شرح بلوغ المرام (الجزء الرابع)
لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه
لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه

لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه

وعن أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- (هو عبد الرحمن بن سعد المنذر -رضي الله عنه-) قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه »1 رواه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما .


حديث أبي حميد هذا حديث صحيح: « لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه »1 وهذا له شواهد من حديث السائب بن يزيد عند أبي داود، وله شاهد آخر عند أبي داود أيضا، عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: « أنهم كانوا في سفر، فأخذ رجل منهم عصا رجل، ففزع -يعني يبحث عن عصاه-، فقال -عليه الصلاة والسلام-: لا يحل لمسلم أن يروع مسلما، إذا أخذ أحدكم متاع أخيه فليرده »2 قال: « لا يأخذ أحدكم متاع أخيه جادا لاعبا »3 يعني جادا لاعبا: الجادة من جهة الأخذ وإيقاع الأذية، ولاعبا من جهة أنه سوف يرده، ولو كان سوف يرد عصاه، أو يرد حذاءه، أو يرد عمامته، أو يرد ثوبه، ولا يجوز له ذلك؛ لأن فيه أذية واعتداء وهذا مما يتهاون به كثير من الناس، وربما جرى به المزح في إيذاء مسلم.

ولا يجوز أن تؤذي أخاك المسلم بمثل هذا، لا في نفسه ولا في ماله، وإذا كانت الأدلة في المال المنفصل لا تجوز، فكيف بالمال المتصل الذي ينتفع به ويلتصق به، من حذائه أو لباسه سيارته أو مفاتيح سيارته، أو ما أشبه ذلك مما يكون فيه أذية وإيقاع الحرج، فهذا لا يجوز، فنهى عن هذه الأشياء، فالنهي عنها أيضا فيه نهي عما هو أشد منها.

وجاءت الأدلة الأخرى بأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه، ولهذا لو أنك أخذت ماله على سبيل الإحراج له، فلا يجوز لك، وإن كان في الظاهر أنه راض، مثل أن تحرجه أمام الناس بأن يعطيك شيئا من المال، أو شيئا من المتاع، ويرضى نتيجة الحرج أو الخجل، فهذا لا يحل لك في الباطن فيما بينك وبين الله، ويجب عليك أن ترده، ولا يكون تسليمه هذا المال نتيجة خجله أو حيائه منك مجيزا لك بذلك.

وقد ورد أيضا أنه -عليه الصلاة والسلام- نهى عن التعرض لمال المسلم مطلقا، وإن كنت تقول إنه يرضى، إلا ما جرى العرف فيه، ولهذا جاء في رواية عند أحمد: أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: « لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. قال: يا رسول الله، أرأيت إن وجدت غنم ابن عمي، فلا يحل لي أن آخذ شاة منها، أو إن أخذت شاة منها فاجتزرتها، أو اجتزرتها، لا تحل لي قال -عليه الصلاة والسلام-: إن وجدتها تحمل شفرة وزنادا، فلا يحل لك أن تأخذها »4 يعني: ولو كانت قد دلت على ذلك، فلو وجدته قد علق في رقبتها سكينا وعلق فيها شفرة وزنادا، وهو الحجر الذي يرى به النار، يعني الذي ترى به من جهة أنه أذن بالذبح والطبخ، إلا بشيء صريح، فنهى ذلك عنه -عليه الصلاة والسلام-، من جهة أنه يجب أن يكون أمرا واضحا صريحا لا شبهة فيه، وإلا فلا يحل لك أن تأخذ مال أخيك.

فالمقصود أنه إذا نهى عن الشيء اليسير، فالنهي عن الشيء الكثير من باب أولى، أما إذا كان أخذه على سبيل الجد، هذا سارق لو أخذ مثلا حذاءه، أو أخذ ماله على سبيل الجد، وأنه جاد في أخذه، فهذا سارق، إنما نهي عنه وهو ما إذا كان على سبيل اللعب، هو محرم، ويشتد المحرم ولو كان على سبيل اللعب؛ لأن فيه أذية أخيه المسلم، وإذا كان على سبيل الجد، فهو كالسرقة سواء بسواء.

1 : أحمد (5/425).
2 : أبو داود : الأدب (5004) , وأحمد (5/362).
3 : الترمذي : الفتن (2160) , وأبو داود : الأدب (5003) , وأحمد (4/221).
4 : أحمد (5/72).