال صفات الأفعال قلنا: ضابط صفات الأفعال أنك إذا أدخلت المشيئة عليها صلحت للتركيب، وهي التي تتعلق بالمشيئة والاختيار، مثل الرضا والغضب والحب والبغض والأسف والعداوة والولاية كل هذه من صفات الأفعال.

الأدلة من الكتاب والسنة على إثبات صفات الأفعال من الكتاب قول الله تعالى ﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ (2) وقال الله سبحانه ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ (3) قال تعالى: ﴿ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ (4) وقال: ﴿ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ (5) وقال ﴿ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ (6) وقال: ﴿ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (7) وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (8) وقال: ﴿ وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ (9)

ومن السنة ما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: « إن الله تعالى يقول لأهل الجنة -ذكر الحديث وفيه- فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا »(10) هذا فيه إثبات الرضا وحديث الشفاعة وفيه: « إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله »(11) في إثبات صفة الغضب.

وحديث « أبغض الحلال إلى الله الطلاق »(12) في صفة البغض، وحديث « يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخلان الجنة »(13) في إثبات صفة الضحك، وحديث: « عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَرِهِ »(14) في إثبات صفة العجب مذهب أهل السنة في صفات الله.

مذهب أهل السنة في صفات الله تعالى: مذهب السلف وسائر الأئمة إثبات صفات الذات كالسمع والبصر، وإثبات صفات الأفعال كالغضب والرضا والحب والبغض والعداوة والولاية والكلام التي ورد بها الكتاب والسنة على ما يليق بجلال الله تعالى وعظمته ومنع التأويل الذي يصرفها عن حقائقها اللائقة بالله تعالى يعني يثبتونها من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكليف ولا تمثيل.

أما مذهب أهل التعطيل: الجهمية والمعتزلة مذهبهم في صفات الذات وصفات الأفعال مذهبهم: نفي كل ما وصف الله به نفسه من صفات الذات وصفات الأفعال، الجهمية والمعتزلة ينفون الصفات الذاتية والصفات الفعلية، ويقولون: إنما هي أمور مخلوقة محدثة منفصلة عن الله ليس هو في نفسه متصفا بشيء من ذلك.

شبهتهم: قالوا لو اتصف بالصفات الذاتية والفعلية لكان محلا للأعراض والله منزه عن ذلك.

الرد عليهم أن نقول: إأنها صفات أفعال ليست أعراضا فتسميتكم للصفات أعراضا اصطلاح لكم وبنيتم عليه نفي ما وصف به نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

مذهب الكلابية والأشعرية في صفات الأفعال وشبهتهم والرد عليها: مذهبهم يعارض ويضاد مذهب الجهمية القائلين بأن صفات الأفعال مخلوقة محدثة منفصلة عن الله فهم يقولون لا يوصف الله بشيء يتعلق بمشيئته وقدرته أصلا، هؤلاء من الكلابية والأشعرية يقولون: لا يوصف الله بشيء يتعلق بمشيئته وقدرته أصلا يعني ينفون الصفات الفعلية، فلا يرضى في وقت دون وقت عندهم ولا يغضب في وقت دون وقت، ولا يتكلم إذا شاء ولا يضحك إذا شاء.

وجميع هذه الأمور صفات لازمة لذاته قديمة أزلية.

شبهتهم قالوا: لو تعلقت صفات الأفعال بمشيئة الله لكان محلا للحوادث وبعبارة أخرى يقولون: لو كانت حادثة في وقت دون وقت واتصف بها لكان محلا للحوادث وبعبارة أخرى يقولون: إن صفات الأفعال حادثة والصفات القائمة بالذات قديمة، والقديم ليس محلا للحوادث؟ الرد عليهم: أن نقول بل هي صفات أفعال ولا تسمى حوادث فكما سميتم الصفات الذاتية صفات فسموا الصفات العليا صفات ولا تسموها حوادث.

تأويل النفاة من الجهمية والكلابية والأشعرية وغيرهم لصفة الرضى الغضب ونحوها، وشبهتهم والرد عليهم أوَّلوا الرضى أوَّلوا صفة الرضى في إرادة الإحسان وأولوا صفة الغضب في إرادة الانتقام شبهتهم قالوا: إن الرضى الميل والشهوة والغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام، وذلك لا يليق بالله تعالى لأنها من صفات المخلوقين الذين هم محل الأعراض والحوادث.

الرد عليهم ومناقشتهم من ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أن هذا نفي للصفة، وقد اتفق أهل السنة على أن الله يأمر بما يحبه ويرضاه، وإن كان لا يريده ولا يشاءه وينهى عما يسخطه ويكرهه ويبغضه ويغضب على فاعله وإن كان قد شاءه وأراده فقد يحب عندهم ويرضى ما لا يريده، ويكره ويسخط ويغضب لما أراده.

الوجه الثاني: أن غليان دم القلب في الآدمي أمر ينشأ عن صفة الغضب وليس هو الغضب، والميل والشهوة في الآدمي أمر ينشأ عن صفة الرضى وليس هو الرضا.

الوجه الثالث أن يقال: وكذلك الإرادة والمشيئة فينا هي ميل الحي إلى الشيء أو إلى ما يلائمه ويناسبه، فالمعنى الذي صرفت إليه اللفظ أيها النافي وهو الإرادة كالمعنى الذي صرفت عنه اللفظ وهو الرضى والغضب سواء، فإن جاز وصفه بالإرادة جاز وصفه بالرضى والغضب، وإن امتنع وصفه بالغضب والرضى امتنع وصفه بالإرادة.

فإن قالوا الإرادة التي يوصف الله بها مخالفة للإرادة، الإرادة التي يوصف الله بها مخالفة للإرادة التي يوصف بها العبد، وإن كان كل منهما حقيقة. قيل لهم: إن الغضب والرضى الذي يوصف الله به مخالف للرضى والغضب الذي يوصف به العبد، وإن كان كل منهما حقيقة.

وهذا الكلام يقال لكل من نفى صفة من صفات الله لامتناع مسمى ذلك في المخلوق فإنه لا بد أن يثبت شيئا لله تعالى على خلاف ما يعهده حتى في صفة الوجود فإن وجود العبد كما يليق به لا يستحيل عليه العجب، ووجود الباري كما يليق به يستحيل عليه العجب، ويقال أيضا للمؤول والنافي يلزمك في تأويلك للصفات ونفيها ثلاثة محاذير:

المحذور الأول: صرف اللفظ عن ظاهره.

المحذور الثاني: تعطيل الرب عن صفاته.

المحذور الثالث: يلزمك من المحذور فيما فررت إليه مثل ما ادعيته فيما فررت عنه.

وبهذا التلخيص يتضح معنى هذا الموضوع وهو صفات الذات وصفات الأفعال نعم.


(1) سورة الشورى: 11
(2) سورة المائدة: 119
(3) سورة الفتح: 18
(4) سورة المائدة: 60
(5) سورة النساء: 93
(6) سورة البقرة: 61
(7) سورة المائدة: 80
(8) سورة البقرة: 222
(9) سورة التوبة: 46
(10) البخاري : الرقاق (6549) , ومسلم : الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2829) , والترمذي : صفة الجنة (2555) , وأحمد (3/88).
(11) البخاري : تفسير القرآن (4712) , ومسلم : الإيمان (194) , والترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2434).
(12) أبو داود : الطلاق (2178) , وابن ماجه : الطلاق (2018).
(13) البخاري : الجهاد والسير (2826) , ومسلم : الإمارة (1890) , والنسائي : الجهاد (3166) , وابن ماجه : المقدمة (191) , وأحمد (2/463) , ومالك : الجهاد (1000).
(14) ابن ماجه : المقدمة (181) , وأحمد (4/12).


 مواد ذات صلة: