بحث متقدم   
 
الصفحة الرئيسة / المكتبة الإلكترونية / الخطب / عشر ذي الحجة
عشر ذي الحجة

بسم الله الرحمن الرحيم

عشر ذي الحجة

الجمعة: 3/12/1422ه

الحمد لله الذي جعل الأوقات مواسم للطاعات ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له في ربوبيته والهيته ، وماله من الأسماء والصفات ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، حث على اغتنام مواسم الخير قبل الفوات ، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً … أما بعد :

أيها الناس : اتقوا الله تعالى ، واحفظوا أوقاتكم بفعل ما شرع فيها من الطاعات ، لتجدوا ثوابها مدخراً ، وأجرها موفراً ، ولا تكونوا ممن ضيعوا أوقاتهم ، فيتحسرون عند الممات .

عباد الله : لا يزال فضل الله عليكم يتوالى ، فما إن انقضى شهر الصيام حتى أعقبه الله بأشهر الحج إلى بيته الحرام . فكما أن من صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً ، غفر له ما تقدم من ذنبه ، فمن حج البيت ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه . فما يمضي من عمر المؤمن ساعة من الساعات إلا وفيها وظيفة من وظائف الطاعات ، وكل وقت يمضيه العبد في غير طاعة الله فقد خسره ، وكل ساعة يغفل فيها عن ذكر الله تكون عليه يوم القيامة حسرة و ترة ، ومن عمل طاعة من الطاعات ، فعلامة قبولها أن يصلها بطاعة أخرى ، وعلامة ردها أن يتبعها بمعصية تكون عاقبتها خسراً . ما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحوها ، وما أحسن الحسنة بعد الحسنة تتلوها .

أيها الناس : اتقوا الله تعالى واعلموا أنكم في هذه الدنيا في دار ممر ، وما زلتم في سفر وأن إلى ربكم المستقر ، وأنها تمر بكم مواسم عشر ذي الحجة التي جمع الله فيها من الفضائل ونوع فيها من الطاعات . نوه الله بها في كتابه الكريم حيث قال سبحانه ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ ﴾.

ففيها يوم عرفة الذي ورود أن صومه يكفر الله به السنة الماضية والباقية والمراد بذلك تكفير صغائر الذنوب فقد روى أبو قتادة رضي الله عنه ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال : « يكفر السنة الماضية والباقية » رواه مسلم . وفي لفظ قال صلى الله عليه وسلم « صيام يوم عرفة إني احتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله » فيستحب صيامه لغير الحاج . أما الحاج فلا ينبغي أن يصومه لأجل التقوي على الوقوف وذكر الله تعالى ، وهو يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار ، و المباهاة بأهل الموقف ، كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة » . وفي هذه العشر يوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر وهو أفضل الأيام ، وفيه معظم أعمال النسك من رمي الجمرة وحلق الرأس وذبح الهدي والطواف والسعي وصلاة العيد وذبح الأضاحي واجتماع المسلمين في صلاة العيد وتهنئة بعضهم بعضاً يكمل المسلمون فيه حجهم بعد ما وقفوا بعرفة ، وأدوا الركن الأعظم من أركان الحج ، فصار اليوم الذي يلي يوم عرفة عيداً لأهل الإسلام جميعا

ومن فضائلها : أن الله تعالى أكمل فيها الدين ، و أتم فيها النعمة ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴾.

ومن فضائلها : أن العبادات تجتمع فيها ولا تجتمع في غيرها ، ففيها الصلوات كما في غيرها ، وفيها الزكاة لمن حال عليه الحول فيها ، وفيها الصوم لمن أراد التطوع ، أو لم يجد الهدي ، وفيها الحج إلى بيت الله الحرام ، وفيها الذكر والتلبية والدعاء واجتماع العبادات فيها شرف لها لا يضاهيها فيه غيرها ولا يساويها سواها .

بارك الله 0000000

الخطبة الثانية:

فيا عباد الله قد أظلتكم أيام عظيمة ، الأعمال الصالحة فيها لها شأن عظيم صح عنه صلى الله عليه وسلم « ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر»؟ قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال «ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء ».

ومن الأعمال التي ينبغي للمسلم الاهتمام بها : أداء الحج والعمرة وهو أفضل ما يعمل قال صلى الله عليه وسلم « العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ».

ومنها :صيام هذه الأيام أو ما تيسر منها . وبالأخص يوم عرفة ولا شك أن جنس الصيام من أفضل الأعمال ، فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال صلى الله عليه وسلم « مامن عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا با عد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً » متفق عليه .

ومنها : التكبير والذكر في هذه الأيام لقوله تعالى ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ ﴾ وقد فسرت بأنها أيام العشر ، واستحب العلماء لذلك كثرة الذكر فيها لفعل ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم أنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر فيكبرون ويكبر الناس بتكبيرهما وروى إسحاق عن فقهاء التابعين أنهم كانوا يقولون في أيام العشر ( الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ) ويستحب رفع الصوت بالتكبير في الأسواق والدور والطرق والمساجد وغيرها

ومنها : كثرة الأعمال الصالحة من نوافل العبادات كالصلاة والصدقة والجهاد وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك .

ومنها : الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق وهي سنة أبينا إبراهيم - عليه السلام - حين فدى الله ولده بذبح عظيم « وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر».

وينبغي لمن أراد أن يضحي أن يمسك عن شعره وأظفاره كما روى مسلم عن أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره » وهذا النهي يختص بصاحب الأضحية ولا يعم الزوجة ولا الأولاد ، ولا بأس بغسل الرأس ودلكه ولو سقط منه شيء من الشعر . وإن عزم على الأضحية بعد دخول العشر ، فليمسك عن شعره وأظفاره من حين نيته ولا يضره ما مضى .

ومنها : الحرص على أداء صلاة العيد ، وأنه يوم شكر وعمل بر ، فلا يجعله يوم أشر وبطر ومعصية وممارسة للمحرمات ، مما قد يكون سبباً لحبوط الأعمال الصالحة التي عملها في أيام العشر .

فياله من موسم يفتح للمتنافسين ، وياله من غبن يحيق بالقاعدين والمعرضين فاستبقوا الخيرات يا عباد الله وسارعوا إلى مغفرة من الله وجنة عرضها السماوات والأرض وإياكم والتواني وحذار من الدعة والكسل .