شرح أخلاق حملة القرآن
مقـدمـة

(الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى تَوَاتُرِ نِعَمِهِ، حَمْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ مَوْلاَهُ الْكَرِيمَ عَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، ﴿وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا(1). وَأَسْأَلُهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ، وَالشُّكْرَ عَلَى مَا تَفَضَّلَ بِهِ مِنْ نِعَمِهِ، إِنَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ، وَصَلِّ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ، عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ وَنَبِيِّهِ، وَأَمِينِهِ عَلَى وَحْيِهِ وَعِبَادِهِ، صَلاَةً تَكُونُ لَهُ رِضًا، وَلَنا بِهَا مَغْفِرَةً، وَعَلَى آلِهِ أَجْمَعِينَ، وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا طَيِّبًا.


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين..

أما بعد..

فإني أشكر الله -جل وعلا- على ما مَنَّ به من هذا اللقاء وهذا الاجتماع، ثم أشكر الإخوة الكرام القائمين على هذا الجامع المبارك، وما يبذلونه من جهود علمية لإخوانهم المسلمين، وتبصيرهم بعلوم الدين، جزى الله الجميع خيرًا: مَن رَتَّب، ومَن نظَّم، ومَن حرَّر، ومَن تكلم.

وهذا الكتاب هو: (أخلاق أهل القرآن الكريم)، وهو لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري، وهو من علماء بغداد، نشأ في بغداد وتعلم فيها، وسمع من علمائها، ثم بعد ذلك انتقل إلى مكة، إلى أن توفي بها سنة 360هـ، وهذا الإمام العلم صاحب سنة، وصاحب قدر من العلم، وعلى مكانته من العبادة والزهد والورع، وكان في أول أمره على المذهب الشافعي، ثم انتقل إلى المذهب الحنبلي، كما تنص على ذلك كتب التراجم، وله مؤلفات منها: كتاب الشريعة، وكتاب أخلاق العلماء، وهذا الكتاب هو: أخلاق أهل القرآن، وتميزت مؤلفاته بيسر العبارة وسهولة العرض والنقل.

وتميزت كذلك بالاعتماد على ما جاء في كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم، وأقوال الصحابة والتابعين، وهو كان قريبًا من القرون المفضلة كما سمعنا من تاريخ وفاته، ومع إنه متقدم إلا أن عباراته واضحة الدلالة، بَيِّنَةُ الأسلوب، لا تحتاج إلى مزيد من التكلف والبيان والإيضاح، وليست مشكِلَة، وليس فيها ما يحتاج إلى حل وبيان، وربما يقرأها طالب العلم ويفهم ماذا يريد، وماذا يقصد المؤلف من كلامه، ولكن بعد أن سمعنا هذه المقدمة الطويلة يمكن أن نقسمها إلى مسائل متعددة.

المسألة الأولى: وهي الاستفتاح:

فالمؤلف -رحمه الله- استفتح كما يستفتح غيره من أهل العلم بالحمدلة، والصلاة على النبي -عليه الصلاة السلام، وببيان ما لربنا -جل وعلا- من الحمد والثناء والتعظيم، الذي ينبغي أن يكون من عباده له -جل جلاله- حيث سرد آيات متعددة، فيها بيان الثناء على الله -تعالى- بالحمد والشكر، وما هو أهل له -جلَّ وعلا، وهو -سبحانه- قد افتتح كتابه بالحمد، كما نص على ذلك المؤلف، فقال الله -تعالى- في أول القرآن: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(2). وقال أيضًا في أول سورة الكهف: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا(3). وافتتح خلقه أيضًا بالحمد، فقال -سبحانه: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ(4). واختتم خلقه أيضًا بالحمد، فقال -سبحانه: ﴿وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(5).

وقد حمده ملائكته في كتابه، وحمده أنبياؤه والصالحون من عباده، وهو حمد نفسه -جل وعلا، فهو المستحق للحمد كله، ومستحق للشكر كله وللتعظيم، فهو رب العباد وهو خالقهم، وهو إلههم ومعبودهم، وقد أثنى الله -جل وعلا- على نفسه في آيات كثيرة في كتابه الكريم، منها هذه الآيات المتضمنة للحمد، وفي هذا تعليم للعباد بأن يكثروا من حمد الله -جل وعلا- الذي هو ثناء على الله في أسمائه وصفاته وأحكامه وأمره وشرعه.


(1) النساء: 113.

(2) الفاتحة: 1.

(3) الكهف: 1.

(4) الأنعام: 1.

(5) الزمر: 75.


 مواد ذات صلة: