شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل
المقصود بأصول السنة

المقصود بأصول السنة

أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهم وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات والجلوس مع أصحاب الأهواء وترك المراء والجدال والخصومات في الدين، والسنة عندنا.


نعم. هذه أصول السنة يقول الإمام أحمد -رحمه الله-: أصول السنة عندنا، الأصول جمع أصل، وهو ما يبنى عليه غيره، الأصول التي تنبني عليها السنن: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهم وترك البدع. هذه أصول السنة عندنا، يقول الإمام أحمد: هذه أصول السنة عندنا، يعني نحن معشر أهل السنة، أصول السنة عند الأئمة والعلماء التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهم وترك البدع.

الصحابة رضوان الله عليهم، هم أفضل الناس، لا كان ولا يكون مثلهم، والصحابة جمع صحابي، والصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا، ومات على الإسلام، هذا أصح ما قيل في تعريف الصحابي. من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا ولو لحظة، ثم مات على الإسلام هذا هو الصحابي، وهذا أولى من قول: "من رأى النبي صلى الله عليه وسلم" ليشمل العميان، كعبد الله ابن أم مكتوم، فإنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه لم يره لأنه أعمى، ولكنه لم يره، فهو صحابي، التعبير بلقي أولى من التعبير برأى كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا، ومات على الإسلام ولو لحظة فهو صحابي، ويشمل ذلك صغار الصحابة وأطفالهم الذين حنكهم النبي صلى الله عليه وسلم فهم صحابة، ولكنهم يتفاوتون؛ يختلفون في الصحبة يختلفون، كما سيبين المؤلف رحمه الله، فالذي طالت صحبته أفضل ممن لم تطل صحبته، والأعراب الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا ليسوا كالصحابة الذين لازموا النبي صلى الله عليه وسلم سنين وأشهر، فكل له نصيبه كل له حظه من الصحبة لكن يجمعهم أنهم صحابة.

ومزية الصحبة خاصة بالصحابة لا يلحقهم من بعدهم من التابعين والأئمة، فصحبة النبي صلى الله عليه وسلم وسماع كلامه والجهاد معه هذه مزية خاصة للصحابة لا يلحقهم من بعدهم، قد يفوق بعض التابعين الصحابة مثلًا في العبادة ولكنه لا يستطيع أن يصل إلى الصحبة، الصحبة مزية خاصة، ولهذا لما أراد بعض الناس أن يقارن بين عمر بن عبد العزيز ومعاوية بن أبي سفيان. عمر بن عبد العزيز ورع عادل معروف عدله وورعه، ومعاوية صحابي، قال بعض أهل العلم: الغبار الذي دخل في أنف معاوية في جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم يعدل بورع عمر بن العزيز. عمر بن عبد العزيز له فضله وله مزيته لكن لا يلحق الصحبة، لا يصل إلى الصحبة؛ الصحبة مزية خاصة للصحابة لا كان ولا يكون بعدهم، لا يمكن أن يلحقهم من بعدهم أبدًا.

ولذلك الصحابة عدول لا يبحث عنهم، المحدثون إذا وصلت إلى الصحابي، الصحابي عدل كل الصحابة عدول لا تبحث عنهم. أما من بعدهم لا بد أن يبحث عنهم هل هو عدل أو ليس بعدل، هل هو ثقة أو ليس بثقة، هل هو ضابط أو ليس بضابط، كل واحد من رواة الحديث يبحث عنه يبحث عنه الأئمة من التابعين فمن بعدهم. أما الصحابة إذا وصل إلى الصحابة فهو صحابي، والصحابة كلهم عدول لا يبحث عنهم، إذا ثبتت صحبته فالصحابة كلهم عدول رضي الله عنهم وأرضاهم.

فالإمام أحمد -رحمه الله- يقول: أصول السنة عندنا، أصول جمع أصل وهو الذي يبنى عليه غيره؛ من الأصل الجدار يبنى عليه البناء، أصل الشجرة.

والسنة ضدها البدعة، السنة ضدها البدعة، والبدعة هي الحدث في الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد »(1) البدعة هي الحدث في الدين كل حدث في الدين فهو بدعة.

والسنة: ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قولًا أو فعلًا أو تقريرًا هذه هي السنة، قد تكون السنة واجبة، قد تكون السنة مستحبة، قد تكون السنة فرض وأصل، فالسنة ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير.

أصول هذه السنة، أصول الأصول، أصول سنة الرسول عليه الصلاة والسلام التي هي قوله وفعله وتقريره، التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم وترك البدع، يقول الإمام أحمد -رحمه الله-: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم، وترك البدع، البدع هي الحدث في الدين ترك المحدثات في الدين ترك كل حدث في الدين, والأخذ والتمسك، التمسك معناه هو لزوم الشيء والتشبث به وأخذه، وأخذه بقوة وعدم تركه والتهاون به، التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم، الاقتداء بهم؛ يعني أن تحذوا حذوهم، وأن تفعل مثل فعلهم، وأن تقول مثل قولهم، وأن تعمل مثل عملهم.

وترك البدع جمع بدعة وهي الحدث في الدين، ترك كل حدث في الدين؛ ولهذا قال: « كل بدعة فهي ضلالة »(2) هذا جزء من حديث العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: « صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فأوصنا -وفي لفظ فماذا تعهد إلينا- فقال: "أوصيكم بتقوى الله " »(3) يعني الزموا تقوى الله، تقوى الله خشيته وخوفه ومراقبته.

وأصل التقوى توحيد الله وإخلاص الدين لله « أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة »(4) يعني السمع والطاعة لولاة الأمور « وإن عبدًا حبشيًا -وفي لفظ " وإن تأمر عليكم عبد حبشي- فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة " »(5) وهذا حديث صحيح رواه عدد من الأئمة، رواه الإمام أحمد في مسنده، وابن أبي عاصم في السنة، وأبو داود والترمذي وابن ماجه، والحاكم والآجري في الشريعة والطبراني وغيرهم كما ذكر محقق هذه الرسالة عمرو بن عبد المنعم سليم.

فالإمام أحمد -رحمه الله- يقول: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهم وترك البدع، ثم قال: وكل بدعة فهي ضلالة.

"وترك الخصومات في الدين" هذا من أصول السنة، ترك الخصومات في الدين، الخصومات جمع خصومة، وهي الجدال والنزاع، لا تجادل ولا تخاصم في الدين ولا تمار، الدين ليس فيه خصومات، الدين: ما يدين الإنسان به ربه من العبادات، والعبادات التي يدين بها الإنسان ربه توقيفية مأخوذة من الكتاب والسنة، فلا جدال فيها، ما ثبت في الكتاب والسنة من الدين ومن العبادة فهو دين، فهو دين وعبادة لا خصومة فيه ولا جدال فيه، ليس هناك خصومات في الدين، ومن خاصمك وجادلك فإنك ترد هذا الخصام، أو إذا تخاصم الناس وتنازعوا فإن هذا النزاع يرد إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لقول الله عز وجل في كتابه العظيم: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾(6) وحينئذ تزول الخصومة، نرد هذه الخصومة وهذا النزاع إلى الله.

والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، وإلى الرسول عليه الصلاة والسلام، والرد إلى الرسول عليه الصلاة والسلام رد إليه في حياته، ورد إلى سنته بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وقال تعالى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾(7) فلا خصومات في الدين. نعم.

(1) البخاري : الصلح (2697) , ومسلم : الأقضية (1718) , وأبو داود : السنة (4606) , وابن ماجه : المقدمة (14) , وأحمد (6/256).
(2) مسلم : الجمعة (867) , والنسائي : صلاة العيدين (1578) , وابن ماجه : المقدمة (45) , وأحمد (3/310) , والدارمي : المقدمة (206).
(3) الترمذي : العلم (2676) , وابن ماجه : المقدمة (44) , وأحمد (4/126) , والدارمي : المقدمة (95).
(4) الترمذي : العلم (2676) , وابن ماجه : المقدمة (42) , وأحمد (4/126) , والدارمي : المقدمة (95).
(5) الترمذي : العلم (2676) , وابن ماجه : المقدمة (44) , وأحمد (4/126) , والدارمي : المقدمة (95).
(6) سورة النساء (سورة رقم: 4)؛ آية رقم:59
(7) سورة الشورى (سورة رقم: 42)؛ آية رقم:10


 مواد ذات صلة: