بحث متقدم   
 
الصفحة الرئيسة / المكتبة الإلكترونية / الخطب / الرجولة و مظاهرها
الرجولة و مظاهرها

بسم الله الرحمن الرحيم

الرجولة ومظاهرها

الحمد لله

فقد سمعنا قبل يومين ، خبراً يفطر أكباد المؤمنين ، ويندى له الجبين ، مفاده إقدام شباب على فاحشة عظيمة ، وموبقة وخيمة ، يعملون عمل قوم لوط ، ويتزاوجون فيما بينهم ، ويغررون بصغار السن والأحداث . أعرضوا عن شرع الله ، وتمردوا على الرجولة والحياء ، عباد الله : إن الرجولة مطلب يسعى للتجمل بخصائصها أصحاب الهمم ، ويسمو بمعانيها الرجال الجادون ، وهي صفة أساسية ، فالناس إذا فقدوا خلق الرجولة صاروا أشباه الرجال ، غثاء كغثاء السيل . الرجولة ترسخ بعقيدة قوية ، وتهذب بتربية صحيحة ، وتنمى بقدوة حسنة ، ميزان الرجال في شريعة الإسلام من كانت أعماله فاضلة ، وأخلاقه حسنة ، مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن ينكح ، وإن شفع أن يشفع ، وإن قال أن يسمع ، قال: ثم سكت ، فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح ، وإن شفع ألا يشفع ، وإن قال أن لا يسمع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض مثل هذا» أخرجه البخاري . الرجولة صمود أمام الملهيات ، واستعلاء على المغريات ، حذراً من يوم عصيب ﴿رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ

الرجل الحق : يصدق في عهده ، ويفي بوعده ، ويثبت على الطريق ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ كان الفتى إلى وقت قريب ، يجلس مجلس الرجال ، ويتكلم بلسان الرجال ، وينصت إنصات الرجال ، يعرف الحقوق والآداب ، ويختار المناسب من الأصحاب . يتحمل المهمات ، ويؤدي الواجب في الملمات ، تربى في بيت كله أخلاق ، وتأثر بمجتمع يحميه من الانزلاق . ما شوش فكره إعلام هابط ، وما وسوس له شيطان ناطق ، وما توفر له ريال لم يتعب في تحصيله . لكنه الطهر والعفاف ، والعيش الكفاف . عباد الله: إن الرجل خشن بطبعه . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس البرد الغليظ الحاشية ، ويفترش الحصير ، ويتوسد الجلد حشوه الليف ، ويركب البعير والحمار والبغلة ، ويردف خلفه وبين يديه ، ويمشي أحياناً حافياً ، ويأكل ما تيسر من الطعام ، ويأتدم بما تيسر من الإدام . وقد قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾.

فما بالنا اليوم أصبحنا نرى رجالاً ، ولا رجال ، ترى بعضهم وقد كرمه الله بالرجولة ، وخصه بالقوامة ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ تراه يبحث عن الدون ، ويرضى بالمفضول . عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال ، والمترجلات من النساء ، وقال : (( أخرجوهم من بيوتكم )) رواه البخاري . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة ، والمرأة تلبس لبسة الرجل . وإليك صوراً من الخذلان ، ومناظر من الذلة والهوان . تبدو على بعض شبابنا - هداهم الله - : ميوعة في الكلام ، وتكسر في المشية ، وغرابة في الضحكات ، وتنوع في القصات ، وتمايل ورقصات . فلو رأيتهم بعد مباراة ، وقد تعالت منهم الصيحات ، وارتفعت من سياراتهم المنبهات ، ثم اصطفوا في الشوارع ، ولا تسأل عن الموسيقى ، ثم أخذوا يرقصون ، في منظر يحزن كل غيور ، ويفرح أصحاب الفجور ، يلبس ما يكشف الفخذ ، وقد أمر بستره . يجر أحدهم ثوبه ، وقد أمر بتقصيره . شباب وللأسف : يعبون من الشهوات ، غارقون في الملذات ، قعدوا عن معاني الغايات ، وأعرضوا عن خالق الأرض والسموات . لقد لبسوا الذهب في أيديهم خواتيم وأسوره ، وفي أعناقهم قلائد وسلاسل ، و في صدورهم أزارير ومرصعات ، يتحلون بالذهب لينزلوا عن كمالهم الذي وهبهم الله إياه ، إلى نقص النساء ﴿أَوَ مَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ نزلوا بأنفسهم ليشاركوا النساء فيما خصهن الله به من الزينة . ولقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لباس الذهب على ذكور أمته فروى الإمام أحمد وأصحاب السنن عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا وذهبا فقال «هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم»

ليس من الرجولة – عباد الله - أن يكون الشاب كالإمعة إن أحسن الناس أحسن ، وإن أساؤوا أساء ، وإذا ولغ أصاحبه في مستنقعات السوء ، لهث وراء ركابهم ، لكي يكون رجلاً كما يزعمون . هل من معالم الرجولة الحقة ، أن تكون غاية مراد الشاب شهوة قريبة ، ولذة محرمة في ليلة عابثة ، بلا رقيب ولا حسيب ؟! أين هذا من شاب نشأ في طاعة الله . هل الرجولة في الاهتمام باللبس والمظهر، والوقوف أمام المرآة لتصفيف الشعر، هل هي في ملاحقة الطاهرات العفيفات ، هل الرجولة في سماع الأغاني ، ورفع صوت جهاز التسجيل والتراقص بالسيارة؟ هل الرجولة في التفحيط والتهور؟ هل هي في تقليب القنوات والنظر إلى المحرمات ؟ هل هي في السفر إلى بلاد العهر والضلال والتبجح بالحديث عن المغامرات والموبقات؟

الخطبة الثانية:

أيها المسلمون: إن الشباب في كل مرحلة من مراحل التاريخ ، هم قوام الأمة ، وعماد نهضتها ، ومبعث عزها وكرامتها ، وهم عدة مستقبلها وأهم ثرواتها ، إن الشباب بما يتصف به من روح الإقدام والإقبال ، وصفاء الذهن والعقل ، ووفرة الطاقة والقوة ، تجعله هو الأقدر على قيادة الأمة وبنائها ، والعمل على صناعة حضارتها ، ولقد علم أعداء الله أهمية الشباب ، ودوره في بناء الأمة ، فخططوا ودبروا ، لتبديد هذه الثورة وتعطيلها ، وتسميم أفكار الشباب وعقولهم ، وزرع روح الميوعة والخلاعة في نفوسهم ، وذلك من خلال المسلسلة الهابطة ، والمجلة الساقطة ، والأغنية الماجنة ، والدواوين الشعرية التي قصرت نفسها على إثارة الأحاسيس الجنسية ، والقصص والروايات الغرامية . حتى أصبحنا نرى أنواعا من الشباب على طرق كثيرة من الأهواء والفساد والضلال ، اهتموا بالتزين والتعطر حتى أفرطوا في ذلك ، بل تدنى بهم الحال حتى لبسوا الملابس الرقيقة ، التي هي أقرب للأنوثة من الرجولة ، وتبع ذلك تسريحات الشعر، التي يشمئز من أسمائها فضلاً عن رسمها ، فانعدمت في هؤلاء معالم الذكورة ، وصفات الرجولة

ولا عجب أن النساء ترجلت ولكن تأنيث الرجال عجاب

أو ما علمتم أن الحال قد وصل في بعض البلدان ، إلى ظهور ما يسمى بالجنس الثالث ، أتدرون من هم ؟ هم الذين رضوا بأن تفعل بهم الفواحش ، حتى أعلنوها ، وأقاموا لها المناسبات . ولا حول ولا قوة إلا بالله . قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - والرجل المتشبه بالنساء ، يكتسب من أخلاقهن بحسب تشبهه ، حتى يفضي الأمر به إلى التخنث المحض ، والتمكين من نفسه كأنه امرأة .

أيها الشباب : يا أس المجد والشرف ، ويا خير خلف لخير سلف ، لا يجرفنكم سيل المدنية فيمن جرف ، ولا تشتغلوا عن الواجبات بأسباب الراحة والترف ، ولا يصرفنكم الشيطان عن صفات الرجولة فيمن صرف ، فيذهب حينئذ عزكم ويحل بكم الدمار والتلف . ويا معشر الآباء والمربين ، المسؤولية عظيمة ، والأمانة ثقيلة ، تنبهوا لتصرفات أبنائكم ، من يرافقون ؟ ومع من يجلسون ؟ وأي شيء يقرؤون ؟ وماذا يشاهدون ؟ ومع هذا وذاك ، ارفع يديك لمولاك وقل : اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا ، واستر عوراتنا ، وآمن روعاتنا .