شرح العقيدة الطحاوية
الإسلام

الإسلام

الدين عند الله الإسلام

ودين الله في الأرض والسماء واحد، وهو دين الإسلام، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ (1) وقال تعالى: ﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (2) وهو بين الغلو والتقصير، وبين التشبيه والتعطيل وبين الجبر والقدر وبين الأمن والإياس .


نعم هذا في بيان بين المؤلف -رحمه الله- توسط دين الإسلام، وأن دين الإسلام وسط بين الأديان، وبين الملل الأخرى، ودين الإسلام وسط بين اليهودية وبين النصرانية حق، وهو عام لكل زمان، فالدليل على عموم دين الإسلام لكل زمان قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ (1) وقوله: ﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (2) وقوله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ (3) .

ومن السنة ما في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: « إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد »(4) فدين الإسلام واحد، ودين الأنبياء واحد، دين الإسلام هو دين آدم، هو دين نوح، وهو دين هود، وهو دين صالح، ودين شعيب، ودين إبراهيم ولوط وموسى وعيسى ومحمد وجميع الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.

والمراد بدين الله الذي هو عام في كل زمان ومكان، معناه العام الشامل لجميع أديان الأنبياء، وذلك راجع لأصول العبادات، فدين الإسلام هو دين الأنبياء جميعا؛ لأن أصوله واحدة، وهو توحيد الله في أفعاله وفي أفعال العباد، والإيمان به -سبحانه- بإسمائه وصفاته ونفي الشرك والبعد عنه، فالأنبياء كلهم اتفقوا في أصول العبادات في توحيد الله في ألوهيته وربوببيته وأسمائه وصفاته والإيمان بالأنبياء وتعظيم الأنبياء وتعظيم الأوامر والنواهي، هذا هو دين الإسلام.

أما بمعناه العام أما دين الإسلام بمعناه الخاص، فهو خاص بما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- من الشريعة إذا اختلفت الفروع، فالأنبياء دينهم واحد، كما قال: إنا معاشر الأنبياء... كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « إنا معاشر الأنبياء إخوة لعلات ديننا واحد »(5)

فدين الأنبياء واحد، بمعنى أن الأنبياء كلهم جاءوا بالتوحيد، كلهم جاءوا أمروا بالتوحيد، بتوحيد الله في أسمائه وصفاته وربوبيته، كل الأنبياء جاءوا بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، كل الأنبياء نهوا عن الشرك، كل الأنبياء أمروا بطاعة الله ورسوله، بل بطاعة الله كل الأنبياء أمروا بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، كل الأنبياء أمروا بطاعة الأنبياء والرسل.

أما الشرائع فإنها تختلف، كل شريعة تختلف عن الأخرى في الحلال والحرام.

مثلا: في شريعة آدم تختلف الشرائع في شريعة آدم يجوز للإنسان أن يتزوج أخته التي جاءت في بطن غير البطن الذي جاء فيه أخته التي تحرم عليه؛ لأن حواء كانت تأتيه بذكر وأنثى، فأخته التي جاءت معه في بطن واحدة هذه حرام عليه، لكن أخته التي في بطن سابق أو لاحق حلال له، حتى تكاثر الناس، ثم بعد ذلك حرم زواج الأخت، في شريعة يعقوب يجوز الجمع بين الأختين في شريعتنا لا يجوز.

إذن الشرائع تختلف ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً (6) قال الله تعالى: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا (6) لكن أصول الأصول واحدة أصول الدين واحدة، كل الأنبياء جاءوا بالتوحيد، أمروا بالتوحيد، كل الأنبياء نهوا عن الشرك كل الأنبياء جاءوا بتعظيم الأوامر وترك النواهي، فدين الإسلام في زمن نوح توحيد الله والبعد عن الشرك والعمل بما جاء به آدم من الشريعة، دين الإسلام في زمن نوح توحيد الله والنهي عن الشرك وتعظيم الأوامر والعمل بشريعة نوح دين الله في زمن هود توحيد الله وطاعة الأنبياء وتعظيم الأوامر والنهي عن الشرك والعمل بشريعة هود، وهكذا كل حتى ختموا بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فصار دين الإسلام بمعناه العام توحيد الله والنهي عن الشرك وتعظيم الأوامر، وبمعناه الخاص ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- من الشريعة، فمعنى تنوع الشرائع معناه أن تفاصيل الدين من التكاليف ومن الأوامر والنواهي تختلف من شريعة لأخرى كالاختلاف في بعض الواجبات أو المحرمات، ودليل ذلك قول الله تعالى: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا (6) .

أصل هذا الدين وسنده وفروعه: الدين هو ما شرعه الله تعالى لعباده على ألسنة الرسل، وأصل هذا الدين وفروعه روايته عن الرسل بالوحي ولا يكون بالعقل ظهور دين الإسلام وسهولة تعلمه وإمكان الدخول فيه بأقصر زمان ودليل ذلك من الكتاب والسنة الإسلام ظاهر غاية الظهور، يمكن لكل مميز من صغير و كبير وفصيح وأعجمي وذكي وبليد أن يدخل فيه بأقصر زمان.

الأدلة قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (7) وقال سبحانه: ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ (8) .

ومن السنة قوله -عليه الصلاة والسلام-: « إن هذا الدين يسر »(9) وقوله -عليه الصلاة والسلام-: « بعثت بالحنفية السمحة »(10) وقال -عليه الصلاة والسلام-: « تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها »(11) وكان الوفد الوافد إلى رسول -صلى الله عليه وسلم- يتعلم الدين، ثم يولي في وقته، فالدين يتعلمه الإنسان في أقصر وقت يتشهد شهادة الحق ويشهد لله بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة فيدخل في الإسلام ويلتزم، ويدخل الإنسان في هذا الدين في أقصر وقت في لحظة كما أنه يخرج من الدين بأقصر زمان ولذلك أمثلة كثيرة منها:

إنكار كلمة من القرآن ككلمة التوحيد يخرج من الإسلام، أو تكذيب لله، أو لرسوله، أو لما جاء به الله ورسوله يخرج عن الإسلام، أو معارضة لله، أو لرسوله، أو لما جاء به الله، أو رسوله، أو ارتياب في قول الله، أو قول رسوله، أو كذب على رسوله، أو رد لما أنزل الله، أو لما جاء به رسوله، أو شك فيما نفى الله عنه الشك فيخرج من الإسلام في أقصر زمان.. يدخل فيه في أقصر زمان ويخرج منه في أقصر زمان.

والحكمة في اختلاف تعليم النبي -صلى الله عليه وسلم- للناس في بعض الألفاظ مراعاة الأحوال، مراعاة حال من يتعلم، فإن كان الشخص الذي يأتي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بعيد الوطن كضمام بن ثعلبة النجدي ووفد عبد القيس علمهم ما لا يسعهم جهله، ويرسل إليهم من يفقهم فيما يحتاجون إليه مع علمه بأن دينه سينتشر في الآفاق.

ومن كان قريب الوطن يمكنه الإتيان كل وقت بحيث يتعلم على التدريج، أو كان قد علم منه أنه عرف ما لا بد منه أجابه بحسب حاله وحاجته على ما تدل قرينة حال السائل كقوله: « قل آمنت بالله ثم استقم »(12) .

ويخاطبهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بحسب حالهم من كان عاقا لوالديه أوصاه ببر الوالدين؛ لأنه يحتاج إليه من كان يكذب في الحديث أجابه بصدق الحديث، الدين الذي شرع ولم يأذن الله به لا يجوز أن تكون أصوله مستلزمة له منقولة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من المرسلين؛ لأنه باطل وملزوم الباطل باطل كما أن لازم الحق حق، ودين الإسلام وسط بين الغلو والتقصير.


(1) سورة آل عمران: 19
(2) سورة المائدة: 3
(3) سورة آل عمران: 85
(4)
(5) البخاري : أحاديث الأنبياء (3443) , ومسلم : الفضائل (2365) , وأبو داود : السنة (4675) , وأحمد (2/437).
(6) سورة المائدة: 48
(7) سورة القمر: 17
(8) سورة مريم: 97
(9) البخاري : الإيمان (39) , والنسائي : الإيمان وشرائعه (5034).
(10) أحمد (5/266).
(11) ابن ماجه : المقدمة (44).
(12) مسلم : الإيمان (38) , والترمذي : الزهد (2410) , وابن ماجه : الفتن (3972) , وأحمد (3/413) , والدارمي : الرقاق (2710).


 مواد ذات صلة: