شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل
كلام الله ليس ببائن منه وليس منه شيء مخلوق

كلام الله ليس ببائن منه وليس منه شيء مخلوق

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: والقرآن كلام الله وليس بمخلوق ولا يضعف أن يقول ليس بمخلوق؛ فإن كلام الله ليس ببائن منه، وليس منه شيء مخلوق، وإياك ومناظرة من أخذل فيه، ومن قال باللفظ وغيره، ومن وقف فيه فقال لا أدري مخلوق أو ليس بمخلوق، وإنما هو كلام الله فهذا صاحب بدعة، مثل من قال هو مخلوق، وإنما هو كلام الله ليس بمخلوق .


بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فهذا مبحث في القرآن، والقرآن كلام الله، قال المؤلف -رحمه الله-: والقرآن كلام الله وليس بمخلوق، فالقرآن كلام الله وكلام الله صفة من صفاته، وصفات الله ليست ببائنة منه ليست بمنفصلة عنه، فالله -سبحانه وتعالى- بذاته وأسمائه وصفاته هو الخالق، وما سواه مخلوق؛ ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-: والقرآن كلام الله، يعني لفظه ومعناه، حروفه ومعانيه كله كلام الله، لأن الكلام اسم للفظ والمعنى، اسم للحروف والمعاني هذا هو الصواب الكلام من حيث هو اسم للفظ والمعنى وللحروف والمعاني، كما أن اسم الإنسان اسم للروح والجسد، مسمى الإنسان الروح والجسد، مسمى الكلام اللفظ والمعنى هذا هو الصواب الذي عليه أهل اللغة وعليه المحققون.

فاللفظ والحروف والمعاني داخل في مسمى الكلام، كما أن الروح والجسد داخل في مسمى الإنسان، الإنسان اسم مسمى الإنسان بروحه وجسده، فالإنسان إنسان بروحه وجسده، والكلام كلام بلفظه ومعناه، وكذلك كلام الله صفة من صفاته اللفظ والمعنى، الحرف والصوت، وهذا هو عقيدة أهل السنة والجماعة كما قرر الإمام أحمد بن حنبل وهو إمام أهل السنة والجماعة قال: والقرآن كلام الله يعني لفظه ومعناه حروفه ومعانيه، وليس بمخلوق كما يقول أهل البدع كما تقول المعتزلة.

فإن المعتزلة يقولون: كلام الله مخلوق لفظه ومعناه، الحروف والمعاني مخلوق عند المعتزلة اللفظ والمعنى، أما الأشاعرة فإنهم قالوا: اللفظ والحروف مخلوقة، والمعنى ليس بمخلوق؛ لأن مسمى الكلام عند الأشاعرة المعنى فقط، المعنى: هو مسمى الكلام، أما اللفظ قالوا: فليس اللفظ والحروف وكذلك الصوت ليس بكلام، وإنما هو دليل على الكلام اللفظ والحروف قالوا: عبارة عن كلام الله، فاللسان يعبر عما في معناه يعبر بلفظه وحروفه وصوته عما في نفسه من الكلام، هذا هو مذهب الأشاعرة وهو مذهب باطل.

وكما سبق أن الأشاعرة يرون أن المعنى هو كلام الله وأن الله لم يسمع منه صوت ولا حرف ولا لفظ، وشبهتهم في ذلك يقولون: لو قلنا: إن الكلام لفظ وحرف وصوت للزم من ذلك أن تحل الحوادث في ذات الرب، والحوادث لا تحل إلا بالمخلوق، ففرارا من ذلك بزعمهم قالوا: إن اللفظ والحرف والصوت ليس من الكلام، وإنما هو دليل على الكلام، والكلام هو المعنى القائم في النفس، وأما هذا القرآن فقالوا: إن الله لم يتكلم به ولم يسمع منه وإنما تكلم به جبريل، عبر به عما في نفس الرب اضطره الله اضطرارا ففهم المعنى القائم بنفسه فعبر بهذا القرآن، فهذا القرآن عبارة عن كلام الله وليس هو كلام الله.

وطائفة أخرى قالت: الذي عبر محمد -عليه الصلاة والسلام- وليس بجبريل، وطائفة ثالثة قالت: إن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ، وهذه الأقوال كلها فاسدة، كلها باطلة، والصواب: أن الله تعالى تكلم بهذا القرآن بحرف وصوت ولفظ سمعه منه جبرائيل؛ فنزل به على قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- كما قال الله تعالى في كتابه العظيم: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾(1) قال -سبحانه وتعالى-: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾(2) ولم يقل حتى يسمع ما هو عبارة عن كلام الله كما يقول الأشاعرة.

الأشاعرة يقولون: إن القرآن الذي يتلى عبارة عن كلام الله، وهذا باطل، ولهذا روى البخاري -رحمه الله- في "خلق أفعال العباد" بسنده عن سفيان بن عيينة، قال: أدركت مشيختنا منذ سبعين سنة منهم عمرو بن دينار يقولون: القرآن كلام الله وليس بمخلوق، وفي رواية أبي سعيد الدارمي في الرد على الجهمية، قال سفيان بن عيينة، قال عمرو بن دينار: أدركت أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن دونهم منذ سبعين سنة يقولون: الله الخالق وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله منه خرج وإليه يعود، وسنده صحيح، منه خرج: يعني تكلم الله، وإليه يعود في آخر الزمان حينما يرفع القرآن، وهو شرط من أشراط الساعة الكبار، إذا ترك الناس العمل به، نزع القرآن من الصدور ومن المصاحف، نسأل الله السلامة والعافية.

وروى البيهقي في الأسماء والصفات من طريق ابن راهوية، قال إسحاق بن راهوية، وقد أدرك عمرو بن دينار أجلة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البدريين والمهاجرين والأنصار، مثل جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير، وأجلة التابعين رحمة الله عليهم، وعلى هذا مضى صدر هذه الأمة لم يختلفوا في ذلك أن القرآن كلام الله.

قال علي بن المديني: القرآن كلام الله ومن قال إنه مخلوق فهو كافر لا يصلى خلفه، وقوله قال المؤلف -رحمه الله- ولا يضعف أن يقول ليس بمخلوق يعني: لا ينبغي للسني أن يضعف -لا تضعف- قل، قلها بصراحة وقوة، أعلن الحق، أنت على الحق لا تضعف قل: القرآن كلام الله ليس بمخلوق، ولو كنت بين أهل البدع؛ لأن بعض الناس قد يضعف إذا كان بين أهل البدع، قد يستحي، يقول الإمام: لا تضعف ولا يضعف أن يقول ليس بمخلوق فإن كلام الله ليس ببائن منه، يعني ليس ببائن منه يعني لم يفارقه وينتقل منه إلى غيره تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

قوله: وليس منه شيء مخلوق، ليس منه شيء مخلوق يعني من الرب فإذا كان ليس ببائن منه فليس من الرب شيء مخلوق، والرب هو الخالق بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وصفاته لا تفارقه وتنتقل إلى غيره، وإذا كانت لا تفارقه فليس من الله شيء مخلوق، ولهذا قال: ومن الناس من قال أبو المعالي الجويني: إن الكلام هو الألفاظ دون المعاني هو القرآن، منهم من قال: الكلام -مسمى الكلام- اللفظ والحروف، ومنهم من قال: مسمى الكلام: المعاني، وهم الأشاعرة.

والمعتزلة يقولون: مسمى الكلام اللفظ والمعنى لكن كلاهما مخلوق، وأهل السنة يقولون: مسمى الكلام اللفظ والمعنى لكن كلاهما صفة الله، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الواسطية: والقرآن كلام الله حروفه ومعانيه، ليس كلام الله الحروف دون المعاني كما يقول أبو المعالي الجويني، ولا المعاني دون الحروف كما يقول الأشاعرة.

