شرح العقيدة الطحاوية
الخلافة والولاية

الخلافة والولاية

ونثبت الخلافة بعد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أولا لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- تفضيلا له وتقديما على جميع الأمة ثم لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ثم لعثمان -رضي الله عنه- ثم لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهتدون .


هذا مبحث الخلافة والولاية، الخلافة والولاية الخلافة هي والولاية: هو أن يقام على الناس خليفة ووال يلي أمورهم وينفذ فيهم حكم الشرع.

اختلف العلماء في وجوب الإمامة أو استنانها أو جوازها يعني هل يجب على الأمة أن تقيم واليا يتولى أمرها أو يستحب أو هو جائز؟ في سائر العلماء ثلاثة أقوال: قيل: يجب إقامة الخليفة والوالي، يجب على الناس أن ينصبوا خليفة وواليا فيهم، يقيم فيهم أمر الله ويستتب به الأمن، وينفذ الحدود، ويحكم بالشرع، وينصف المظلوم من الظالم.

قالوا: هذا لا يمكن إلا بالولاية لا يمكن إيصال الحقوق إلى أهلها وإنصاف المظلوم من الظالم واستتباب الأمن وأداء الحقوق، ولا يمكن إلا بالخلافة والولاية، فيجب على الأمة أن تنصب خليفة وواليا عليها هذا قول.

القول الثاني: أن نصب الخليفة والولاية مستحب وليس بواجب.

القول الثالث: أنه جائز، والجمهور على أنه واجب. والصواب أنه واجب، وأنه لا يمكن أن تكون الأمة هكذا ليس عليها وال كما قال:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم *** ولا ســراة إذا جهــالهم سـادوا

لا يمكن أن تبقى الأمة بدون ولاية؛ ولهذا قال العلماء: ستون سنة بإمام ظالم خير من ليلة واحدة بلا إمام، ولو كان ظالما لكن ظلمه على نفسه، لكن قد علق الله تعالى بولاة الأمور -كما قال شيخ الإسلام- مصالح عظيمة: إقامة الحدود، وإنصاف المظلوم من الظالم، ورد الحقوق إلى أهلها، والأخذ على يد المجرمين، واستتباب الأمن ليأمن الناس على دمائهم وأموالهم ونسائهم؛ ولهذا قال العلماء: ستون سنة بإمام ظالم خير من ليلة واحدة بلا إمام.

ما ظنك لو جلس الناس في مجتمع ما قيل لهم ليلة واحدة: كل يعمل ما يشاء ماذا يحصل فيها من الفوضى والفساد؟ كل يعمل ما يشاء، أيش يحصل في هذه الليلة من إراقة الدماء، واستحلال الفروج، ونهب الأموال، والترويع ما الله به عليم.

ولهذا قال العلماء: ستون سنة بإمام ظالم خير من ليلة واحدة بلا إمام.

إذن الصواب أن الخلافة والولاية واجب، ويجب على الأمة أن تنصب خليفة ووال وإمام وحاكم ورئيس وملك يقيم فيهم أمر الله؛ ولهذا قال الشاعر:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم *** ....................................

يعني لا إمارة فيهم:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم *** ولا ســراة إذا جهــالهم سـادوا

إذن الصواب أنه يجب على الأمة أن تقيم الخليفة.

والقول الثاني: أنه مستحب.

والقول الثالث: أنه جائز، ثم الجمهور الذين قالوا بأنه واجب، هل الخلافة خاصة بقريش أم تتجاوزهم إلى غيرهم؟ قولان قيل: إنها خاصة بقريش. وقيل: إنها ليست خاصة.

والذين قالوا: إنها خاصة استدلوا بحديث: « الأئمة من قريش »(1) ثم الذين قالوا: إنها خاصة بقريش، قيل: إنها خاصة ببني هاشم، وقيل: إنها ليست خاصة ببني هاشم وقيل: إنها خاصة بالعباس وولده، وقيل: خاصة ببني عبد المطلب، وقيل: خاصة بولد جعفر.

الخلافة والولاية بماذا تثبت، وهذا بحث مهم.

بحث مهم: انتبهوا الخلافة والولاية بماذا تثبت؟ يعني متى تثبت الخلافة والإمامة على الناس؟ متى يكون خليفة على الناس؟ ومتى يكون واليا على الناس؟ ومتى يكون إماما يجب له السمع والطاعة؟

الخلافة تثبت بواحد من ثلاثة أمور:

الأمر الأول: الاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد، الاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد يعني: أهل الحل والعقد يختارون الإمام فتثبت له الإمامة باختيارهم وانتخابهم، وليس المراد كل أحد يختار مثل ما تسمعوا في الانتخابات كل من هَبَّ ودَبَّ النساء والأطفال والعقلاء والمجانين كلهم يكون لهم انتخابات لا هذا ما هو شرعي.

الاختيار والانتخاب لأهل الحل والعقد العقلاء، ورؤساء القبائل والعشائر والعلماء والوجهاء يكفي إذا اختار واحد من القبيلة فالقبيلة كلها تكفى، إذن الاختيار من أهل الحل والعقد.

ومثال ذلك: ثبوت الخلافة لأبي بكر الصديق ثبتت بالاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد، كذلك أيضا ثبتت الخلافة لعثمان -رضي الله عنه- لما جعل عمر الأمر في الستة شورى، فصار عبد الرحمن بن عوف يشاور الناس المهاجرين والأنصار واقتصر عليهم وسهر ثلاث ليالي لم ير غمضا حتى رأى وجوه الناس كلهم إلى عثمان ثم بايعه وبايع بقية الستة وبايعه المهاجرين والأنصار فثبتت له الخلافة بالاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد.

كذلك علي -رضي الله عنه- ثبتت له الخلافة بالاختيار والانتخاب من أكثر أهل الحل والعقد بايعه أكثر أهل الحل والعقد سوى معاوية وأهل الشام، هذا واحد. إذن تثبت الولاية والخلافة بأي شيء؟ بالاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد.

الثاني: الأمر الثاني تثبت الخلافة بولاية العهد من الولي السابق أن يعهد ولي الأمر بالخلافة لمن بعده، ومثال ذلك ثبوت الخلافة لعمر بن الخطاب فإنها ثبتت له بولاية العهد من أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- تثبت له الخلافة، ثبتت له الخلافة بولاية العهد.

الأمر الثالث: تثبت الخلافة بالقوة والغلبة إذا غلب الناس بسيفه وسلطانه واستتب له الأمر، وجب السمع له والطاعة وصار إماما يجب السمع له والطاعة والدليل على هذا ما جاء في الحديث حديث أبي ذر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « اسمع وأطع وإن كان عبدا حبشيا مُجَدَّع الأطراف »(2) إذا غلبنا بسيفه ولو كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف يعني مقطوع اليد والرجل والأذن والأنف نسمع له ونطيع.

لكن لو كان الاختيار والانتخاب نختار هذا العبد المقطع ولّا ما نختاره؟ ما نختاره.

ولكن إذا غلب بالقوة والسيف وجب السمع له والطاعة.

وعلى هذا جميع خلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس ومن بعدهم إلى يومنا هذا، كلها خلافة ثبتت بالغلبة والقوة، ما ثبتت خلافته بالاختيار والانتخاب إلا للخلفاء الراشدين فقط، ومن عاداهم كلها ثبتت بالقوة والغلبة واضح هذا ـ يجب على طالب العلم أن يكون على إلمام بهذا.

الخلافة والولاية تثبت لولي الأمر بواحد من ثلاثة أمور:

الأمر الأول: الاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد.

الأمر الثاني: بولاية العهد من الخليفة السابق.

الأمر الثالث: بالقوة والغلبة إذا غلب الناس بسيفه وقوته وسلطانه حتى استتب له الأمر صار إماما يجب السمع له والطاعة، فإن جاء آخر ينازع الأول يقتل الثاني؛ لأن الثاني جاء يفرق أمر المسلمين بعد اجتماعهم على الأول كما جاء في حديث أبي سعيد في صحيح مسلم « إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهم »(3) الآخر لماذا جاء؟ جاء بعد أن استتب الأمر للأول، واجتمع الناس على الأول، فجاء الثاني يُفَرِّق جماعة المسلمين يُقْتَل الثاني؛ لأن الولاية ثبتت للأول واضح هذا.

هذه مسائل مهمة ينبغي على طالب العلم أن يكون على إلمام بها ثبوت الخلافة لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- بماذا ثبتت؟ اختلف العلماء في ثبوت الخلافة لأبي بكر الصديق على قولين:

القول الأول: أنها ثبتت بالاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد، وهذا هو الصواب يعني ثبتت باختيار المسلمين، وهذا هو قول جمهور العلماء والفقهاء، وأهل الحديث والمتكلمين كالمعتزلة والأشعرية وغيرهم، وهذا هو الراجح.

القول الثاني: أنها ثبتت بالنص من النبي -صلى الله عليه وسلم- لا بالاختيار والذين قالوا بالنص بعضهم قال: إنها ثبتت بالنص الجَلِيِّ، وقال بعضهم: إنها ثبتت بالنص الخفي.

الذين قالوا: إنها ثبتت بالاختيار والانتخاب وهم الجمهور استدلوا بدليلين:

الدليل الأول: الحديث الخبر المأثور عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-ما عن عمر -رضي الله عنه- أنه لما طعن قيل له: « اسْتَخْلِفْ يا أمير المؤمنين فقال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني يعني أبا بكر، وإن لا أستخلف لم يستخلف من هو خير مني يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- »(4) .

ووجه الدلالة: أن عمر لم ينكر عليه الصحابة مقالته، ولو كانت الخلافة ثبتت لأبي بكر بالنص لأنكر الصحابة عليه، وقالوا لا يا عمر ثبتت الخلافة لأبي بكر استخلف الرسول -عليه الصلاة والسلام- استخلفه، ونص عليه -عليه الصلاة والسلام- ولا نتهم الصحابة بتواطئهم معه، ولا نتهم عمر في قوله؛ لأنهم عدول فدل على أن خلافة أبي بكر ثبتت بالانتخاب لا بالنص.

الدليل الثاني: ما في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- حين اجتمع الأنصار في ثقيفة بني ساعدة إلى سعد بن عبادة وجاءهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وأن أبا بكر تكلم فقال في كلامه: « نحن الأمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب وأعربهم أحسابا فبايعوا عمر أو أبا عبيدة فقال عمر: بل نبايعك بل نبايعك فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- »(5) فبايعوه.

وجه الاستدلال: لو كان هناك نص عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الخليفة بعده أبو بكر لذكره أبو بكر في الوقت الحَرِج ولذكره عمر في الوقت الحرج ولم يعلل بالسيادة والوزارة والاستدلال بفضائله على صلاحيته للولاية فدل على أنه ما فيه نص، لو في نص كان الرسول نص على خلافة أبي بكر، الصحابة أرادوا أن يجعلوا منهم، الأنصار أرادوا أن يجعلوا منهم أمير، فقال بعض الصحابة: منا أمير ومنكم أمير من الأنصار أمير ومن قريش أمير.

قال أبو بكر: لا، لا تصلح الولاية إلا لهذا الحي. لو كان في نص عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقال أبو بكر هذا النص عندنا وقال عمر: هذا النص، والنص يسكت الجميع فدل على أنه ما في نص.

أما الذين قالوا: إن خلافة أبي بكر ثبتت بالنص فاستدلوا بأدلة، وهذا قول طوائف من أهل الحديث والمتكلمين. ويروى عن الحسن البصري استدلوا بأدلة بأنواع من الأدلة:

النوع الأول: قصة المرأة التي وعدها أن تأتي أبا بكر إن لم تجده « جاءت امرأة للنبي -صلى الله عليه وسلم- ثم لما أرادت أن تنصرف قالت: يا رسول الله إن لم أجدك؟ قال إن لم تجديني فأتي أبا بكر »(6) قالوا: هذا دليل على أنه نص على أن أبا بكر هو الخليفة بعده.

وأجيب عن هذا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد وكل أبا بكر في قضاء الحوائج وقد يُوَكَّلُ في قضاء الحوائج مَن لا يصلح للخلافة.

النوع الثاني: الأمر بالاقتداء به يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- « اقتدوا بالَّذَيْنِ من بعدي: أبي بكر وعمر »(7) قالوا: هذا دليل، نص على أنه هو الخليفة.

وأجيب بأنه قد يصلح للقدوة مَن لا يصلح للخلافة.

الثالث: دخول النبي -صلى الله عليه وسلم- على عائشة وهمه بما هم به دخل على عائشة وقال: « ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا -وفي لفظ- حتى لا يطمع في هذا الأمر طامع، ثم لم يكتب وقال: يأبى الله ورسوله والمسلمون إلا أبا بكر »(8) .

وأجيب بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكل الخلافة إلى قضاء الله وترك الأمر للمسلمين، والمعنى يأبى الله قضاء وقدرا والمسلمون اختيارا وانتخابا إلا أبا بكر.

الرابع: أحاديث تقديمه في الصلاة: النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما روي قال: « مروا أبا بكر فليصل بالناس »(9) قالوا: هذا نص على أنه هو الخليفة بعده. وأجيب بأنه قد يصلح للإمامة في الصلاة من لا يصلح للإمامة العظمى.

الخامس: المنامات يعني رُؤَى ومنامات فيها « أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى كأنه نزع دلوا، أن النبي نزع دلوا ونزع بعده أبو بكر وشرب وفي شربه ضعف ثم نزع عمر فاستحالت غربا »(10) وفي رؤيا « أنه نزل ميزان من السماء فوزن النبي -صلى الله عليه وسلم- بأبي بكر فرجح النبي -صلى الله عليه وسلم- ووزن أبو بكر بعمر فرجح أبو بكر بعمر …. ثم رفع الميزان »(11) وقصص أخرى من المنامات قالوا: هذا دليل نص على أن أبا بكر هو الخليفة بعد.

