شرح العقيدة الطحاوية
الإيمان بأشراط الساعة

أشراط الساعة

الإيمان بأشراط الساعة

ونؤمن بأشراط الساعة من خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم -عليه السلام- من السماء، ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض من موضعها .


نعم. من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بأشراط الساعة،: وأشراط الساعة جاءت فيها أحاديث من ذلك حديث عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم ( يعني: من جلد ) فقال: « اعدد بين يدي الساعة ستة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يعني: موت يأكل فيكم مثل قعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار، فيظل ساحظا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنه تكون بينكم وبين بني الأصفر، ( وهم النصارى ) فيغدرون فيأتونكم بثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا »(1)

هذا ما وقع، وهي صلح بين المسلمين وبين النصارى، ثم يغدر النصارى ويأتون ثمانين غاية، غاية أي: راية، وتحت كل غاية اثنا عشر ألفا، اضرب اثني عشر ألفا في ثمانين، هذا لعله يقع في آخر الزمان قبل الدجال، ومن ذلك -أيضا- ما ثبت في الحديث الصحيح: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد اطلع على بعض الصحابة، وهم يتذاكرون الساعة، فقال: ما تذاكرون، قالوا: كنا نذكر الساعة قال: إنها لم تقوم حتى تروا قبلها عشرا. .. وذكر منها الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها وخروج يأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم.

ومن ذلك أحاديث الدجال التي جاءت قوله -صلى الله عليه وسلم- لما ذكر الدجال، وقال: "لا يخف عليكم « إن ربكم ليس بأعور »(2) وأشار إلى عينه، وإن المسيح الدجال أعور، وعينه اليمنى كأن عينه عنبة طافية" استدل العلماء بهذا الحديث على إثبات العينين لله -عز وجل-، ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: « ما من نبي إلا وأنذر أمته المسيح الدجال، وإن الدجال أعور العين اليمنى مكتوب بين عينيه كاف فاء راء »(3) يعني: كافر.

ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: « والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة خير من الدنيا وما فيها »(4) ثم قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: اقرءوا إن شئتم قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (5)

ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: « لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت آمن من عليها في ذلك، لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا »(6) وقال -عليه الصلاة والسلام-: « إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيهما خرجت فالأخرى على إثرها قريبة »(7) أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-، والأمارات أو الأشراط كثيرة.

فمن الأمارات التي ذكرت في هذا الحديث الذي ذكرنا موت الرسول -صلى الله عليه وسلم- وفتح بيت المقدس، وداء بسببه يفشو الموت، واستفاضة المال، وفتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، وهدنة بين المسلمين وبين النصارى، ثم غدر النصارى، وخروج الدجال، وظهور الدخان، وخروج دابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم، وخروج يأجوج ومأجوج، ووقوع ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وظهور نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم.

والأحاديث التي اختلفت في تعداد الأمارات أنها يجاب عنها: أنها هذا الاختلاف إنما هذا التعداد، إنه مفهوم عدد ولا مفهوم له يفيد الحصر. هذه أمثلة، وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: « إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها »(7) فإن المراد أول الآيات القريبة.

أول الآيات القريبة الكبرى التي هي قريبة من الساعة، والتي ليست مألوفة طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، فطلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة، أول الآيات السماوية، كما أن خروج الدابة أول الآيات الأرضية، وإلا فإن الدجال وخروج المهدي والدجال ونزول عيسى وخروج يأجوج ومأجوج -هذا يكون قبل طلوع الشمس من مغربها وقبل الدابة إلا أن كل ذلك أمور مألوفة؛ لأنهم بشر مشاهدة مثلهم مألوفة، بخلاف طلوع الشمس من مغربها، فإنها على خلاف عادتها المألوفة، وكذلك الدابة ومخاطبتها للناس ووصفها إياهم بالإيمان أو الكفر أمر خارج عن مجال العادات، كذلك رفع القرآن من الصدور ومن المصاحف.

أقسام أشراط الساعة وأماراتها: - العلماء يقسمون أشراط الساعة وأماراتها إلى ثلاثة أقسام: قسم ظهر وانقضى، وهي الأمارات البعيدة، وقسم ظهر ولم ينقض، بل لا يزال في ازدياد حتى إذا بلغ الغاية ظهر وقسم ثالث: - وهي الأمارات القريبة الكبيرة التي تعقبها الساعة، فإنها تتابع كنظام خرزات انقطع سلكها، فالأولى التي ظهرت ومضت منها من أمثلة. . بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه نبي الساعة. قال -صلى الله عليه وسلم-: « بعثت أنا والساعة كهاتين »(8) وموته -عليه الصلاة والسلام- وفتح بيت المقدس، وقتل أمير المؤمنين عثمان، ومنها واقعة الجمل وصفين وواقعة النهروان، وتنازل الحسن عن الخلافة، ومنها ملك بني أمية وما جرى على أهل البيت في أيامهم من أذية كقتل الحسين، وواقعة الحرة وقتل ابن الزبير، ورمي الكعبة بالمنجنيق.

ومنها ملك بني العباس، وما جرى من الأيام من المحن والشدائد، ومنها نار الحجاز التي أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى، ومنها ظهور الرفض واستبداد الرافضة بالملك، ومنها خروج الكذابين الدجالين كلهم يدعي أنه نبي، ومنها زوال ملك العرب، ومنها كثرة المال، ومنها كثرة الزلازل و... والقتل.

كل هذه من أشراط الساعة التي مضت، الثانية: الأمارات الوسطى. الأمارات المتوسطة وهي التي ظهرت، ولم تنقض بل تزيد وتكثر، وهي كثيرة جدا منها: كون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع وهو ( العبد الأحمق اللئيم ) لقوله -عليه الصلاة والسلام-: « لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع »(9) أي حتى يكون اللئام والحمقى ونحوهم رؤساء الناس، ومنها أن يرى الهلال ساعة أن يطلع، فيقال لليلتين لانتفاخ الأهلة، أي عظمها، ومنها أمانة الصلاة، ومنها إضاعة الأمانة، ومنها أكل الربا، ومنها قطع الأرحام، ومنها كثرة الطلاق، ومنها موت الفجأة، ومنها كون البطل قيظا، والولد غيظا، ومنها علو أصوات الفسقة في المساجد، ومنها اتخاذ القينات والمعازف، ومنها شرب الخمور في الطرقات، ومنها اتخاذ القرآن مزامير، ومنها كثرة الشرط وغيرها كثير.

الثالث: القسم الثالث من أشراط الساعة: العلامات العظام والأشراط الجسام التي تعقبها الساعة مباشرة، وهي مشبهة بالعقد الذي إذا انقطع تتابع الخرز:

أولها: أن يظهر الإمام محمد المهدي، وهو رجل من سلالة فاطمة بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- اسمه كاسم النبي -صلى الله عليه وسلم- وكنيته كنيته، محمد بن عبد الله المهدي، وقد جاءت أحاديث المهدي أحاديث فيها أحاديث صحيحة، وأحاديث حسنة، وأحاديث ضعيفة، وأحاديث موضوعة لكن الأحاديث فيها ثابتة، وهو أنه رجل يخرج في آخر الزمان يبايع له بين الركن والباب، في وقت ليس للناس فيه إمام المهدي، ما يقاتل الناس يقاتل يلزم بالإمامة، وهو لا يريدها، و يلزمونه ويبايعونه في وقت ليس للناس فيه إمام في آخر الزمان، وفي زمانه يخرج الدجال في زمانه، يخرج الدجال في زمان المهدي، في زمانه تحصل الحروب والفتن، ويحصر الناس في الشام هذا العلامة الأولى: خروج المهدي ثم العلامة الثانية: خروج المسيح الدجال في زمنه جاء في الحديث أن خروج الدجال يكون بعد فتح القسطنطينية، كما في الحديث الصحيح في مسلم وغيره، أنه يحصل مقتلة عظيمة، ويحصل تفتح القسطنطينية، ويعلق الناس سيوفهم في الزيتون، فإذا انتهت المعركة نادى الشيطان: إن الدجال قد خلفكم في أهليكم فيخرجون فيذهبون، فيجدون الدجال قد خرج، وفي وقت مرة أخرى نادى الشيطان مرة في غزوة من الغزوات، وكان كاذبا، ثم العلامة الثالثة ينزل المسيح عيسى ابن مريم في وقت الدجال، وفي وقت المهدي، هي ثلاث علامات متوالية مرتبة، فإذا نزل عيسى ابن مريم مسيح الهدى، قتل مسيح الضلالة، وهو الدجال.

ثم العلامة الرابعة خروج يأجوج ومأجوج في زمن عيسى هذه علامات أربع متوالية مرتبة: المهدي ثم الدجال ثم نزول عيسى ثم خروج يأجوج ومأجوج، ثم بعد ذلك تتوالى بقية الأشراط، وهدم الكعبة المشرفة يهدمها رجل من الحبشة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: « دقيق الساقين كأني أنظر إليه أصيلع أفيدع ينقضها حجرا حجرا فيلقيها في البحر »(10) ثم أيضا آية الدجال، وهي دخان قبل قيام الساعة يدخل في أسماع الكفار والمنافقين، ويعتري ويصيبهم شدة عظيمة، ويعتري المؤمن كهيئة الزكام.

قال تعالى: ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ (11)

وفي الحديث: إنها لن تقم حتى ترى قبلها عشرة. ..فذكر منها الدخان، ومنها رفع القرآن العظيم من الصدور ومن السطور، وهي من أشد المعضلات في آخر الزمان إذا ترك الناس العمل بالقرآن نزع من صدور الرجال ومن المصاحف، فيصبح الناس ولا يجدون في صدورهم آية ولا في مصاحفهم آية، نعوذ بالله .

هذه غير مرتبة الله أعلم بترتيبها، فهدم الكعبة والدخان ورفع القرآن ثم طلوع الشمس من مغربها هذه من العلامات الأخيرة طلوع الشمس من مغربها، فإذا طلعت الشمس آمن الناس، ولكن ليس هناك إيمان جديد ما ينفع الإيمان أغلق باب التوبة، كل يبقى على ما كان عليه، ثم خروج دابة الأرض، تسم الناس في جباههم، فالمؤمن نقطة بيضاء في جبهته، حتى يبيض لها وجهه، والكافر نقطة سوداء حتى يسود لها وجهه، والدابة وطلوع الشمس من مغربها متقاربتان، أيهما ظهرت فالأخرى على إثرها قريبة، ثم بعد ذلك يبقى الناس مدة يعرف المؤمن من الكافر، ويتبايع الناس في أسواقهم خذ هذا يا مؤمن، بع هذا يا كافر، فالذي أبيض وجهه، فهو مؤمن والذي أسود وجهه هذا كافر، وأغلق باب التوبة إذا طلعت الشمس من مغربها، وليس هناك إيمان جديد، فيتبايع الناس خذ هذا يا مؤمن بع لي هذا يا كافر. يبيعون ويشترون معروف المؤمن من الكافر.

ثم آخرها العلامة العاشرة خروج النار التي تخرج من قرى عدن تسوق الناس إلى المحشر، وتبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا. المعنى إذا جاء وقت القيلولة وقفت حتى يقيل الناس، فإذا انتهى وقت القيلولة تسوق ومن تخلف تأكله، فإذا جاء وقت النوم المبيت تقف حتى ينام الناس، فإذا أصبح الناس تسوقهم، ومن تخلف أكلته نعم. .. لها أرض فلسطين .


(1) البخاري : الجزية (3176) , وابن ماجه : الفتن (4042) , وأحمد (6/25).
(2) البخاري : الفتن (7131) , ومسلم : الفتن وأشراط الساعة (2933) , والترمذي : الفتن (2245) , وأبو داود : الملاحم (4316) , وأحمد (3/290).
(3) البخاري : التوحيد (7408) , ومسلم : الفتن وأشراط الساعة (2933) , والترمذي : الفتن (2245) , وأبو داود : الملاحم (4316) , وأحمد (3/290).
(4) البخاري : البيوع (2222) , ومسلم : الإيمان (155) , والترمذي : الفتن (2233) , وأبو داود : الملاحم (4324) , وابن ماجه : الفتن (4078) , وأحمد (2/482).
(5) سورة النساء: 159
(6) البخاري : تفسير القرآن (4635) , ومسلم : الإيمان (157).
(7) مسلم : الفتن وأشراط الساعة (2941) , وأبو داود : الملاحم (4310) , وابن ماجه : الفتن (4069) , وأحمد (2/201).
(8) البخاري : الرقاق (6504) , ومسلم : الفتن وأشراط الساعة (2951) , وأحمد (3/237) , والدارمي : الرقاق (2759).
(9) الترمذي : الفتن (2209) , وأحمد (5/389).
(10) البخاري : الحج (1595) , وأحمد (1/228).
(11) سورة الدخان: 10


 مواد ذات صلة: