بحث متقدم   
 
الصفحة الرئيسة / المكتبة الإلكترونية / الكلمات والمحاضرات / أسباب الثبات على دين الله
أسباب الثبات على دين الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله والصلاة على رسول الله نبينا محمد، وعلى آل وصحبه وسلم، أسأل الله أن ينزلكم الفردوس الأعلى، في قنوت الله الإمام وفقنا الله وإياه، ركزَّ على دعاءٍ، هو سيكون محور الحديث، وهو سؤال أن يثبتنا على الدين الثابت، فنبيكم صلى الله عليه وسلم كان يكثر من السؤال بأن يثبته الله على الدين، فحديثي سوف يكون عن عوامل الثبات على دين الله.

لما نزلت الآية: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾(1)، يقول ابن عباس: ما نزلت آية أشق على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم منها، هذه أشق آية نزلت على الصحابة، لما جاء - كما عند مسلم - رجل يستوصي الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : « قل أمنت بالله ثم استقم».

أيها الأحبة، لقد رزقكم الله سبحانه وتعالى الإسلام، والإسلام والهداية إليه بإجماع أهل السنة والجماعة بيد الله: ﴿ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾(2)، فاشكر المنعم على نعمة الإسلام.

عجز نوح عليه الصلاة والسلام أن يصلح وأن يهدي زوجته وابنه، والغرق يصيب الناس، والآيات الواضحات بصدق نبوة نوح تتضح لابنه، ويبذل جهدًا عظيمًا: ﴿ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا﴾(3)، ومع ذلك لم يستطع، ولم يستطع أن يهدي زوجته، وكذلك لوط لم يستطع أن يهدي زوجته، ومحمد صلى الله عليه وسلم يحاول محاولات: « يا عم قل لا إله إلا الله»، ولم يستطع صلى الله عليه وسلم، فرزقت الإسلام، أعظم نعمة أنعم الله بها عليك، هي نعمة لا إله إلا الله، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يرقق بعضها بعض، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل».

فالإنسان لا يعلم ماذا يختم له، الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: « إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى لا يبقى بينه وبينها إلا شبر أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها».

يا إخواني نعمة لا إله إلا الله، أعظم من أموال الدنيا ومن كنوز الدنيا، جاءت قريش بقدها وقديدها بخيلها ورجلها، بأشرافها، إلى محمد صلى الله عليه وسلم، يا محمد أجئتنا من أجل المال، نجمع لك من المال حتى تصبح أغنى رجل فينا، فيرفض الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الإغراء، فيقولوا: أجئتنا يا محمد من أجل الملك، نتوجك على قريش ملك، ونحول قريش إلى مملكة، مقابل أن تترك لا إله إلا الله، فرفض الرسول صلى الله عليه وسلم .

فدينك يا أخي العزيز أعظم نعمة، ولذلك تحسد على نعمة لا إله إلا الله أكثر من أن تحسد على الملك والجاه، كما جاء تو منذ قليل في خبر قريش؛ ولذلك يقول الله: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِم﴾(4)، الكفار يحسدونك على الإيمان، والفساق يحسدونك على الاستقامة.

في صحيح مسلم أصحاب، مجموعة من الفساق، في زمن جريج، يدفعون أموالاً لبغي، من أجل ماذا؟ من أجل أن تضل جريج، من أجل أن يفسق جريج، والفساق ينفقون أموالاً طائلة ليضلوك ويبعدوك عن درب وعن طريق نبيك صلى الله عليه وسلم .

انظر الآن إلى غالب القنوات الفضائية ما تبثه من أفلام ومن مسلسلات، يصدق عليها ما قاله الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا * يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾(5)، يستجيب لرغباته، ولشهواته.

ولعل أعظم وسائل الثبات على دين الله قراءة القرآن؛ قراءة القرآن ﴿ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾(6)، فاحرص على أنك تقرأ القرآن في الليل والنهار، يكون له حزب، جزء يومي، لا تفرط فيه، كما أن الإنسان لا يفرط في علمه، كذلك لا يفرط في قراءة القرآن.

الوسيلة الثانية: الدعاء، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾(7)، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، والله يا إخوان أعظم مصيبة زيغان القلوب، أعظم مصيبة أن يحرم الإنسان الهداية، الفضيل بن عياض رُؤي يبكي في عرفة، فقيل: أتبكي ذنوبك؟ قال: لا والله، إنما أخشى أن أسلب التوحيد.

ولذلك يقول الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، في كتابه العظيم: كشف الشبهات: ولا يغررك من يقول التوحيد فهمناه، ممكن الإنسان يُنزع التوحيد في عقيدة من العقائد وهو لا يعلم، ونبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصْنَامَ﴾(8).

الوسيلة كما قلت وسيلة الدعاء، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: « يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك». تقول عائشة: حتى أنت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! فيقول: « أو ما علمت أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء».

ابن عمر – كما روى البيهقي بسند جوده شيخ الإسلام ابن تيمية في شرحه لعمدة الفقه – يقول: اللهم إنك أعطيتنا الإسلام من غير أن نسألك إياه، فلا تنزعه منا ونحن نسألك إياه.

يا إخوان، والله إننا نعيش أعظم نعمة، أقسم بالله الذي لا إله إلا هو، لنعمة الإسلام أعظم من المال، والجاه، وكل شيء، والصحة؛ طالما أنك متعبد لله الواحد الأحد الصمد، لا إله إلا هو، سبحانه وتعالى عما يشركون، هذه نعمة، والله نعمة أنك تقول لا إله إلا الله، وغيرك ينادي غير الله: يا حسين، يا علي، يا عباس، يا فاطمة، يا شاذلي، يا.. يا.. وأنت تقول: يا ألله، يا ألله.

الوسيلة الثالثة: الصحبة الطيبة، كهذه الوجوه النيرة، التي أسأل الله أن يحشرني وإياها في الجنة، وأسأل الله أن يجعلنا نتزاور، ونرى وجه العظيم جل وجلاله في الجنان، هذه الوجوه النيرة التي آثرت أن تأتي إلى بيت الله طاعة مختارة، ورمت زهرة وشهوات الدنيا خلفها ظهريًا، فأسأل الله أن يثبتك.

يأمر الله محمدًا صلى الله عليه وسلم ألا يجالس إلا الأخيار، ارفع شعار لا أجالس إلا الأخيار لا في الصباح ولا في المساء.

يأمر الله محمدًا صلى الله عليه وسلم ألا يجالس إلا الأخيار في الصباح وفي المساء؛ وألا يفتش عن بدلاء، وأن لا ينخدع بأولئك الفسقة، فيقول الله لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهو محمد الذي جاء بالرسالة وبالكتاب: ﴿ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾(9)، حياته كلها ضياع في ضياع، نسأل الله العافية والسلامة.

لذلك الواحد يحرص على الأصحاب، ﴿ قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدٌّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ﴾(10) تأملوا: ﴿ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(11).

ومما يؤكد فضيلة الصديق الصالح أن الصديق الصالح إذا رآك أخطأت يعيدك إلى الحق، وإذا رآك ضللت يهديك، الصديق الصالح ييسر عليك، والصديق الفاسق يضلك، الصديق الصالح يستر، الصديق الضال إذا رآك على خطأ شجعك، والصديق الصالح إذا رآك أخطأت يعيدك إلى الجادة، ينصح لك.

ولذلك يروي البيهقي بسند حسن، وأبو يعلى، وأورده مختصرًا الإمام ابن كثير في أول سورة غافر، قصة من أعجب القصص لعمر رضي الله عنه، عمر رضي الله عنه كان له صديق من أهل الشام، وهذا الصديق الشامي يزور عمر، في يوم من الأيام، قال عمر: ماذا صنع فلان؟ وين فلان، قالوا: يا أمير المؤمنين وقع في شرب الخمر، إنا لله وإنا إليه راجعون، فلان وقع في الخمر، فلان ذلك الرجل الصالح التقي، انتكس، فحزن عمر، عمر رضي الله عنه أراد أن يناصحه كصديق مع صديقه، بغض النظر أنه أمير المؤمنين، لا يريد أن يأتيه من باب السلطة؛ لأنه لا يضمن صلاحه، والقاضي لا يحكم بعلمه، إنما جاءه من باب ماذا؟ الأخ مع أخيه، بعض الناس إذا أخطأت، ولا أخطأت في الحي ولا شيء، ما بينصح، يصورك هكذا وينشرها في الإنترنت.

ويحطها بألف رابط، هذا.. هذا ساتر ولا فاضح، الرسول صلى الله عليه وسلم لما أحد الصحابة لم يستر على صحابي غضب.

في وقت يقول بص يا شيخ، اسمعوا هذه القصة العجيبة، كلكم أبا بصير، تعرفون، بارجع لقصة عمر بعد قليل، لكن إيش؟

هذا ماعز بن مالك كلكم تعرفونه، صحابي جليل، ولا لا؟ وهو الذي اعترف بجريمة الزنا، ورجمه النبي صلى الله عليه وسلم، هل تعرفون قصته؟ رواها الإمام أحمد، وأبو يعلى، وليس في مسند الإمام أحمد من أحاديث هزَّال رضي الله عنها، إلا هذه الأحاديث، انظر حتى الصحابي إذا أخطأ يقول الحديث الذي عليه، ما عندهم أصحاب محمد...

هذا الصحابي اسمه هزال بن ذؤيب رضي الله عنه، ليس في المسند أحمد لهزال، في مسند أحمد ليس من مسند هزال إلا هذه الأحاديث، خمس أحاديث، كلها اختلفت الطرق، ومدارها على أمر واحد.

هزال كان يعمل عنده صحابي اسمه ماعز بن مالك، وكان عند هزال فتاة، مملوكة جارية اسمها فاطمة، في يوم من الأيام، ماعز كان أجير، وهذه مملوكة، فوقع عليها، فندم رضي الله عنه، أول شيء سواه، راح لسيد المملوكة، الذي هو من؟ لاحظ هزال، فقال له: يا هزال، أنا ترى سويت كذا وكذا، المفروض هزال رضي الله عنه يستر عليه، وينصحه، لأنه ما بحاكم، فقال له هزال- نص الحديث عند أحمد: فخدعه هزال رضي الله عنه، فقال اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعل الله أن ينزل بك قرآن، وهو يريد أن يقيم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم الحد، لماذا؟ لأنه حزن، كيف تأتي جاريتي، مملوكتي.

فذهب رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله إني فعلت كذا وكذا، ما كان يقصد إقامة الحد هو، فقرره الرسول صلى الله عليه وسلم، وتأكد من سلامة عقله، فأمر به فرجم، فلاق النبي صلى الله عليه وسلم هزال، فماذا قال له الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قال: « ويحك يا هزال، أما لو سترتك لكان خيرًا لك»، وفي رواية عند البغوي في شرح السنة: « ويحك يا هزال أما لو سترته بردائك لكان خيرًا لك مما صنعت فيه».

لهذا الإسلام يأمر المسلم بالستر، من ستر مسلمًا ستره الله.

عمر رضي الله عنه لما رأى صاحبه وقع في الخطأ حَزِنَ، ونادى كاتبه، فقال له عمر: اكتب – اسمع الرسالة، ما هي مجلدات، بعض الأحيان واحد يرسل نصيحة لواحد بوسائط ستين كلمة، وكمان يقول: يتبع – ثلاث كلمات أو أربع – بسم الله الرحمن الرحيم، من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان – حتى ما ذكروا اسمه، من باب مزيد من الستر - : أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب. بس.

ثم قال عمر: اللهم رده إلى الحق، ودعا له عمر، وأمّن من حضر - انظر المؤمن يحب الإنسان يلتزم – فذهب الرجل إلى الرجل، فطرق عليه الباب، من؟ قال: رسول أمير المؤمنين عمر. فتح الباب – الرجل طبعًا أكيد يخاف أن عمر يكشفه – يعطيه الرسالة، ويفتحها الرسالة قصيرة: بسم الله الرحمن الرحيم، من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان، أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو غافر الذنب – تدبر القرآن الآن، ﴿ غَافِرِ الذَّنبِ﴾(12)  أخبرني بمغفرته، ﴿ قَابِلِ التَّوْبِ﴾ وعدني بقبول التوبة، ﴿ شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾ حذرني عقابه.

فما زال يتدبر الآية، أخبرني بمغفرته، ووعدني بتوبته، وحذرني عقابه، وما زال يرددها وهو يذكر الله حتى مات، فمات على حسن خاتمة ولا على سوء خاتمة؟

فعاد الرجل، قال عمر: هيه ماذا صنع فلان؟ - ويش ردة فعله مع الرسالة، عساه استفاد، عسى.. – قال: ابشر يا أمير المؤمنين – انظر يبشره بالإسلام يبشره بالاستقامة – فماذا صنع؟ قال: أبشر، نزع فأحسن النزع، فسري عن عمر، فقال عمر: - انظر نص العبارة – إخواني هكذا فاصنعوا، إذا زل أخ لكم زلة – ماذا نصنع؟ احفظوا هذه العبارة، تراها كلها كلمة أو كلمتين – سددوه، ووفقوه، وادعوا الله له، ولا تكونوا أعوانًا للشيطان عليه.

سددوه، يقول عمر: إذا زل أخ لكم فسددوه ووفقوه وادعوا الله له ولا تكونوا أعوانًا للشياطن عليه، لا تكونوا أعوانًا لإبليس.

واحد له صديق، ضل، وكان صديق طيب وصالح، فأرسل إليه أبيات من الشعر، يقول فيها يذكره بماضيه الجميل، يقول له أنت رجل كنت خلوق، والحين جالس مع البغايا والفاسقات، رجل كنت ما تسمع إلا القرآن، والآن تسمع الأغاني، رجل كان يهتدي على يديك الناس، والآن أنت تحتاج إلى من يعيدك إلى الحق.. فيقول:

لما يا صح أخطأت الطريق            لما أبدلت بالدرب الرفيق

لما أسلمت للشر انقيادً                 وخاطبت الغواني والنعيـق

لقد نبئت عن نفس جموح             إلى الشهوات دنست الخلوق

وخضت في بحار اللهو عشقًأ       ظن البحر يا صاح عميقً

وأردتك المفاتن ذا افتراس         وبالأمس القريب فتى رقيقً

أتذكر إذ مدتت إلي كفً            وإذ عاهدتني عهدًا وثــيــقً

بأن إخاءنا في الله باق             ولكن العهود بدت بريقً

أتذكر أمسنا أحييت غرقى        فأما اليوم قد صرت الغريق

أتذكر إذ تلوت الآي عذبً         فأسعدت المجالس والصديق

لكم بتنا سويًا وارتحلن           قصدنا مكة البيت العتــيـــق

دع الدنيا وما حملت             وأقبل إلى الرحمن أوابًا شفيقً

 

ذكرتها مختصرة، فلذلك من عوامل الثبات الصحبة الطيبة الصالحة.

من عوامل الثبات العمل الصالح، وأنا اليوم سوف أضع لكم ولنفسي قاعدة، ماذا القاعدة تقول؟ مشكلاتنا الآن يا إخوان، الآن أليس الأصل أن الحسنات يذهبن السيئات، لكن شعار كثير من الناس وخاصة الشباب: إن السيئات يذهبن الحسنات، كيف؟ تجد شابًا صلى معنا، وتأثر بقراءة الشيخ المباركة الطيبة، التي أسأل الله أن يجلها في موازين حسناته، ثم ذهب وضل وخدعه إبليس، عاكس، ولا شاهد فيلم ولا مسلسل، خطأ ولا ما هو خطأ؟ خطأ.

فتجده يقول، آفا آفا، أنا الذي سويت المعصية، كيف أصلي مع الناس التراويح؟ فيترك صلاة التراويح، ثم يقول آفا، أنا الذي مارست المعصية، كفو أحلق اللحية، يقوم بحلق اللحية.

أنا الذي سويت كذا، كفو أصلي مع الناس جماعة؟! فصارت السيئة تأتي بسيئة، لكن المفروض الإنسان إذا وقع في خطأ يعالج الخطأ بخطأ ولا بصواب؟ بصواب، ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾، يقول: أنا أخطأت، فآتي وأعالج خطئي بتوبة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « الندم توبة»، أنا دائمًا أقول كلمة أقولها لنفسي ولإخواني: استقامة ناقصة، خير من انتكاسة كاملة، يعني الإنسان يترك صلاة الجماعة، يحلق اللحية ويصلي، خير من واحد يحلق اللحية ولا يصلي، يعني تلقى الله بذنب واحد، خير من أن تلقى الله بذنبين، فأنت إذا وقعت في خطأ أمامك رب غفور رحيم، يغفر الذنوب ويتوب ويستغفر، قال عن نفسه غفور، وقال عن نفسه غفار.

لذلك العمل الصالح من عوامل الثبات، من عوامل الثبات البعد عن الغرور يا إخواني، الغرور أوقع أناسًا تركوا الاستقامة والإسلام بسبب الغرور، يذكر لنا أهل التاريخ قصة جبلة بن الأيهم، جبلة رجل ملك من ملوك غسان، أسلم في زمن عمر، وأثناء الطواف، وطئ رجل من فزارة على ردائه، فلطمه جبلة، فقيد جبلة إلى عمر، فأمر عمر أن يقتص من جبلة، فقال جبلة: أمهلني يا أمير المؤمنين، ألحق لي وقت، أحاول أن أرى فيه بقروش ولا بشيء، فتركه، قال عمر: خلاص، حاول ابذل معه، إذا ما استطعت أخذ حقه، لما أقبل الليل، هرب جبلة، قال: أنا جبلة يقام علي قصاص أو حد، فترك الإسلام، بسبب ماذا؟ بسبب الغرور.

زار واحد جبلة بعد فترة، فقال: يا جبلة تركت الدين بسبب لطمة، قال: يا شيخ اترك عنك، النصرانية خير من الإسلام، هذه يقولها من قلبه ولا من لسانه، إيش رأيكم؟ من لسانه، ويش الدليل؟ أنا ما أجيب شيء من بطني، جبلة شرب خمر، فلما لعبت الخمرة برأسه، أخرج الله من لسانه ما وجد في قلبه، فقال:

تنصرت بعد الدين من عار لطمة    وما كان فيها لو صبرت لها ضرر

تكنفي فيها اللجاج ونخوة             وبعت بها العين الصحيح بالعور

فيا ليت أمي لم تلدني، ليتني          رجعت إلى القول الذي قاله عمر

 

إذن يبين إن الإسلام هو أعظم نعمة، فعلى الإنسان أن يجتنب مجالس الشهوات، ومجالس الشبهات، والآن غالب القنوات الفضائية تسعة وتسعين، فاصل تسعة وتسعين، فاصل تسعة وتسعين فاصل تسعة وتسعين، تبث الفسق والفجور، نسأل الله العافية والسلام ﴿ وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا﴾(13).

الغرور أوقع عبد الله بن علي القصيمي الصعيدي في الإلحاد، يقول:

وما أنا إلا الشمس في غير برجه      وما أنا إلا الدر في لجج البحر

هو يمدح نفسه، فوقع في الكفر والردة، كذلك الشهوات، الشهوات مشكلة، عبدة بن عبد الرحيم، يقول ابن كثير: عبدة بن عبد الرحيم كان من علماء الإسلام، فذهب إلى غزو النور، وأثناء حصار الروم، نظرت إليه رومية، ففتن بها، فصعد إليها الحصن، فعلق الصليب، وعانقها، وأعلن الكفر بالله، وبعد ثلاثة أيام، صعدوا إلى الحسن وألقوا القبض على عبدة بن عبد الرحيم، فقالوا: يا عبده أتركت الدين؟ ماذا، أين دينك، أين علمك، أين القرآن الذي في صدرك؟ قال: نزع الله مني القرآن ولم يبق لي إلا آية واحدة: ﴿ رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾(14).

فلذلك يا إخواني حافظوا على دينكم، احرصوا على التمسك بدينكم، فأسأل الله أن يثبتني وإياكم.

اللهم ثبتنا على لا إله إلا الله، اللهم احشر هذه الوجوه في الفردوس الأعلى، اللهم اجعلنا ممن يدعون إلى الوادي الأفيح، انتظارًا لرؤيتك يا عظيم، اللهم اجعلنا ممن يبشرون بروح وريحان، اللهم ثبت هذه الوجوه على لا إله إلا الله، اللهم اجعلنا ممن خافك واتقاك، واتبع رضاك، اللهم من أراد أن يفسد النساء في بلادنا، وأن يفسد الشباب في بلادنا وفي سائر بلاد الإسلام، فخذه أخذ عزيز مقتدر.

اللهم احفظ لبلادنا الأمن والإيمان، اللهم من أراد أمن هذه البلاد الطيبة المباركة وأراد إيمانها بسوء، فخذه أخذ عزيز مقتدر.

اللهم وفق ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى، اللهم خذ بناصية خادم الحرمين للبر والتقوى، اللهم اجعل خادم الحرمين هاديًا مهديًا، اللهم أصلح به العباد والبلاد، اللهم اجعله سلمًا لأوليائك حربًا على أعدائك.

اللهم ارفع عن بلادنا وسائر بلاد الإسلام الغلاء، اللهم ارفع عنها الغلاء، اللهم أكثر أموال من حضروا، وأكثر أولاد من حضروا، وأطل أعمار من حضروا، وأدخلهم جنتك.

اللهم ارحم ووفق وبارك فيمن بنى هذا المسجد، اللهم ارحم ووفق وبارك وسدد من أم الناس، ومن أذن للناس في هذا المسجد، ومن صلوا في هذا المسجد.

اللهم وفق أهل هذا الحي أجمع، وبارك فيهم، وأصلح لنا ولهم النية والذرية، والأزواج والأولاد.

اللهم اجعلنا هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين، اللهم اجعلنا هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين، ثبتنا يا ألله على طريقك المستقيم، وعلى صراطك المستقيم، وعلى نهج خير الأنبياء والمرسلين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

وفي الختام أشكر الله جل وعلا، ثم لوزارة الشؤون الإسلامية، ولمكتب توعية الجاليات في هذا الحي المبارك، ولأخي فضيلة الشيخ إمام المسجد، وللقائمين على أنشطته العلمية على هذه الدعوة، ومعذرة على الإطالة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


(1) هود: 112.

(2) القصص: 56.

(3) هود: 42.

(4) البقرة: 109.

(5) النساء: 27.

(6) الفرقان: 32.

(7) آل عمران: 8.

(8) إبراهيم: 35.

(9) الكهف: 28.

(10) الأنعام: 71.

(11) الأنعام: 71.

(12) غافر: 3.

(13) النساء: 27.

(14) الحجر: 2.