بحث متقدم   
 
الصفحة الرئيسة / المكتبة الإلكترونية / الكلمات والمحاضرات / اغتنام الأوقات في رمضان
اغتنام الأوقات في رمضان

اغتنام الأوقات في رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله رسول رب العالمين، ورضي الله عن آله الطاهرين وأصحابه الطيبين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أحيي الجميع بتحية الإسلام، التحية الطيبة المباركة، تحية أهل الجنة، فإن تحيتهم فيها هي السلام، أسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلني وإياكم من أهل الجنة، ووالدي ووالديكم وذريتي وذريتكم وجميع المسلمين، وأن يجعلنا جميعًا من عباده الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، الذين أثنى عليهم المولى جل وعلا في كتابه الكريم، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ(1).

أيها الأخوة في الله إن الإنسان المسلم يشكر ربه سبحانه وبحمده، أن هداه للإسلام، وجعله حنيفًا مسلمًا، ليس يهوديًا مغضوبًا عليه، ولا نصرانيًا ضالاً، ولا شيوعيًا ملحدًا، بل مسلم ولله الحمد آمن ورضي بالله سبحانه ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولاً.

ويحرص على الصدق مع الله سبحانه وتعالى بالانتماء لهذا الدين، وذلك بتحقيق أوامر الله سبحانه وتعالى، أداءً لفرائض الله واجتنابًا لمحارم الله، ووقوفًا عند حدود الله سبحانه وتعالى، ويعلم الإنسان المسلم أن الله جل وعلا قد خلقه في هذه الدنيا لعبادته، الإنسان والجان، هذان الثقلان، الله جل وعلا خلقهما في هذه الدنيا لعبادته وطاعته، ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾.

والله سبحانه وتعالى أعطى هذين الثقلين عقولاً يميزون بها بين النافع والضار، وأرسل جل وعلا رسله عليهم الصلاة والسلام مبشرين ومنذرين، يدلون الخليقة على طريق الخير، ويحثونهم على ذلك، ويبينون لهم الجزاء الحسن، الذي أعده الله للطائعين، ويبينون للخليقة طرق الشر، ويحذرونهم من ذلك غاية التحذير، ويبينون لهم ما توعد الله سبحانه وتعالى به من يسلك تلك المسالك الآثمة والشريرة من العقاب الشديد والعذاب الأليم إن ماتوا وهم على تلك الحال ولم يتوبوا إلى الله سبحانه.

ثم إذا تاب الإنسان، تاب ذلك الإنسان، أو ذلك الجان الذي عصى الله، إذا تاب إلى الله توبة نصوحًا، فأقلع عن الذنوب، وندم على فعله تلك الذنوب، وعزم ألا يعود لتلك الذنوب، فإن الله جل وعلا فاتح بابه للتائبين ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾.

والله جل وعلا أعطى هذا المخلوق فرصة، ولم يعاجله بالمجازاة والمحاسبة والمعاقبة، لعله أن يرعوي وأن يرجع وأن يتوب، قد جعل سبحانه وتعالى هذه الحياة الدنيا ميدانًا فسيحًا للطاعة. لكن فيها أوقات تمتاز على غيرها، هذه الحياة الدنيا هي ميدان فسيح لطاعة الله سبحانه وتعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.

فهذه الدنيا دار للعمل والكسب، ومزرعة للآخرة، بما يعمل الإنسان فيها من خير أو شر يلقى عليه الجزاء عند الله يوم القيامة، ولا يضيع شيء عند الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ ﴿ إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.

لكن الله سبحانه وتعالى ميّز بعض الأوقات على بعض، فشهر رمضان ليس كغيره من الشهور، وعشره الأخيرة ليست كسابقاتها، وليلة القدر ليست كغيرها، ولهذا ربنا سبحانه وبحمده يندب عباده إلى أن يتغانموا هذه الأوقات فيما ينفع عند الله سبحانه وتعالى، يقول الله جل وعلا في كتابه الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ﴾ ثم قال بعد ذلك ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾، فيجب علينا أيها الأخوة الأحبة في الله أن نحرص على اغتنام هذه الأوقات الفاضلة، وذلك بإشغالها بالأعمال الصالحة، بما ينفعنا عند الله يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فهذا شهر رمضان المبارك قد حل بساحة المسلمين، فماذا عساهم فاعلون؟

هذا الشهر العظيم الذي تفتح فيه أبواب الجنة فلا يغلق منها باب، وتغلق فيه أبواب النيران فلا يفتح فيها باب، وتصفد فيه مردة الجن والشياطين، فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غير رمضان من أذية عباد الله.

هذا الشهر العظيم المبارك الذي جعل الله صيام نهاره فريضة، وجعل قيام ليله تطوعًا، فمن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه.

هذا شهر رمضان الذي أنزل الله فيه القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا القريبة من الأرض، في ليلة القدر، في شهر رمضان، ثم نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم منجمًا وموزعًا على حسب الوقائع والأحوال ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾، ﴿ أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾، فهذه الأيام والليالي الفاضلة جدير بك يا عبد الله أن تحرص على عدم تفويتها بل على اغتنامها، وإشغالها بما ينفعك عند الله يوم القيامة، والتشمير عن سواعد الجد والاجتهاد، والطاعة والعبادة لله سبحانه وتعالى في كل حياة الإنسان.

والسلف الصالح كانوا حريصين على طاعة الله في كل حياتهم، لكنهم يخصون رمضان بمزيد من العناية والاهتمام، بكثرة نوافل العبادة، ومسنوناتها، وتطوعاتها، وصلوات التطوع، وصدقات التطوع، وكثرة قراءة القرآن، وليس هناك صيام مفروض على المسلم إلا شهر رمضان المبارك، ما عدا ما يوجبه الإنسان على نفسه إما بنذر « فمن نذر أن يطع الله فليطعه»، أو كفارة، أو ما أشبه ذلك.

أما ما عدا ذلك فليس هناك صيام مفروض على المسلم إلا صيام شهر رمضان، نسأل الله سبحانه وبحمده أن يوفقنا جميعًا لصيامه وقيامه بإيمان واحتساب، ونسأل الله الذي بلغنا إياه أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يتمه علينا، وأن يتقبل منا جميعًا، وأن يعيده علينا وعلى جميع المسلمين أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة، والجميع في صحة وعافية واستقامة على دين الله.

ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دخل شهر رمضان يتدارس القرآن هو وجبريل عليه السلام، في كل عام مرة، ويختمه وإياه، وفي العام الذي توفي فيه صلى الله عليه وسلم تدارس القرآن وجبريل عليه السلام مرتين، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وقدوة طيبة، فهذا شهر القرآن، شهر رمضان، شهر الصيام والقيام.

وقد كان كثير من السلف الصالح إذا دخل شهر رمضان تركوا مجالس العلم، وتركوا الدروس وغير ذلك، وقالوا إنما هو قراءة القرآن والصيام والقيام، ولكن أيها الأخوة الأحبة في الله، من المشاهد أن هناك من الناس في هذه الأزمان هدانا الله وإياهم من فرطوا في هذا الشهر وقصروا، فتجدهم في شهر رمضان يعرفونه بأنه شهر لسمر الليل ونوم النهار، وربما ينام عن الصلوات المفروضة مع الجماعة في المساجد، وربما يسهرون الليل ويسمرونه على آلات ملاهي، وعلى فسق ومعاص فيكون هذا الشهر والعياذ بالله شاهدًا عليهم بهذه الأعمال الآثمة، ومصيبة عظيمة، يخسرون هذا الشهر وفضله وثوابه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما صعد المنبر وقال آمين ثلاثًا، ثم نزل فسأله الصحابة رضي الله عنهم عن قوله هذا، فقال عليه الصلاة والسلام: « آتاني جبريل عليه السلام فقال يا محمد رغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله، قل أمين، فقلت أمين، ثم قال: يا محمد رغم أنف امرئ أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة فأبعده الله، قل أمين، قال: قلت أمين، ثم قال: يا محمد رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك، فأبعده الله، قل أمين، قال: قلت أمين».

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، فيا أيها الأخوة الأحبة في الله، يجب علينا أن ننظر في حالنا، وأن ننظر في أنفسنا، وأن نجتهد، وأن ننافس أهل الخير في الطاعة، ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدِّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾.

هذه الأيام الفاضلة التي من الناس من أدركها في عام ولم يدركها في العام القادم، أدركها في العام الماضي ولم يدركها في العام الحاضر، من الناس من يدرك أول الشهر ولا يدرك آخره، يحول بينه وبينه حائل الموت، أو المرض، وما أشبه ذلك، والأعمار بيد الله، والآجال علمها عند الله سبحانه، ﴿ مَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ﴾.

كم من إنسان في أتم الصحة والعافية، كان يمشي ويتحرك ويذهب ويأتي، ثم أمسى تحت أطباق الثرى فجأة، حضره الموت، وأتاه ما لا محيد له عنه؛ لأنه أتاه أجله، والله المستعان.

فمات بسبب أو بدون بسبب، من لم يمت بالسيف، مات بغيره، تعددت الأسباب والموت واحد.

وفي آخر الزمن يكثر موت الفجأة كما أخبر عن ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا تسمعون النوبات القلبية والجلطات، نسأل الله سبحانه أن يحيينا وإياكم حياة طيبة، تكسبنا عملاً صالحًا، وأن يجعلنا ممن طال عمره وحسن عمله، وأن لا يميتنا إلا وهو راض عنا، لكنني أقول أيها الأخوة إن الإنسان وهو لا يدري عن نفسه هل إذا أمسى هل يصبح حيًا معافًا أم لا، وهل إذا أصبح وخرج من بيته، هل يعود إليه في المساء حيًا معافًا أم لا؟

فجدير بنا أيها الأخوة أن نشمر عن سواعدنا وأن نجد وأن نجتهد، خصوصًا في هذه الأيام الفاضلة، والمواسم الزمنية المباركة التي تضاعف فيها الحسنات، وتسكب فيها العبرات، وتقال فيها العثرات، وتكفر فيها السيئات، وتزاد وتضاعف فيها الحسنات، وترفع فيها الدرجات، فجدير بنا أيها الأخوة أن لا نفوت هذه الفرصة، وأن نري الله من أنفسنا خيرًا، فإن الشقي من حرم خير وأجر هذا الشهر العظيم.

أيها الأخوة الأحبة في الله، وهكذا أيضًا حرص المسلم على أن يكون هناك تنظيم في وقته في ليله وفي نهاره، فيجعل له نصيبًا كل يوم في قراءة القرآن، ومع محافظة على فرائض الله، ومع أفعال الخير، وإذا كان أيضًا موظفًا في عمل حكومي مدني أو عسكري، فليحتسب الأجر عند الله مع الصيام والجوع والعطش، وليؤد العمل المناط به والمسؤوليات الملقاة عليه، وليخلص في عمله وليجتهد، فإن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

وإن كان يأخذ على عمله هذا الوظيفي مقابلاً وأجرًا دنيويًا، فإنه إذا أصلح نيته وأخلص عمله لله، واحتسب الأجر والثواب، وجد واجتهد، وحتى في شهر رمضان فإنه يضاعف له الأجر، ويكون له ما يدخر عند الله يوم القيامة، فإن الله سبحانه وبحمده لا يضيع أجر من أحسن عمله، وهذا من الأمانات التي ائتمن الإنسان عليها، فيؤدي العمل كما ينبغي، ويحرص على إنفاذ معاملات المسلمين، وإنهاء حقوقهم، وإيصال حقوقهم إليهم دون من ولا أذى، ولا رشوة ولا ارتشاء، ويحسن الخلق والمعاملة في عمله الوظيفي، وفي طريقه، وفي سيارته.

ولكن يشاهد أن هناك من الناس في أعمالهم خلال النهار في الصيام يكون عندهم شيء من بعضهم هدانا الله وإياهم من سوء المعاملة والجفاء والغلظة والتعبيس للوجه، والتقطيب للحاجبين، وغير ذلك، لأجل أنه صائم، ولا يؤدي العمل كما ينبغي، وربما يكون في سيارته أيضًا يقودها بحالة غير طبيعية، وغير لائقة ولا أخلاقية، وربما أنه يحصل منه بعض الكلمات النابية، لو أحد أخطأ عليه أو ما أشبه ذلك.

والذي ينبغي للإنسان أن يكون سمحًا متسامحًا عفوًا كريمًا حسن الخلق، الله سبحانه وبحمده يعطيه على ذلك الثواب والأجر والحسنات العظام.

كذلك أيضًا أيها الأخوة الأحبة في الله، ما يكون من الحرص من الأداء لهذه الصلوات التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى بالمسلمين في شهر رمضان، وصلى بهم صلاة التراويح لأول ليلة، ثم صل بهم الليلة الثانية، وصار جمع أكبر، يعني في الليلة الأولى ثم في الليلة الثانية، ثم لما جاء في الليلة الثالثة، فحصل جمع غفير، فلم يخرج إليهم صلى الله عليه وسلم، فلما جاء في الصباح أخبرهم أنه ما منعه من الخروج إليهم وصلاته بهم تلك الصلاة إلا مخافة أن تفرض عليهم، لكن الآن لما أمنت فرضية هذه الصلاة، فإنه جدير بالمسلمين أن يحافظوا عليها، وأن يؤدها مع الإمام مع الجماعة، حتى ينصرف الإمام، فقد جاء في الحديث صلى الله عليه وسلم: « من صلى مع الإمام حتى ينصرف، كتب له قيام ليلة».

وفي رواية: « فكأنما أحيا الليل كله»، ويحتسب الإنسان الأجر ويتقدم، فإنه صلى الله عليه وسلم قال: « ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط»، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

كذلك أيضًا أيها الأخوة الأفاضل، حرص الإسلام على أيضًا تفطير الصائمين، فإن في ذلك أجرًا وثوابًا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: « من فطر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه، وكان له مثل أجر الصائم من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء». قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم! قال: « إن الله يعطي هذا الأجر لمن فطر صائمًا على مزقة لبن، أو شربة ماء، أو تمرة»، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

أيها الأخوة في الله، وهكذا من كان عنده مال زكوي، بلغ النصاب، وحال عليه الحول، أو حتى لو كان حوله لا يحول عليه إلا في شهر شوال أو ذو القعدة، فقدمه لاغتنام فضل الزمان، فضل رمضان، فإن في ذلك أجرًا وثوابًا، وإن كان يحين أداء الزكاة عليه في شعبان، فلا بأس أن يؤخره إلى رمضان، إذا لم يتضرر الفقراء من ذلك، أما إذا كان به وقت طويلاً، ويكون هناك إضرار بالفقراء، ويخرج الزكاة الواجبة في حينها، ولا ينسى هو نفسه من الصدقات التطوعية في رمضان، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كما تقول عائشة رضي الله عنها: كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن أجود بالخير من الريح المرسلة».

كذلك أيضًا الحرص على اعتكاف العشر الأواخر، فإن في ذلك خيرًا وأجرًا وثوابًا، وتحريًا لليلة القدر، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتكف العشرة الوسطى من رمضان، ثم جاءه جبريل عليه السلام، وقال: يا محمد، إن الذي تطلبه أمامك، فاعتكف عليه الصلاة والسلام وأرشد الصحابة رضي الله عنهم للاعتكاف معه في العشر الأواخر من رمضان، تحريًا لليلة القدر، فإن من أدرك هذه الليلة العظيمة، وتقبل الله منه طاعته وعبادته، خير من طاعة وعبادة في ألف شهر لا تكون فيها ليلة القدر.

وألف شهر أكثر من 83 سنة، وقليل من الناس من يبلغ هذا العمر، فأعمار أمتي – كما قال عليه الصلاة والسلام –: « ما بين الستين والسبعين وقليل من يجوز ذلك»، لكن الله تعالى عوض هذه الأمة المحمدية في قصر أعمارها بمضاعفة الأعمال، لفضل الزمان كشهر رمضان، وعشره الأخيرة، وليلة القدر، ويوم الجمعة، وعشر ذي الحجة، ويوم الجمعة، وكذلك أيضًا بفضل المكان عندما يكون الإنسان عند البيت الحرام، أو المسجد النبوي، أو المسجد الأقصى.

الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وفي المسجد النبوي بألف صلاة، وفي المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة، نسأل الله تعالى أن يعيده إلى حظيرة الإسلام، والمسلمين الصادقين، القانتين.

كذلك أيضًا ألأخوة آخر الليل، فإنه وقت فضيل عظيم، فإن هذا من الأوقات الفاضلة، والرسول عليه الصلاة والسلام أخبر أن الله تعالى ينزل آخر كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الأخير من السماء الدنيا القريبة للأرض، نزولاً يليق بجلاله وعظمته، فيقول جل وعلا: « من يدعوني فأستجيب له، من يستغفرني فأغفر له، من يستنصرني فأنصره، وذلك كل ليلة حتى يطلع الفجر».

وهناك من الناس هدانا الله وإياهم، من يسهرون أول الليل، ثم ينامون بعد منتصف الليل، أو عند منتصف الليل، يأكلون ثم ينامون ويفوتون أكلة السحور، في وقت السحر، وذلك الوقت الفاضل نو ربما ينامون عن صلاة الفجر، وربما منهم من يأكل في منتصف الليل، ثم إذا جاء عند الفجر، فهو يجاهد نفسه حتى يصلي الصلاة، ولكن يصليها وهو محمر العينين معي البدن، وربما أنه لا يعي ما يقرؤه الإمام في الصلاة، ثم بعد ذلك ينام نومًا عميقًا طويلاً، وسباتًا عميقًا، فتفوته صلاة الظهر والعصر مع الجماعة في المسجد، ولا يستيقظ إلا في آخر النهار، فلا حول ولا قوة إلا بالله، فهذا محروم، نسأل الله أن يبهدينا وإياه سواء السبيل.

أولاً: أنه سهر الليل، وأحيا الليل ربما في أمور لا يثاب عليها، أو يعاقب عليها، وأكثر أكل الطعام في غير وقت السحر، السحور، وفوت كثيرًا من هذه الفرائض، فيجب عليه أن ينتبه لنفسه، وأن يتقي ربه، وأن يتوب إلى الله سبحانه وبحمده، ويحرص على تنظيم وقته، فلا يضيع هذه الأوقات الفاضلة التي ما مر بالمسلمين أفضل لهم منها، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم إلى اغتنام هذه الأوقات الفاضلة بالأعمال الصالحة، وأن يثبتنا وإياكم على القول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، وأن يقر عيوننا وعيونكم بصلاح الزوجات والأبناء والبنات، والأسر والرعايا، وأن يجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، وأن لا يرينا ولا إياكم فيهم سوءًا ولا مكروهًا، كما أسأله سبحانه أن ينصر دينه وأن يعلي كلمته، وأن يعز عباده، وأن يذل أعدائه، وأن يوفق ولاة أمورنا وجميع ولاة أمور المسلمين لما يحب ويرضى، وأن يرزقنا وإياه البطانة الصالحة الناصحة وأن يبعد عنا وعنكم بطائن السوء، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل الله كيده في نحره وأشغله في نفسه، واصرف شره وأذاه عن المسلمين بما شئت، فإنك أنت السميع العليم، هذا وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وجزاكم الله خيرًا، وأثابكم الله، وشكر لكم محبتكم للخير، وسماعكم للموعظة والنصيحة من أخيكم ومحبكم في الله. 


 (1) الزمر: 17، 18.