بحث متقدم   
 
الصفحة الرئيسة / المكتبة الإلكترونية / الخطب / عيد الفطر 1422
عيد الفطر 1422

بسم الله الرحمن الرحيم

عيد الفطر

الحمد لله الله أكبر

لقد كان شهر رمضان ميدانا للتنافس ، اجتهد فيه أقوام ، جعلوا رضا الله فوق أهوائهم ، وطاعته فوق رغباتهم ، أذعنوا لربهم في كل صغير وكبير ، لقد صاموا شهرهم ، وقاموا ليله ، فعظم في ربهم رجاؤهم . وقصر آخرون فأضاعوا أوقاتهم ، وخسروا أعمالهم ، ما حجبهم إلا الإهمال والكسل ، والتسويف وطول الأمل .

والأدهى من ذلك والأمر أن يوفق أناس لعمل الطاعات ، والتزود من الخيرات ، حتى إذا ما انتهى الموسم ، نقضوا ما أبرموا ، وعلى أعقابهم نكصوا ، استبدلوا الطاعات بالمعاصي ، استبدلوا المساجد بالملاعب ، استبدلوا القرآن بالغناء ، استبدلوا السواك بالسيجارة .

أين أثر التقوى التي ألفها في هذا الشهر الكريم ؟ الله أكبر

في الناس - أيها الإخوة - من تطغى عليه فرحة العيد ، فتستبد بمشاعره ، حتى تنسيه واجب الشكر ، والاعتراف بالنعم ، وتدفعه إلى الزهو بالجديد ، والإعجاب بالنفس ، حتى يبلغ درجة المخيلة والتباهي . العيد عندهم : اختلاط و معاكسات ، ألعاب نارية وشاشات ، عيدهم فوضى ومنكرات ، وإتلاف للممتلكات ، عيدهم قنوات ومقابلات ، إسراف و تبذير ، واستخفاف بأعراض المسلمين ، وما علم هذا المتباهي بأن العيد يأتي على أناس قد ذلوا بعد عز ، فتهيج في نفوسهم الأشجان ، وتتحرك في صدورهم كثير من الأحزان ، ذاقوا من البؤس ألوانا ، وتجرعوا من العلقم كيزانا ، فاعتاضوا عن الفرحة بالبكاء ، وحل محل البهجة الأنين والعناء . أما نظر هؤلاء إلى الأطفال والثكالى . كم من يتيم ينشد عطف الأبوة الحانية ، ويتلمس حنان الأم الرؤوم . يرنو إلى من يمسح رأسه ، ويخفف بؤسه . كم من أرملة توالت عليها المحن ، وكم من شيخ كبير قد أقعدته السنون ، و تحته أطفال يتضاغون ، فحق على كل ذي نعمة ، ممن صام وقام أن يتذكر هؤلاء . فاتقوا الله أيها المؤمنون ، وودعوا شهركم ، وابتهجوا بعيدكم بالبقاء على العهد ، وإتباع الحسنة الحسنة ، فذلك من علامات قبول الطاعة ، وقد ندبكم نبيكم صلى الله عليه وسلم بأن تتبعوا رمضان بصيام ست من شوال ، فمن فعل ذلك فكأنما صام الدهر كله .

الله أكبر : أيها المسلمون : نظرة عابرة لأحداث عصفت بالأمة ، ليست نظرة صحفية ، ولا تحليلات سياسية ، لكنها نظرة متأمل مستفيد ، تمر به الأحداث فيستخلص منها العبر ، ويأخذ منها الدروس ، فمن ذلك :

أن الله إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون ( لا إله إلا الله ) لا راد لقضائه ، ولا معقب لحكمه ، يقضي ويمضي ، يعطي ويمنع ، يقبض ويبسط ، يرفع ويخفض ، يعز من يشاء ويذل من يشاء . ومنها : أن الأمة لا يمكن أن تنهض ، إلا إذا تمسكت بكتاب ربها ، وبسنة نبيها ، على فهم سلفها الصالح ، العناية بالعقيدة رأس مال المسلمين ، فإن تمسكوا بها وطبقوها دانت لهم الدنيا « تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً ، كتاب الله وسنتي » وإن تمسكوا بشعارات قومية ، أو دعوات عرقية ، أو صيحات حماسية ، فالتجارب أمامهم مكشوفة ، والتاريخ خير شاهد . ومنها : أن المعاصي ومخالفة شرع الله ، سبب لكل بلاء ، وجالبة لكل عقوبة ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾ ومنها : ظهور حاجة الأمة الملحة إلى العلم الشرعي ، وأنه المخرج من الفتن ، والدليل في المتاهات ، والحارس في الظلمات ، والمعين في المدلهمات . ومنها ضعف مكانة العلماء في نفوس بعض الناس ، وسرعة إطلاق الحكم عليهم ، وقذفهم في المجالس ، و الجرأة في تنقصهم وثلبهم . فإن قال بخلاف مرادهم ، فهو العميل والمنافق ، الباحث عن المناصب . وإن توقف في المسألة لعدم وضوحها في ذهنه أو لمصلحة شرعية راجحة يراها ، فهو الشيطان الأخرس ، وهو المداهن والجبان . وإن قال بقولهم ، ونصر رأيهم ، فهو الإمام العلامة ، والجهبذ الفهامة ، الصادع بكلمة الحق ، ولو كان منحرفاً في المعتقد أو معوجاً في السلوك ، فلم يعد مقياسهم شرع الله ، وميزانهم حدود الله ، لكنه الهوى والتعصب . وكان الواجب أن تحفظ للعالم الرباني مكانته ، وأن يبقى في النفوس قدره ، وأن ينشر في الناس فضله . ومن الدروس : أن الكفر ملة واحدة ، وإن تعددت طرائقه ، يختلفون فيما بينهم ، ويتحدون إذا كان الخصم هو الإسلام . ومنها : زيف الشعارات العالمية : الحرية ، الديمقراطية ، حقوق الإنسان ، فالحرية لكل كافر ولو في رقاب المسلمين وأموالهم وأعراضهم ، والديمقراطية هي حرية التعبير عن تنقص المسلمين ، والطعن في الإسلام ، أما حقوق الإنسان ، فهي حقوق اليهود المزعومة ، و حقوق النصارى المكذوبة ، أما الإسلام فهو الإرهاب و الهمجية ، والتخلف والرجعية . فأينكم يا معاشر المخدوعين ، يا من بحضارة الغرب تدندنون ، وإلى سلوكهم تدعون ، وببهرجهم منبهرون ، أما بان لكم العداء ؟ أما آن وقت البراء ؟ ومنها : أهمية الإعلام ، وما يغيره من مفاهيم الناس ، فالمظلوم أصبح ظالماٌ ، والمتدين إرهابياً ، وصاحب الأرض مغتصباً ، الاختلاط ضرورة اجتماعية ، والتمسك بالدين تخلف ورجعية ، وقيادة المرأة للسيارة ضرورة حضارية ، ومسألة اقتصادية ، وتغطية المرأة وجهها عادة وراثية ، وكشف الوجه تقدم ومدنية ، وإذا أعيتهم الحيل ، قالوا : حرية شخصية ، المنكر عندهم معروفاً ، والمعروف عندهم منكراً ، استحسنوا القبيح ، وقبحوا الحسن ، الثوابت أضحت متغيرات ، وأجازوا النقاش في المسلمات . فاتقوا الله - عباد الله - وراقبوه في السر والعلن ، وتمسكوا بدينكم ، وتأملوا فيما حولكم .

الخطبة الثانية:

الحمد لله الله أكبر

من الأمور العظام التي أخذ يتكلم فيها بعض المثقفين ، وتلوكها السنة بعض الإعلاميين ، ويثيرها بعض الحاقدين ﴿ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا ﴾ إنه أمر المرأة وحقوقها . كأن الإسلام ظلمها ، ما أعطاها حقها بل هضمها ، أولعل القرآن نسيها ، أو أن السنة تجاهلتها ، تنوعت غاراتهم ، وتعددت هجماتهم ، وكثرت اتهاماتهم ،فمرة هجوم على الحجاب ، وأخرى يدعون للاختلاط ، وثالثه بالطعن في مناهج التعليم ، يزعمون أنهم يسعون لحريتها ، وإعطائها حقها ، وهم يكيدون لتقييدها ،يريدونها صورة مبتذلة على أغلفة المجلات ، يريدونها دمية تتقلب في الدعايات ، يريدونها ألعوبة في السهرات ، يريدونها بضاعة مزجاة في المراقص والبارات ، يريدونها غانية لقضاء الشهوات ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ يريدونها خارجة على القيم ، نابذة لتعاليم الإسلام ، راكضة خلف الأعداء ، وملاحقة للسفهاء ، نازعة للحياء ، خالعة للحجاب ، متهاونة بالتصوير ، مزاحمة للرجال في الأسواق ، رافعة صوتها في الطرقات ،لابسة للعباءة على الأكتاف . مرتدية للضيق والشفاف ،مخالفة لجميل العادات ، لاهثة خلف رديء المحدثات ، تردد عبارات الحاقدين ، وتتبنى أفكار العلمانيين ، وتستحسن مقالات الحداثيين ، وتنشر أفكار العقلانيين .

ولكن وبفضل الله ، يبقى السواد الأعظم من نساء هذا البلد . صالحات مصلحات ، قانتات تائبات ، صامدات في وجه الزوابع ، فيا جوهرة مصونة ، يا درة مكنونة ، يا مسلمة تمسكت بدينها واعتزت به ، و رفعت رأسها بحجابها وسمت به ، يا حرة ما غرها كيد الكائدين ، وما خدعها مكر الماكرين ، قرت في بيتها ، وأطاعت في طاعة الله بعلها ، وحفظت فرجها ، وصلت خمسها . وأرضت ربها ،يا شريفة ما انخدعت بالدعايات ، يا شهمة ما عكفت على الشاشات ، ولا زلت قدمها في المعاكسات ،علمت أن الله كرمها ، وبالإسلام شرفها ، وبالحجاب صانها ، وبالبيت حماها ، وبالتربية خصها ،ألا ترين أن هذا هو العز والفخار ، وهو الشرف والكرامة . الله أكبر