وأجيب بأن هذا المنامات لو كانت نصا في خلافة أبي بكر لكانت نصا في خلافة عمر وعثمان لكن لم يذهب أحد إلى أن المنامات نص في خلافة عمر وعثمان فدل على أنها كشف للمستقبل ومبشرات.

ومن أدلتهم قالوا اختصاص أبو بكر بالخلة لو كان هناك موضع لها لقوله -صلى الله عليه وسلم-: « لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الرحمن »(12) قالوا هذا نص في أنه الخليفة بعده. وأجيب بأن الخلة شيء وسياسة الأمور شيء آخر.

شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: والتحقيق في خلافة أبي بكر -وهو الذي يدل عليه كلام أحمد- أنها انعقدت باختيار الصحابة ومبايعتهم، هذا كلام من شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: والتحقيق في خلافة أبى بكر -وهو الذي يدل عليه كلام أحمد الإمام أحمد- أنها انعقدت باختيار الصحابة ومبايعتهم، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر بوقوعها على سبيل الحمد لها والرضا بها، وأنه أمر بطاعته وتفويض الأمر إليه، وأنه دل الأمة وأرشدهم إلى بيعته.

فهذه الأوجه الثلاثة: الخبر، والأمر، والإرشاد ثابت من النبي -صلى الله عليه وسلم- فالأول كالمنامات، والثاني كحديث « اقتدوا بالَّذَيْنِ من بعدي أبي بكر وعمر »(7) والثالث تقديمه له في الصلاة، وبهذا يتبين أن الصواب في المسألة أن خلافة أبا بكر الصديق ثبتت باختيار الصحابة ومبايعتهم.

وأما قول الإمامية، وهي أقوال باطلة، من الأقوال: قول الإمامية الرافضة: إن الخلافة ثبتت بالنص الجلي على عليٍّ وكذلك قول الزيدية الجارودية ثبتت بالنص الخفي عليه، وقول الرواندية: إنها ثبتت بالنص على العباس، فهذه أقوال ظاهرة الفساد عند أهل العلم والدين.

يقول شيخ الإسلام: هذه الأقوال أقوال ظاهرة الفساد عند أهل العلم والدين وإنما يدين بها إما جاهل، وإما ظالم وكثير مما يدين بها زنديق. هذا كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- يعني من يقول: إن الخلافة ثبتت لعلي أو العباس أو كذا هذه أقوال الزنادقة لا يُعَوَّل عليها.

أما خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فإنها ثبتت الخلافة بالعهد من أبي بكر، أبو بكر عَهِدَ بالخلافة إلى عمر فبايعه الناس، وثبتت له البيعة، وذلك بتفويض أبو بكر الخلافة إليه، واتفاق الأمة بعده عليه، وفضائل عمر كثيرة، والأدلة في هذا كثيرة.

ثبوت الخلافة لعثمان بن عفان -رضي الله عنه- ثبتت الخلافة لعثمان -رضي الله عنه- بمبايعة عبد الرحمن بن عوف له والناس معه والمهاجرون والأنصار، وأمراء الأجناد والمسلمون، وذلك بعد أن عهد عمر إلى الستة: أهل الشورى، ومعروف قصة قتل عمر، وقصة دفنه، وقصة البيعة وأهل الشورى هذه سردها الإمام البخاري في صحيحه الحديث الطويل، الحديث الطويل ذكر فيه قصة قتل عمر وقصة دفنه وقصة البيعة وأمر الشورى.

ثبوت الخلافة لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ثبتت الخلافة لعلي بن أبي طالب بمبايعة الصحابة سوى معاوية مع أهل الشام فهي ثبتت له بمبايعة أكثر الناس ممن تنعقد بهم البيعة إذن علي ما اجتمع الناس عليه ثبتت له الخلافة بمبايعة أكثر أهل الحل والعقد، وأما معاوية وأهل الشام فامتنعوا لا؛ لأنهم يطلبون الخلافة؛ لا لأن معاوية يطلب الخلافة، بل يطالب بقتلة عثمان يطالب بدم عثمان.

ويقول: الخلاف بينه وبين علي يقول: اقتص من قتلة عثمان، وأنا أبايعك أنا أتوقف حتى ينتصر للشهيد المظلوم وهو عثمان -رضي الله عنه- ويقول: إنه أقرب الناس إليه، وعلي -رضي الله عنه- لا يمانع ولكنه لا يستطيع في ذلك الوقت بسبب الفتنة، وهؤلاء الذين قتلوا عثمان اندسوا في العسكر ولا يعرفون وهؤلاء لهم قبائل تنتصر لهم.

والمسألة فيها فوضى واضطراب ولا يستطيع، فعليّ -رضي الله عنه- يقول: بعدما تهدأ الأحوال نستطيع نأخذ قتلة عثمان، ومعاوية قال: لا أنا أريد الآن وحصل الخلاف فامتنع معاوية وأهل الشام ثم بعد ذلك الخلاف زاد حتى حصلت الحروب المعروفة بين الصحابة عن اجتهاد كل مجتهد ومن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر.

إذن ثبتت الخلافة لعلي بمبايعته أكثر الصحابة وامتنع من مبايعته معاوية وأهل الشام فهي ثبتت بمبايعة أكثر الناس ممن تنعقد بهم البيعة، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، وقال الرافضة: ثبتت الخلافة لعلي بالنص الجلي أو بالنص الخفي سبب الخلاف والقتال بين علي ومعاوية هو -كما سمعتم- الاجتهاد ومعاوية وأهل الشام يطالبون بدم عثمان ومعاوية يقول: أنا أقرب الناس إليه، وعلي -رضي الله عنه- يرى أنه ثبتت له البيعة، وأنه يجب عليه أن يخضع معاوية وأهل الشام حتى يبايعوا فحصل النزاع ثم حصل القتال عن اجتهاد كل منهم متأول.

الخلفاء الراشدون من هم؟ أربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ولأبي بكر وعمر مزية على عثمان وعلي، وهي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر باتباع سنة الخلفاء الراشدين ولم يأمرنا بالاقتداء في الأفعال إلا بأبي بكر وعمر فقال: « اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر »(7) والاقتداء أخص من الاتباع إذ إن هناك فرقا بين اتباع سنتهم والاقتداء بهم.

ويروى عن أبى حنيفة تقديم عليٍّ على عثمان في الفضيلة لا في الخلافة، قول لأبى حنيفة أن تقديم عليّ في الفضيلة لا في الخلافة، ولكن ظاهر مذهبه تقديم عثمان على عليّ، ظاهر مذهبه تقديم عثمان على عليّ، وعلى هذا عامة أهل السنة ويؤيده قول عبد الرحمن بن عوف، وقول أيوب السبختياني مَن لم يقدم عثمان على عليّ فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار يعني احتقرهم؛ لأن المهاجرين والأنصار أجمعوا على بيعة عثمان وتقديمه في الخلافة.

وثبت عن ابن عمر -وهو في الصحيحين- « قال: كنا نقول ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حي: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان فيبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا ينكر »(13) نعم. أَعِدْ

ونثبت الخلافة بعد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أولا لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- تفضيلا له وتقديما على جميع الأمة، ثم لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ثم لعثمان -رضي الله عنه- ثم لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وهما الخلفاء الراشدون والأئمة المهتدون .

هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة كما ذكر المؤلف -رحمه الله- الخلافة ثبتت أولا لأبي بكر ثم لعمر ثم عثمان ثم علي، وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون باتفاق أهل السنة والجماعة. نعم.


(1) أحمد (3/129).
(2) مسلم : الإمارة (1837) , وابن ماجه : الجهاد (2862) , وأحمد (5/171).
(3) مسلم : الإمارة (1853).
(4) البخاري : الأحكام (7218) , ومسلم : الإمارة (1823) , والترمذي : الفتن (2225) , وأبو داود : الخراج والإمارة والفيء (2939) , وأحمد (1/46).
(5) البخاري : المناقب (3670).
(6) البخاري : المناقب (3659) , ومسلم : فضائل الصحابة (2386) , والترمذي : المناقب (3676) , وأحمد (4/82).
(7) الترمذي : المناقب (3662) , وابن ماجه : المقدمة (97) , وأحمد (5/399).
(8)
(9) البخاري : الأذان (664) , ومسلم : الصلاة (418) , والترمذي : المناقب (3672) , وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1232) , وأحمد (6/34) , ومالك : النداء للصلاة (414).
(10) البخاري : المناقب (3633) , ومسلم : فضائل الصحابة (2393) , والترمذي : الرؤيا (2289) , وأحمد (2/39).
(11) الترمذي : الرؤيا (2287) , وأبو داود : السنة (4634).
(12) البخاري : المناقب (3656) , وأحمد (1/270).
(13) البخاري : المناقب (3655) , وأبو داود : السنة (4628) , وأحمد (2/14).


 مواد ذات صلة: