شرح نخبة الفكر
حكم زيادة الراوي المقبول

حكم زيادة الراوي المقبول

وزيادة راويهما مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق


يقول: الحديثان الحسن والصحيح إذا زاد الراوي الذي حديثه حديث صحيح أو حتى حديثه حديث حسن إذا زاد زيادة فزيادته نعتبرها مقبولة، لكن بشرط أن لا تقع منافية لمن هو أوثق.

والحقيقة يعني أنا استدرك شيء؛ لأني ما وجدت الحافظ أشار إليه اللهم إلا أن يكون أشار إليه متقدمًا وهو الحديث الحسن لغيره يعني هذا أنسيته فنستدركه ما دام عندنا حديث صحيح، وصحيح لذاته وصحيح لغيره، وحسن لذاته فهناك أيضًا حديث حسن لغيره.

الحديث الحسن لغيره لو أردنا تعريفه يمكن أن نعرفه بالآتي: "الحديث الحسن لغيره هو الحديث الضعيف إذا تعددت طرقه" هذا الكلام على الإطلاق؟ لا. نقول: "الحديث الحسن لغيره هو الحديث الضعيف إذا تعددت طرقه لكن بشرط أن لا يكون الضعف شديدًا. ما المراد بشدة الضعف؟ هذه أنواع، من أنواع شدة الضعف أن يكون الراوي متهمًا بالكذب، أو وضع الحديث، فهذا يقال له: الموضوع أو المتروك.

ومن أنواع شدة الضعف أن تكثر العلل في الحديث فلو جاءنا حديث مثلًا فيه انقطاع، وفيه راوٍ ضعيف، وفيه راوٍ آخر مجهول.

فكم اجتمع في هذا الحديث من علة؟ ثلاث علل: انقطاع، وراوٍ مجهول، وراوٍ ضعيف، فإذا تجمعت هذه العلل في حديث فلا يعتبر من الأحاديث التي يمكن أن ينجبر ضعفها بتعدد الطرق، لكن الذي ينجبر ضعفه بتعدد الطرق هو الذي يكون ضعفه ضعفًا يسيرًا، ويمكن أن أمثل على هذا بحديث يرويه جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنه- هذا الحديث يرويه الحميدي في مسنده وسعيد بن منصور في سننه والإمام أحمد في مسنده وغيرهم: عن شيخهم سفيان بن عيينة -رحمه الله تعالى- وسفيان يرويه عن شيخ له ثقة اسمه محمد بن علي السلمي

فيقول: "حدثني محمد بن علي السلمي عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: «قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يا جابر أَعَلِمْتَ أن الله أحيا أباك: فقال له: تمن . فتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى فقال له الله -جل وعلا- "إني قضيت أن لا يرجعون"»(1)

هذا الحديث أيها الإخوة بهذه الصورة كل رواته ثقات شيخ الحميدي وسعيد بن منصور والإمام أحمد هو سفيان بن عيينة وهو إمام ثقة، وشيخ سفيان بن عيينة هو محمد بن علي السلمي وهو ثقة أيضًا وجابر بن عبد الله صحابي، لكن بقي عبد الله بن محمد بن عقيل هذا. عبد الله بن محمد بن عقيل مختلف فيه فهو صدوق في نفسه لكن في حفظه ضعف، يعني: ضعيف الحافظة، فحديثه لا يصل لدرجة الحسن لذاته بمفرده.

وهذا يعني بناءً على ما نرجحه مع العلم أن هناك المتساهل من العلماء يحسن حديثه بانفراده، لكن دعونا الآن على هذا الرأي الذي نرجحه، وهو أنه ضعيف الحديث مع كونه صدوقًا فحديثه إذن يحتاج إلى ما يجبره ما يجبر ذلك الضعف اليسير. نظرنا هل لهذا الحديث من طرق أخرى؟

نقول: نعم وجدنا له طرقًا أخرى منها على أساس ما نطيل: طريق واحدة أخرجها الترمذي وابن ماجه وابن حبان من طريق رجل يقال له: موسى بن إبراهيم بن كثير، وهذا الراوي هو صدوق أيضا، لكنه في حفظه ضعف، يعني: هو قريب من عبد الله بن محمد بن عقيل يشابهه، وموسى بن إبراهيم بن كثير هذا يرويه عن راو صدوق، يقال له: طلحة بن خراش، وطلحة يرويه عن جابر بن عبد الله الصحابي -رضي الله تعالى عنه- بنحو ذلك المتن الذي ذكرته قبل قليل، يعني المتن هو نفس المتن، فالآن جاءنا هذا الحديث من إسناد آخر فيه راو مثل عبد الله بن محمد بن عقيل، من حيث يعني الضعف اليسير.

فالحديث بهذه الصورة من هذين الطريقين يمكن أن ينجبر ضعفه، ونقول عنه ماذا؟ إنه حديث حسن لغيره؛ لأنه جاءنا من طريق فيها ضعف يسير، ومن طريق أخرى فيها ضعف يسير، فكلا الطريقين شد من الآخر، فانجبر ضعفهما مثل يعني رجل أعمى، ورجل مشلول، وهو يبصر يمكن أن يحمل الأعمى المشلول، ويمشيان سويا كأنهما رجل واحد صح ولا لا؟ المشلول يقول له: اذهب يمنة ويسرة والأعمى ما شاء الله نشيط ويحمله فيعني، نأخذ المثال كهذا هذا بالنسبة للحديث الحسن لغيره، يعني على الاختصار.

نرجع الآن لما بدأنا به قبل قليل، وتوقفنا فيه، وهو الحديث الذي ترد فيه الزيادة، فيقول: الحافظ وزيادة راويهما يعني راويا الحديث الحسن والحديث الصحيح مقبولة، لكن بشرط ما لم تقع منافية لمن هو أوثق، فتحصل من هذا أن عندنا زيادة منافية وزيادة غير منافية، فيقول: يمكن أن تأتينا زيادة من راوي من الرواة منافية لحديث راو آخر، ويمكن أن تأتينا زيادة غير منافية، ما معنى هذا الكلام؟ أمثل بمثال لو أن الحديث جاءنا بإسناد، ولنفرض مثلا أنه الإسناد الذي قدمناه قبل قليل.

مثلا سفيان بن عيينة يرويه عن شيخه محمد بن عبد الله السلمي أو علي بن محمد السلمي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: «يا جابر أعلمت أن الله أحيا أباك؟»(1) ثم جاءنا رجل آخر، وليكن لو فرضنا أن الحديث جاءنا من رواية محمد بن إسحاق الذي هو قدمنا قبل قليل أنه أيش؟ صدوق يرويه عن عبد الله بن محمد بن عقيل، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لجابر: «يا جابر أعلمت أن الله أحيا أباك؟»(1) الآن الحديث بهذه الصورة يصبح أيش؟ لا، يصبح مرسلا، لأنه ما صرح بأنه تلقاه عن جابر، وإنما كأنه هو الذي سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لجابر هذا الكلام، وعبد الله بن محمد بن عقيل تابعي ليس صحابيا، فهو لم يدرك النبي.

فالعلماء يقولون: إذن سقط من هذا الإسناد واسطة، قد يكون الساقط صحابيا، وقد لا يكون صحابيا، قد يكون تابعيا آخر، فالمهم أن في الحديث سقطا، معنى ذلك أنه لم يتصل سنده ما تحققت إحدى شروط الحديث الصحيح ولا الحسن، ففيه انقطاع، لكن كيف؟ وهذا الحديث قد روي مرة على أنه عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ها قالوا: الآن اختلف الراويان محمد بن إسحاق وعلي بن محمد السلمي فنظرنا في هذين الراويين أيهما أوثق؟.

السلمي أوثق من محمد بن إسحاق، لا محمد بن إسحاق صاحب شريك كلاهما يرويان الحديث عن عبد الله بن محمد بن عقيل، يعني أنا فقط أضرب هذا المثال للتقريب، فما دام أن السلمي أوثق من محمد بن إسحاق، نحن نضع الاحتمال الآخر، وهو أن الكلام الذي في محمد بن إسحاق ما جاء نتيجة الفراسة، لو كان الكلام غير صحيح، لما نزلنا محمد بن إسحاق من مرتبة الثقة إلى مرتبة الصدوق الذي هو خفيف الضبط .

وإنما نزل إلى خفة الضبط بسبب أن في حفظه شيئا من الضعف، فنحمل هذه المخالفة على أنها نتيجة ماذا؟ الضعف الذي وصف به محمد بن إسحاق، فنسمي رواية علي بن محمد السلمي بالمحفوظة ورواية محمد بن إسحاق بالرواية الشاذة، يعني الرواية المرجوحة نسميها ماذا؟ شاذة، والرواية الراجحة نسميها المحفوظة.

مثال آخر لو جاءني حديث من الأحاديث فيه زيادة في متنه، وليكن مثلا حديث: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات»(2) بعض الرواة رووا الحديث بهذا اللفظ وبعض الرواة زادوا فيه لفظة أخرى وهي: «إحداهن أو أولاهن بالتراب»(3) فهذه الزيادة هل فيها منافاة للحديث الأول؟ قال: لأن هذا الزيادة تعتبر كالحديث المستقل، فتقبل مادام أن راويها أو الذي زادها راو ثقة؛ لأنها تعتبر كأنها حديث مستقل، يعني لو جاءنا راو ثقة وروى حديثا ما رواه غيره نقبله، ولّا لا نقبله؟ نقبله، وقالوا: هذه الزيادة كأنها حديث مستقل، فنقبلها؛ لأنها لا تنافي الرواية الأخرى، بل هي زائدة عليها، فوضحت بهذين المثالين ما معنى الزيادة التي فيها منافاة، والزيادة التي ليس فيها منافاة تلك فيها زيادة من؟ التي فيها منافاة، كيف حكمنا على أن الحديث فيه زيادة؟ يعني رواية محمد بن إسحاق، ورواية محمد بن السلمي، أيتهما التي فيها زيادة، وأيتهما التي فيها نقص؟.

رواية محمد بن إسحاق هي التي فيها النقص، ورواية علي بن محمد السلمي هي التي فيها الزيادة، ما هي الزيادة التي زادها علي بن محمد السلمي؟ زيادة جابر بن عبد الله في السند، يعني حينما يقول -مثلا- محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لجابر: «يا جابر أعلمت أن الله أحيا أباك؟»(1) الآن عبد الله بن محمد بن عقيل إنه هو الذي يسمع الحديث، فأسقط جابرا من السند لكن علي بن محمد السلمي قال: حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل أن جابرا حدثه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: «يا جابر أعلمت أن الله أحيا أباك؟»(1) فالآن في الإسناد ماذا؟ زيادة جابر بن عبد الله الصحابي، فهذه هي الزيادة التي فيها منافاة، فنحن نعرف أنه لا بد أن يكون أحد الحديثين هو الصواب، إما رواية محمد بن إسحاق أو رواية علي بن محمد السلمي؛ لأنه لا يمكن أن يجمع أن نجمع بينهما، ما يمكن أن يكون هذا صحيحا وهذا صحيحا، بل لا بد أن يكون أحدهما هو الصحيح، فرجحنا رواية السلمي على رواية محمد بن إسحاق، أما تلك زيادة: «إحداهن أو أولاهن بالتراب»(3) فليس فيها منافاة، يعني حديث مكتمل وجاء فيه راو وجاء أحد الرواة وزاد فيه تلك الزيادة التي ليس فيها منافاة ما فيه فرق، الزيادة قد ترد في السند، وقد ترد في المتن، كلاهما سواء (بس) المهم هل فيها مخالفة ولا ما فيه مخالفة ؟.

يعني لنفرض مثلا أنه جاء متن زيدت فيه مخالفة للمتن الذي ليست فيه الزيادة، مثلا المتن أوله فيه تحليل أمر معين، ثم جاء راو، فزاد زيادة تفيد أن هذا الأمر غير حلال، وإنما هو حرام، فالآن هذه الزيادة تعتبر فيها منافاة للرواية الأولى ولا ما فيها منافاة؟ فيها منافاة؛ لأنها تحرم أمرا كان محللا في ذلك الحديث فهذه تعتبر من الزيادات التي فيها منافاة.

هذا كله كلام ينصب على الحديث الذي يرويه راوي الحديث الحسن، أو راوي الحديث الصحيح، لكن لو اختلف الأمر فأصبح الراوي للزيادة أو الراوي للنقص ضعيفا فالحكم يختلف؛ فلذلك يقول الحافظ هنا:


(1) أحمد (3/361).
(2) البخاري : الوضوء (172) , ومسلم : الطهارة (279) , والترمذي : الطهارة (91) , والنسائي : المياه (338) , وأبو داود : الطهارة (71) , وابن ماجه : الطهارة وسننها (363) , وأحمد (2/482) , ومالك : الطهارة (67).
(3) مسلم : الطهارة (279) , والترمذي : الطهارة (91) , والنسائي : المياه (338) , وأبو داود : الطهارة (71) , وأحمد (2/427).


 مواد ذات صلة: