بحث متقدم   
 
الصفحة الرئيسة / المكتبة الإلكترونية / الدروس / أحكام الصيام
أحكام الصيام

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ، وَأَيُّهَا الشَّبَابُ نُوْصِيكُمْ. أَوَّلًا: بِإِخْلَاصِ العَمَلِ للهِ تَعَالَى، وَنُوصِيكُمْ بِالتَّواضُعِ لَهُ، وَعَدَمُ الافْتِخَارِ، وَعَدَمُ الاعْتِزَازِ بِالنَّفْسِ، وَعَدَمُ الإِعْجَاب بِالعَمَل حَتَّى يَكُونَ العَمَلُ مَقْبُولًا، وَمُثَابًا عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللهُ.

نَتَكَلَّمُ عَنِ الصِّيَامِ، وَعَنِ القِيَامِ، وَلَا نَتَكَلَّمُ عَنِ الأَحْكَامِ فَإِنَّهَا مُتَشَعِّبَةٌ، وَكَثِيرةٌ، ومُتَكَرَّرَةٌ، وَمَعْرُوفَةٌ، وَالحَمْدُ للهِ.

الصِّيَامُ:

فَنَقُولُ: الصِّيَامُ شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ، وَشَرَعَهُ لِمَنْ قَبْلَهَا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(1) هَكَذَا أَخْبَرَ بِأَنَّهُ شَرْعَهُ لِمَنْ قَبْلَنَا، وَأَنَّ الحِكْمَةَ فِيهِ حُصُولُ التَّقْوَى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَقُونَ﴾، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصِّيَامَ سَبَبٌ رَئِيسِيٌّ لِحُصُولِ التَّقْوَى، وَأَنَّ مَنْ صَامَ، وَحَقَّقَ الصِّيَامَ حَصَلَتْ لَهُ التَّقْوَى، أَوْ جُعِلَ مِنَ المُتَّقِينَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا المُتَّقُونَ، قَدْ وَصَفَهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي آيَاتٍ، فَمِنْهَا فِي أَوَّلِ القُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الم (1) ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ(2)، مَنْ هُمُ المُتَّقُونَ؟ ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ(3)؛ هَذِهِ صَفَات المُتَّقِينَ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ أَنَّهُ أَعَدَّ لَهُمُ الجَنَّةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ(4) مَنْ هُمُ المُتَّقُونَ؟ ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ(5)؛ هَذِهِ صَفَاتُ المُتَّقِينَ، جَعَلَنَا اللهُ جَمِيْعًا مِنَ المُتَّقِينَ، الَّذِينَ يَتَّقُونَ اللهَ تَعَالَى حَقَّ تُقَاتِهِ، فَالصِّيَامُ سَبَبٌ لِحُصُولِ التَّقْوَى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(6)، أَيْ: لِتَحْصُلَ التَّقْوَى مِنْ آثَارٍ، وَبِسبِبِ هَذَا الصَّوْمِ، فَلْيَجْتَهِدِ المُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ مِنَ المُتَّقِينَ، أَنْ يَحْمِلَهُ صَوْمُهُ عَلَى تَقْوَى اللهِ تَعَالَى الَّتِي أَمَرَ بِهَا، وَكَلَّفَ العِبَادَ بِهَا يَأْمُرُ اللهُ دَائِمًا بِتَقْوَاهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ(7)، وَفِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(8)، وَفِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ(9)، وَفِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ(10)، وَغَيْرِهَا مِنَ الآيَاتِ الَّتِي يَأْمُرُ اللهُ بِهَا عِبَادَهُ بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَالصِّيَامُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ حُصُولِ التَّقْوَى، فَإِذَا اتَّقَى اللهَ العَبْدُ بِسَبَبِ الصِّيَامِ قُبِلَ صِيَامَهُ، وَضُعِّفَ أَجْرَهُ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ تَحْصُلْ لَهُ صِفَةَ المُتَّقِينِ، فَإِنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ صَوْمُهُ مَرْدُودًا عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ يَرِدُّ عَمَلَ غَيْرَ المُتَّقِينَ، وَلَا يَقْبَلُ إِلَّا مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى، رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ قَبِلَ مِنِّي حَسَنَةً وَاحِدَةً، لَتَمَنَّيْتُ المَوْتَ؛ لِأَنَّ اللهُ يَقُولُ: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ(11)، فَأَخْبَرَ بِأَنَّ أَهْلَ التَّقْوَى تُقْبَلُ مِنْهُمْ حَسَنَاتُهُمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَهْلَ التَّقْوَى هُمْ أَهْلُ الجَنَّةِ؛ الَّتِي عَرْضُهَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كَمَا سَمِعْنَا .

الصِّيَامُ سَبَبٌ لِلْتَقْوَى وَحُكْمُ الصِّيَامِ الَّذِي لَا يُسَبِبُ حُصُولُ التَّقْوَى:

وَإِذَا قِيْلَ: كَيْفَ يَكُونُ الصِّيَامُ سَبَبًا لِلْتَقْوَى؟ وَمَا حُكْمُ الصِّيَامِ الَّذِي لَا يُسَبِبُ حُصُولُ التَّقْوَى؟ فَنَقُولَ: لَمَّا كَانَ الصَّائِمُ يَتَوقَّعُ فِعْلَ أَوْ تَعَاطِي شَيْئًا مِنَ المُبَاحَاتِ طَاعَةً للهِ تَعَالَى، وَامْتِثَالًا لِأَمْرِهِ أَثَابَهُ اللهُ تَعَالَى، وَقَبِلَ عَمَلَهُ وَوَفَّقَهُ؛ لِأَنْ يَتْرُكَ مَا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى.

يَقُولُ بَعْضُ العُلَمَاءِ: إِنَّ حَقِيقَةَ التَّقْوَى؛ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ التَّوقُّعِ الَّذِي هُوَ تَوَقِّي المُحَرَّمَاتِ، تَوَقِّي المَعَاصِي، وَالخَطَايَا كُلُّهَا، أَوْ أَنَّ التَّقْوَى أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَضَبِ اللهِ تَعَالَى وِقَايَةً وَحَاجِزًا، حَتَّى لَا يَقَعَ فِيمَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ، وَذَلكَ؛ لِأَنَّ المُتَّقِي هُوَ الَّذِي يَتَوقَّعُ مَا يَحْذَرَهُ، يَتَوَقَّى الأَشْيَاءَ الَّتِي يَحْذَرُهَا، يَجْعَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وِقَايَةً وَحَاجِزًا، قَدْ يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى بِاتِّقَاءِ عَذَابِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ(12) كَيْفَ تَتَّقُونَ النَّارَ؟ تَجْعَلُونَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا وِقَايَةً، مَا هَذِهِ الوِقَايَةُ؟ فِعْلُ العِبَادَاتِ، وَالَّتِي مِنْهَا الصِّيَامُ، أَي: اجْعَلُوهُ حَاجِزًا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ هَذِهِ المُحَرَمَاتِ، وَيَكُونُ تَرْكُكُمْ لَهَا حَاجِزًا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ النَّارِ، وَبَيْنَ غَضَبِ اللهِ إِذَا رَأَيْتَ مَثَلًا مِنْ يَتَعَاطَى مَعْصِيَةً، قُلْتَ لَهُ: اتَّقِ المَعَاصِي، اتَّقِ مَعْصِيَةَ اللهِ، اتَّقِ المَحَارِمَ تَكُنْ أَعَبْدَ النَّاسِ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَإِنَّ الصِّيَامَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّقْوَى، وَهَذَا إِنَّمَا يَحْصَلُ إِذَا أَثَّرَ فِي أَصْحَابِهِ، إِذَا أَثَّرَ فِي الصَّائِمِينَ، فَإِنَّهُ يَكُونَ سَبَبًا ظَاهِرًا جَليًّا فِي تَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَنَقُولَ: مَنْ لَمْ يَتَوقَّ عَذَابَ اللهِ مَنْ لَمْ يَتَوَقَّ المَعَاصِي، مَنْ لَمْ يَتَوَقَّ الذَّنُوبَ وَالخَطَايَا، مَنْ لَمْ يَتَوَقَّ أَسْبَابَ سَخَطِ اللهِ تَعَالَى، فَلَيْسَ مِنَ المُتَّقِينَ، المُتَقِي حَقًّا هُوَ الَّذِي يَتْرُكُ جَمِيعَ المُحَرْمَاتِ خَوْفًا مِنْ عِقَابِ اللهِ تَعَالَى، المُتَّقِي حَقًّا هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ الوَاجِبَاتِ خَوْفًا مِنْ غَضَبِ اللهِ، وَخَوْفًا مِنْ عَذَابِهِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَنِيئًا لَهُ أَنَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ .

نَقُولُ: إِنَّ الصِّيَامَ كَمَا وُصِفَ بِأَنَّهُ جُنَّةٌ, وَرَدَ فِي الحَدِيثِ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمَا، فَلَا يَرْفُثْ، وَلَا يَفْسُقْ، وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ شَتَمَهُ؛ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ»(13) .

مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ»؟

الجُنَّةُ هِيَ: التُّرْسُ الَّتِي يَلْبَسُهُ المُقَاتِلُ فِي الحَرْبِ، إِذَا دَخَلَ فِي القِتَالِ، فَإِنَّهُ يَلْبَسُ دِرْعًا عَلَى جَسَدِهِ، يُحَصِّنَهُ مِنْ ضَرْبِ السِّلَاحِ؛ يُسَمَّى جُنَّةٌ، وَيَلْبِسُ تُرْسًا عَلَى رَأْسِهِ يَقِيْهِ أَيْضًا مِنْ وَقْعِ السِّلَاحِ، يُسَمَّى جُنَّةٌ، أَيْ: أَنَّ الإِنْسَانَ يَلْبَسُ جُنَّةً فِي القِتَالِ، وَيَلْبَسُ جُنَّةً عَنِ المَعَاصِي، «فَالصِّيَامُ جُنَّةٌ»، أَيْ: حَاجِزٌ عَنِ المَعَاصِي والمُحَرْمَاتِ، فَهَذَا مَعْنَى كَوْنِهِ سَبَبًا فِي تَرْكِ المُحَرْمَاتِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَتْرُكْهَا، فَإِنَّ صِيَامَهُ لَا يَثِيبَهُ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ وَرَدَ فِي الحَدِيثِ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالعَمَلَ بِهِ، وَالجَهْلَ؛ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»(14)، قَوْلُ الزُّورِ، يَعْنِي: الكَذِبَ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ وَالآثَامِ وَمَا أَشْبَهُهَا، وَالعَمَلُ بِذَلِكَ، وَالجَهْلُ يَعْني: المَعَاصِي الَّتِي يَفْعَلُهَا عَنْ جَهْلٍ، أَوْ يَتَمَادَى عَلَى الجَهْلِ، أَوْ يَقُولُ بِجَهْلِ المَعْنَى، أَنَّ الصَّائِمَ يَحْفَظُ صِيَامَهُ فَلَا يَخَلُّ بِهِ، وَلَا يَفْعَلُ مَا يَأْثَمُ بِهِ؛ وَبِذَلِكَ يَكُونُ صَحِيحَ الصِّيَامِ، فَإِذَا لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنْهُ صِيَامَهُ، وَلَوْ جَاعَ، وَلَوْ ظَمَأَ، وَلَوْ تَرَكَ مَا هُوَ مَمْنُوعًا مِنْهُ، يَعْنِي: أَنَّ أَجْرَهُ يُعْتَبَرُ قَلِيلًا، يُعْتَبَرُ نَاقِصًا، كَذَلِكَ نَقُولُ: وَرَدَ فِي الحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفَثِ»(15)، اللَّغْو: هُوَ الكَلَامُ السَّيِّئُ، وَالرَّفَثُ: هُوَ الفُسُوقُ، الرَّفَثُ: هُوَ المَعَاصِي.

صَلَاةُ القِيَامِ:

يُصَّلُونَ القِيامَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مَحَبَّةً مِنْهُمْ لأَدَاءِ هَذِهِ العِبَادَةِ، يُحِبُّونَ أَنْ تَسْتَمِرَّ العِبَادَةُ وَلَا تَنْقَطِعُ؛ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَحَبَّتِهِمْ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ، وَخُشُوعِهِمْ فِيهَا، وَاطْمِئْنَانِهِمْ فِيهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ أَخَصَّ فِي رَمَضَانَ، ذُكِرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ: أَنَّهُ صَلَّى الفَجْرَ بِوَضُوءِ العِشَاءِ، عِشْرِينَ سَنَةً، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ: كَبتُ قِيَامُ اللَّيْلِ عِشْرِينَ سَنَةً، وَتَلَذَّذْتُ بِهِ عِشْرِينَ سَنَةً، أَيْ فِي العِشْرِينَ الأُولَى لِمَا كَانَ فِي غَايَةِ الشَّبَابِ صَارَ شَابًّا صَعْبًا عَلَيْهِ،ِ إِذَا كَانَ يُكْرَهُ نَفْسَهُ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ، ثُمَّ لَمَّا تَعَوَّدَ عَلَى القِيَامِ وَأَحَبَّهُ، صَارَ يَتَلَذَّذُ بِالقِيَامِ كَمَا يَتَلَذَّذُ أَهْلُ النَّوْمِ بِنَوْمِهِمْ، وَكَمَا يَتَلَذَّذُ أَهْلُ السَّهْوِ بِسَهْوِهِمْ؛ وَلِذَلِكَ وَرَدَ عَنْ أَبِي سَلَيْمَانَ الدَّارَانِي أَنَّهُ قَالَ: أَهْلُ اللَّيْلِ فِي لَيْلِهِمِ أَلَذُّ مِنْ أَهْلِ اللَّهْوِ فِي لَهْوِهِمْ؛ أَيْ: أَهْلُ اللَّيْلِ الَّذِينَ يَكَابِدُونَ القِيَامَ وَالَّذِينَ يُصَلُّونَ، وَيَتَهَجَّدُونَ طَوَالَ لَيْلِهِمْ، يَتَلَذَّذُونَ بِهَذِهِ العِبَادَةِ أَتَمَّ تَلَذُّذٍ، هَكَذَا كَانَتْ صَلَاتُهُمْ، وَعِبَادَتُهُمْ، كَانُوا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ يُصَلُّونَ أَوْزَاعًا، يُصَلِّي فِي جَانِبِ المَسْجِدِ ثَلَاثَةُ بِإِمَامٍ، وَيُصَلِّي فِي خَلْفِ المَسْجِدِ مَثَلًا جَمَاعَةٌ بِإِمَامٍ، وَيُصَلِّي فِي جَانِبِهِ الثَّانِي جَمَاعَةٌ بِإِمَامٍ، وَلَمَّا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَرَآهُمْ مُتَفَرِّقِينَ جَمْعَهُمْ عَلَى إِمَامٍ، وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يُصَلِّي ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ رَكْعَةً، تَمَامُهَا الوِتْرُ، فَكَانُوا يُصَلُّونَهَا إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، أَوْ ثُلْثَي اللَّيْلِ لَا يَنْصَرِفُونَ إِلَّا قُرْبَ الصَّبَاحِ، حَتَّى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِخُدَّمِهِمِ: السَّحُورُ السَّحُورُ اسْرعُوا اسْرَعُوا بِهِ كُلُّ ذَلِكَ سَهَرٌ فِي هَذِهِ العِبَادَةِ، وَاسْتَمَرُّوا عَلَى ذَلِكَ، وَلَمَّا كَانَ فِي آخَرِ القَرْنِ الأَوَّلِ وَأَوَّلُ القَرْنِ الثَّانِي كَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يُصَلُّونَ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ، وَلَكِنْ كُلَّمَا صَلَّوا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، قَامُوا وَطَافُوا بِالبَيْتِ أُسْبُوعًا، ثُمَّ عَادُوا وَصَلَّوا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِسَلَامَيْنِ، ثُمَّ طَافُوا مَرَّةً ثَانِيَةً أُسْبُوعًا، وَهَكَذَا حَتَّى يَطُوفَ أَرْبَعَةُ أَسَابِيعَ، بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعَةِ رَكَعَاتٍ، طَوَافُ سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ، سَمِعَ بِهِمْ أَهْلُ المَدِينَةِ، فَقَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا بَيْتٌ نَطُوفُ بِهِ، إذًا مَا لَنَا إِلَّا أَنْ نُزِيدَ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ مُقَابِلُ تِلْكَ الأَشْوَاطِ الَّتِي يَطُوفُهَا أَهْلُ مَكَّةَ، فَزَادُوا فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، فَصَارُوا يَجْعَلُونَ بَدَلَ كُلّ سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ أَرْبَعَ رَكْعَاتٍ، فَصَارَتْ صَلَاتُهُمْ إِلَى تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً، أَيْ بَدَلَ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ زَادُوهَا بِسِتَّ عَشَرَةَ، فَصَارَتْ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً، وَأَدْرَكَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الإِمَامُ مَالِكٍ، وَأَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعَيُّ. لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ هَذِهِ العِبَادَةَ، وَأَنَّهُمْ يَرْغَبُونَ فِيهَا، وَيَتَلَذَّذُونَ بِهَا، وَلَا يَمِلَّونَ، وَأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَذِيذَةٌ عِنْدَهُمْ يَتَنَعْمُونَ فِيهَا.

نَحْنُ فِي هَذِهِ الأَزْمِنَةِ صَلَاتُنَا لَا تُكَمِّلُ سَاعَةً كَمَا شَاهِدْنَا أَقَلُّ مِنْ سَاعَةٍ -يَعْنِي: صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ- وَمَعَ ذَلِكَ يَسْتَثْقِلَهَا الكَثِيرُونَ إِذَا دَخَلْتَ المَسَاجِدَ مَا وَجَدَتَ فِيهَا إِلَّا قِلَّةً وَتَجِدُ الأَسْوَاقَ عَامِرَةً، وَتَجِدُ الدَّكَاكِينَ مُفَتَّحَةً، وَتَجِدُ الشَّوَارِعَ مَلِيئَةً بِالسَّيَّارَاتِ ذِهَابًا وَإِيَابًا ثَقَلَتْ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي لَا تَشْغَلُ إِلَّا سَاعَةً مِنْ لَيلِهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ بَقِيَّةُ لَيْلِهِمْ أَوْ أَكْثَرُ لَيْلِهِمْ يَتَسَكَّعُونَ، وَيَتَرَدَّدُونَ فِي الطُّرُقِ، أَوْ يَتَقَلَّبُونَ فِي أَمَاكِنِهِمْ، وَلَا يَنَامُونَ إِلَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، أَوْ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ مَعَ طَوْلِ اللَّيْلِ، لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مِنَ الحِرْمَانِ، إِذًا فَتَوَاصُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ، انْصَحُوا إِخْوَتَكُمْ، وَأَوْلَادَكُمْ، وَجِيرَانَكُمْ، وَأَصْحَابَكُمْ أَلَا يَفُوتَهُمْ هَذَا الخَيْرُ، فَإِنَّمَا هِيَ مُدَّةٌ قَلِيلَةٌ، إِنَّمَا هُوَ شَهْرٌ وَاحِدٌ مِنَ اثْنَي عَشَرَ شَهْرًا، وَإِنَّمَا هُوَ سَاعَةٌ وَاحِدَةٌ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، سَاعَةٌ مِنْ أَرْبَعِ وَعِشْرِينَ سَاعَةً بَقِيَّةُ الزَّمَانِ تَتَقَلَّبُونَ فِيهِ مَا عَدَا أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَنَحْوهَا فَيَجْتَهِدُ المُسْلِمُ فِي أَلَّا يَفُوتَهُ مَا رَتَّبَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ المَغْفِرَةَ لِلذُّنُوبِ، والقُبُولِ لِلأَعْمَالِ، هَذِهِ وَصِيَّةٌ نَتَواصَى بِهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ وَالقِيَامِ .

وَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ المُسْلِمُونَ مُتَأَثْرِينَ بِهَذِهِ العَبَادَاتِ بِنَوَافِلِهَا وَبِفَرَائِضِهَا حَتَّى يَتَقَبَّلَ اللهَ تَعَالَى مِنْهُمْ، وَحَتَّى يَغْفِرَ لَهُمْ سَيِّئَاتَهُمْ، وَأَنْ يُحَافِظُوا عَلَى هَذِهِ الصَّلَوَاتِ، وَأَلَّا يُفَرِّطُوا فِي شَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى يَقْبَلَهَا اللهُ تَعَالَى كَامِلَةً.

نَسْأَلُ اللهُ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا صَالِحَ أَعْمَالِنَا، وَأَنْ يُوفِّقَنَا لِلْعَمِلِ الَّذِي يُحِبَّهُ وَيَرْضَاهُ، وَأَنْ يَجْعَلَ عَمَلِنَا خَالِصًا لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ، وَأَلَّا يَجْعَلَ فِيهِ لِأَحَدٍ شَيْئًا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الإِنَابَةَ إِلَيْهِ، والرَّغْبَةَ فِيمَا لَدَيْهِ، كَمَا نَسْأَلَهُ أَنْ يَنْصُرَ الإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ، وَأَنْ يُدَمِّرَ أَعْدَاءَ الدِّينِ، وَأَنْ يَصْلحَ أَئِمَّةَ المُسْلِمِيْنَ وَوُلَاةَ أُمُورِهِمْ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

الأَسْئِلَةُ

السُّؤَالُ: هَلِ العَوْدَةُ إِلَى المَعَاصِي بَعْدَ رَمَضَانَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ قُبُولِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ؟

الجَوَابُ: نَعَمْ، لَا شَكَّ أَنَّهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّائِمَ لَمْ يَتَأَثَّرْ بِصِيَامِهِ، وَهَذَا وَللْأَسْفِ وَاقِعٌ كَثِيْرٌ، قَدْ حَدَّثَنِي بَعْضَهُمْ أَنَّهُ يَشْرَبُ الدُّخَّانَ، فَإِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ تَرَكَهُ طَوَالَ رَمَضَانَ لَيلًا وَنَهَارًا، فَإِذَا انْتَهَى رَمَضَانُ اسْتَبْطَأَ أَنْ يَرَى الهِلَالَ، أَوْ يُذْكَرُ لَهُ أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ انْتَهَى، فَيُبَادِرُ وَيَتَعَاطَاهُ، مَعَ أَنَّ هَذَا الذَّنْبَ تَقْشَعِرُ مِنْهُ النُّفُوسُ، وَتَشْمَئِزُّ مِنْهُ القُلُوبُ، وَيَنْفِرُ مِنْهُ كُلُّ ذِي عَقْلٍ وَلَكِنْ: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا(16)، فَنَقُولَ: إِذَا تَرَكْتَ المَعَاصِي فِي رَمَضَانَ، فَعَلَيْكَ أَنْ تَسْتَمِرَّ فِي تَرْكِهَا بَقِيَّةَ الحَيَاةِ، فَإِذَا تَرَكْتَ سَمَاعَ الغِنَاءِ، أَوِ النَّظَرَ فِي الصُّورِ الآثِمَةِ وَنَحْوِهَا، أَوْ تَرَكْتَ مَثَلًا شُرْبَ الخَمْرِ أَوْ تَعَاطِي المُسْكِرَاتِ وَالمُخَدَّرَاتِ وَالدُّخَّان وَنَحْوهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ، فَاسْتَمِرَّ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إِذَا حَافَظْتَ عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي هَذَا الشَّهْرِ، فَنَنْصِحُكَ بِأَنْ تَبْقَى عَلَى مُحَافَظَتِكَ بَقِيَّة حَيَاتِكَ حَتَّى يَقْبَلَ اللهُ تَعَالَى صِيَامَكَ وقَيَامَكَ.

السُّؤَالُ: يُوجَدُ فِي نِظَامِ العَمَلِ الحُكُومِيِّ إِجَازَةٌ اضْطِرَارَيَّةٌ لِلْمُوظَّفِ لِلضَّرُورَةِ، وَالحَالَاتِ الطَّارَئةِ، فَهَلْ يَجُوزُ أَخْذُهَا لِغَرَضِ أَدَاءِ العُمْرَةِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الفَضِيلِ؟

الجَوَابُ: يَبْحَثُ فِي الأَسْبَابِ إِذَا وَجَدُوا أَنَّهَا حَقٌّ لِلْعَامِلِ، وَلِلْمُوظَّفِ جَاءَنَا بَعْضُ الإِخْوَةِ بِالنِّظَامِ، وَإِذَا أَنَّهَا رُخِّصَت لِلْمُوظَّفِ يَسْتَحِقُّهَا، وَأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا، وَجَلَسَ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي بَلَدِهِ لَمَا كَانَ عَلَيْهِ عِتَّابٌ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ عُذْرًا، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَخَذَهَا لِأَدَاءِ نُسُكِ العُمْرَةِ؛ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللهُ وَلَا حَرَجَ .

السُّؤَالُ: مَا حُكْمَ القَطْرَةِ الَّتِي تُوضَعُ فِي العَيْنِ أَوِ الأَنِفِ فِي وَقْتِ الصِّيَامِ؟ وَهَلْ هِيَ تُفْطِرُ أَمْ لَا إِذَا دَخَلَتْ فِي الجَوْفِ؟

الجَوَابُ: رَخَّصَ فِي عِلَاجِ العَيْنِ وَالأُذُنِ الكَثِيرُ مِنَ العُلَمَاءِ لِلْحَاجَةِ مَعَ أَنَّ فِي العَيْنِ عُرُوقًا تَتَّصِلُ بِالمَنْخَرَيْنِ، وَأَنَّهُ إِذَا وَضَعَ القَطْرَةَ مَثَلًا، أَوِ الدَّوَاءَ فِي العَيْنِ أَحَسَّ بِطَعْمِهِ فِي حَلْقِهِ، وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ قَالُوا: لَيْسَتِ العَيْنُ مَنْفَذًا لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ؛ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ إِذَا احْتَاجَ إِلَى عِلَاجِ العَيْنِ أَوِ الأُذُنِ فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُهَا، وَأَمَّا الأَنْفُ فَمَعْلُومُ أَنَّهُ مَنْفَذًا إِلَى الجَوْفِ، وَلِذَلِكَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ المُبَادَرَةِ فِي الاسْتِنْشَاقِ عَنِ المُبَالَغَةِ؛ لِقَوْلِهِ: «وَبَالِغُوا فِي الاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا»(17)، عُرِفَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا بَالَغَ وَاسْتَنْشَقَ إِلَى حَلْقِهِ أَفْطَرَ إِذَا كَانَ مُتَسَاهِلًا، وَأَمَّا إِذَا كَانَ مَغْلُوبًا عَلَى أَمْرِهِ، فَإِنَّهُ مَعْذُورًا. هَذِهِ القَطْرَةُ إِنْ كَانَتْ لَا تَتَعَدَّى الخَيَاشِيمَ فَلَا بَأْسَ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ تَدْخُلُ فِي المَنْخَرِ حَتَّى تَصِلَ إِلَى الحَلْقِ، فَإِنَّهَا تُفْطِرُ، يَعْنِي: بَعْضُ النَّاسِ يَكُونُ مَعَهُ فِي خَيَاشِيمِهِ مِثْلَ السُّدَّةِ الَّتِي تَمَنَّهُ النَّفْسُ، فَيَحْتَاجَ إِلَى بُخَارٍ، أَوْ إِلَى قَطْرَةٍ تَفْتَحُ تِلْكَ الأَبْخِرَةَ، فَلَا بَأْسَ إِذَا لَمْ تَتَجَاوَزِ الخَيَاشِيمَ.

السُّؤَالُ: نُقِيمُ فِي كُلِّ عَامٍ فِي مَسْجِدِنَا تَفْطِيرَ صَائِم، وَيَفِيضُ مَبْلَغٌ بَعْدَ انْتِهَاءِ الشَّهْرِ الكَرِيمِ، فَهَلْ يَجُوزُ لَنَا اسْتَخْدَامَهُ فِي الصَّرْفِ عَلَى حَلَقَاتِ تَحْفِيظِ القُرْآنِ الكَرِيمِ بِالمَسْجِدِ مِنْ رَوَاتِبِ المُدَرِّسِينَ وَغَيْرِهَا، أَمْ نَحْتَفِظُ بِهَا إِلَى العَامِ القَادِمِ؟

الجَوَابُ: نَعْتَقِدُ أَنَّ الَّذِينَ بَذَلُوهَا، بَذَلُوهَا للهِ تَعَالَى، وَلَا يُعِيدُونَ فِيهَا، وَلَا يُعِيدُونَ فِي صَدَقَتِهِمْ، وَلَا فِي هِبَتِهِمْ، فَحَيْثُ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوهَا للهِ تَعَالَى، فَقَدْ بَلَغَتْ مَحَلَّهَا، فَلَا مَانِعُ مِنْ أَنْ تُصْرَفَ فِي حَلَقَاتِ التَّحْفِيظِ، أَوْ فِي أَعْمَالِ الخَيْرِ وَمَا أَشْبَهُهَا، وَفِي إِمْسَاكِهَا إِلَى العَامِ القَادِمِ تَعْطِيلُ لِمَنْفَعَتِهَا مَعَ وجُودِ الحَاجَةِ إِلَيْهَا .

السُّؤَالُ: امْرَأَةٌ مُصَابَةٌ بِالفَشَلِ الكَلَوِي، وَتَقُومُ بِعَمَلِيَّةِ غَسِيلِ الدَّمِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، هَلْ هَذَا العَمَلُ يُفْسِدُ الصَّوْمَ؟

الجَوَابُ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُفَطَّرُ؛ ذَلِكَ لِأَنَّهُ شَيْءٌ يَدْخُلُ فِي الجَوْفِ، الغَسِيلُ يَصِلُ إِلَى الكِلْيَةِ، وَيَصِلُ إِلَى الجَوْفِ، ثُمَّ يَخْرُجُ، وَيُكْسِبُ البَدَنُ نُعُومَةً، أَوْ قُوةً، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَهِيَ مَعْذُورَةٌ تَقْضِي تِلْكَ الأَيَّامَ الَّتِي تَغْسِلُ فِيهَا إِذَا كَانَتْ تَغْسِلُ كُلَّ أُسْبُوعٍ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً تَحْسِبُهَا، وَتَقْضِيهَا، وَتُفْطِرُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ؛ لِأَنَّهَا شِبَهُ المَرِيضِ .

السُّؤَالُ: هَلْ يَجُوزُ لِلْمَرْضَعِ أَنْ تُفْطِرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانِ؟ وَمَاذَا عَلَيْهَا بَعْدُ ذَلِكَ؟

الجَوَابُ: فِي هَذِهِ الأَزْمَنَةِ العَادَةُ أَنَّ الأَطْفَالَ يَتَغَذُّونَ بِاللَّبَنِ الصِّنَاعِيِّ، وَأَنَّهَا تَسْتَغْنِي بِهِ، أَوْ تُعْطِيهِ أَوْلَادَهَا، وَلَا حَاجَةً بِهَا إِلَى إِرْضَاعِهِمْ، وَلَكِنْ إِذَا وُجِدَ رَضِيعٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا ثَدْي وَالِدَتِهِ، وَأَنَّ وَالِدَتَهُ لَا يَدِرُ لَهَا لَبَنًا إِلَّا إِذَا أَفْطَرَتْ، وَتَخْشَى عَلَيْهِ جُوعًا، وَجُهْدًا؛ جَازَ لَهَا أَنْ تُفْطِرَ، وَلَكِنْ تَقْضِي وَتُطْعِمُ، لَا يَكْفِيهَا القَضَاءَ بَلْ عَلَيْهَا مَعَ الكَفَّارَةِ إِطْعَامُ مِسْكِينٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ؛ هَكَذَا رَوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ. وَحَمَلُوا عَلَى ذَلِكَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ(18)، فَقَالُوا: إِنَّهُ بِحَقِّ الحَامِلِ وَالمُرْضِعِ، فَإِذَا أَفْطَرَتْ وَهِي تُطِيقُ الصِّيَامَ لِأَجَلِ غَيْرِهَا .

السُّؤَالُ: رَجُلٌ مَرِيضٌ بالسُّكَرِ، وَلَا يَنْصَحُهُ الأَطِبَّاءُ بِالصِّيَامِ، وَمَعَ ذَلِكَ طَمَعًا فِي الأَجْرِ يَصُومُ، وَلَكِنْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُكَمِّلَ الشَّهْرَ، وَقَدْ يُفْطِرُ بَعْضَ الأَيَّامِ، فَمَا حُكْمَ ذَلِكَ؟

الجَوَابُ: يُفَضَّلُ لَهُ الإِفْطَارُ، فَإِذَا كَانَ يُرْجَى بِرُؤِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ إِذَا بَرَأَ، وَإِذَا لَا يُرْجَى بِرُؤِهِ اَكْتَفَى بِالإِطْعَامِ أَنْ يَطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، فَإِذَا كَانَ الأَطِبَّاءُ مِنَ النَّاصِحِينَ، وَمِنْ أَهْلِ التَّجْرُبَةِ وَالمَعْرِفَةِ قُبِلَ قَوْلُهُمْ، فَيُفْطِرُ وَيَقْضِي، أَوْ يُفْطَرُ وَيُطْعِمُ .

السُّؤَالُ: مَا حُكْمُ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي وَقْتِ الأَذَانِ؟

الجَوَابُ: أَذَانُ المَغْرِبِ إِذَا أُذِّنَ المَغْرِبُ، فَإِنَّ النَّاسَ يُبَادِرُونَ بِالإِفْطَارِ، وَأَمَّا أَذَانُ الصُّبْحِ فَالأَصْلُ أَنَّهُ لِلْإِمْسَاكِ، فَحَيْثُ أَنَّ بَعْضَ المُؤَذِّنِينَ قَدْ يَتَسَرَّعُ، يَعْنِي: يُوجَدُ بَيْنَهُمْ تَفَاوَتْ، بَعْضُهُمْ يُؤَذّنُ قَبْلَ البَعْضِ مَثَلًا بِأَرْبَع أَوْ ثَلَاثِ دَقَائِقَ، فَالعِبْرَةُ بِمَنْ يَكُونُ مُتَثَبِّتًا فِي أَذَانِهِ، وَمَعْرِفَتِهِ لِلزَّمَانِ، فَإِذَا ابْتَدَأَ بِالأَذَانِ، فَإِنَّكَ تُمْسِكَ إِلَّا أَنَّهُ أُبِيحَ لَكَ أَنْ تُكَمِّلَ شُرْبَتَكَ، أَوْ أَكْلَتَكَ الَّتِي فِي يَدِكَ أَوْ فِي فَمِكَ .

السُّؤَالُ: اسْتَهَانَ كَثِيرٌ مِنَ النِّسَاءِ فِي وَقْتِنَا الحَاضِرِ بِمَا يُسَمَّى بِالنِّقَابِ حَتَّى أَصَبْحَ هَذَا الأَمْرُ لَدَى بَعْضِ النِّسَاءِ أَمْرًًا عَادِيًا، وَعِنْدَ الإِنْكَارِ عَلَيْهِنَّ تَكُونُ حُجَّةُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّهُ يَجُوزُ، وَالبَعْضُ مِنْهُنَّ يَعْمَلْنَ ذَلِكَ بِحُجَّةِ أَنَّهُنَّ لَا يُرَيْنَ الطَّرِيقُ، أَرْجُو إِيْضَاحَ حُكْم النِّقَابِ الَّذِي تَلْبَسَهُ النِّسَاءُ فِي الوَقْتِ الحَالِي؟

الجَوَابُ: النِّقَابُ الحَالِي شَبِيهٌ بالتَّكَشُفِ أَوْ بِالتَّبَرُّجِ، النِّقَابُ المَعْرُوفُ قَدِيمًا كَانَ لِبَاسًا يُفَصَّلُ عَلَى الوَجْهِ مِنْ أَعَلَى الوَجْهِ إِلَى أَسْفَلِ الوَجْهِ إِلَّا أَنَّهُ يَجْعَلُ فِيهِ نِقَبًا صَغِيرًا بِقَدْرِ الحَدَقَةِ، بِقَدْرِ العَيْنَيْنِ، بِقَدْرِ سَوَادِ العَيْنِ، بقَدْرِ رَأْسِ الإِصْبَعِ، تَبْصِرُ مِنْهُ المَرْأَةُ، تَبْصِرُ مَعَهُ طَرِيقَهَا مَعَ أَنَّهُ قَوِي سَاتِرٌ لِبَشْرَةِ الوَجْهِ، لَا يَخْرِقُهُ البَصَرَ؛ هَذَا هُوَ النِّقَابُ الَّذِي كَانَ مُبَاحًا، فَأَمَّا هَذَا النِّقَابُ الَّذِي تَخْرُجُ مِنْهُ نِصْفُ الجَبْهَةِ، وَتَخْرُجُ الحَاجِبَيْنِ، وَتَخْرُجُ الوَجْنَةُ، وَتَخْرُجُ بَعْضُ الخَدَّيْنِ، وَيَخْرُجُ الأَنِفُ، أَوْ أَكْثَرُ الأَنِفِ؛ فَهَذَا يُعْتَبَرُ فِتْنَةٌ، فَنَنْصَحُ بِعَدَمِ تَمْكِينِهَا مِنْ عَمَلِهِ أَوْ مِنْ تَعَاطِيهِ.

وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.


(1) سورة البقرة: 183.

(2) سورة البقرة: 1، 2.

(3) سورة البقرة: 3، 4.

(4) سورة آل عمران: 133.

(5) سورة آل عمران: 134، 135.

(6) سورة البقرة: 183.

(7) سورة آل عمران: 102.

(8) سورة التوبة: 119.

(9) سورة الحديد: 28.

(10) سورة الحشر: 18.

(11) سورة المائدة: 27.

(12) سورة البقرة: 24.

(13) أخرجه البخاري في كتاب الصوم- باب هل يقول إني صائم إذا شتم (1904)، ومسلم في كتاب الصيام- باب فضل الصيام (1151)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(14) أخرجه البخاري في كتاب الصوم- باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم (1903)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(15) أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (1996)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (4/270)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (1082).

(16) سورة فاطر: 8.

(17) أخرجه أحمد في «مسنده» (4/33)، وأبو داود في كتاب الطهارة- باب في الاستنثار (142)، والترمذي في كتاب الصوم- باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم (788)، والنسائي في كتاب الطهارة- باب المبالغة في الاستنشاق (87)، وابن ماجه في كتاب الطهارة- باب المبالغة في الاستنشاق والاستنثار (407)، من حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (927).

(18) سورة البقرة: 184.