يقول الإمام -رحمه الله-: وإياك ومناظرة من أجدل فيه يعني: لا تجادل، إياك ومناظرة من أجدل فيه لا تجادل أهل الباطل؛ لأن الجدال والخصومات قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، فلا تجادل أهل البدع، أبلغهم أن القرآن كلام الله ولا تجادل ولهذا قال: وإياك ومناظرة من أجدل فيه، قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل -رحمه الله- في السنة: سمعت أبي يعني الإمام أحمد -رحمه الله- مرة أخرى سئل عن القرآن فقال: كلام الله عز وجل ليس بمخلوق ولا تخاصموا ولا تجالسوا من يخاصم، لا تخاصموا ولا تجالسوا من يخاصم، هذا معنى قوله هنا: وإياك ومناظرة من أجدل فيه، أجدل صيغة أفعل تفضيل من الجدال، إياك ومن يجادل ويبالغ في المجادلة، وفي رواية ابنه عبد الله، يقول كلام الله -عز وجل- ليس بمخلوق ولا تخاصموا ولا تجادلوا من يخاصم لا تخاصم في هذا ولا تجادل.

ثم قال الإمام رحمه الله: ومن قال باللفظ وغيره، ومن وقف فيه فقال لا أدري مخلوق أو ليس بمخلوق وإنما هو كلام الله فهذا صاحب بدعة، مثل من قال هو مخلوق وإنما هو كلام الله ليس بمخلوق، هنا ذكر طائفتين:

الطائفة الأولى: من تقول باللفظ، والطائفة الثانية: الواقفة، والطائفة الثالثة، من تقول: هي مخلوق فتكون طوائف أهل البدع، من قال القرآن مخلوق هذا قول المعتزلة، هؤلاء أهل بدعة، الطائفة الثانية قالوا: المعنى ليس بمخلوق واللفظ مخلوق وهم الأشاعرة، الطائفة الثالثة، من تقول باللفظ تقول: لفظي بالقرآن مخلوق، الطائفة الرابعة: أن تتوقف تقول: لا أدري أنا متوقف لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق، وكل هؤلاء أهل بدع، كلهم أهل بدع، فالذي يقول القرآن مخلوق هؤلاء المعتزلة، والذي يقول اللفظ مخلوق والقرآن هو المعنى هؤلاء الأشاعرة وهم أهل البدع، ومن يقول لفظي بالقرآن مخلوق أيضا مبتدع، ومن يتوقف ويقول: لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق مبتدع أيضا، ولهذا قال بعض السلف: الواقفة شر من اللفظية، اللفظية: هؤلاء طائفة حدثت، حدثوا متأخرين فقالوا: يقول أحدهم: لفظي بالقرآن مخلوق فهؤلاء مبتدعة؛ لأنهم تكلموا بكلام لم يتكلم به السلف فهذه طريقة مبتدعة لبعض أهل البدع من قال باللفظ يعني من قال لفظي بالقرآن مخلوق ابتدعها بعض أهل البدع ليروجوا بدعتهم فقالوا لفظنا بالقرآن مخلوق، وقد عدهم الإمام أحمد -رحمه الله- وغيره من العلماء من الجهمية، من قال لفظي بالقرآن جهم.

قال عبد الله بن الإمام أحمد -رحمه الله- في السنة سألت أبي -رحمه الله- فقلت: إن قوما يقولون لفظنا بالقرآن مخلوق قال: هم جهمية وهم أشر ممن يقف، هذا قول جهم، وعظم الأمر عنده في هذا وقال هذا كلام جهم، وقد اشتهر عن الإمام أحمد -رحمه الله- مقالة مشهورة عن الإمام أحمد أنه قال: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع هذه عبارة مشهورة عن الإمام أحمد.

من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع سد الباب من الجهتين، وثبت عن الإمام البخاري -رحمه الله- بل قرر الإمام البخاري -رحمه الله- في الجامع الصحيح في كتاب "خلق أفعال العباد" أن أفعال العباد مخلوقة، ألفاظهم وحروفهم وأصواتهم وأداؤهم وحركاتهم مخلوقة، وأما كلام الله فليس بمخلوق، ولهذا بوب البخاري -رحمه الله- في ذلك قال: باب قراءة المنافق والفاجر وأصواتهم وقراءتهم لا تجاوز حناجرهم، واستدل بالحديث: « إن الخوارج يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم »(3) وذكر أدلة في هذا وسرد أدلة في كتاب خلق أفعال العباد وبين أن العباد مخلوقون ومن ذلك ألفاظهم وأصواتهم وحركاتهم وأداؤهم وألفاظهم، ولهذا بوب قال: باب قراءة المنافق والفاجر وقراءتهم وأصواتهم لا تجاوز حناجرهم، فظن بعض الناس أن هناك اختلافا بين الإمامين، بين الإمام أحمد والإمام البخاري وقالوا: إن البخاري يقرر اللفظية، يقرر كلام اللفظية أو مذهب اللفظية، حتى هجر جماعة الإمام البخاري، وهجره محمد بن الزهري، وقال: من جالس محمد بن إسماعيل بعدنا فهو مبتدع.

وهجر طائفة من الناس الإمام البخاري، وهجروه وقالوا إنه مبتدع؛ لأنه تكلم باللفظ وقد بين العلامة ابن القيم -رحمه الله- في كتابه الصواعق المرسلة سبب هذه الفتنة التي حصلت في صفوف المحدثين، وأن هذه الفتنة حصل فيها لبس وسببها أمران:

الأمر الأول: القول المجمل الذي قاله الإمام أحمد.

والقول الثاني: الحسد الذي أصاب بعض الناس؛ لأن الإمام البخاري هو إمام أهل السنة، إمام رفع الله ذكره وأعلى قدره، وله جهود عظيمة في الحديث وفي علوم الحديث، ولو لم يكن ذلك لهذا الكتاب العظيم كتابه الصحيح الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله -عز وجل- فنشر الله صيته، فحسده بعض الناس وتعلقوا بالقول المجمل من الإمام أحمد حينما قال: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع، فقالوا: إن البخاري قرر أن الألفاظ مخلوقة فهو مبتدع؛ وسبب ذلك الحسد الذي أصابهم مع تعلقهم بالشبهة، مع الشبهة التي حصلت بسبب القول المجمل للإمام أحمد، والواقع أنه لا اختلاف بين الإمامين الإمام أحمد والإمام البخاري.

كل من الإمامين يقرر أن كلام الله لفظه ومعناه حروفه ومعناه لكلام الله، واللفظ والمعنى والحروف والأصوات كلها صفة الله، وكل من الإمامين يقرر أن العبد مخلوق، ومن ذلك أفعاله وحركاته وأقواله وكلامه، ولكن الإمام أحمد -رحمه الله- أجمل وسد الباب، حتى لا يتعلق الناس، حتى لا يكون هناك طريق للمبتدعة، فقال: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، لماذا؟ لأنه خالف قول السلف فلماذا تقول لفظي بالقرآن مخلوق؟ أنت مخلوق لفظك وغير لفظك لماذا تخصص اللفظ؟ فتخصيصك للفظ بدعة، قل: الإنسان مخلوق بحركاته وأفعاله وأصواته ومن ذلك قراءته.

أما كونك تخصص وتقول لفظي بالقرآن مخلوق فهذا بدعة، كما لو قال شخص: الفاتحة ليست مخلوقة أو قال: البقرة ليست مخلوقة، أو السور المطولة ليست مخلوقة، نقول: مبتدع أنت، القرآن ليس بمخلوق لماذا تخصص الفاتحة، وتخصص البقرة، لماذا تخالف قول السلف؟ فقولك بدعة، فكذلك إذا قال: لفظي بالقرآن مخلوق نقول له: أنت مبتدع أنت مخلوق بجميع أفعالك وحركاتك لماذا تخصص لفظك بالقرآن وتخالف السلف.

وكذلك إذا قال غير مخلوق إذا قال مخلوق، من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق: فهو مبتدع؛ لأنه أيضا خالف قول السلف، ومن العلماء من فسر كلام الإمام أحمد قال: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، قال: لأن كلمة اللفظ تطلق على الشيء الساقط، ولأنه يراد باللفظ الملفوظ وهو القرآن قد يراد باللفظ الملفوظ، فإذا أريد باللفظ الملفوظ وهو القرآن صار قول الجهمية، وكذلك من قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع؛ لأنه خالف قول السلف.

وأما الإمام البخاري فإنه ميز وفصل بين ما قام بالرب من الكلام فهو صفته وليس +، وما قام به العبد من الكلام ومن ذلك قراءة القرآن فهو مخلوق؛ فلا اختلاف بين الإمامين إماما أهل السنة أحمد والبخاري -رحمهما الله- متفقان وليسا بمختلفين، لكن الإمام أحمد سد الباب وأجمل، والإمام البخاري فصل وميز بين ما يقوم بالرب وبين ما يقوم بالعباد، لكن الفتنة التي حصلت في صفوف المحدثين سببها الحسد؛ حسدهم الإمام البخاري لما رفعه الله ونشر صيته وتعلقوا وحصلت لهم شبهة؛ حيث تعلقوا بالقول المجمل من الإمام أحمد، فحصلت فتنة في صفوف المحدثين مركبة من الحسد والشبهة التي حصلت من القول المجمل من الإمام أحمد، وإلا في الواقع لا اختلاف بين الإمامين.

ومن وقف فقال: لا أدري مخلوق أو ليس بمخلوق، وإنما هو كلام الله أيضا مبتدع هذه الطائفة تسمى الواقفة.

الواقفة: هم الذين قالوا القرآن كلام الله -عز وجل- ولكن وقفوا فقالوا: لا نقول غير مخلوق ولا نقول مخلوق، نقول: أنتم مبتدعة لا تتوقفوا، من توقف فهو مبتدع بل قل: القرآن كلام الله ليس بمخلوق، فالتوقف بدعة، قال عبد الله ابن الإمام أحمد في كتابه "السنة" سمعت أبي -رحمه الله- سئل عن الواقفة اللي يقفون يقولون: لا مخلوق ولا غير مخلوق، فقال أبي: من كان يخاصم ويرفض الكلام فهو جهمي، ومن لا يرفض الكلام يجانب حتى يرجع، ومن لا يكن له علم يسأل، وقال مرة: هم شر من الجهمية الواقفة.

وروى الآجري في الشريعة عن أبي داود السجستاني قال: سمعت أحمد بن حنبل -رحمه الله- سئل: هل له رخصة أن يقول الرجل: القرآن كلام الله ثم يسكت يعني لا يقول مخلوق ولا غير مخلوق؟ فقال: ولما يسكت، ولولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت ولكن حيث تكلموا فيما تكلموا لأي شيء لا يتكلمون، فالواقفة مبتدعة، ولهذا قال المؤلف -رحمه الله- الإمام: ومن وقف فقال لا أدري مخلوق أو ليس بمخلوق وإنما هو كلام الله فهذا صاحب بدعة مثل من قال هو مخلوق لا فرق بينهما.

من قال القرآن مخلوق، فهو مبتدع، ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، ومن توقف وقال لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق فهو مبتدع مثل من قال مخلوق، ولهذا قال: فهذا صاحب بدعة مثل من قال هو مخلوق، وإنما هو كلام الله ليس بمخلوق.

والخلاصة في هذا أن مذهب أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، وأن كلامه اسم للفظ والمعنى والحروف والأصوات، وأما الطوائف المبتدعة فهم المعتزلة قالوا: القرآن لفظه ومعناه مخلوق، والأشاعرة قالوا: اللفظ مخلوق والمعنى غير مخلوق أيضا مبتدعة، وطائفة أبو المعالي الجويني، قالوا: اللفظ الكلام اسم للفظ دون المعنى وهؤلاء أيضا مبتدعة، واللفظية الذين يقولون لفظي بالقرآن مخلوق مبتدعة، والواقفة الذين يقولون نتوقف لا نقول مخلوق ولا غير مخلوق مبتدعة، نعم.

(1) سورة الشعراء (سورة رقم: 26)؛ آية رقم:193 - 195
(2) سورة التوبة (سورة رقم: 9)؛ آية رقم:6
(3) البخاري : استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (6934) , ومسلم : الزكاة (1068).


 مواد ذات صلة: